لم يكن استهداف مراسلي الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع وزملائهما مجرد امتداد لسلسلة طويلة من الانتهاكات بحق الصحفيين، بل خطوة محسوبة في إطار إستراتيجية أوسع -حسب محللين- تهدف إلى إسكات الكاميرات التي وثّقت المأساة في قطاع غزة، وتهيئة المشهد لمجازر بلا شهود.

ويأتي الاغتيال الذي استهدف خيمة إعلامية أمام مستشفى الشفاء الطبي في سياق أرقام صادمة كشفها مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح، إذ بلغ عدد الصحفيين الذين قُتلوا منذ بدء الحرب 238، وهو رقم غير مسبوق حتى في الحروب العالمية التي امتدت لسنوات.

ولم يكن هذا الرقم، حسب حديث الدحدوح لبرنامج "مسار الأحداث"، حصيلة قصف عشوائي، بل يعكس سياسة ممنهجة لإبادة الصوت الصحفي الفلسطيني، بما يحمله من قدرة على فضح جرائم الاحتلال وكسر الحصار الإعلامي المفروض على القطاع.

غير أن صدى هذه الجرائم في الساحة الدولية، كما يصفه الدحدوح، ما زال أدنى بكثير من مستوى الحدث.

فبينما شهد العالم تضامنا واسعا في قضايا أقل حجما من "شارلي إيبدو" في باريس إلى استهداف صحفيين في أوكرانيا، اكتفى جزء كبير من المؤسسات الإعلامية والاتحادات الدولية ببيانات وتصريحات خجولة، في حين التزم كثيرون الصمت أو مالوا إلى تبني رواية الاحتلال.

هذا الصمت، كما يضيف الدحدوح، كان أشد وطأة على الصحفيين في قطاع غزة من وقع القصف نفسه، لأنه يبدد إحساسهم بأنهم جزء من جسد مهني واحد عابر للحدود.

اغتيال

أما على الساحة الأوروبية، فيرى الأمين العام لاتحاد الصحفيين الأوروبيين ريكاردو غوتيريش أن ما جرى ليس مجرد استهداف لمراسلين، بل "عملية اغتيال" اتخذ قرارها على أعلى المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل.

ويؤكد أن غالبية الصحفيين الأوروبيين لا يصدقون مزاعم الاحتلال حول صلة الضحايا بحركة حماس، لكن بعض وسائل الإعلام الغربية لا تزال تكرر هذه الدعاية عن وعي أو جهل، مما يستدعي مواجهة قانونية وسياسية.

إعلان

غوتيريش أشار إلى أن هناك تحولا ملموسا في المزاج الشعبي الأوروبي، حيث باتت الأعلام الفلسطينية مشهدا مألوفا في المظاهرات والمهرجانات، وازدادت الضغوط على الحكومات لاتخاذ إجراءات ملموسة مثل وقف صادرات السلاح وتعليق الاتفاقيات التجارية مع تل أبيب.

لكنه شدد على أن الإدانة اللفظية لم تعد كافية، وأن اللحظة تستدعي خطوات عملية توقف الإفلات من العقاب وتضع حدودا لسياسة القتل الممنهج ضد الصحفيين والمدنيين في غزة والضفة الغربية.

هذا القلق من التحول الدولي ينعكس مباشرة في الحسابات الإسرائيلية، كما يوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى، الذي يرى أن الإعلام العالمي بدأ يتبنى "الحقائق على الأرض" بدلا من الرواية الرسمية لتل أبيب.

أزمة غير مسبوقة

ويضيف أن إسرائيل تواجه اليوم أزمة غير مسبوقة في صورتها الخارجية، إذ بدت أدوات دعايتها باهتة وعاجزة أمام الشاشات الدولية، في وقت يتحدث فيه أنصار القضية الفلسطينية، من فلسطينيين وأجانب، بلسان قوي يوظف خطاب العدالة والإنسانية ويكسب تعاطف النخب والطلاب والمجتمع المدني في الغرب.

ويربط مصطفى هذا التراجع في النفوذ الدعائي بمحاولة الاحتلال إسكات الصحفيين الميدانيين الذين يشكلون مصدرا مباشرا للمعلومات والصور التي تتحدى السردية الإسرائيلية.

ومن هذا المنظور، فإن اغتيال كوادر مهنية ومرموقة مثل أنس الشريف هو استثمار في "الفراغ الإعلامي" الذي تحتاجه إسرائيل لتنفيذ سياساتها على الأرض دون رصد فوري من كاميرات مستقلة.

ويتجاوز المشهد حدود القتل الفردي إلى إستراتيجية متكاملة تقوم على إفراغ الميدان من الشهود، وفتح الطريق أمام عمليات عسكرية قد تشمل اجتياحات أو توسعا في سياسات التهجير والتجويع، بعيدا عن أعين العالم.

