حين ننظر إلى الرياضيات بوصفها نشاطًا معرفيًا مجردًا، يسهل علينا أن نقع في فخ تصورها كعلم محايد، بعيد عن شروط الواقع وصراعاته. لكن من منظور مادي جدلي، فإن الرياضيات ليست معزولة عن البنية الاجتماعية التي أنتجتها، بل هي إحدى قوى الإنتاج المعرفي التي تتشكل وتُعاد تشكيلها ضمن علاقات مادية محددة. ولهذا، فإن دور الرياضيات في تطوير السلاح النووي لا يُفهم من خلال قدرتها التقنية وحدها، بل من خلال وظيفتها في بنية أوسع تعمل على تنظيم المعرفة وتسخيرها لأغراض بعينها.

لقد احتلت الرياضيات موقعًا مركزيًا في مشروع تطوير القنبلة الذرية. لم تكن أداة مساعدة في الهامش، بل شكلت البنية العقلية التي أُنتج من خلالها هذا السلاح. فكل مرحلة من مراحل التصميم والتنفيذ كانت تتطلب نماذج رياضية معقدة، ابتداءً من حساب الكتلة الحرجة اللازمة لبدء التفاعل النووي المتسلسل، وصولًا إلى المحاكاة الدقيقة لتوزيع موجات الضغط والطاقة داخل المادة الانشطارية.

في قلب هذا المشروع، ظهرت معادلات التفاضل، ونماذج الاحتمال، وتقنيات المحاكاة العددية، بوصفها أدوات لا غنى عنها لفهم الظواهر التي لا يمكن اختبارها مباشرة. فعلى سبيل المثال، استخدم علماء الرياضيات تقنيات مونت كارلو الاحتمالية لمحاكاة حركة النيوترونات داخل قلب القنبلة، في ظل غياب البيانات التجريبية الكافية. هذه التقنية لم تُستخدم بهدف المعرفة وحدها، بل لتحقيق القدرة على التنبؤ والسيطرة، أي القدرة على تفجير المادة في اللحظة والمكان والشكل المناسبين.

وقد أدت الرياضيات هنا دورًا مزدوجًا: أولًا، باعتبارها وسيلة لتحويل الظواهر الفيزيائية إلى معادلات قابلة للتحليل؛ وثانيًا، باعتبارها أداة للسيطرة على الزمن، إذ كان من الضروري احتساب اللحظة المثلى لتوليد الانفجار النووي، ومتى يبلغ التفاعل ذروته، ومتى يبدأ بالانحسار. هذا التحكم بالزمن والطاقة أعاد تشكيل وظيفة الرياضيات نفسها، وجعلها جزءًا من نظام السيطرة الشامل على المادة.

وحتى الشكل الهندسي للقنبلة، الذي يبدو للوهلة الأولى شأنًا هندسيًا صرفًا، كان محكومًا هو الآخر بنماذج رياضية دقيقة. فالتصميم الكروي للمواد الانشطارية، مثلًا، لم يكن عشوائيًا، بل جاء نتيجة حسابات تُظهر أن التماثل الكروي يضمن ضغطًا متساويًا في جميع الاتجاهات، مما يعزز كفاءة الانفجار. كذلك، جرى حساب المسافة المثلى بين القنبلة وسطح الأرض لحظة الانفجار، بحيث يُولّد الانفجار أقصى قدر من الضرر ضمن مساحة معينة. كل هذه القرارات، التي تبدو للعين غير المتخصصة تقنيّة، كانت محكومة بنماذج رياضية تنطلق من رغبة دقيقة في إنتاج أكبر قدر ممكن من التأثير.

لكن هذا التوظيف الكثيف للرياضيات لم يكن مجرد تطور معرفي تلقائي. بل جاء في سياق مادي محدد، حيث كان يُعاد تنظيم العلم من أجل أهداف تتجاوز الفهم النظري، لتدخل في صلب عمليات التنظيم والتحكم والتفوق. فقد تم إنشاء منظومة علمية متكاملة، تضم مختبرات ومؤسسات وتمويلًا ضخمًا، من أجل توجيه الرياضيات والفيزياء نحو هدف واضح ومحدد: خلق سلاح قادر على فرض إرادة معينة على العالم. وهنا، لم تعد الرياضيات مجالًا فرديًا للتأمل أو الاكتشاف، بل أصبحت جزءًا من جهاز أكبر ينظم المعرفة ويعيد توجيهها نحو الإنتاج.

في هذا السياق، يمكن القول: إن الرياضيات قد تحولت إلى قوة منتجة، لا بمعنى أنها تخلق أدوات فقط، بل لأنها باتت قادرة على تشكيل الواقع نفسه من خلال المعادلة والنموذج والتوقع. هذه القوة الإنتاجية لم تعد تنحصر في يد فرد أو معهد، بل أصبحت مُمأسسة، موزعة على فرق من المتخصصين يعملون بتنسيق عالٍ داخل جهاز علمي- تنظيمي واسع. وهكذا، أصبحت الرياضيات جزءًا من حركة اجتماعية- تاريخية تسعى ليس فقط لفهم العالم، بل لإعادة تشكيله.

ولا يمكن فهم هذا التحول في دور الرياضيات بدون العودة إلى جذور أعمق. فمنذ نشوء العلم الحديث في أوروبا، برزت الحاجة إلى فهم الطبيعة من أجل السيطرة عليها. وقد أدت الرياضيات دور اللغة التي تُترجم بها هذه السيطرة، عبر نمذجة قوانين الحركة والطاقة والمادة. لقد نشأ العلم الحديث في قلب مشروع يسعى إلى استخراج موارد الطبيعة وتطويعها لحساب أشكال جديدة من الإنتاج. ومن هنا، لم يكن من الغريب أن تتطور هذه اللغة لاحقًا لتخدم أغراض السيطرة لا على الطبيعة فقط، بل على المجتمعات والبشر والدول.

لكن حتى قبل لحظة القنبلة، لم تكن الرياضيات «نقية» أو «خارجة عن التاريخ». فمنذ نشوء العلم الحديث في أوروبا، ارتبطت الرياضيات عضويًا بمشروع السيطرة على الطبيعة وتنظيم الإنتاج. لقد نُظمت الرياضيات في إطار احتياجات الدولة المركزية، من الملاحة إلى الخرائط إلى المدافع إلى التمويل، وكانت تُستخدم لإعادة رسم العالم ضمن حدود ما يمكن حسابه وتحريكه وتحويله إلى قرار.

بل إن الرياضيات البحتة نفسها، التي كثيرًا ما تُقدَّم كذروة للنقاء المعرفي، لم تكن بمنأى عن هذه الديناميكية. صحيح أن كثيرًا من فروع الرياضيات البحتة -كالجبر المجرد أو الطوبولوجيا أو نظرية الفئات- لا تملك تطبيقًا مباشرًا لحظة إنتاجها، لكن هذا لا يعني أنها خارج المنظومة. بل على العكس، فقد جرى تنظيم البحث في هذه الفروع داخل مؤسسات وجامعات ومجلات تعمل وفق معايير تمويل ونشر وتصنيف تجعل من «الرياضي البحت» جزءًا من جهاز إنتاجي أوسع. حتى الأسئلة المجردة، يجري غربلتها ضمن شروط تحدد ما هو «سؤال جيد»، وما هو قابل للنشر، وما هو واعد على المدى البعيد.

وغالبًا ما يُموّل هذا النوع من الرياضيات البحتة بوصفه احتياطيًا معرفيًا مؤجلًا، قد يُستخدم لاحقًا في مشاريع تقنية أو صناعية أو عسكرية. وقد ظهرت أمثلة عديدة على ذلك، من استخدام نظرية الأعداد في التشفير، إلى تطبيقات الهندسة التفاضلية في النمذجة الفيزيائية. حتى ما يبدو أنه «بحث من أجل الجمال»، يخضع في كثير من الأحيان لمنطق «التنافس الجيوعلمي»، حيث تموّل الدول فروعًا من الرياضيات البحتة كي لا «تتخلف علميًا»، لا لأن المعرفة في ذاتها تُعتبر غاية. بهذا المعنى، لم يكن مشروع القنبلة انفصالًا عن المسار التاريخي للرياضيات، بل تكثيفًا له: لحظة تبلور فيها منطق السيطرة داخل المعادلة ذاتها، وجرى فيها دمج حتى أكثر أشكال الرياضيات تجريدًا داخل منظومة القرار التقني. بهذا المعنى، فإن دور الرياضيات في مشروع القنبلة الذرية لا يمثل استثناءً، بل هو تعبير مكثّف عن مسار طويل بدأ منذ لحظة التحول الكبرى التي شهدها العلم في سياق صعود نظم جديدة للإنتاج. ففي هذا المسار، لم يكن الهدف من الرياضيات هو الكشف عن الحقيقة بوصفها قيمة قائمة بذاتها، بل تسخير الحقيقة لتشكيل العالم وفق رؤية محددة، رؤية تتطلب أدوات دقيقة، ومعرفة قابلة للتنفيذ، ونماذج يمكن ضبطها وتكرارها وتفجيرها.

ليست الرياضيات وحدها كافية لصناعة القنبلة، بل يجب أن تُنتَج وتُنظَّم وتُوظَّف ضمن منظومة اجتماعية-مؤسسية تضع لها هدفًا وتُوفر لها الشروط المادية. وهنا تظهر حقيقة أن المعادلة لا تُولد في فراغ، بل في مختبر ممول، داخل مشروع موجّه، وتحت ضغط سياسي وزمني واقتصادي. ولهذا، فإن مشروع مانهاتن -المشروع الذي أدى إلى إنتاج أول قنبلة ذرية في التاريخ- يُمثل لحظة مفصلية في تحوّل الرياضيات من نشاط معرفي مفتوح إلى جزء من جهاز تقني منظم غايته النهائية: إنتاج سلاح تفوق نوعي.

في مختبر «لوس ألاموس» -القلب النابض لمشروع مانهاتن- لم يكن الفيزيائيون وحدهم هم من يصممون القنبلة. بل ضمّت الفرق العلمية رياضيين من الطراز الأول، مثل جون فون نيومان (John von Neumann)، الذي أدخل تقنيات رياضية جديدة للتحكم في التوقيت الدقيق للانفجار باستخدام العدسات المتفجرة، وستانيسلاف أولام (Stanislaw Ulam)، الذي ساهم في تطوير منهجية مونت كارلو الشهيرة.

تم تنظيم هؤلاء العلماء ضمن شبكات عمل دقيقة، موزعة على فرق، كل منها يركز على مهمة رياضية- تقنية معينة:

فرق النمذجة: مسؤولة عن معادلات انتشار النيوترونات والحرارة.

فرق المحاكاة: تنفّذ حسابات تفصيلية باستخدام جداول وأجهزة بدائية، ثم لاحقًا على الحواسيب.

فرق الهندسة الرياضية: تشتغل على شكل القنبلة، زاوية العدسات، توزيع المواد.

بهذا المعنى، لم يكن الرياضيون أحرارًا في طرح الأسئلة، بل كانوا يُطلب منهم حل مسائل محددة بتوقيت دقيق، داخل منظومة عمل تُعيد تشكيل وظيفة الرياضيات نفسها، بحيث تصبح أداة تنفيذ، لا أداة تساؤل.

بسبب تعقيد النماذج، ظهرت الحاجة إلى تطوير طرق حوسبة رياضية مكثفة. من هنا، جاء الاستثمار في تطوير أولى الحواسيب الرقمية، مثل ENIAC، التي استُخدمت لحل معادلات تفاضلية تصف موجات الضغط الناجمة عن الانفجار، وسلوك المادة تحت درجات حرارة وضغط خيالية. معادلات رانكين-هاغونيو (Rankine–Hugoniot equations) مثلًا، التي تصف حركة موجات الصدمة داخل المتفجرات، كانت تُحل باستخدام طرق عددية تعتمد على تفكيك المعادلات إلى خطوات زمنية قصيرة (finite difference methods). هذه الحسابات كانت ضرورية لتصميم العدسات المتفجرة حول البلوتونيوم لتوليد انفجار متماثل يُحدث التفاعل المتسلسل في وقت قياسي.

وهنا لا يمكن فصل الحوسبة عن الرياضيات: فقد أعادت الآلة تعريف طبيعة «البرهان» و«الدقة»، وجعلت من النتيجة العددية هدفًا في ذاته. ولذا، أصبح الرياضي يعمل داخل جهاز معقد من التقنيات، لا ينتج الحقيقة بل يُنتج قرارًا تقنيًا.

كان معظم علماء الرياضيات العاملين في مشروع القنبلة قد أتوا من جامعات مرموقة (برنستون، شيكاجو، كاليفورنيا). لكن انخراطهم في المشروع لم يكن فقط انتقالًا مكانيًا، بل تحوّل في طبيعة وظيفتهم المعرفية. من باحثين يشتغلون في فضاء أكاديمي مفتوح، أصبحوا يعملون داخل مختبرات مغلقة، لا يُفصح فيها عن النتائج، ولا يُسمح بالنشر، ولا يُسأل فيها عن الهدف، بل عن الدقة والسرعة. هذا التحول كشف عن نمط جديد من تنظيم المعرفة، حيث تُفكّك الرياضيات إلى مهام، وتُوزّع على فرق، وتُربط بجهاز إداري وهندسي وتمويلي. في هذا الإطار، تصبح الرياضيات جزءًا من منظومة إنتاج مغلقة، لا تنتج نظريات بل تنتج أجهزة، والأهم: تنتج قرارًا حاسمًا يتعلق بالحياة والموت.

جدول العمل، لا الفرضية: من سؤال الحقيقة إلى سؤال الوظيفة

الرياضي الذي كان سابقًا ينطلق من فرضيات ويقودها إلى استنتاجات، أصبح الآن يعمل وفق جدول عمل محدد، النموذج مطلوب، النتائج العددية مطلوبة والتفسير الفلسفي غير مرحب به. حين انفجرت القنبلة الذرية، لم يكن ذلك لحظة قطيعة في تاريخ الرياضيات، بل لحظة تكثيف قصوى لمسارٍ طويل بدأ قبلها بقرون. المسألة لم تكن في أن المعادلات «خرجت عن طوعها»، بل في أن مسار إنتاج المعرفة الرياضية، منذ بداياته الحديثة، كان يتجه تدريجيًا نحو أن تُصبح الرياضيات أداة لإعادة تنظيم العالم، لا فقط لفهمه. مشروع القنبلة لم يختلق هذه الوظيفة، بل أعطاها شكلها الأكثر صراحة، والأكثر فتكًا.

لقد تطورت الرياضيات ضمن شروط مادية كانت تدفع دومًا نحو استخدامها لتنظيم الفضاء، والزمن، والسرعة، والحركة، والطاقة. في مراحل مبكرة، ظهرت الحاجة إلى الرياضيات في سياقات الملاحة، والخرائط، والمدافع، والطرق، أي في كل ما يُترجم إلى قوة تنظيمية تفيد في الحرب، التجارة، والإدارة. ولم تكن هذه الاستخدامات عرضية أو مؤقتة، بل كانت تدخل شيئًا فشيئًا في تعريف ما هي «الرياضيات الجيدة»: ما يُمكن حسابه، والتحكم فيه، وتسريعه، وضغطه، وتكراره.

في هذا السياق، لم تعد الرياضيات نشاطًا تأمليًا ولا خطابًا معرفيًا مستقلًا، بل أصبحت قوة إنتاج، تمامًا مثل المحرّك أو الماكينة. ولهذا، حين ظهر مشروع مانهاتن، لم يكن بحاجة إلى اختراع نوع جديد من الرياضيات، بل فقط إلى تعبئة ما هو قائم، وتنظيمه داخل بنية مغلقة من العمل التقني. كان الرياضيون مستعدين من حيث: نماذجهم، وطرقهم العددية، وقدرتهم على تقطيع الزمن إلى خطوات حسابية، كلها كانت أدوات جاهزة للاندماج في آلة الدمار.

لقد كانت كل خطوة في مشروع القنبلة مشروطة بمعرفة رياضية: من حساب الكتلة الحرجة المطلوبة لبدء التفاعل المتسلسل، إلى تصميم العدسات التفجيرية الدقيقة التي توزع الضغط على قلب البلوتونيوم، إلى استخدام أساليب مونت كارلو لمحاكاة مسارات النيوترونات، إلى تطوير طرق تفكيك زمنية - مكانية لحل معادلات الحرارة والضغط. هذه ليست إضافات، بل هي البنية الداخلية للقنبلة. إنها رياضيات مكثفة، ومُدارة، ومُحوّلة إلى قرار.

لكن هذه اللحظة لم تمر بلا أثر على الرياضيات نفسها. ما بعد القنبلة لم يكن مجرد استثمار تقني للمعرفة، بل تحوّل في تعريف المعرفة نفسها. ازدهرت فروع مثل التحليل العددي، والحوسبة، والنمذجة الرياضية، على حساب فروع أخرى كانت أقل قابلية للتطبيق الفوري. تم إعادة تنظيم برامج التعليم والبحث بحيث تُخدم احتياجات «الأمن القومي»، و«الصناعة»، و«التفوق التكنولوجي». لم يعد الرياضي مجرد باحث، بل أصبح يعمل داخل بنية إنتاجية، يُطلب منه تحقيق نتائج ضمن معايير كفاءة وزمن، مثل أي عامل تقني آخر.

ما تغيّر بعد القنبلة لم يكن جوهر الرياضيات، بل موقعها داخل النظام الاجتماعي-التقني. لقد أصبحت النتائج الرياضية تُعامل مثل السلع: تُقاس بفعاليتها، وسرعتها، وقابليتها للتنفيذ. اختفى تقريبًا السؤال عن «معنى» المعادلة، وبرز مكانه سؤال «كيف تُستخدم؟» و«هل تعمل؟». وهكذا، لم تعد الرياضيات علمًا للحقائق، بل جهاز لاتخاذ القرار.

وهنا تظهر المسألة الفلسفية، لا كقضية أخلاقية حول نوايا العلماء، بل باعتباره سؤالا ماديا: ما الذي يجعل من المعادلة أداة تفجير؟ الجواب ليس في عقل الرياضي، بل في البنية التي تُنتج المعادلة، وتُحدد وظيفتها، وتُسرّع استخدامها، وتُسقط الحواجز بين ما هو قابل للتفكير وما هو قابل للتنفيذ.

لم تنفجر المعادلة في هيروشيما لأنها وُظِّفت خطأ، بل لأنها كانت – منذ البداية – تُنتج داخل جهاز لا يرى في المعرفة إلا أداة تنظيم وتحكم. كانت هناك دومًا رياضيات أخرى ممكنة، لكن الجهاز لم يكن يريدها. وهذا هو جوهر السؤال: ما المعرفة التي يُسمح لها بأن توجد؟ وما الشروط المادية التي تجعلها قابلة للحياة؟

ما فُقِد معرفيًا مع لحظة القنبلة لم يكن حرية السؤال، بل الموقع البنيوي للسؤال ذاته. فمنذ أن دخلت الرياضيات في قلب جهاز الإنتاج العسكري-الصناعي، لم تعد تُنتج داخل أفق البحث المفتوح، بل داخل منطق تنظيمٍ صارم يحكمه الوقت، الجدوى، والعدد. لم تُمنَع الأسئلة التي لا تخدم هذا الجهاز، لكنها صارت تُهمَّش، تُؤجَّل، أو تُفقد قدرتها على الاستمرار ببساطة؛ لأنها لا تصنع ورقة، أو لا تَعِد بتطبيق، أو لا تجذب تمويلًا.

بهذا المعنى، لم تكن لحظة القنبلة مجرّد استخدام تقني للمعرفة، بل نقطة تحوّل صار فيها نمط إنتاج المعرفة الرياضية نفسه خاضعًا لمعادلة الكفاءة والسرعة. أصبح على الرياضي أن يُنتج ضمن جدول، أن يراكم أوراقًا، أن يُظهر أثرًا سريعًا. وفي هذا المناخ، تراجعت إمكانيات الاشتغال على الأسئلة العميقة، غير القابلة للقياس السريع، أو التي تتطلب سنوات من الانقطاع غير المثمر ظاهريًا. الأسئلة التي لا تُختزل إلى «مشروع»، ولا تتحوّل بسهولة إلى نموذج، صارت عبئًا مؤسسيًا لا ميزة.

الخسارة، إذًا، ليست في «قمع» الأسئلة، بل في إعادة ترتيب الحقل المعرفي بطريقة تجعل ما يُفكر فيه محكومًا بما يُنتج سريعًا. هذا ما غيّر معنى «المعرفة» ذاته: لم يعد البرهان يُقدَّر بعمقه، بل بزمن إنتاجه؛ لم تعد الفرضية تُقاس بجرأتها، بل بقدرتها على جذب منحة. وهكذا، فإن المجال لم يُغلق أمام الفكر، لكنه ضاق ليصبح شبيهًا بسوق: فيه منتَج، فيه منافسة، وفيه استبعاد لما لا يصلح للبيع أو الإدراج في تصنيف.

ولذلك، فإن ما خسرناه إبستمولوجيًا لم يكن فقط بعض الفروع أو بعض الصيغ، بل الزمن الطويل للتفكير غير النافع فورًا، والفوضى الخلّاقة للأسئلة التي لا أحد يعرف ما إذا كانت ستؤدي إلى شيء. تلك الطبقات من الزمن، من الاحتمال، من العبث المُنتج، والتي كانت ذات يوم جزءًا من العملية الرياضية، صارت تُعدّ ترفًا. الخسارة الحقيقية ليست في أن الرياضي لم يعد يسأل، بل في أن السؤال الذي لا يجد موقعًا في الشبكة لن يُسمع أصلًا.

بيشوي قليني كاتب ومهندس بيانات

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الریاضیات البحتة الریاضیات فی من الریاضیات ت الریاضیات من الریاضی القنبلة لم القنبلة ا فی مشروع جزء ا من معرفی ا بل أصبح التی لا لم یکن لم تکن التی ت کانت ت لم تعد

إقرأ أيضاً:

هل تقبل صلاة من كانت رائحة فمه سجائر؟

شرب سجائر وصلى ولم يتمضمض فهل يجب عليه الإعادة؟ سؤال أجاب عنه الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال البث المباشر لصفحة الإفتاء عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

وأجاب عثمان قائلًا إن السجائر لا تبطل الوضوء ولكنها محرمة، فالتحريم شيء والبطلان شيء آخر.

 وأضاف: “السجائر محرمة لأنها تهلك العافية والمال وكلاهما يكفي فى التحريم، ولكن عندما تذهب للصلاة تذكر حديث ”إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".

دعاء الصحة وراحة البال.. ردده حتى ينعم الله عليك بالعافية ويطمئن قلبكما سبب عدم البركة في المال؟.. اجتنب 7 أفعال وردد هذا الدعاءهل شرب السجائر يلزم إعادة الوضوء؟

سؤال أجاب عنه الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وذلك خلال لقائه بالبث المباشر المذاع على صفحة دار الإفتاء، عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

وقال"ممدوح" إن ما ذهبت إليه دار الإفتاء المصرية هو أن تدخين السجائر حرام، لكنها لا تُبطل الوضوء.

نواقض الوضوء

هناك 6 أمور فقط تنقض الوضوء، باتفاق العلماء، وهي: خروج شيء من السبيلين -القبل والدبر- قليلًا كان أو كثيرًا طاهرًا أو نجسًا، لقوله تعالى: «أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ» [النساء: 43] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» متفق عليه.

الأمر الثاني: سيلان الدم الكثير أو القيح أو الصديد أو القيء الكثير كما يرى الحنفية والحنابلة، لما رواه الإمام أحمد والترمذي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ، أَوْ قَلْسٌ، أَوْ مَذْيٌ فلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ يَتَكَلَّمُ». أخرجه ابن ماجة. والراجح عدم النقض؛ لضعف الحديث.

الأمر الثالث فزوال العقل بجنون أو تغطيته بسكر أو إغماء أو نوم لقوله صلى الله عليه وسلم: «العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ»، رواه أحمد وابن ماجة بإسناد حسن، موضحا: «ما لم يكن النوم يسيرًا عرفًا من جالس أو قائم فلا ينقض حينئذ»، لقول أنس: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون». رواه مسلم، والمقصود أنهم ينامون جلوسًا ينتظرون الصلاة كما هو مصرح به في بعض روايات هذا الحديث.

الأمر الرابع هو مس القبل أو الدبر باليد بدون حائل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مس فرجه فليتوضأ» رواه أحمد والنسائي وابن ماجة.

الأمر الخامس غسل الميت، لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء، وقال أبو هريرة: «أقل ما فيه الوضوء»، أما الأمر السادس فـالردة -الخروج- عن الإسلام، لقوله تعالى: «لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلك» [الزمر:65].

هل من الضرورى إعادة الوضوء بعد التدخين؟

سؤال أجاب عنه الشيخ عبد الله العجمي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وذلك خلال لقائه بالبث البماشر لصفحة دار الإفتاء المصرية.

وأجاب العجمي، قائلًا: “إنك إن شربت سجائر وتوضئت بعد ذلك فهذا مستحب ويجوز لإزالة الروائح الكريهة فإن لم تتوضأ ومضمضت فمك فقط فوضوئك صحيح ولا شيء فى ذلك”.

طباعة شارك شرب سجائر شرب سجائر وصلى ولم يتمضمض فهل يجب عليه الإعادة الوضوء السجائر لا تبطل الوضوء هل شرب السجائر يلزم إعادة الوضوء نواقض الوضوء هل من الضرورى إعادة الوضوء بعد التدخين

مقالات مشابهة

  • فورين أفيرز: لماذا على تايوان إعادة إحياء مفاعلاتها النووية؟
  • إيران تعود مجددا الى لغة الوعد والوعيد وتحذر من رد أقسى وتبقي باب المفاوضات النووية مواربًا
  • حريق قرب محطة زابوريجيا النووية بعد قصف أوكراني
  • هل تقبل صلاة من كانت رائحة فمه سجائر؟
  • ترامب: غواصاتنا النووية أقرب إلى روسيا
  • بعد نشر الغواصات النووية ..تهديد أمريكي صارخ ضد روسيا
  • ترامب يُطلق غواصاته النووية ردًا على اليد الميتة الروسية
  • هل كانت ضوابط النشر العلمي خطأً جسيما أم فضيحة مستورة؟
  • تأملات قرآنية
  • طهران تطالب واشنطن بالتعويض قبل استئناف المحادثات النووية