ترامب وبوتين ومستقبل أوكرانيا
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
كثيرا ما يُشار إلى اتفاقية ميونيخ في عام 1938 كرمز للفشل في الوقوف بوجه الاستبداد. قمة ترامب- بوتين في ألاسكا يوم الجمعة تشبه قمة ميونيخ في جانب محدد. لم تكن الحكومة التشيكية ممثلة في طاولة المفاوضات عندما وافق كل من هتلر (زعيم ألمانيا) وتشامبرلين (رئيس وزراء بريطانيا) وموسوليني (زعيم إيطاليا) ودلادييه (رئيس وزراء فرنسا) على تقسيم تشيكيا.
الرئيس الأوكراني حسب المعلومات الراهنة لن يكون حاضرا عندما يناقش الزعيمان الروسي والأمريكي مصير حدود بلاده. وكما يُقال «إذا لم تكن عند الطاولة (مائدة الطعام) فأنت إذن في قائمة الطعام».
حديث دونالد ترامب الفضفاض عن «تبادل الأراضي» أيضا يقرع أجراس الإنذار في أوكرانيا وحول أوروبا. فالخشية هي أن يتلاعب بوتين الحازم والدقيق في التفاصيل بترامب المغرور والغامض بكل سهولة.
أسوأ سيناريو بالنسبة للأوكرانيين والأوروبيين هو خروجُ ترامب وبوتين من الاجتماع باتفاق حول «تبادل الأراضي» والذي سيعني في الواقع تنازل أوكرانيا عن أجزاء كبيرة من أراضيها بصفة دائمة لروسيا.
ربما هدف بوتين هو الوصول إلى صفقة مع ترامب يتم تقديمها إلى أوكرانيا كشيء مفروغ منه. وكما ذكر اليكسندر غابويف الباحث بمركز كارنيجي لروسيا وأوراسيا نوع الاتفاق الذي يريده بوتين سيجعل أوكرانيا بلدا «لا يمكن الدفاع عنه ويتعذر الاستثمار فيه ويتخذ مسارا يقوده إلى الانهيار». وإذا رفضت أوكرانيا الاتفاق سيأمل الروس حينها في وقف الولايات المتحدة دعمها لكييف.
هذه سيناريوهات محتملة. لكن الأوكرانيين وداعميهم الأوروبيين يؤمنون أيضا بإمكانية تحقيق نتيجة أفضل. النتيجة الجيدة من وجهة نظرهم هي الاتفاق على وقف إطلاق النار مع التهديد بفرض عقوبات ثانوية على روسيا إذا استأنفت موسكو الحرب. وإجراء المحادثات حول الأراضي بعد ذلك فقط.
وسط تسارع الدبلوماسية واحتدام المشاعر هنالك خطر أن تفقد أوكرانيا وأوروبا رؤيتها الاستراتيجية لما تريد أن تتوصل إليه وما يمكن تحقيقه.
لا يمكن التنبؤ بمسار الحرب، لكن التحليلات الأكثر إقناعا التي رأيتها هي أن أوكرانيا تخسر ببطء مع اشتداد مشكلة القوة البشرية على خط الجبهة. ذلك يعني أن الانهيار التام للمحادثات واستمرار الحرب ربما سيكونان أفضل لروسيا من أوكرانيا.
رفض أوكرانيا التنازل عن أي أراضٍ موقف مبدئي. لكنه أيضا غير واقعي حسب الوضع الآن. والتمييز الحاسم في أهميته هو بين التنازل الفعلي (تنازل الأمر الواقع) والتنازل القانوني عن الأراضي.
يحق لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عدم «الاعتراف القانوني» بضم روسيا لأراضٍ أوكرانية بالقوة. لكن قد يكون من الضروري الاعتراف الفعلي بالاحتلال الروسي لبعض الأراضي كواقع قاسٍ في سياق اتفاق سلام أوسع نطاقا.