لكن، ورغم فداحة الثمن، يؤكد الدحدوح أن روح الفداء لدى الجيل الجديد من الصحفيين الفلسطينيين ما زالت متقدة، وأن الإرادة التي دفعتهم إلى العمل تحت القصف والحصار لن تُطفأ بسهولة حتى لو دفعوا حياتهم ثمنا لنقل الحقيقة.

هذا النمط من التصعيد الإعلامي الميداني يتقاطع -وفق محللين- مع ما ترسمه إسرائيل لمرحلة "اليوم التالي" للحرب، فإسكات الشهود المستقلين يتيح لها إعادة صياغة المشهد وفق روايتها، وتبرير أي ترتيبات سياسية أو أمنية جديدة في غزة، سواء تمثلت في مناطق عازلة أو فرض وقائع ديمغرافية جديدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

لازاريني: إسرائيل تواصل إسكات الأصوات التي تُبلغ عن فظائعها في غزة

القدس المحتلة-سانا

أكد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” فيليب لازاريني، أن الجيش الإسرائيلي يواصل إسكات الأصوات التي تُبلغ عن انتهاكاته بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” عن لازايريني قوله: إن “إسرائيل تمنع وصول الصحفيين الدوليين لتغطية الأحداث بشكل مستقل منذ بدء الحرب في غزة قبل عامين تقريباً”، معرباً عن صدمته بعد اغتيال إسرائيل 6 صحفيين، بقصف خيمتهم في محيط مستشفى الشفاء بمدينة غزة أمس.

وشدد لازاريني على ضرورة دخول وسائل الإعلام الدولية إلى غزة “لدعم العمل البطولي لزملائهم الفلسطينيين”، باعتبارها الطريقة الوحيدة لمواجهة التضليل الإعلامي بشأن حجم الفظائع الإسرائيلية.

وارتفع عدد الإعلاميين الفلسطينيين الذين استشهدوا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول 2023، إلى 238 إعلامياً.

القدس المحتلة اللاجئين الفلسطينيين غزة 2025-08-11suhaسابق يوم تطوعي مفتوح للأطفال في الجمعية الإسلامية لكفالة الأيتام بحماة انظر ايضاً استشهاد 5 صحفيين فلسطينيين بقصف إسرائيلي على غزة

القدس المحتلة-سانا استشهد 5 صحفيين فلسطينيين مساء اليوم، بينهم أنس الشريف ومحمد قريقع مراسلا قناة …

آخر الأخبار 2025-08-11لازاريني: إسرائيل تواصل إسكات الأصوات التي تُبلغ عن فظائعها في غزة 2025-08-11وزير النقل يتفقد مديريات الوزارة في دمشق ويبحث تطوير بيئة العمل 2025-08-11غرفة صناعة دمشق وريفها: الاستثمارات الجديدة خطوة إستراتيجية لإعادة الإعمار وتحريك الاقتصاد 2025-08-11نائب أمريكي يدعو إلى رفع ضوابط التصدير المفروضة على سوريا 2025-08-11افتتاح مركز للعلاج الفيزيائي والحركي في الحولة بريف حمص 2025-08-11من التحديات إلى الحلول.. تطوير قطاع نقل البضائع في سوريا رقمياً وتنظيمياً 2025-08-11الصحة تناقش في ورشة عمل مشروع أتمتة تسجيل الدواء والرقابة الدوائية في سوريا 2025-08-11مدير اتحاد غرف التجارة: تطوير منصة إلكترونية موحدة لإدارة الغرف وتقديم خدمات رقمية متكاملة للأعضاء 2025-08-11المصرف المركزي: لم يصدر أي ترخيص لأي مصرف جديد في سوريا 2025-08-11محروقات حماة تدعو إلى اتباع الإرشادات الوقائية لتجنب حوادث ارتفاع الحرارة

صور من سورية منوعات تحطم نيزك في الولايات المتحدة أقدم من الأرض ب 20 مليون سنة 2025-08-11 فريق صيني ينجح برقمنة نقوش عظام الأوراكل القديمة في أوروبا 2025-08-11
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • عيون الحقيقة تُطفأ.. اغتيال صحفيي الجزيرة يشعل الغضب بوسائل التواصل
  • لازاريني: إسرائيل تواصل إسكات الأصوات التي تُبلغ عن فظائعها في غزة
  • نقابتا الصحفيين في مصر وتونس تدينان اغتيال إسرائيل طاقم الجزيرة بغزة
  • مدير مكتب الجزيرة في غزة: 238 شهيدا من الصحفيين والعالم لا يحرك ساكنا
  • اتحاد الصحفيين البريطاني يدين استهداف إسرائيل صحفيي الجزيرة بغزة
  • مواصلة إسرائيل اغتيال صحفيي غزة محاولة لإسكات صوت الحقيقة
  • اغتيال صحفيي الجزيرة جريمة لتقاليد العالم الحر
  • هيئات مغربية تدين اغتيال طاقم الجزيرة في غزة.. جريمة صهيونية لإسكات الحقيقة
  • مرصد الأزهر ينعى شهداء الصحافة في غزة.. ويؤكد: جرائم الاحتلال لن تنجح في طمس الحقيقة