صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

الحكم والأمثال إرث معرفي ونتاج خبرة الأولين وخلاصة تجاربهم الحياتية الإنسانية، سطروها لنا على صفحاتهم الخالدة ثم غادروا راحلين.. فآمنّا بكلماتهم وفرشنا لها السجاد الفاخر لتعبر إلى عقولنا وتتربع على فكرنا وتوجناها نبراسًا يضيء طريقنا.

صمدت هذه الحكم والأمثال آلاف السنين، مقاومة الاندثار والزوال، متحدية مسافات الزمن، وأتت إلينا لتستوطن عقولنا وأفئدتنا لنقتات منها عوناً في مسيرة حياتنا .

ولأنها حكم وأمثال مأثورة وكنز من التراث المعرفي، نعتنقها ونستشهد بها، توجهنا ونتبعها سائرين على نهجها وهداها، فهذه الحكم والأمثال منحة مرسلة من الحكماء والقادة والزعماء والفلاسفة والمفكرين من الكتاب والشعراء والصفوة من الناس الذين مروا عبر الزمان وأعطونا تجاربهم وخبراتهم في متناولنا، ثم طواهم الزمن غائبين .

وللجميع حكمهم وأمثلتهم التي تسكن فكرهم ويسيرون خلفها ويتصرفون وفقها لا يتجاوزونها، إلا أنه ليست كل الحكم حكيمة وليست كل الأمثال مثالية، فهناك حكم وأمثال تنجي وهناك حكم وأمثال تهلك وهناك حكم وأمثال تبني وهناك حكم وأمثال تُدمر، وهناك حكم وأمثال تصنع الفرص وهناك حكم وأمثال تضيع الفرص، وقد تلتبس على النَّاس بعضها أحيانا حيث يظنونها العسل المصفى وتكون السم الزعاف، وحيث يظنونها مآل سعادتهم فيجدونها العذاب.

وقد ضيع البعض حياتهم تقيدا بمبادئ وأصول بعض الحكم والأمثال يأتمرون بأمرها، وقد أصابتهم الغواية منها، ثم أدركوا أنَّ هذه الحكم والأمثال التي اتبعوها لا تنفعهم بل تضرهم، ولا ترفعهم بل تنزلهم، ولا تبنيهم بل تهدمهم، وهي الوهم بعينه الذي يعمى العيون وهم يعتقدونها الحقيقة، وهم عنها غافلون فيطلبون الإرشاد منها فتضلهم في ضلالها، يسعون للراحة بها فتشقيهم وينشدون السلام فتشن عليهم العدوان جراء تمسكهم بمبادئها، تسيرهم في طريق غير طريقهم وحياة غير حياتهم، وقد يضيع الطريق ويتوه المسار في دوامة لا تنتهي، ولا يتم إدراك ذلك إلا بعد فوات الأوان حين لا ينفع الندم .

لذلك، علينا أن نكون نحن الحكماء ونتفكر في بعض الحكم والأمثال قبل أن نتخذها مرشدا ومعينا ووليا ونصيرا. فبعض الحكم والأمثال مرفوضة لا يجب القبول بها ومنها التي تحض بالإقبال على اللذات الدنيوية دون حدود وممارستها دون ضوابط الوازع الديني والأخلاقي، بحجة أن الله غفور رحيم والعمر قصير لا يحتمل القيود .

وهناك الحكم والأمثال التي تشجع على الكذب والخديعة والنصب والاحتيال والخبث والخيانة من أجل مآرب شتى، ويغلفونها بمسميات براقة جذابة معتبرين ذلك ذكاء وفطنة وقدرات عالية من التصرف الاجتماعي .

وأيضًا تجد الحكم والأمثال التي تدعو ضمنيا إلى التطرف وإجازة قتل الأبرياء أو إيذائهم من أجل نصرة قضية مُعينة أو هدف محدد، وغيرها من الحكم والأمثال غير المناسبة التي لا يجب أن ننساق وراءها أو نميل إليها أو نتبع هواها مهما منحتنا من إغراءات.

وعلينا أن نتزود بالحكم والأمثال التي تناسبنا في مسار حياتنا المفيدة لنا التي تخدم حياتنا، فالتوازن والاستقامة هما المنهج الصحيح في المعادلة .

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

النهايات والبدايات

ها نحن على مشارف رحيل سنة جديدة نتأمل اقترابها من الذهاب والانقضاء بعين المحاسبة والمكاشفة والتقييم، فهي سنة لأناس، وعام لآخرين. فبناء على الفرق اللغوي عند علماء اللغة الذين يرون بأن كليهما يُطلق على المدة الزمنية المعروفة المكونة من اثني عشر شهرا في الاصطلاح، لكن المعنى البلاغي لكليهما مختلف ومتضاد تماما؛ حيث إن السنة تُطلق على المدة الزمنية التي تكون صعبة شديدة قاسية على المرء والناس، فكما يورد ابن منظور في قاموسه اللغوي الكبير؛ لسان العرب -بتصرف- «والسنة مطلقة: السنة المجدبة، أوقعوا ذلك عليها إكبارا لها وتشنيعا واستطالة.. وقوله عز وجل: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين، أي بالقحوط.. وفي الحديث اللهم أعني على مضر بالسنة.

ويقال: هذه بلاد سنين أي جدبة؛ قال الطرماح:

بمنخرق تحن الريح فيه حنين الجلب في البلد السنين»

أما المعنى البلاغي للعام، فكما في الآيات الكريمة من سورة يوسف « قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ لنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ». فالعام كناية عن الفرج بعد الشدة، والسَّعة بعد الضيق، والغَوث بعد الإجداب والقحط. وفي العموم، فإن المسألة النفسية لكل امرئ منا أوضح وأبلغ من اللغة المجردة. فالمرء بمنظوره للحياة والجهة التي يرى الحياة منها، يحكم عليها بالفساد أو الصلاح، بالشدة أو الفرج؛ لكن متى يكون حكمه حقيقيا سليما؟ ومتى يكون وهما أو خيالا؟

أليست حياتنا بضع ساعات مكوّمة؟ فإن المرء نتاج مباشر لما يفعله في تلك الساعات، وما يجنيه ويحصده منها. فالحكم السليم الصحيح، لا يكون كذلك إلا بالتجرد المطلق من الخوف النابع من رهبة محاسبة النفس والإقرار بخطئها فيما مضى -إن وجد- لأن الخطأ يستوجب الإصلاح والعمل، وهو شيء لا تحبه النفس البشرية إلا بعد لأي وتعب. أما الوهم والخيال، فهما نتاجان كذلك لما نواجه به الحياة من إقبال أو إحجام.

فكما يقول جيمس كلير في أحد كتبه «إن وقتنا محدود على هذا الكوكب، والعظماء من بيننا هم أولئك الذين لا يعملون بجد فقط، وإنما يمتلكون حظا سعيدا يتيح لهم التعرض إلى الفرص المواتية لهم». لكنه يتحدث عن أمر بالغ الأهمية في السياق ذاته، وهي الحدود التي نضعها لأنفسنا، ويتبين من خلالها إن كان ما نضعه وهما أم حقيقة. «إن حقيقة وجود حد طبيعي لأي قدرة معينة ليس لها علاقة بوصولك إلى سقف قدراتك أو عدمه. فالناس ينشغلون بحقيقة أن لديهم حدودا، إلى درجة أنهم نادرا ما يبذلون الجهد المطلوب للاقتراب من هذه الحدود».

إن الشجاعة التي يتطلبها المرء في مواجهة نفسه لا تتأتى لكل أحد، فالأحكام المسبقة والسهام التي تعترض المرء من الجهات المحسوبة وغير المحسوبة، والحسابات المعقدة للحالة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لأحدنا؛ كلها أسباب تكبح المرء عن التغيير. فالإنسان بطبيعته يحب الراحة والدَّعَة، ويميل إلى السكون لا الحركة، لذلك نجد الفارقين في تاريخنا الإنساني أولئك الذين أولوا وقتهم ما يجيدون ويحسنون.

وخلاصة القول إن المدة الزمنية الآيلة للانقضاء؛ تتطلب من كل واحد منا نظرة فيما مضى منها، ورؤية لما سيأتي. وفي الحقيقة فإننا ننتظر -غالبا- البدايات، بداية السنة، بداية الأسبوع، بداية العَقد الجديد في حياتنا؛ لكن هذه حيلة نفسية نوهم بها أنفسنا أن حياتنا تشبه القصة التي تتضمن فصولا عديدة، بينما هي ساعات ودقائق ونحن من بيده تحويلها إلى أن تكون سنة أو عاما، إلا في ظروف قليلة خارجة من يدنا. فهل سننتظر بداية العام الجديد؟ أم سنبدأ من اللحظة التي تتغير فيها مدركاتنا ونظرتنا للأمور؟

مقالات مشابهة

  • تعلن محكمة جنوب غرب الأمانة للمدعى عليه عبدالحكيم محمد بالحكم الصادر
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • رئيسة مجموعة الأزمات: أميركا لم تعد واثقة في النظام الذي بنته وهناك أزمة مبادئ
  • العزّوني ينتقد الحكومة: فرص تاريخية تضيع واعتراف بخطأ تشريعي
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • اليوم.. النطق بالحكم على رئيس حي شرق الإسكندرية في قضية الرشوة
  • تعلن محكمة جنوب غرب الأمانة المدعى عليه عبدالحكيم محمد بالحكم الصادر
  • اليوم.. النطق بالحكم على رئيس حي شرق الإسكندرية بقضية الرشوة
  • النهايات والبدايات
  • «صمود» ترحب بالحكم ضد «كوشيب» وتطالب الجيش السوداني بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية