عدنان عبدالله الجنيد.
بسمِ اللهِ القائلِ:(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
مقدمة :
يا أعداءَ اللهِ وأعداءَ الأرضِ الطاهرةِ،
اسمعوا صوتَ غزّةَ… صوتَ الأنصارِ، صوتَ الطوفانِ الذي لا يهدأُ ولا ينامُ.
اسمعوا صوتَ أنس الشريفِ، عينَ الميدانِ التي رصدتِ النصرَ، والكاميرا التي لم تنطفئْ، والرَّصاصة التي لا تخطئُ.
هذه رسالةٌ لا تمحوها القنابلُ، ولا تسكتها المدافعُ،رسالةٌ من تحت الركامِ، من بين جدرانِ مخيمِ جباليا، حيثُ يولدُ المجاهدونَ، ويُكتبُ المجدُ.
أنتم أيها الغزاةُ، اسمعوا جيدًا:
كلُّ دمٍ يسيلُ على هذه الأرضِ نورٌ يهدي خطانا،وكلُّ استشهادٍ وعدٌ لا يُخلفُ،
والنصرُ آتٍ لا محالةَ، مهما اشتدت عواصفُكم.
ها نحن نعلنها اليومَ:
أنس الشريف حيٌّ في كلِّ عينٍ تراقبكم، في كلِّ رصاصةٍ تحرقكم، في كلِّ كلمةٍ تفضح خبثكم،وفي كلِّ قلبٍ ينبضُ بالمقاومةِ والكرامةِ.
فاستعدوا، فالعاصفةُ قد بدأت، ولن تنتهي إلا بسقوطكم،وعدُ اللهِ حقٌّ، والنصرُ حليفُ المؤمنينَ.
جباليا… أرضُ الأبطالِ والشهادةِ:
في جباليا، التي تُنبت الرجال كما تُنبت سنابل القمح، وتُشعل الثورات كما يُشعل البرق نيران الغابة، خرج أنس جمال الشريف… ابن الأزقة الضيقة التي لا تتسع إلا لخطوة مجاهد، وابن الحجارة التي اشتعلت في كفّ طفل قبل أن يشتعل قلبه بالإيمان.
جباليا… الميدان الذي علّمَ أن الحصار امتحانٌ لا ينجح فيه إلا الأبطال، وأن الجوع يُربّي العظماء، وأن الشهادة هي التخرج الكبير من مدرسة الحياة.
هنا، حيث الطفل يرى القصف كأنه غيمةٌ عابرة، ويرى الشهيد كأنه أخٌ أكبر ذهب ليحجز لنا مقعدًا في الجنة.
معاني الأسماء في مسيرة أنس:
أنس… الأنس الذي يسكن قلب المقاوم وسط لهيب المعركة، والعدسة التي تقطع بسيف الحقيقة.
جمال… الجمال الذي يزهر من بين الركام، ويبتسم في وجه الطائرات، ويزرع الورد على جدار الصمود.
الشريف… الشرف الذي لا يطأطئ رأسه إلا لله، والبيعة التي لا تُكسر إلا على أعتاب النصر.
حين دوّى الطوفان، كان أنس في الخطِّ الأمامي:
أمامه الغلاف الإعلامي يفضح العدو ويكسر دعايته.
خلفه العين القناصة التي لا ترحم جنود الاحتلال.
ومن ورائه العين الصاروخية التي تمحو أوهام التفوق من خرائط العدو.
هكذا كان أنس… عينٌ ترى، وعينٌ تصيب، وعينٌ تدكّ.
لم يكن فردًا، بل كان شبكة مقاومة تمشي على قدمين، تُحاصر العدو بالصوت والصورة والنار.
مشهد الاستشهاد… الكاميرا التي لم تسقط
في يومه الأخير، كانت السماء تمطر نارًا، والأرض ترتجف من وقع القصف.
كان أنس في قلب المعركة، بين الركام والغبار، يرسل بثّه الأخير… يرفع الكاميرا عاليًا، كأنه يرفع راية النصر.
ابتسم ابتسامة الواثق، فجاء الصاروخ… لكنه لم يُسقط أنس، بل رفعه إلى حيث لا قصف ولا دموع. سقط الجسد، وبقيت الكاميرا مشتعلة بالضوء، تبثّ من فوق سبع سماوات، لتخبر العدو: حتى موتنا يوثق هزيمتك.
وصية أنس… العهد الذي لا يُنقض:
قال: “أوصيكم بفلسطين كلها… من بحرها إلى نهرها… لا تتركوا الكاميرا وحيدة، ولا تتركوا الزناد باردًا.
اجعلوا خلف كل عدسة مقاوم، وخلف كل مقاوم قناص، وخلف كل قناص صاروخ.
إن متُّ، فأنا حيّ في كل عين ترصد، وفي كل رصاصة تنطلق”.
الخاتمة… الحياة السرمدية والعزة الأبدية:
أنس الشريف لم يترك فراغًا… بل ترك طوفانًا من العيون التي لا تنام، والألسنة التي لا تصمت، والأيدي التي لا ترتجف.
نقسم بدمك يا أنس، أن نبقى على العهد حتى تُفتح أبواب القدس على وقع أقدام الفاتحين.
هنا جباليا… هنا الطوفان… هنا فلسطين…الله أكبر… الله أكبر… الله أكبر…(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: أنس الشریف التی لا ت
إقرأ أيضاً:
أنس الشريف ورفاقه.. حكاية طاقم الجزيرة الذي قتل أمام العالم
في مساء الأحد، العاشر من أغسطس/آب 2025، تحوّلت خيمة صغيرة أمام مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة إلى رماد بعد استهداف مباشر، لتسقط معها 5 أسماء لم تكن مجرّد بطاقات صحفية، بل كانت قلوبا تنبض بالكلمة والصورة والحقيقة.
استشهد مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، والمصورون إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة ومحمد نوفل، في لحظة صادمة كشفت حجم المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون في ميادين غزة، وحجم الثمن الذي تدفعه الحقيقة على أرض محاصرة.
كان الطاقم يوثق مشاهد المعاناة اليومية في محيط أكبر مستشفى في القطاع حين باغت الانفجار المكان، تاركا صدى صفير قصير أعقبه صمت ثقيل.
وأظهرت الصور التي تسربت من موقع الخيمة سترات صحفية زرقاء ملطخة بالغبار والدماء، وكاميرات تحوّلت إلى شواهد صامتة على ما جرى.
وقد وصف الصحفي والمراسل الميداني باسم الأغا الموقف قائلا: "كنا نعرف أن القصف يقترب، لكننا لم نتوقع أن يطال خيمتنا".
وروى المصور الميداني سالم أبو صقر المشهد قائلا: "سمعنا صوت الانفجار، ثم غبار كثيف يغطي كل شيء.. كنت أبحث عن الكاميرا التي سقطت من يد مؤمن عليوة".
وأشار مدير مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية إلى أن الاستهداف أسفر عن سقوط ضحايا آخرين في فناء المستشفى، وأن الوصول إلى المكان كان صعبا بسبب استمرار الاشتباكات في محيطه.
وفي منزل متواضع، جلست والدة أنس الشريف تحتضن صورته وتقول بصوت متهدج: "كان يخرج كل صباح ولا أعرف إن كان سيعود.. لكني كنت أعرف أنه سيعود بخبر من أجل الحقيقة".
وفي بيت آخر، روى أشقاء محمد قريقع آخر مكالمته معهم قبل نصف ساعة من القصف، حين طمأنهم قائلا: "لا تقلقوا.. نحن بجانب المستشفى". دقائق قليلة حولت المستشفى إلى ساحة مأساة.
إعلانوفي جنازات حاشدة اختلطت فيها الدموع بالهتافات، حمل المشيعون نعوش أنس الشريف ومحمد قريقع ورفاقهما وسط شوارع غزة، ورفرفت لافتات كتبت عليها عبارة "قتلوا الكلمة.. لكن الصورة باقية" فوق الجموع، في حين ردد المشاركون هتافات تطالب بمحاسبة من ارتكب الجريمة.
وكانت الكاميرات الملطخة بالدماء تتقدم المشهد، رمزا لصوت لم ينجح القصف في إسكات صداه.
صوت أنس الأخيرقبل دقائق من استشهاده، خط أنس الشريف على منصات التواصل "يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهد وقوة لأكون سندا وصوتا لأبناء شعبي.. لم أتردد يوما في نقل الحقيقة كما هي، بلا تحريف أو تزييف".
وأوصى بفلسطين التي وصفها بـ"درة تاج المسلمين، ونبضَ قلب كل حر في هذا العالم"، مضيفا "أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يمهلهم العُمر ليحلموا ويعيشوا في أمان وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران".
وخاطب الأحرار قائلا: "لا تدعوا القيود تُسكتكم، ولا الحدود تُقعِدكم، وكونوا جسورا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمس الكرامة والحرية على أرضنا السليبة".
وقبل النهاية، أوصى الشريف بأهله ابنته وابنه ووالدته وزوجته، ليختم وصيته بإقرار راض بقضاء الله ثابتا على المبدأ حتى آخر لحظة، داعيا أن يكون دمه نورا يضيء درب الحرية لشعبه، ومؤكدا أنه مضى على العهد دون تغيير أو تبديل.
لم تكن كلماته الأخيرة مجرد وصية، بل شهادة مهنية وإنسانية، تروي قصة مراسل واجه القصف والجوع والحصار، ليبقى نافذة غزة التي تطل على العالم.
القانون الدولي أمام اختبار الضميريؤكد خبراء القانون الدولي أن استهداف الصحفيين في مناطق النزاع يشكل انتهاكا صريحا لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية، التي تنص بوضوح على اعتبار الصحفيين المدنيين أشخاصا محميين ما لم يشاركوا بشكل مباشر في أعمال قتالية.
وشدد المحامي الفلسطيني المختص بالقانون الدولي سامر الدحدوح على أن "مجرد تواجد الصحفي في منطقة حرب لا يسقط عنه صفة الحماية القانونية"، موضحا أن أي ادعاءات بخلاف ذلك "تتطلب تحقيقات مستقلة وموثقة، وإلا فإنها تتحول إلى ذرائع لتبرير القتل".
وفي حين زعم الجيش الإسرائيلي أنه استهدف "قائد خلية" من حماس كان يتنكر بزي صحفي، مدعيا العثور على "وثائق" تثبت ذلك، طالبت منظمات حقوقية أممية بإثبات هذه المزاعم أمام تحقيق مستقل، مؤكدة أن استهداف الصحفيين المدنيين يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
ووفقا للمتحدثة باسم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف رافينا شامداساني أواخر عام 2023، أكدت أن استهداف الصحفيين "ليس فقط جريمة محتملة ضد أفراد، بل هو اعتداء مباشر على حق الجمهور في المعرفة".
وأشارت إلى أن القانون الدولي الإنساني يفرض على الأطراف المتحاربة "اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إصابة المدنيين، بمن فيهم الصحفيون، حتى في مناطق العمليات النشطة".
إدانة جرائم الاحتلالأدانت شبكة الجزيرة العملية ووصفتها بأنها "اغتيال متعمّد" و"هجوم مُسبق التخطيط على حرية الصحافة".
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، اليوم الاثنين، إن الاستهداف المتعمد للصحفيين لا يحجب الوقائع الفظيعة التي ترتكبها إسرائيل بشكل ممنهج في غزة.
إعلانوأضاف رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري -في تدوينة عبر حسابه على منصة إكس- أن هذا الاستهداف "يبرهن للعالم أجمع أن الجرائم المرتكبة في غزة فاقت كل التصورات، في ظل عجز المجتمع الدولي وقوانينه عن إيقاف هذه المأساة".
وكان المدير العام لشبكة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، في وقت سابق خلال منتدى الجزيرة الـ16، في فبراير/شباط 2025 أدان استهداف الصحفيين في مناطق النزاع، مؤكدا أن الصحفيين الذين يؤدون مهامهم المهنية لا يجب أن يُستهدفوا أو يُتهموا بالإرهاب لمجرد قيامهم بواجبهم.
وقال إن الجزيرة تعرضت لاستهداف مباشر، شمل قتل مراسليها وإغلاق مكاتبها، في محاولة لإسكات صوتها، مؤكدا في كلمته على أن تضحيات مراسليها لم تذهب سدى، ومشيرا إلى أن الشعوب حول العالم تحركت للتعبير عن تضامنها مع الفلسطينيين ضد المجازر التي يتعرضون لها، وذلك بفضل الصورة التي نقلها هؤلاء المراسلون بشجاعة ومهنية.
كما شدد على أن الشبكة ستواصل التزامها بنقل الحقيقة بأمانة واحترافية، رغم الضغوط والتحديات والتضحيات.
رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية @MBA_AlThani_ يتلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس وزراء هولندا#الخارجية_القطرية pic.twitter.com/TFQEWt4TQk
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) August 11, 2025
خوف لا يمنع الكلمةبعد استشهاد أنس الشريف ورفاقه، يعيش الصحفيون في غزة بين جرح الحزن وثقل الخوف، يبدأ كثير منهم يومهم بكتابة وصايا لأسرهم تحسبا لاحتمال عدم العودة، ومع ذلك يصرون على البقاء في الميدان لنقل الحقيقة.
وقد بات هذا الإصرار الذي يتحدى الخطر اليومي أشبه بمقاومة موازية للمقاومة المسلحة، لكنها بالكلمة والصورة، وفي مكاتب الجزيرة في الدوحة وغزة، تتجاور صور الشهداء مع كاميراتهم الملطخة بالدماء، في رسالة صامتة تؤكد أن المهنة لا تنتهي برحيل أصحابها.
استشهاد طاقم الجزيرة في غزة لم يكن مجرد خسارة مهنية، بل كان جرحا مفتوحا في ضمير الإنسانية. وهو يذكّر باغتيال شيرين أبو عاقلة وغيرها، ويؤكد أن الإفلات من العقاب يغذي تكرار الجرائم، ولقد تحولت الكلمة التي حملها أنس الشريف ورفاقه إلى وصية في عنق كل صحفي وكل إنسان حر: أن تبقى الحقيقة حيّة مهما حاول الرصاص إسكاتها.
وفي عالم تتباهى فيه المواثيق الدولية بحماية الصحفيين، يظل السؤال المرير قائما: ما قيمة هذه المواثيق إذا كان الصحفي يُقتل أمام الكاميرا بلا محاسبة؟