يقارن الصحفي الأميركي دانيل غولدن بين الهجوم الذي تعرضت له إذاعة صوت أميركا من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا، وبين ما جرى لها منتصف خمسينيات القرن الماضي.

ففي التقرير التالي الذي نشر بمجلة جامعة كولومبيا للصحافة، يورد غولدن التفاصيل التي جرت قبل أكثر من 70 عاما، وما تركته من آثار ونتائج كارثية على كثير من الذين كانوا يعملون في إذاعة صوت أميركا آنذاك.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2القصة الكاملة عن اختفاء صحفي أميركي في سوريا منذ 13 عاما وحتى الآنlist 2 of 2نتائج مفاجئة لتصرفات روبوتات الذكاء الاصطناعي في محاكاة منصات التواصلend of list

في جلسات استماع بثت على محطات التلفزيون الأميركية، شن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون هجوما لاذعا على إذاعة صوت أميركا. واتهموا ذراع البث الدولي للإدارة الأميركية بإيواء المخربين، وإهدار أموال دافعي الضرائب، والتغاضي عن معاداة السامية، وتعريض الأمن للخطر بالاعتماد على عاملين أجانب، وتشويه صورة البلد الذي من المفترض أن يخدموه.

واستجوب رئيس اللجنة المديرين التنفيذيين في صوت أميركا، والمديرين المتوسطين، وحتى محرري النصوص، وركز على صلاتهم المزعومة باليسار وعلى النصوص والكلمات التي يعتبرها غير أميركية. واعلن: "نعتزم.. الكشف عن حالات التكرار والهدر وعدم الكفاءة والتخريب، وبعبارة أخرى، وضع الصورة الكاملة على الطاولة".

انتحار أحد المهندسين

تلك الجلسات التي شغلت الرأي العام في أميركا لم تكن جزءا من الحملة الأخيرة التي شنتها إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد إذاعة صوت أميركا، فقد عقدت في عام 1953، وكان رئيس اللجنة الذي أدارها هو السيناتور جوزيف مكارثي من ولاية ويسكونسن، الذي كان آنذاك في ذروة سلطته. وعلى الرغم من أن مزاعمه كانت في الغالب غير مدعومة بأدلة، فإن الخوف من غضبه كان شديدا لدرجة أن قادة الوكالة التي تتبع لها صوت أميركا استقالوا، وطُرد العديد من الموظفين، وانتحر أحد المهندسين.

وتعد جلسات الاستماع، التي عقدها مكارثي بشأن إذاعة صوت أميركا والتي استمرت 5 أسابيع وشملت إفادات 60 شاهدا، والتي كادت أن تُنسى اليوم، فصلا مبكرا ومزعزعا في تاريخ هذه الإذاعة الذي يمتد لـ83 عاما.

إعلان

ورغم نجاح صوت أميركا، الذي يتجلى في حجم جمهورها -361 مليون شخص أسبوعيا في جميع أنحاء العالم حتى فبراير/شباط الماضي- والجهود التي بذلها خصومها السابقون والحاليون مثل الاتحاد السوفياتي والصين وإيران وكوريا الشمالية لتشويش إشارتها، فقد كانت دائما هدفا للانتقادات الداخلية التي تفضل رسالة وطنية أكثر صراحة.

فقد قام الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان بما سماه حملة تطهير استهدفت كبار مديري صوت أميركا، وحاول ترامب السيطرة على تغطيتها في ولايته الأولى قبل أن يقرر هذا العام إسكات ما سماه "صوت أميركا المتطرفة" وتخفيض عدد موظفيها بنسبة 85%.

وبحسب الصحفي غولدن، تبدو النصوص التي تزيد على 1200 صفحة من جلسات الاستماع التي أجراها ماكارثي، معاصرة بشكل لافت، وتظهر مدى ضآلة التغيير في الخطاب المحيط بصوت أميركا.

جواسيس وأكاذيب وسوء إدارة

في جلسة استماع بالكونغرس في 25 يونيو/حزيران الماضي بعنوان "جواسيس وأكاذيب وسوء إدارة"، اشتكت كاري ليك، المسؤولة في إدارة ترامب المكلفة بتفكيك صوت أميركا، من أن المحطة ابتعدت عن "أيام مجدها" خلال الحرب الباردة، قبل أن تصبح "معادية لأميركا".

كاري ليك: صوت أميركا ابتعدت عن أيام مجدها خلال الحرب الباردة، قبل أن تصبح معادية لأميركا (الفرنسية)

في الواقع، منذ عام 1947، كان أحد أعضاء الكونغرس الجمهوريين يشوه سمعة الشبكة بوصفها "صوت اليسار المتطرف "، وبالنسبة لمكارثي، كانت "صوت موسكو". إذ قال لاري تاي، كاتب سيرة ماكارثي، "كان من الواضح في عهد ماكارثي أنه كان يصفق لأي شيء معاد للشيوعية، سواء كان صحيحا أم لا. ولم يكن ما ذكر صحيحا عن واحدة من أكثر وسائل الإعلام فعالية في مكافحة الشيوعية ونقل الحقيقة، وهي صوت أميركا".

ويعتقد غولدن أن ما أزعج منتقدي صوت أميركا حقا -في ذلك الوقت والآن- هو الحياد الصحفي لوسيلة الإعلام الممولة من الحكومة، والذي يعود إلى تأسيسها في عام 1942 لمواجهة الدعاية النازية. إذ بدأ بثها الأول إلى ألمانيا بوعد: "قد تكون الأخبار جيدة لنا. قد تكون الأخبار سيئة. لكننا سنقول لكم الحقيقة". وعلى مر السنين، تعزز استقلالها بفضل جدران الحماية، فقد تعهد ميثاقها، الذي صيغ في عام 1960 وأُدرج كقانون في عام 1976، بتغطية إخبارية "دقيقة وموضوعية وشاملة"، وحماها قانون البث الدولي لعام 1994 من التدخل السياسي.

وقال دونالد ريتشي المؤرخ الفخري في مجلس الشيوخ "شعر بعض المحافظين أن صوت أميركا يجب ألا يقول أي شيء سلبي عن الولايات المتحدة. بينما رأى الطرف الآخر أنه يجب تقديم الأخبار بموضوعية.. واستمر هذا الجدل حتى يومنا هذا".

مصدر موثوق

كانت صوت أميركا أحد أوائل أهداف ماكارثي بعد فوز الجمهوريين بالسيطرة على مجلس الشيوخ في انتخابات عام 1952، مما جعله رئيسا للجنة مجلس الشيوخ المعنية بالعمليات الحكومية ولجنتها الفرعية الدائمة للتحقيقات.

وروي كوهن، كبير مستشاري اللجنة الفرعية، الذي بلغ السادسة والعشرين من عمره أثناء جلسات الاستماع، والذي أصبح بعد عقود مرشدا لمطور عقاري صاعد يدعى دونالد ترامب، اختبأ في فندق والدورف أستوريا في مانهاتن وأجرى مقابلات مع موظفين ساخطين من مكتب صوت أميركا في نيويورك، أطلقوا على أنفسهم اسم "الموالون السريون"، واتهموا زملاءهم الذين اشتبهوا في تعاطفهم مع الشيوعية.

إعلان

وتلاعب مكارثي بالجلسات، التي بدأت في منتصف فبراير/شباط 1953، لصالحه. إذ قام بفحص الشهود المحتملين في جلسات تنفيذية، واستبعد المبلغين والمعارضين الأقل إقناعا. ثم سرب أبرز ما جاء في هذه "البروفات" إلى الصحفيين الموالين له، وفقا لكتاب تاي، "الديماغوجي: حياة وظلال طويلة للسيناتور جو مكارثي". واستجوب مكارثي وكوهن الشهود حول عرائض وقعوا عليها قبل عقود، أو خلال حفلات عشاء حضروها وكان من المفترض أنها برعاية جبهات شيوعية. وشهد أحد الشهود أن أحد موظفي اللجنة سلمه مذكرة استدعاء في منتصف الليل.

وقال هوارد فاست، وهو كاتب يساري كان يحرر أخبارا لصوت أميركا قبل عقد من الزمن خلال الحرب العالمية الثانية: "كان هناك طرق على الباب ورنين بالجرس، مما أيقظ أطفالي وأرعبهم". وقد بثت محطة إن بي سي جلسات الاستماع العامة على الهواء مباشرة من الساعة الثانية بعد الظهر حتى الرابعة مساء.

لا جواسيس في صوت أميركا

ورغم كل التهديدات، لم يعثر مكارثي على أي جواسيس في صوت أميركا. ووفقا لنيكولاس كول، المؤرخ في جامعة جنوب كاليفورنيا المتخصص في دور وسائل الإعلام الجماهيرية في السياسة الخارجية الأميركية، فمع تحول البلاد لمواجهة التهديد الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية، كان العديد من موظفي صوت أميركا يميلون بالفعل إلى التساهل مع الاتحاد السوفياتي. ولكن بحلول عام 1953، أدت سنوات من التطهير السياسي في صوت أميركا إلى إقصاء معظم اليساريين.

الكاتب: على الرغم من كل التهديدات، لم يعثر مكارثي على أي جواسيس في صوت أميركا (الفرنسية)

وأوضح كول: "لم يكشف مكارثي عن أي شيوعي يحمل بطاقة عضوية داخل صوت أميركا، بدلا من ذلك، الأشخاص الذين كانوا يشعرون بالحرج هم مجرد أشخاص مختلفين اجتماعيا". ومن بين هؤلاء، على سبيل المثال، مدير البرامج الدينية في صوت أميركا الذي اتهمه مكارثي بأنه ملحد، واقترح أنه "قد يؤدي عمله بشكل أفضل إذا كان من رواد الكنيسة بانتظام". وقد أدلى المدير، الذي كان يحمل درجة الدكتوراه في الدين من جامعة كولومبيا، ودرس مع الطبيب النفسي كارل يونغ واللاهوتي بول تيليش، بشهادته أنه يؤمن بالله، وأنه ما كان ليقبل الوظيفة لولا ذلك.

ولقد فحص مكارثي نصوص صوت أميركا وطريقة اختيار الكلمات بدقة شديدة مثل أي مصحح لغوي. فعلى سبيل المثال، أراد أن يعرف ما إذا كان أحد المحررين في مكتب أخبار صوت أميركا، الذي استبدل كلمة "ديمقراطي" بكلمة "مناهض للشيوعية" لوصف الحشود في غواتيمالا التي كانت تهتف لتنصيب الرئيس أيزنهاور، كان "يخفف" من حدة الخبر لأنه متعاطف مع الشيوعية. ونفى المحرر هذه المزاعم، قائلا إنه يستخدم كلمة "مناهض للشيوعية" كثيرا، لكنه غيرها في هذه الحالة ليعبر عن "رد الفعل العفوي للشعب الغواتيمالي".

إهدار ملايين الدولارات 

كانت العديد من الشكاوى حول صوت أميركا عادية وتقنية، لكن مكارثي عززها بغموض شرير. وخصص جزءا كبيرا من الجلسات الافتتاحية لجلسات الاستماع، في فبراير/شباط 1953، لادعاءات مهندس سابق في صوت أميركا، لويس ج. ماكيسون، بأن الشبكة تهدر ملايين الدولارات من خلال وضع محطة إرسال في منطقة سياتل، حيث الظروف الجوية تعطل موجات الراديو، بدلا من وضعها في شمال كاليفورنيا ( ). وبعد أيام، أوقفت الحكومة المشروع، مما يؤكد نفوذ مكارثي.

وفي عام 2003، بعد نصف قرن من جلسات الاستماع التي عقدها مكارثي، نشرت اللجنة الفرعية التي كان يرأسها محاضر جلسات الاستماع المغلقة. وكتب السيناتوران كارل ليفين وسوزان كولينز، في ما بدا في ذلك الوقت أنه الحساب النهائي لتلك اللحظة التاريخية: "أدى حماس السيناتور مكارثي لكشف التخريب والتجسس إلى تجاوزات مقلقة". "تكتيكاته التخويفية دمرت حياة أشخاص لم يكونوا متورطين في التسلل إلى حكومتنا.. هذه الجلسات جزء من ماضينا الوطني لا يمكننا أن ننساه ولا أن نسمح بتكراره".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات إذاعة صوت أمیرکا جلسات الاستماع فی صوت أمیرکا مجلس الشیوخ فی عام

إقرأ أيضاً:

ترامب يشيد بما حققه لاقتصاد أميركا رغم تآكل ثقة الناخبين

يختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يتحدث عن "أسعار تنخفض بشكل هائل"، بينما تظهر استطلاعات الرأي ووجوه الناخبين شيئا مختلفا تماما.

