إذا كانت كل صفحة تُقرأ هي بمنزلة طوبة تضاف إلى عقل القارئ، فإن مزيدًا من القراءة يعني مزيدًا من الطوب، ومزيدًا من البناء للعقول في زمن لا مكان فيه إلا للمتمكنين علميًّا ومعرفيًّا.
ليس القول بأن القراءة هي ما تبني عقول الأجيال أطفالًا صغارًا؛ فشبابًا فكبارًا مجرد شعار، بل هو ما تؤكده الدراسات ووقائع الأحداث ومجريات الأمور في غير مكان في العالم.
وبناء عليه؛ فإن كل كتاب يضاف إلى المكتبة العربية هو إضافة لرصيدنا المعرفي حينما يُقرأ ليشكل بناءً حقيقيًّا في الصرح المعرفي العالمي. لست من هواة جلد الذات وتكسير مجاديف الواقع العربي، لكننا بحاجة حقيقية لزيادة عمارة العقل العربي عبر زيادة منسوب القراءة اليومي والسنوي لدى شعوبنا؛ ليقترب من مناسيبه في الدول المتقدمة. بل إننا بحاجة اليوم إلى أن نتفوق عليهم في مناسيب القراءة؛ من أجل الوصول إلى درجة من التوازن معهم على المدى البعيد. فلو استمر مستوى قراءتنا بنفس المستوى الحالي، فذلك معناه أننا سنبقى عند نفس الترتيب في المقياس العالمي، إن لم يكن أقل.
إن علينا واجب أن نحشد الجهود لكي نزيد من الصفحات التي نقرأ كل يوم؛ من أجل أن نزيد من عمارة عقولنا التي تحتاج إلى بناء متواصل ووقود يومي في مختلف مسارات العلم والأدب. وهو ليس ترفًا يقوم به الناس بعد فراغهم من واجباتهم اليومية، بل المطلوب أن نفرغ أنفسنا لكي نقوم بذلك واضعين إياه على رأس أولوياتنا؛ لا لسبب إلا لأن بقية شعوب العالم تقوم بذلك بأقصى طاقتها، ما ينعكس بالضرورة على مستوياتهم في سلم التقدم.
نحن بحاجة اليوم، كما كنا بحاجة إلى ذلك على الدوام، إلى أن نقرأ ونقرأ ونقرأ، وفي مختلف فروع العلم والمعرفة. فمن كان يقرأ صفحة في اليوم فليضاعفها لكي تصبح صفحتين، ومن كان يقرأ عشراً فليقرأ عشرين، وهكذا؛ ببساطة لأن الإبقاء على الوضع الراهن يعني عدم تغير شيء في معادلة القوة المعرفية لدينا، وهو بالتأكيد ما لا نريده.
وكما تخضع المباني لأعمال ترميم دورية للتأكد من سلامتها؛ فإن القارئ يحتاج بين حين وآخر لصيانة بعض معارفه وترميمها، بإعادة قراءة بعض الكتب التي سبق أن قرأها. وكما أنه يجري توسيع بعض المباني بإضافة أدوار إليها فإن العقول بحاجة إلى أن نواصل عمارتها بقراءة المزيد من الصفحات والكتب حتى نبقي عليها في حال مستمر من النمو. فمزيد من القراءة هو مزيد من العمارة لعقولنا، التي تشيخ وتتوقف عن النمو حينما لا نقرأ.
yousefalhasan@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
خبير رياضي: مصر تمتلك مواهب.. ومنظومة الرياضة بحاجة إلى إنقاذ شامل خلال 8 سنوات
أكد الدكتور علاء حلويش خبير الأداء الرياضي والعميد الأسبق لكلية علوم الرياضة، أن الرياضة المصرية تعيش حالة من “التراجع المنهجي” نتيجة تراكم أخطاء كبيرة امتدت لسنوات طويلة، موضحًا أن الحلول الجزئية أو التدخلات العاجلة لم تعد كافية على الإطلاق، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك المواهب والقدرات، لكن غياب التخطيط والحوكمة يمثل فجوة ضخمة بين الإمكانات والنتائج.
وأوضح حلويش في تصريح خاص، أن إحدى أبرز المشكلات تتجسد في ضعف الإدارة الرياضية، حيث ما زالت العديد من الاتحادات تعتمد على قرارات فردية دون منظومة مؤسسية واضحة، وهو ما يؤدي إلى غياب تقييم الأداء وارتباك القرارات الفنية، إلى جانب تضارب المصالح داخل بعض الهياكل الإدارية، مما يضعف قدرة المنظومة على التطوير والنمو.
وأضاف حلويش، أن الطب الرياضي يمثل “ثغرة خطيرة” داخل البنية الرياضية الحالية، إذ تُجرى الفحوصات الطبية بشكل سطحي، بينما تفتقر البطولات لخُطط طوارئ معتمدة أو فرق إسعاف مجهزة، وهو ما تسبب في حوادث مؤسفة كان يمكن تفاديها تمامًا، لافتًا إلى أن أي نهضة رياضية حقيقية يجب أن تبدأ بسلامة اللاعب قبل أي شيء آخر.
وانتقل خبير الأداء الرياضي للحديث عن تأثير ثقافة الشو الإعلامي التي طغت، على حد وصفه، على العمل الفني الحقيقي، مشددًا على أن اختيار اللاعبين للمشاركات الدولية ينبغي أن يخضع لمعايير واضحة وبيانات دقيقة، وليس للأضواء أو الضغوط الإعلامية.
وأضاف أن غياب برامج صناعة البطل منذ المراحل العمرية المبكرة ساهم في فقدان مصر مكانتها في الرياضات الفردية والبطولات العالمية.
وتناول حلويش أزمة نموذج التمويل الرياضي، موضحًا أن الاعتماد الكامل على الدعم الحكومي لم يعد كافيًا؛ فالعالم الرياضي الحديث قائم على شراكات اقتصادية قوية، وصناديق استثمار، واستغلال ذكي لحقوق البث والرعاية، بينما ما زالت الاتحادات المحلية تقف بعيدًا عن هذه المنظومة الحديثة، مما يحد من قدرتها على المنافسة.
وأشار العميد الأسبق لكلية علوم الرياضة إلى أن ضعف المنافسة المحلية يعد من الأسباب الجوهرية للتراجع، إذ تفتقر البطولات المحلية للانتظام والجودة الفنية والتنظيمية، وهو ما يؤدي إلى خروج لاعبين غير قادرين على مواجهة المستوى الدولي، بينما يظل تطوير المدربين والحكام من الملفات المهملة رغم أهميته القصوى.
وفي سياق متصل، أكد حلويش أن القصور الإداري داخل المنشآت الرياضية يعرقل أي محاولات للتطوير، موضحًا أن كثيرًا من الملاعب والمنشآت لا تطبق معايير السلامة أو نظم الإدارة الحديثة، وتُدار بطرق تقليدية لا تُواكب التطورات العالمية، مؤكدًا أن هذا القصور يتزامن مع غياب شبه كامل للتحول الرقمي، حيث لا توجد قواعد بيانات موحدة للرياضيين أو سجلات إلكترونية تساعد بالفعل في التقييم والتطوير.
وانطلاقًا من هذا التشخيص، طرح الدكتور علاء حلويش خارطة طريق تمتد من 6 إلى 8 سنوات لإصلاح المنظومة الرياضية، تبدأ بإعادة هيكلة الاتحادات وتطبيق منظومة حوكمة صارمة، ثم إنشاء مركز طبي رياضي وطني، يتبعه برنامج قومي لاكتشاف المواهب “Talent ID”، مع التركيز على الألعاب الواعدة مثل رفع الأثقال، السباحة، الجمباز، المصارعة، والجودو.
وشدد على ضرورة تمكين القطاع الخاص عبر شراكات طويلة الأمد وصندوق دعم للمواهب، إضافة إلى تطوير دوريات محلية قوية، وأخيرًا تنفيذ تحول رقمي شامل يمنح الرياضة المصرية بنية معلوماتية حديثة.
وفي ختام حديثه، أكد حلويش، أن الرياضة المصرية قادرة على استعادة مكانتها، لكن ذلك لن يحدث دون “إرادة حقيقية ورؤية واضحة” تلتزم بها كل المؤسسات الرياضية. وختم بقوله: "الإنجاز ليس صدفة.. والبطولة ليست قرارًا فرديًا، ما نحتاجه هو بناء منظومة كاملة تقود الأجيال القادمة لتحقيق ما تستحقه مصر من إنجازات".