خبير عسكري: الغرب يعيد ترتيب أوراقه العسكرية لهذه الأسباب
تاريخ النشر: 27th, June 2025 GMT
قال اللواء عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا، إن التصريحات الأخيرة بشأن زيادة ميزانية حلف الناتو، والتزام الدول الأعضاء بإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بدلًا من نسبة 3.5% السابقة – تعكس توجهًا استراتيجيًا لمواجهة التحديات الجيوسياسية المتصاعدة.
. تفاصيل
وأوضح العمدة في مداخلة هاتفية على قناة الحدث اليوم، أن موافقة 32 دولة بالحلف على هذا القرار المستهدف تطبيقه بحلول عام 2035، تؤكد على استعداد الناتو لمواجهة ما يعتبره الخطر الروسي المتصاعد، في ظل الدعم الذي تتلقاه أوكرانيا وعودة الروح لمبدأ "الدفاع الجماعي".
وأكد أن هذه الخطوة لا يمكن فصلها عن إعادة تشكيل النظام العالمي، حيث تعود بوضوح ملامح "الكتلة الغربية" بقيادة الناتو والاتحاد الأوروبي، في مواجهة "الكتلة الشرقية" التي بدأت تتبلور منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتشمل روسيا والصين وتحالف "البريكس" كقوة اقتصادية، بالإضافة إلى منظمة شنغهاي كذراع أمني.
وأشار إلى أن هذه الكتلة الشرقية تتكون من دول مثل روسيا، الصين، إيران، والهند، وغيرها، والتي تحاول بناء توازن استراتيجي في مواجهة التفرد الأمريكي بالقرار الدولي، مؤكدًا أن هذا التشكيل الموازي يُمثل محاولة واضحة لكسر هيمنة القطب الواحد. وأضاف اللواء العمدة أن تصاعد التوترات منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، يعكس رغبة الولايات المتحدة في توجيه رسائل مباشرة لكل من روسيا والصين، مفادها أن واشنطن ما زالت "اللاعب الدولي الأول"، وصاحبة القرار، والشرطي الوحيد القادر على فرض نظام عالمي أحادي القطب.
واعتبر أن الضربة الأمريكية الأخيرة لإيران، لا تعكس فقط بعدًا عسكريًا مباشرًا، بل تحمل رسائل استراتيجية مزدوجة لروسيا والصين حول استمرار النفوذ الأمريكي، وتأكيد أن التوازن الدولي ما زال خاضعًا لمنطق القطب الأوحد.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الناتو حلف الناتو الانفاق الانفاق الدفاعي اخبار التوك شو
إقرأ أيضاً:
من حكاية العمدة إلى دكتور الفول: أزمة القيادة في زمن الألقاب المزيفة.. !
في قرانا القديمة، لم يكن لقب "العمدة" مجرد كلمة تُقال أو صفة تُمنح عبثًا، بل كان ثمرة صراع طويل، وحكاية تحمل بين طياتها مآسي الانتصار ومرارة الخسارة. كان العمدة زعيمًا، حاكمًا، وحكيمًا، يختبره الزمان وينتخبه الناس ليقودهم في أحلك الظروف. لم يكن منصبًا يُشترى أو يُورّث، بل حصيلة مواقف وشجاعة وتضحيات حقيقية.كان صراع العمدية في الماضي أشبه بمعارك الأباطرة، فليس كرسيًا فارغًا، بل قوة تُمارس بحنكة وحكمة. من استطاع أن يوازن بين قوى القرية، ويحافظ على النظام والعدالة، وينقل صوت الجماعة بثقة، كان قائدًا حقيقيًا يستحق الاحترام، بل ويُعتبر روح القرية نفسها.وللحديث عن المهن، كان لكل مهنة احترافها الخاص، من مهندس الري الذي جسد شخصيته الأديب الكبير طه حسين في رواية "دعاء الكروان"، رجل يحمل بين يديه حياة القرية ومصيرها، يشق القنوات ويعيد للماء مساره كأنه يكتب قصيدة لا تُقرأ إلا بأعين الأرض.وكان مهندس الزراعة، والمعلم، من الوظائف الحيوية التي تتطلب صبرًا وجهدًا ووفاءً. فالمعلم لا يزرع في الأرض فقط، بل في نفوس الأجيال، وبذرة الحكمة تنمو في صمت، بعكس الألقاب التي تُوزع على عجل.لكن مع تقدم الزمن، وامتداد موجة الألقاب الفارغة، تحولت هذه المهن التي كانت رمزًا للتميز إلى مجرد أسماء تُنسب بلا محتوى، وفصول تُحذف فيها الروح لصالح البهرجة.في عصر مقاهي شبكات التواصل الاجتماعي، تفشت الألقاب كالنار في الهشيم، خاصة في الإعلام والسياسة. صرت ترى "خبيرًا استراتيجيًا" لا يملك أدنى تجربة مهنية أو خلفية أكاديمية في تخصصه، يطل من خلف شاشة ليمنح آراءً بلا عمق وتحليلات بلا أساس، وكأنه يمارس لعبة الألقاب بدلًا من خدمة المعرفة.ولا ننسى انتشار "حاملي الكرنيهات" في مجالات شتى، و"حاملي الدكتوراه الفخرية" في أكثر المواضع غرابة، من بائع الفول إلى عامل الطعمية الذي صار "دكتورًا في فنون القلي والتتبيل".في هذه البيئة، لم تعد الألقاب تعبر عن جوهر، بل أصبحت أدوات تسويق وديكورًا زائفًا لصناعة المشاهير. صار "الدكتور" و"الخبير" مجرد لافتات تُعلق على جدران الصالات الافتراضية، تُستخدم لجذب المتابعين لا لتنوير العقول أو توجيه الجماهير.كما قال سقراط:"العقل مثل المظلة، لا يعمل إلا إذا كان مفتوحًا." وهي معاناة من يعانق الألقاب من دون أن يفتح مظلة الفهم.القيادة الحقيقية، كما في عهد العمدة، ليست بطاقة تُحمل، ولا منصبًا يُشغل، بل موقف يُختبر في لحظة الانكسار، تضحية تُقاس في لحظات القمع، ومعرفة تُنير الطريق وسط ظلام الفوضى.حتى في القرى التي ظنناها ملاذًا للحكمة والبساطة، بدأ وباء الألقاب الزائفة ينتشر، من "خبير زراعي" لا يعرف رائحة الأرض، إلى "ناشط مجتمعي" لا يعرف أسمى معاني القرب من الناس.كما قال نيتشه:"من لا يملك سببًا للعيش، يستطيع أن يتحمل أي كيفية." فهل من يقبل بهذه الألقاب الوهمية سببًا حقيقيًا للقيادة؟ أم أنهم يختبئون خلفها كي يتحملوا فراغهم؟علينا أن نتذكر، وسط هذه الزحام من الألقاب الورقية، أن القيادة شرف لا يُمنح إلا لمن يثبت نفسه بأفعاله، لا بمنصب فارغ أو لقب مبهر.فلتكن أفعالنا هي التي تُكتب في التاريخ، وقلوبنا هي التي تختار القادة، لا الألقاب التي تُلصق وتُباع في مقاهي الوهم.. .!!
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية