ها نحن على مشارف رحيل سنة جديدة نتأمل اقترابها من الذهاب والانقضاء بعين المحاسبة والمكاشفة والتقييم، فهي سنة لأناس، وعام لآخرين. فبناء على الفرق اللغوي عند علماء اللغة الذين يرون بأن كليهما يُطلق على المدة الزمنية المعروفة المكونة من اثني عشر شهرا في الاصطلاح، لكن المعنى البلاغي لكليهما مختلف ومتضاد تماما؛ حيث إن السنة تُطلق على المدة الزمنية التي تكون صعبة شديدة قاسية على المرء والناس، فكما يورد ابن منظور في قاموسه اللغوي الكبير؛ لسان العرب -بتصرف- «والسنة مطلقة: السنة المجدبة، أوقعوا ذلك عليها إكبارا لها وتشنيعا واستطالة.
ويقال: هذه بلاد سنين أي جدبة؛ قال الطرماح:
بمنخرق تحن الريح فيه حنين الجلب في البلد السنين»
أما المعنى البلاغي للعام، فكما في الآيات الكريمة من سورة يوسف « قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ لنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ». فالعام كناية عن الفرج بعد الشدة، والسَّعة بعد الضيق، والغَوث بعد الإجداب والقحط. وفي العموم، فإن المسألة النفسية لكل امرئ منا أوضح وأبلغ من اللغة المجردة. فالمرء بمنظوره للحياة والجهة التي يرى الحياة منها، يحكم عليها بالفساد أو الصلاح، بالشدة أو الفرج؛ لكن متى يكون حكمه حقيقيا سليما؟ ومتى يكون وهما أو خيالا؟
أليست حياتنا بضع ساعات مكوّمة؟ فإن المرء نتاج مباشر لما يفعله في تلك الساعات، وما يجنيه ويحصده منها. فالحكم السليم الصحيح، لا يكون كذلك إلا بالتجرد المطلق من الخوف النابع من رهبة محاسبة النفس والإقرار بخطئها فيما مضى -إن وجد- لأن الخطأ يستوجب الإصلاح والعمل، وهو شيء لا تحبه النفس البشرية إلا بعد لأي وتعب. أما الوهم والخيال، فهما نتاجان كذلك لما نواجه به الحياة من إقبال أو إحجام.
فكما يقول جيمس كلير في أحد كتبه «إن وقتنا محدود على هذا الكوكب، والعظماء من بيننا هم أولئك الذين لا يعملون بجد فقط، وإنما يمتلكون حظا سعيدا يتيح لهم التعرض إلى الفرص المواتية لهم». لكنه يتحدث عن أمر بالغ الأهمية في السياق ذاته، وهي الحدود التي نضعها لأنفسنا، ويتبين من خلالها إن كان ما نضعه وهما أم حقيقة. «إن حقيقة وجود حد طبيعي لأي قدرة معينة ليس لها علاقة بوصولك إلى سقف قدراتك أو عدمه. فالناس ينشغلون بحقيقة أن لديهم حدودا، إلى درجة أنهم نادرا ما يبذلون الجهد المطلوب للاقتراب من هذه الحدود».
إن الشجاعة التي يتطلبها المرء في مواجهة نفسه لا تتأتى لكل أحد، فالأحكام المسبقة والسهام التي تعترض المرء من الجهات المحسوبة وغير المحسوبة، والحسابات المعقدة للحالة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لأحدنا؛ كلها أسباب تكبح المرء عن التغيير. فالإنسان بطبيعته يحب الراحة والدَّعَة، ويميل إلى السكون لا الحركة، لذلك نجد الفارقين في تاريخنا الإنساني أولئك الذين أولوا وقتهم ما يجيدون ويحسنون.
وخلاصة القول إن المدة الزمنية الآيلة للانقضاء؛ تتطلب من كل واحد منا نظرة فيما مضى منها، ورؤية لما سيأتي. وفي الحقيقة فإننا ننتظر -غالبا- البدايات، بداية السنة، بداية الأسبوع، بداية العَقد الجديد في حياتنا؛ لكن هذه حيلة نفسية نوهم بها أنفسنا أن حياتنا تشبه القصة التي تتضمن فصولا عديدة، بينما هي ساعات ودقائق ونحن من بيده تحويلها إلى أن تكون سنة أو عاما، إلا في ظروف قليلة خارجة من يدنا. فهل سننتظر بداية العام الجديد؟ أم سنبدأ من اللحظة التي تتغير فيها مدركاتنا ونظرتنا للأمور؟
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فاينانشيال تايمز: توني بلير لن يكون جزءًا من «مجلس السلام» لإدارة غزة
ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز، أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، لن يرأس «مجلس السلام» الذي سيدير قطاع غزة ضمن خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
وأكد مصدر مقرب من بلير الخبر للصحيفة، مدعيًا أن بلير سيشارك في اللجنة التنفيذية التي ستعمل تحت مظلة «مجلس السلام» ووفقًا للتقرير، الذي يستند إلى مصادر مطلعة، فإن السبب هو معارضة عدة دول إسلامية.
من جانب آخر، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الاثنين أن المرحلة الأولى من اتفاق السلام بشأن قطاع غزة، على وشك الانتهاء.
وزعم نتيناهو، في كلمة له أمام الكنيست الإسرائيلي، أن حركة حماس تنتهك وقف إطلاق النار، بحسب ما أفادت به القناة الـ 12 الإسرائيلية.
وفي سياق آخر، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية على طاولة الكنيست، وهذه بداية عملية تاريخية لدمج الجمهور الأرثوذكسي المتشدد في خدمة جيش الدفاع الإسرائيلي وأجهزة الأمن.
اقرأ أيضاًارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على غزة لـ 70356 شهيدا و171058 مصابا
الاحتلال يقتحم مقر «أونروا» في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة
الأونروا: تشخيص إصابة 508 أطفال في غزة بسوء تغذية حاد