عربي21:
2025-08-14@05:46:49 GMT

المظلومية اليهودية وقتل الصحافيين

تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT

يوم الأحد الماضي اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي أنس الشريف ومحمد قريقع وأربعة صحافيين ومصورين آخرين في قطاع غزة. الحكومة في غزة قالت إن عدد الصحافيين الذين قتلهم جيش الاحتلال في القطاع بلغ 238 صحافياً.

العدد الكبير – قياساً لفترة الحرب ولعدد السكان ـ يؤهل إسرائيل لتحتل المرتبة الأولى في قتل الصحافيين في التاريخ، إذ لم يسبق أن قتل هذا العدد من الصحافيين خلال مثل تلك الفترة، وفي مثل تلك الظروف.



يحلو لبعض وسائل الإعلام الغربية أن تتحدث عن عمليات قتل الصحافيين، على أساس أنها حوادث عرضية، بسبب ظروف عملهم في الميدان، غير أن بيانات قيادة الجيش الإسرائيلي لم تبق لهؤلاء الاعتذاريين أي لغة يبررون بها ما يجري، بعد أن أعلن جيش الاحتلال أنه استهدف «الإرهابي أنس الشريف».

لا يحتاج المرء إلى عظيم ذكاء ليقول إن الهدف من قتل الصحافيين يتمثل في محاولات إسرائيل طمس الحقيقة، خاصة وأن حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو صادقت مؤخراً على إعادة احتلال قطاع غزة، وربما جاء اغتيال هؤلاء الصحافيين، في سياق الاستعدادات لتنفيذ جرائم حرب، مع اعتزام تلك الحكومة إعادة احتلال القطاع كاملاً.

ومع ارتباط جريمة اغتيال الصحافيين بمحاولات إسرائيل طمس آثار الجريمة، إلا أن هذه الجريمة مرتبطة بشكل جوهري بالاستراتيجية الإسرائيلية المتعلقة بالحفاظ على الصورة النمطية لـ«اليهودي المضطهد» في المخيال العالمي بشكل عام، والغربي بشكل خاص. إذ أنه لكي يستمر الدعم الغربي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ولكي يستمر التغاضي العالمي عن جرائم الاحتلال، لا بد من الحفاظ على صورة «الإسرائيلي الضحية» أو «الإسرائيلي المظلوم» أو «الإسرائيلي المضطهد»، وهي الصور التي تعد نُسَخاً مُحدَّثة من الصورة النمطية لـ«اليهودي المضطهد»، حيث تعمل آلة الدعاية الإسرائيلية على «احتكار المظلومية»، لكي يستمر التعتيم على جرائمها، ولكي يستمر الدعم القادم إليها من الغرب والولايات المتحدة.

ومن أجل ألّا تتكرس صورة أخرى عن مظلومية حقيقية اقترفها «المظلوم التقليدي» الناجي من الهولوكوست، ولكي لا تأخذ المظلومية الفلسطينية مكانها في الوجدان العالمي، مهددة «احتكار المظلومية» اليهودية كان لا بد من استهداف كل من يحاول تسليط الضوء على المظلومية الحية التي يعيشها الفلسطينيون، كل لحظة في عموم الأراضي الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص ما يواجهه الفلسطينيون في قطاع غزة من جرائم القتل والتهجير القسري والتطهير العرقي والتجويع، وهي الجرائم التي يؤرق توثيقُها المؤسسةَ العسكرية الإسرائيلية، لأنها تشكل دليلاً قاطعاً، ليس على وجود مظلومية فلسطينية وحسب، ولكن على أن «المظلومية اليهودية» التقليدية أصبحت وسيلة للتغطية على مظلومية تقترفها الحكومة الإسرائيلية التي تعد واحدة من أكثر الحكومات تطرفاً ووحشية، وانتهاكاً لحقوق الإنسان.

من هنا يمكن فهم عمليات الاستهداف المنظم التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي للصحافيين في قطاع غزة، حيث لم يعد الأمر مجرد سقوط صحافيين ضمن عمليات الجيش، بسبب وجودهم – عرضاً – ضمن العمليات العسكرية، كما يحلو للدعاية الإسرائيلية أن تبرر، بل تعدت المسألة ذلك إلى محاولة واضحة للتعتيم على جرائم الاحتلال في القطاع، بهدف نفي وجود أية سردية لمظلومية فلسطينية تزاحم «المظلومية اليهودية»، الأمر الذي يمكن ـ حسب المخاوف الإسرائيلية ـ أن يهدد الصورة النمطية لإسرائيل والإسرائيليين في الوعي الجمعي السياسي والثقافي والأكاديمي الغربي.

يذهب المؤرخ اليهودي سالو بارون إلى أن تصوير التاريخ اليهودي على أساس أنه «تاريخ من الدماء والدموع» فكرة لا يمكن تعميمها، لأن يهود الشرق الأوسط عاشوا ظروفاً جيدة نسبياً، ويرجع بارون إصرار المؤسسة الرسمية الإسرائيلية على تكريس «المظلومية اليهودية»، بأنه يأتي في سياق محاولات إسرائيل التغطية على «خطيئتها الأصلية» المتمثلة في «النكبة الفلسطينية».

وإذا كانت سردية المظلومية اليهودية مهمة لدولة الاحتلال، للتغطية على جرائم تلك الدولة في حق الفلسطينيين، وإذا كانت تلك السردية مفيدة لاستمرار الدعم الغربي فإن تلك السردية مهمة كذلك لكي تظل نار الحقد والغضب مشتعلة في القلوب، مع توجيه تلك النار وجهة تتناسب مع سياسات دولة الاحتلال وداعميها، إذ أن حضور «حقد المظلومية» لدى الوعي الجمعي داخل إسرائيل يساعد على تكريس وحدة الشعب، تحت عناوين «الدموع والدماء والاضطهاد والمظلومية»، وفقاً لخطط منظري المظلومية اليهودية داخل وخارج إسرائيل.

وفوق ذلك، يمكن لسردية المظلومية هذه أن تكشف لنا عن الأسباب الدفينة وراء العنف الوحشي الذي يمارسه جنود الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة، حيث إن تحول الجندي الإسرائيلي إلى كائن سادي، متعطش للدماء، يعشق مشاهد التعذيب والاضطهاد، هذا التحول والنزوع الإجرامي لدى الجندي الإسرائيلي يجد تفسيره في الضخ المدروس لسرديات المظلومية التي يبدو أن هذا الجندي ينطلق منها، أثناء اقترافه لجرائمه، متمثلاً تاريخاً من المظلومية الحقيقية والافتراضية، وهو تمثل في غير محله، إذ أن السياق التاريخي والجغرافي لتلك المظلومية اليهودية لا ينطبق على فلسطين والفلسطينيين، ولا على العرب والمسلمين، بشكل عام.

وعلى الرغم من أن سياق «المظلومية اليهودية» هو سياق غربي لا شرقي، وعلى الرغم من أن اليهود في الشرق العربي والإسلامي لم يتعرضوا لما تعرض له نظراؤهم في الغرب، إلا أن المؤسسات الرسمية في إسرائيل ـ بمستوياتها المختلفة ـ تحاول أن تعيد كتابة التاريخ، بشكل يجعل العرب والفلسطينيين شركاء في وجود «المظلومية اليهودية»، في مسعى من تلك المؤسسات لإيجاد تبرير سياسي ووجداني للجرائم الإسرائيلية المرتكبة في حق الفلسطينيين الذين يقول إدوارد سعيد إنهم أصبحوا «ضحية الضحية»، على اعتبار أن الفلسطيني ضحية لليهودي «الغربي» الذي هو بدوره ضحية للنازية الغربية.

وبالعودة إلى بداية المقال يمكن أن نخلص ـ بشكل سهل ـ إلى أن قتل الصحافيين سياسة إسرائيلية واضحة تندرج ضمن استراتيجية أكبر لمنع تكريس أية مظلومية فلسطينية، يمكن أن تزاحم «المظلومية اليهودية»، وهي المظلومية التي تستنزفها إسرائيل بشكل كثيف، مع تداعي دول ومؤسسات دولية معتبرة للعمل على وقف جرائم أصحاب «المظلومية اليهودية» التاريخية في حق أصحاب «المظلومية الفلسطينية» المعاصرة.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الاحتلال غزة غزة الاحتلال العدوان انس الشريف مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قتل الصحافیین قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

قنبلة إسرائيل الكبرى التي ألقاها نتنياهو

لم يكن مستغربا أن يعلن أقطاب تيار الصهيونية الدينية واليمين المتطرف في إسرائيل مرارا عن رغبتهم في تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" و"أرض الميعاد"، خاصة منذ بدء حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة.

وكان اقتصار هذه التصريحات على وزراء وأعضاء الكنيست التابعين لهذا التيار حجة لدى المدافعين عن إسرائيل، باعتبار أن هذه التصريحات لا تمثل الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية ولا تمثل تحولا في الرؤية الإستراتيجية للمؤسسة الإسرائيلية الرسمية تجاه محيطها وتجاه الإقليم عموما.

لكن تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الأخيرة لشبكة i24 الإسرائيلية عكست تحولا جذريا في السردية الإسرائيلية الرسمية التي يمثلها رئيس الحكومة شخصيا، وتبنيا رسميا لأول مرة طموحات تيار الصهيونية الدينية التي لا ترى لإسرائيل أفقا بين جيرانها العرب، وإنما ترى في الأفق دولة توراتية كبرى تبني أطروحاتها بناء على الأساطير الدينية التوراتية المتعلقة بأرض الميعاد، والمسيح المنتظر ونهاية العالم والألفية السعيدة.

خلال مقابلته، قال نتنياهو إنه يشعر أنه في مهمة تاريخية وروحانية ترتبط بأجيال اليهود عبر العصور، حيث اعتبر أنه هنا "بتفويض من أجيال من اليهود".

ولما سأله الصحفي ما إذا كان هذا يشمل رؤية إقامة "إسرائيل الكبرى" أجاب بالموافقة بكل ثقة. لتخرج علينا صحيفة (زمان يسرائيل) بعنوان مركزي: "نتنياهو يقول إنه في مهمة تاريخية وروحية ويُقر برؤية إسرائيل الكبرى".

وجاء في الخبر أن نتنياهو قال في المقابلة إنه يشعر بالارتباط الشديد برؤية "إسرائيل الكبرى" التي تشمل ما كان يفترض أن يكون دولة فلسطينية مستقبلية- في اتفاقية أوسلو- إضافة إلى أجزاء من الأردن ومصر.

لا يمكن فصل هذه التصريحات عن طبيعة الموقف الذي قيلت فيه، فالصحفي الذي أجرى المقابلة مع نتنياهو هو الإعلامي المعروف شارون غال، وهو عضو كنيست سابق عن حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني الذي يرأسه أفيغدور ليبرمان.

إعلان

وخلال المقابلة، قدم شارون غال لنتنياهو هدية تعبر حسب كلامه عن أحد الأمور التي حلم غال بها طوال حياته، وهي خريطة الأرض الموعودة، وكانت الهدية تميمة يحملها أتباع اليمين المتطرف تحمل خريطة إسرائيل الكبرى المعروفة باسم "أرض الميعاد" التي تشمل المساحة بين النيل والفرات، وسأله غال عند إهدائه هذه الهدية: (هل أنت تؤمن بهذه الرؤية؟) أي رؤية "أرض الميعاد" و"إسرائيل الكبرى"، فأجاب نتنياهو مرتين متتاليتين: "جدا".

هناك واحد من احتمالين اثنين لما رأيناه في هذه المقابلة، الاحتمال الأول أن يكون نتنياهو وشارون غال متفقين تماما على سيناريو الحوار والمقابلة ليكشف نتنياهو توجهاته الجديدة على الملأ بهذا الأسلوب دون أن يبدو ذلك مقصودا.

وهذا أمر لا أستغربه على شخص مثل نتنياهو بما هو معروف عنه من تلاعب وخبث، وبذلك فإن نتنياهو كان يريد أن يظهر في هذا الحوار بصورة الشخص الذي يكاشف الجمهور لأول مرة بمكنونات نفسه، وبما يعتبره "إخلاصا" عميقا للرؤية الدينية التوراتية للصراع، ولا يتورع عن كشف هذا الجانب في شخصيته عندما يوضع تحت السؤال، وفي هذه الحالة فإن نتنياهو يحاول الحصول على تعاطف جمهور الصهيونية الدينية بشكل أكبر من السابق، ربما في سياق حملته على قطاع غزة.

الاحتمال الثاني أن نتنياهو بالفعل لم يكن يتوقع السؤال، وأنه وجد نفسه في موقف يحتم عليه أن ينحاز لأحد الطرفين: الصورة العلمانية القومية المعروفة لحزبه ودولته، أو الصورة الدينية التوراتية التي بات صوتها يعلو من قبل التيارات الدينية اليمينية وعلى رأسها الصهيونية الدينية.

وفي هذه الحالة فإن شارون غال كان ذكيا بحيث وضع فخا لنتنياهو لكشف حقيقة نظرته السياسية والروحانية الشخصية فيما يتعلق بالرؤية الدينية التوراتية التي يستند إليها اليمين المتطرف في تعامله مع مجريات الصراع.

ونتنياهو معروف بمهارته المعهودة بالتخلص من أي موقف لا يرغب فيه أو يورط نفسه بتصريح من هنا أو هناك، ولطالما نأى بنفسه عن تصريحات أعضاء حكومته من تيار الصهيونية الدينية، وعلى رأسهم سموتريتش وبن غفير المثيرة للجدل حول أحلام إسرائيل الكبرى، والسيطرة على المسجد الأقصى، وضم الضفة الغربية، والسيطرة على الأردن، ولبنان، ومصر، وسوريا وغير ذلك.

لكنه في هذه المقابلة، وأمام "هدية" شارون غال المرتبطة برؤية إسرائيل الكبرى لم يكن أمامه إلا طريقان: إما أن يحاول التلون والالتفاف على الأمر، ويحافظ على صورة إسرائيل العلمانية التي طالما تفاخر بها الإسرائيليون منذ عهد بن غوريون، أو أن يستفيد من هذه الفرصة ويجعل هذه المقابلة حجر زاوية لإعلان انحيازه التام إلى رؤية الصهيونية الدينية، وإعلان تغيير السياسة الرسمية الإسرائيلية لتكون قائمة على الأسطورة التوراتية التي ينادي بها تيار الصهيونية الدينية.

ويكون ذلك إعلانا لدولة جديدة ثيوقراطية بعيدة عن الصورة الأوروبية العلمانية التي لطالما حاول الإسرائيليون تسويقها أمام العالَم، سواء كان هذا في سياق بحث نتنياهو عن الشعبوية في أوساط اليمين في إسرائيل، أو في أوساط المؤيدين لإسرائيل من اليمين المسيحي المتطرف في العالم.

إعلان

ومن الواضح هنا أن نتنياهو اختار الطريق الثاني، فأعلن انحيازه للسردية الدينية التي يمثلها تيار الصهيونية الدينية، ليكون بذلك العضو الأحدث في هذا التيار داخل حزب الليكود.

فالمعروف أن تيار الصهيونية الدينية بدأ مشواره السياسي من داخل حزب الليكود، حيث عمل الليكود على الاستفادة من هذا التيار بنفس القدر الذي عمل فيه التيار على الاستفادة من الليكود على مدى عشر سنوات تقريبا، فاستغل كل منهما قوة الآخر وقربه إلى حد ما من أطروحات الطرف الآخر، ودخل أعضاء كثر من تيار الصهيونية الدينية داخل حزب الليكود، وعملوا على نشر أفكاره بين أعضاء الحزب، وتحويل اتجاه الليكود إلى مسار الصهيونية الدينية.

ثم شكل أقطاب هذا التيار حزبهم الخاص المتمثل في حزب "الصهيونية الدينية" بزعامة سموتريتش وحزب "القوة اليهودية" بزعامة بن غفير بعد شعورهم بأن قوة حضورهم في الشارع تسمح لهم بالاستقلال عن الليكود.

بيد أن هذا لا يعني اختفاء هذا التيار من صفوف حزب الليكود، فهو لا يزال يتمتع بحضور قوي في حزب الليكود من خلال شخصيات مثل الوزير دودي أمسالم (وزير التعاون الإقليمي)، وأعضاء الكنيست عميت هاليفي (عرّاب مشروع قرار تقسيم المسجد الأقصى)، وماي جولان، ونسيم فيتوري، وأرييل كيلنر، وأفيخاي بوآرون.

ويمكننا القول اليوم إن نتنياهو بتصريحاته الأخيرة يكشف انضمامه الكامل لهذا التيار ليعلن تقريبا أن حزبه أصبح جزءا من تيار الصهيونية الدينية ويحمل أفكاره ويروج لها.

نتنياهو كان يعلم أبعاد كلامه، وكان يقصد كل كلمة قالها في هذه المقابلة، فهو يعلم أن عبارة "إسرائيل الكبرى" أو "أرض الميعاد" تشمل أراضي دول كان يتفاخر دائما بعلاقته الدبلوماسية معها، وعلى رأسها الأردن، ومصر الملتزمتان باتفاقيات سلام مع إسرائيل، إضافة إلى أجزاء من السعودية التي لطالما تبجح بسعيه لإقامة علاقات دبلوماسية معها، فضلا بالطبع عن لبنان، وسوريا، والعراق.

وبذلك فإن نتنياهو إذ يعلن التزامه بهذه الرؤية فإنه يذهب إلى درجة إعلان تحلله من أي التزامات مسبقة لدولته سواء مع دول الإقليم أو العالم.

لا يمكن لنتنياهو التظاهر بأنه – على سبيل المثال – لم يكن يقصد "إسرائيل الكبرى" بمفهومها التوراتي، حتى وإن حاول هو أو بعض حلفاء إسرائيل أو المدافعون عنها التخفيف من وطأة تصريحاته تلك، وذلك لأن تصريحاته جاءت في إطار التعليق على تميمة "إسرائيل الكبرى" التي أهداه إياها شارون غال خلال المقابلة، وهي تميمة تحمل خريطة إسرائيل الكبرى التي تشمل أجزاء من تلك الدول العربية.

ورد نتنياهو على ذلك لم يكن مجرد تعبير دبلوماسي أو حتى إشارة عامة، وإنما كان تعبيرا عميقا عن قناعة مطلقة، وذلك ما تمثله كلمة "جدا" التي استعملها مرتين، إضافة إلى انطلاقه بعدها فورا لاستذكار والده والجيل المؤسس للدولة بشكل عاطفي يضفي صبغة أيديولوجية عميقة على هذا المفهوم.

ولعل موقف الأردن الذي سارع بالاحتجاج على هذه التصريحات ورفضِها مؤشرٌ على شعور الأردن بالتهديد المباشر من هذه التصريحات، وهذا يعني أن رسالة نتنياهو وصلت بالفعل، وأنها فُهِمَت بالضبط كما كانت دون مواربات ولا تبريرات، وخاصة على الصعيد الرسمي.

والواجب الآن على المحيط الإقليمي الرسمي أن يتعامل مع هذه التصريحات باعتبارها تشكل اتجاها سياسيا إسرائيليا رسميا جديدا لم يعد مقصورا على سموتريتش وبن غفير.

هذا الاتجاه العدائي الواضح تجاه المحيط العربي يستلزم وقفة جادة في وجهه قبل أن يستفحل الأمر أكثر من ذلك، وهذه الوقفة ينبغي أن تتجاوز التنديدات والتصريحات السياسية والإعلامية إلى إجراءات حقيقية على الأرض، أولها وأهمها كشف ضعف الموقف الإسرائيلي في حال واجهَ محيطا عربيا وإسلاميا موحدا، والملف الوحيد الذي يمكن أن يقلب المعادلة هنا هو كسر الحصار على غزة دون أي اعتبار لموافقة أو رفض نتنياهو ومستوطني حكومته.

إعلان

أما إن بقي الموقف العربي الباهت الضعيف على ما هو عليه، فإن نتنياهو سيتمادى أكثر وأكثر، وما دام اليوم قد كسر الخطوط الحمراء بإعلان التزامه العميق برؤيته التوراتية لإسرائيل الكبرى على حساب الدول العربية المجاورة، فإن الصمت والخذلان سيغريانه بتجاوز خطوط أخرى، وتحويل الهوس الديني الذي يمثله اليوم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وعميحاي إلياهو بأن يصبح الخط الرسمي لإسرائيل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • سلطنة عُمان تُدين التصريحات الإسرائيلية حول ما يُسمى بـ إسرائيل الكبرى
  • مصر تطلب إيضاحات للتصريحات الإسرائيلية عما يسمى "إسرائيل الكبرى"
  • رئيس الأركان الإسرائيلي يزور المواقع التي تسيطر عليها إسرائيل في جنوب لبنان: نفذنا أكثر من 600 غارة
  • قنبلة إسرائيل الكبرى التي ألقاها نتنياهو
  • قطر تعرب عن إدانتها واستنكارها لتصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بشأن ما يسمى بـ"رؤية إسرائيل الكبرى"
  • في ذكراه.. قصة تحول سمير الإسكندراني من اليهودية إلى الإسلام
  • ارتفاع حصيلة الشهداء الصحافيين في غزة إلى 238 شهيداً
  • رئيس الوزراء القطري يدين استهداف إسرائيل الصحافيين في غزة
  • غزة: ارتفاع عدد شهداء الصحافيين إلى 238 جراء المجازر الإسرائيلية