دلالات شراء أندونيسا لمقاتلة خان التركية
تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT
في 11 يونيو/ حزيران الماضي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، توقيع بلاده اتفاقية مع إندونيسيا لإنتاج وتصدير 48 مقاتلة تركية من طراز "خان" لصالح جاكرتا. وقال الرئيس في منشور له على منصة أكس: "في إطار الاتفاقية التي وقعناها مع صديقتنا وشقيقتنا إندونيسيا، سيتم إنتاج 48 مقاتلة من طراز قآن في تركيا وتصديرها إلى إندونيسيا.
جرت مراسم توقيع الاتفاقية خلال فعاليات معرض الصناعات الدفاعية الدولي السابع عشر "آيدف 2025" الذي أقيم في إسطنبول نهاية يوليو الماضي، وقد أكّدت وزارة الدفاع الأندونيسية الصفقة مشيرة إلى أنّها تأتي في سياق سعي البلاد إلى تحديث قواتها الجوّية المتقادمة واستبدالها بمقاتلات حديثة. وبالرغم من أنّه من لم يتم الإعلان عن قيمة الصفقة او موعد التسليم، إلاّ أنّ هناك تقديرات تشير إلى أنّ قيمتها تفوق الـ10 مليار دولار وأن التسليم سيتم خلال حوالي 10 سنوات، وهو ما يجعلها أكبر صفقة عسكرية لشراء نوع معين من الأسلحة من تركيا في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية، متجاوزة بذلك صفقة أكينجي مع المملكة العربية السعودية عام 2023 بمراحل.
وعلى الرغم من أنّ الاتفاق بدأ كاطار مبدئي، إلا أنّه تحول لاحقا إلى اتفاقية شاملة. ولمثل هذا الاتفاق دلالات عديدة على أكثر من صعيد. فيما يتعلق بأندونيسيا، تشير الصفقة إلى اعتمادها سياسة التحوّط الاستراتيجي من خلال تنويع وارداتها الدفاعية وهي سياسة تتوسّع بشكل مستمر لاسيما لدى القوى المتوسطة الحجم في ظل السباق المحموم بين القوى الكبرى لاسيما الولايات المتّحدة والصين. وتهدف هذه السياسة إلى تفادي جعل البلاد رهينة لإحدى القوّتين من خلال تخفيف الاعتماد في القضايا الحسّاسة لاسيما العسكرية على أي منهما وزيادة مساحة المناورة عبر اعتماد سياسة تنويع مدروسة.
هناك من يشير أيضا إلى أنّ الاعتماد على بعض المكونات الرئيسية الخارجية كالمحركات على سبيل المثال قد يعرقل من عمليات البيع خاصة إذا ما تدخلت السياسة أو الأيديولوجيا الغربية. لكن كل هذه التحديات وغيرها هي جزء طبيعي من عملية التحوّل لمن يريد أن يحقق الاستقلالية والتقدم، خاصة على المستوى الاستراتيجي، إذ ليس هناك من طريق معبّد بالورود في هذا المسار، ومن دون الايمان والإرادة والعزيمة، قلّما يكتب له النجاح.ولعل هذا ما يفسر قيام أندونيسيا بوضع طلبات شراء مقاتلات من عدّة دول من بينها الولايات المتّحدة الأمريكية (أف ـ 15)، وفرنسا (رافال) بالإضافة إلى دراسة طلب شراء مقاتلات صينية الصنع من طراز (جيه 10). في هذا السياق بالتحديد، تبرز تركيا كلاعب أساسي في سياسة التحوّط بعيدا عن الارتهان الكامل للهيمنة الغربية أو النفوذ الصيني. اذ ستتيح هذه الصفقة في حال إنجازها لاندونيسيا الحصول على مقاتلة من الجيل الخامس بتكنولوجيا عالية وسعر رخيص نسبيا دون فرض شروط أو قيود سياسية او جيو ـ سياسية او تقنية على اقتنائها أو استخدامها كما يفعل الغرب عادة. كما ستتيح حصول اندونيسيا على تكنولوجيا وعلى إنشاء بنية تحتية لصناعات دفاعية محلّية.
وتنص الاتفاقية التي وقعتها اندونيسيا مع تركيا على تعاون شامل في مجالات الهندسة والتصنيع ونقل التكنولوجيا، مع التركيز على إنشاء بنية تحتية لصناعات الطيران في إندونيسيا، بما يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين. وفي حال نجاح هذه الصفقة، ستتحول "خان" من مشروع طائرة مقاتلة الى مشروع طريق ثالث للدول الراغبة في تحقيق اكبر قدر من الاستقلالية على المستوى الدولي بعيدا عن الهيمنة الغربية، وفي ضمان أكبر مساحة من المرونة في الحركة بين الأقطاب المتصارعة لاسيما في ظل التنافس الشديد بين الولايات المتحدة والصين.
رغبة تركيا في توسيع قاعدة المستفيدين من منتجاتها الدفاعية محلية الصنع، عالية التقنية، ذات الجدوى المالية والفعالية العسكرية، بالإضافة الى إنفتاحها على نقل التكنولوجيا لاسيما للدول في العالم الإسلامي في الشرق الأوسط أو جنوب آسيا او جنوب شرق آسيا لا يفتح أسواقاً جديدة امامها فحسب، بل سيجعلها قادرة على مواصلة المسار في صناعاتها العسكرية الدفاعية المحلية. كما ستتحول تركيا الى نموذج للدول الطامحة في تحقيق استقلالية سياسية ودفاعية، وهو ما سيجعلها قطباً جذاباً لهذه الدول التي ترغم ليس فقط في شراء الأسلحة التركية وإنما في الاستفادة من التجربة التركية وفي توظيفها وربما المشاركة فيها أيضا سواءً من الناحية المالية أو الاستثمارية أو التكنولوجية او التشاركية او التعاقدية..الخ
فيما يتعلق بالمقاتلة "خان" بالتحديد، تسعى تركيا إلى بدء الإنتاج التسلسلي منها في عام 2028 على أن يتم إنتاج 20 مقاتلة لصالح القوات الجوية التركية في نهاية عام 2029 مع توقع مبدئي بإنتاج مقاتلتين كل شهر في نهاية عام 2029. هناك اهتمام من دول عدّة من بينها أذربيجان وباكستان والسعودية والامارات وماليزيا وأندونيسيا. لا شك أنّ مثل هذا الاهتمام انعكاس للفكرة التي نتحدث عنها. لكن سيكون هناك عقبات أو تحدّيات بالتأكيد دوما، سواء في الصفقة الاندونيسية أو في المسار الذي تتّبعه تركيا.
هناك من يشير إلى أنّ أندونيسيا وبالنظر إلى دورها السابق في مشروع المقاتلة الكورية الجنوبية (كي ـ اف 21) غير ملتزمة بشكل كاف فيما يتعلق بالاستحقاقات المالية أو الجداول الزمنية. هناك أيضا من يرى أنّ وضع طلبات كبيرة على المقاتلة التركية من الجيل الخامس يزيد من الضغط على الشركة المصنّعة والشركات المرتبطة بها لناحية الموارد البشرية ناهيك عن التمويل في حال لم يتم توفير الأموال اللازمة لعميل الإنتاج والتطوير. هناك من يشير أيضا إلى أنّ الاعتماد على بعض المكونات الرئيسية الخارجية كالمحركات على سبيل المثال قد يعرقل من عمليات البيع خاصة إذا ما تدخلت السياسة أو الأيديولوجيا الغربية. لكن كل هذه التحديات وغيرها هي جزء طبيعي من عملية التحوّل لمن يريد أن يحقق الاستقلالية والتقدم، خاصة على المستوى الاستراتيجي، إذ ليس هناك من طريق معبّد بالورود في هذا المسار، ومن دون الايمان والإرادة والعزيمة، قلّما يكتب له النجاح.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه تركيا اندونيسيا تركيا علاقات اندونيسيا رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة مقالات رياضة سياسة رياضة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هناک من إلى أن
إقرأ أيضاً:
فاينانشال تايمز: ما زال هناك أمل في إبرام صفقة لوقف الحرب على غزة
شهدت الساحة السياسية والعسكرية في إسرائيل أسبوعًا استثنائيًا من الخلافات الحادة بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش، الفريق إيال زمير، على خلفية خطة نتنياهو لإعادة احتلال كامل قطاع غزة وإخضاعه للسيطرة الإسرائيلية المباشرة، في خطوة وصفتها أوساط عسكرية بأنها خطيرة على الجيش والأسرى الإسرائيليين، وفق ما نشرته مجلة فاينانشال تايمز.
ولفتت الصحيفة إلى أن الخلاف، الذي تصاعد عبر تسريبات متبادلة وتصريحات هجومية في وسائل الإعلام، بلغ ذروته خلال اجتماع أمني استمر عشر ساعات وانتهى بإصدار نتنياهو أوامر للجيش بالتحضير لغزو غزة، متجاهلًا خطة بديلة طرحها زمير تقوم على “الحصار والاستنزاف” عبر تطويق مناطق سيطرة حماس المتبقية وتنفيذ ضربات مركزة، بهدف تقليل الخسائر وتسهيل الإفراج عن الأسرى.
انقسام سياسي–عسكري علنيوذكر وزراء في حكومة نتنياهو اليمينية الجيش علنًا بأنه ملزم بتنفيذ أوامر الحكومة، بينما ألمح نجل رئيس الوزراء إلى أن رئيس الأركان يحاول تنفيذ “انقلاب”.
من جانبه، رد زمير ببيان مقتضب قال فيه إن “الخلاف جزء لا يتجزأ من تاريخ الشعب اليهودي”، لكنه حذر – وفق تسريبات – من أن تنفيذ خطة الغزو قد يعني إسقاط هدف تحرير الأسرى من أولويات الحرب.
ويرى مراقبون أن هذا الخلاف يعكس تغيرًا في ميزان العلاقة بين القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، حيث كان الساسة في الماضي يميلون للاستماع لرأي الجيش، بينما أصبحت الحسابات السياسية الآن أكثر تأثيرًا على القرارات الميدانية.
خلفية الحرب وضغوط الداخل والخارجيأتي هذا الانقسام في وقت تواجه فيه إسرائيل عزلة دولية متزايدة وانتقادات حادة بسبب حصيلة الضحايا في غزة، والتي تقول السلطات المحلية إنها تجاوزت 60 ألف شهيد منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023.
كما وقع معظم قادة الجيش والمخابرات السابقين على رسالة تحث الحكومة على قبول وقف لإطلاق النار، معتبرين أن حماس أصبحت قوة مستنزفة، وأن إنهاء الحرب ممكن دون مواصلة التوغل.
تداعيات إنسانية كارثيةوبحسب تقديرات ميدانية، فإن أي هجوم على مدينة غزة سيؤدي إلى تهجير ما يصل إلى مليون فلسطيني، كثير منهم نازحون أصلًا، وسيضاعف من حجم الكارثة الإنسانية التي دفعت معظم سكان القطاع إلى حافة المجاعة.
ورغم أن نتنياهو حسم توجيهاته للجيش بـ"التحضير" للهجوم، يرى محللون أن القرار النهائي ما زال أمامه أسابيع، ما يتيح فرصة لتدخل أطراف دولية، خاصة الولايات المتحدة ودول عربية، لمحاولة إعادة مسار التفاوض نحو صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار.