لجريدة عمان:
2025-07-26@22:43:51 GMT

لغة السياسة في عصرنا

تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT

لا يمكننا أن نتحدث عن لغة السياسة المتداولة في عصرنا باعتبارها لغة واحدة يتداولها الساسة في كل مكان، وإنما يمكننا رصد بعض الصفات الغالبة على هذه اللغة، وتصنيفها بحسب مكانة الدول ومدى تأثيرها ونفوذها السياسي في العالم، وهذا ما يمكن تناوله باختصار في النقاط التالية، بما يكفي لإيضاح الفكرة التي أريد الإفصاح عنها.

في دول العالم الثالث الأقل تأثيرًا في النظم السياسية العالمية، ومنها معظم دول الشرق الأوسط، نجد أن اللغة السياسية المتداولة غالبًا ما تكون لغة مائعة لا تقول شيئًا عما يدور بين ساستها ونظرائهم عبر العالم في اللقاءات المهمة بشأن أمور وأحداث مهمة في عالمنا، على نحو يخفي أو لا يصرح بحقيقة مواقفها إزاء شعوبها وإزاء العالم؛ ولذلك نجد أن هذه اللقاءات أو المباحثات تنتهي عادة ببيان لا يقول شيئًا سوى هذه العبارة التي تتداولها الأخبار، وهي: «أن المحادثات قد تناولت الأحداث الراهنة والأمور ذات الاهتمام المشترك!!»، وهذه عبارة جوفاء لا تقول شيئًا. وبطبيعة الحال، فإن هناك أمورًا قد يكون من الصالح العام عدم الإفصاح عنها لضرورات سياسية، ولكن من غير المعقول أن تصبح مثل هذه العبارات هي اللغة المتداولة في كل الأحوال. والحقيقة أننا يمكن أن نستثني بعض الدول المؤثرة من هذه الحالة، مثل: تركيا وإيران؛ كما أننا يمكن أن نستثني منها بعض الدول العربية؛ لعل أهمها سلطنة عمان بوجه خاص التي تتبع دائمًا سياسة متوازنة تقوم على عدم الانحياز؛ وهذا ما أهلها للقيام بدور فاعل في النزاعات التي تجري حول العالم (وهو الدور الذي يمكن أن نلمسه أيضًا في السياسة الراهنة لدولة قطر). ولهذا السبب نفسه فقد وصفت في إحدى مقالاتي بهذه الجريدة الرصينة السياسة الخارجية لسلطنة عمان بأنها «سياسة عدم الانحياز الإيجابي»؛ فهي وإن كانت تتصف بعدم الانحياز، إلا أنها تظل فاعلة فيما يتعلق بمواقفها من النزاعات العالمية؛ ولذلك فإنها تفصح عن مواقفها دون مواربة.

أما في عالم الغرب، فإن الخطاب السياسي يتخذ لغةً مختلفة تمامًا وعلى أنحاء متباينة: فالخطاب السياسي على مستوى المؤسسات والمنظمات الدولية- بما فيها الأمم المتحدة نفسها- لا تملك شيئًا سوى التعبير بلغة الشجب والاستنكار لما يحدث في عالمنا من مجازر وأهوال!! ولا شك في أن هناك دولًا- مثل إسبانيا وإيرلندا- تتخذ لغة حاسمة في مواقفها من الظلم والعدوان الذي يجري الآن على شعب فلسطين؛ ولكن لغة الخطاب السائد في العالم الغربي لا تتجاوز غالبًا لغة الاستنكار أو الشجب والإدانة. بل إن بعض هذه الدول لا تزال تستخدم لغة الأكاذيب، فتصف المقاومة الفلسطينية- على سبيل المثال- بأنها جماعات إرهابية في نوع من التواطؤ مع السردية الصهيونية.

ولكن لغة السياسة الأمريكية الراهنة- كما ترد على لسان رئيسها الحالي دونالد ترامب- هي لغة لا نظير لها في تاريخ الخطاب السياسي؛ فهي لغة تصرح بالشيء ونقيضه ليس فقط في أوقات متباينة أو متباعدة، وإنما أيضًا في اليوم الواحد، وربما في السياق الواحد: ففي أثناء ترشح ترامب للرئاسة، وعد الناخبين والعالم كله بأنه سيقوم بإحلال السلام في كل مناطق الصراع، فصرح بأنه قادر على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا على الفور عندما يفوز بالرئاسة، ولكنه لم يفعل شيئًا حتى الآن. ثم بدا من تصريحاته أنه يتحالف مع روسيا ولن يدعم أوكرانيا بالسلاح، ولكننا نكتشف أن ذلك هو جزء من أوراق اللعبة للضغط على أوكرانيا بهدف رضوخها لاستغلال معادنها الثمينة؛ ومن ثم وجدنا مؤخرًا تصريحات أخرى بدعم لا محدود لأوكرانيا بالسلاح والتهديد بمزيد من العقوبات على روسيا. وفيما يتعلق بالصراع في منطقة الشرق الأوسط تصدر دائمًا عنه تصريحات بأنه سوف يُنهي الحرب والصراع في غزة في غضون أسبوع، ولكن يبدو أن هذا الأسبوع لا يأتي أبدًا، على الأقل حتى كتابة هذه السطور (رغم أنه يستطيع بالفعل إنهاء الحرب على غزة إذا أراد ذلك، ولكنه يماطل من أجل تحقيق صفقات أو مساومات من وراء ذلك). كما أنه صرح بأنه يريد إقرار السلام بالتفاوض مع إيران، ثم يوجه لها ضربة محسوبة إرضاءً لإسرائيل وتحالفًا معها بهدف إظهارها باعتبارها القوة المهيمنة في منطقة الشرط الأوسط؛ وهو يعلن عداءه الصريح للحوثيين ويقوم بضرب مواقعهم في اليمن، ثم يسكت عنهم ويتفق معهم على عدم الاعتداء نظير عدم اعتدائهم على المصالح الأمريكية والقوى البحرية الأمريكية في البحر الأحمر (طالما أن إسرائيل بمفردها يمكنها توجيه ضربات إلى الحوثي).

ولعل هذا هو السبب في أن المفكر المغربي عبد السلام بن عبد العالي يرى- في مقال له بعنوان «السياسة نصفها جد، ونصفها لعب»- «أن السياسة «لعبة» غالبا ما تغيب عنا أطرافها، وغالبا ما نفتقد الخيوط المتحكمة فيها، وهي «لعبة» أقرب إلى المسرح والتمثيل منها إلى أي شكل آخر». وربما يفسر هذا نفسه ما ذهبت إليه أنا عن لغة السياسة المتداولة في عالمنا الراهن والمهيمنة على خطابه: فإذا كانت السياسات العالمية الراهنة تبدو أشبه بألعاب لا تخلو من التمثيل؛ فمن الطبيعي أن نرى لغة الخطاب السياسي أشبه بلغة لا ينبغي أن نأخذها على محمل الجد، أي كما لو كانت لغة صريحة أو تقصد واقعًا فعليًّا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الخطاب السیاسی لغة السیاسة

إقرأ أيضاً:

الخارجية ترحب بالحراك السياسي الذي تقوده بريطانيا لوقف العدوان على غزة

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، بالحراك السياسي الذي تقوده بريطانيا من أجل وقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة ، ووضع حد للكارثة الإنسانية والمجاعة.

وأشادت الوزارة في بيان صادر عنها، اليوم الجمعة 25 يوليو 2025، بحراك بريطانيا السياسي والمواقف المتقدمة التي تصدر عن الحكومة البريطانية، الذي أكد على حق شعبنا في تقر يوليو ير المصير، وأهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما أكدت على متابعتها للحراك السياسي في كندا واستراليا والمانيا وغيرها من الدول.

ودعت، بريطانيا والدول كافة إلى الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ والإقدام على الاعتراف بدولة فلسطين حماية لحل الدولتين وتحقيقاً للسلام في المنطقة والعالم، وانسجاماً مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين وفاة طفل بسبب المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة استشهاد طفل متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال الأربعاء الماضي في نابلس حماس والجهاد تردان على تصريحات المبعوث الأمريكي بشأن مفاوضات غزة الأكثر قراءة في يومها الـ 650 - أهم إحصائيات الحرب الإسرائيلية على غزة صحيفة: نتنياهو يضغط لإتمام صفقة مؤقتة مع حماس بأسرع وقت ممكن محدث: غزة: أعداد غير مسبوقة تصل المستشفيات لحالات إجهاد بسبب الجوع إسرائيل تُصدر قرارا بحظر ارتداء اللثام في الضفة  عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الدول الأكبر في إنتاج الفحم خلال العام 2024 (إنفوغراف)
  • زيارة مستشار ترامب.. جديد السياسة الأمريكية تجاه ليبيا
  • زيارة مستشار ترامب: جديد السياسة الامريكية تجاه ليبيا
  • اللا-معقول في السياسة السودانية
  • ترامب في اسكتلندا: زيارة تجمع بين السياسة والغولف في موطن والدته الأصلي
  • تحذير من استمرار العجز: حسني بي يدعو لإصلاحات جذرية في السياسة النقدية
  • الخارجية ترحب بالحراك السياسي الذي تقوده بريطانيا لوقف العدوان على غزة
  • سليمان وهدان يرد على المشككين: حزب الجبهة الوطنية جاء ليُحرك الجمود السياسي
  • الرتمي: المساعدات المصرية لغزة ترجمة حقيقية لثوابت السياسة المصرية
  • كاتب أمريكي: ترامب أقام آلية للإخفاء القسري ويهدد السياسة الخارجية