ضمُّ الاتحادِ السوفييتي لدول البلطيق بعد عام 1940 لم يُعترف به أبدا بواسطة الولايات المتحدة ومعظم البلدان الأوروبية. ولكنه ظل حقيقة من حقائق الحياة إلى أن استعادت دول البلطيق استقلالها في نهاية المطاف.
عند التفكير بشكل أوسع نطاقا حول مستقبل أوكرانيا تدرك الحكومات الأوروبية الرئيسية أن الجدل لا يمكن أن يدور حول الأراضي فقط على الرغم من أهمية ذلك.
اقترح رئيس فنلندا اليكساندر ستاب، وهو لاعب مؤثر في الجهود الدبلوماسية الحالية، إطارا مفيدا للتفكير المستقبل ومستَمدَّا من تجربة بلده بعد خوضها حربين مع روسيا في أربعينيات القرن الماضي.
معاهدات السلام التي تم التوصل إليها في النهاية اشتملت على تنازل فنلندا عن حوالي 10% من أراضيها. كما اُجبِرَت فنلندا ما بعد الحرب أيضا على البقاء كدولة محايدة لتجنب استعداء موسكو. لكن، وهذا أمر بالغ الأهمية، احتفظت فنلندا باستقلالها القانوني وديمقراطيتها.
لقد مكَّنَها ذلك من التحول إلى بلد مزدهر وحرٍّ وناجح. ويشير الرئيس الفنلندي ستاب إلى أن ضمان مستقبل أوكرانيا يشتمل على التفكير حول ثلاث قضايا هي الاستقلال والسيادة والأراضي.
يعني استخدام ذلك الإطار وتجربة فنلندا أن أوكرانيا لا يلزمها تحقيق أهدافها كاملة (بنسبة 100%) في كل هذه المجالات الثلاثة لكي تخرج من هذه الحرب بمستقبل إيجابي. فإذا استطاعت أوكرانيا الحفاظ على استقلالها وديمقراطيتها قد يكون حينها تقديمُ بعض التنازلات عن أراضٍ «من باب الأمر الواقع» مؤلما ، ولكنه مقبول.
أيضا موضوع السيادة بالغ الأهمية. لقد طالبت روسيا بقيود بالغة الشدة على حرية كييف في رسم مسارها بما في ذلك فرض حدود على حجم وقدرات القوات المسلحة الأوكرانية وأيضا حظر انتساب (عضوية) أوكرانيا للناتو وربما الاتحاد الأوروبي.
من الواضح أن أوكرانيا لا يمكنها القبول بأية قيود عسكرية قد تضر بقدرتها على الدفاع عن نفسها. لكن إذا سُمِح لكييف بالسعي قُدُما لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي يمكن حينها سحب موضوع الناتو من الطاولة لبعض الوقت، خصوصا والواقع السياسي يقول إن عضوية أوكرانيا في حلف الناتو تبدو غير واقعية في المستقبل المنظور.
ثمة خطر واضح في قمة ألاسكا وهو أن بوتين فكَّر عميقا في كل هذه المسائل لبعض الوقت. أما ترامب فكما هي الحال دائما سيكون أكثر اهتماما بادِّعَاء الانتصار من التفكير في التفاصيل المملَّة للاتفاق.
لكن أي اتفاق في ألاسكا سيكون غالبا بداية لعملية وليس نهايتها. ويعلم الأوكرانيون والأوروبيون إنهم بحاجة إلى إرضاء ترامب واتِّباع استراتيجية تحتاج إلى وقت. هذا ليس خيارا عظيما، لكنه أفضل ما لديهم.
جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لا یمکن
إقرأ أيضاً:
اجتماع أوروبي أميركي أوكراني تحضيرا لقمة ترامب وبوتين
تستضيف برلين الأربعاء المقبل، اجتماعا افتراضيا يضم الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعددا من أبرز قادة أوروبا وأوكرانيا، إضافة إلى مسؤولي حلف شمال الأطلسي (ناتو).
ويهدف الاجتماع إلى توحيد المواقف قبل القمة المقررة الجمعة بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، لبحث سبل إنهاء الحرب على أوكرانيا المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة.
وقال شتيفان كورنيليوس المتحدث باسم المستشار الألماني فريدريش ميرتس، إن هذه المباحثات، التي دعت إليها برلين، ستتناول التحضير لمفاوضات سلام محتملة، والقضايا المتعلقة بالأراضي المتنازع عليها والضمانات الأمنية، فضلا عن خطوات إضافية للضغط على موسكو.
وستجري المحادثات على مرحلتين: الأولى بين القادة الأوروبيين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأمين العام للناتو مارك روته، والثانية لإطلاع ترامب ونائبه جاي دي فانس على نتائج المشاورات.
ويشارك في الاجتماع قادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبولندا وفنلندا، إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي، بينما شددت برلين على أن أي تسوية سلمية لا يمكن أن تتم من دون مشاركة أوكرانيا المباشرة.
وقال ترامب، اليوم الاثنين، للصحفيين، إن اجتماعه ببوتين في ألاسكا يوم الجمعة، سيكون لحث روسيا على إنهاء الحرب في أوكرانيا، وأضاف "سأتحدث إلى فلاديمير بوتين، وسأخبره بضرورة إنهاء هذه الحرب".
وذكر ترامب، أنه سيتم إجراء تبادل للأراضي بين روسيا وأوكرانيا وسيجري تغيير خطوط المعركة، وقال "شعرت بالاستياء من رد زيلينسكي بشأن مبادلة الأراضي"، مشيرا إلى أن زيلينسكي قد ينضم إلى اجتماع في المستقبل.
مخاوف أوروبيةوتأتي هذه التحركات وسط مخاوف أوروبية من أن تؤدي قمة ألاسكا إلى إبرام اتفاق بين واشنطن وموسكو على حساب كييف، خاصة بعد تصريحات ترامب التي أشار فيها إلى احتمال "تبادل أراض" بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء النزاع، وهو ما ترفضه كييف وحلفاؤها الأوروبيون.
إعلانوقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إنه "لا يمكن تغيير الحدود بالقوة، ولا يجوز اتخاذ أي قرارات بشأن تبادل أراض دون موافقة أوكرانيا".
كما شددت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس على أن "أي اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا يجب أن يشمل أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، لأنها قضية أمن أوكرانيا وأوروبا برمتها".
من جانبه، حذّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن التنازلات لروسيا لن تدفعها لإنهاء الحرب، مطالبا بالإبقاء على العقوبات الغربية حتى حصول بلاده على ضمانات أمنية قوية. وأضاف أن "روسيا ترفض وقف القتال، وعليه يجب ألا تحصل على أي مكافآت".
وبينما يسعى الأوروبيون إلى توحيد صفوفهم خلف كييف، يواصل بوتين تكثيف اتصالاته الدولية، إذ تحدث في الأيام الماضية إلى قادة الصين والهند والبرازيل، في حين تؤكد موسكو، أنها لن تقبل بأي اتفاق إلا إذا تخلت أوكرانيا رسميا عن أربع مناطق تسيطر عليها جزئيا، إضافة إلى شبه جزيرة القرم، وتوقفت عن تلقي الأسلحة الغربية وعن السعي للانضمام إلى الناتو، وهي شروط تعتبرها كييف "غير مقبولة".
ويقول الأمين العام للناتو، إن اجتماع الجمعة سيكون اختبارا لمدى جدية بوتين في إنهاء الحرب، بينما يرى فانس أن التسوية المرجوة "لن ترضي الجميع"، لكنها قد تكون خطوة أولى نحو وقف النزف البشري والميداني، في نزاع يعد الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وأسفر، حتى الآن، عن سيطرة القوات الروسية على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية.
ويرى محللون أن استعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا قد لا تتحقق عسكريا، وإنما بمسار دبلوماسي طويل. ويخشى مراقبون أوروبيون من أن يسعى ترامب في القمة إلى تقديم نفسه "صانع سلام" باتفاق قد يكون على حساب كييف وأمن أوروبا.