في كازينو بولاية بنسلفانيا، يقف الرئيس الجمهوري أمام حشد من أنصاره ليعلن أنه لا يحمل "أولوية أعلى من جعل أميركا قابلة للعيش مجددا"، في وقت تقول فيه استطلاعات رأي إن ثقة الأميركيين بإدارته الاقتصادية تتراجع.

وبينما يحاول ترامب تحويل النقاش إلى شعاراته المفضلة عن الهجرة والرسوم الجمركية و"أميركا أولا"، تبقى أرقام التضخم، وأسعار السلع الأساسية، ومخاوف الإيجار والرعاية الصحية حاضرة في حياة ملايين الناخبين. وفي الخلفية، يتنامى قلق داخل الحزب الجمهوري نفسه من أن يتحول ملف تكاليف المعيشة إلى نقطة ضعف قاتلة في انتخابات منتصف الولاية عام 2026.

وعود وتصعيد في نبرة الإنكار

ويقدّم ترامب نفسه في خطابه على أنه الرئيس الذي "لا يملك أولوية أعلى من جعل أميركا قابلة للعيش مجددا"، وأكد أمام أنصاره أن "الأسعار تنخفض بشكل هائل"، وأن إدارته "تجلب الأسعار إلى الأسفل بدرجة كبيرة"، في محاولة لطمأنة الناخبين القلقين من تكاليف المعيشة المتصاعدة.

ترامب لدى وصوله إلى منتجع ماونت إيري كازينو في بنسلفانيا لإلقاء خطاب اقتصادي لطمأنة الناخبين (الفرنسية)

وتذكر "بي بي سي" أن الرئيس تحدث أمام تجمّع ذي طابع انتخابي، مؤكّدا أن الوقود وأسعار البيض تراجعت بالفعل، لكنه تجاهل في المقابل أن كثيرا من أسعار المواد الغذائية الأخرى، إضافة إلى السكن ورعاية الأطفال والرعاية الصحية، ما تزال مرتفعة بنظر الأميركيين.

وتوضح وكالة الصحافة الفرنسية أن ترامب، خلال الحدث نفسه في كازينو ريفي في ماونت بوكونو، سعى إلى التقليل من أهمية الخطاب الديمقراطي حول الغلاء، فوصف الحديث عن "عدم قدرة الأميركيين على تحمّل تكاليف المعيشة" بأنه "خدعة من الديمقراطيين"، قبل أن يقرّ في جملة أخرى بأن الأسعار "ارتفعت كثيرا"، ويقول للحضور: "لا يمكنني القول إن ارتفاع تكاليف المعيشة خدعة، لأنني أتفق بأن الأسعار ارتفعت كثيرا… لكنهم يستخدمون كلمة تكاليف المعيشة وهذه الكلمة الوحيدة التي يعرفونها". ويصرّ، وفق الوكالة الفرنسية، على أن "أسعارنا تنخفض بشكل هائل عن أعلى أسعار سُجّلت في تاريخ بلدنا".

أرقام لا تصدّق الرواية الرسمية

وبينما يتحدث ترامب عن "أسعار تهبط بقوة"، تشير بيانات إلى أن التضخم في الولايات المتحدة بلغ في أيلول/سبتمبر نحو 3% على أساس سنوي، أي أعلى من هدف الاحتياطي الفدرالي البالغ 2%.

إعلان

وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة مرتين، لتستقر عند نحو 3.9%، في محاولة لموازنة كبح التضخم ومنع خنق النمو.

وتلفت "بي بي سي" إلى أن الأسعار الإجمالية ارتفعت بنحو 25% خلال السنوات الخمس الماضية، في حين تشير شبكة "سي إن إن" إلى أن تكاليف البقالة والإيجار تحديدا ارتفعت بنحو 30% خلال الفترة نفسها، استنادا إلى بيانات مكتب إحصاءات العمل الأميركي. كما تنقل "بي بي سي" عن استطلاع مشترك لـ"سي بي إس نيوز" و"يوغوف" أن نسبة الموافقة على أداء ترامب الاقتصادي تراجعت بنحو 15 نقطة منذ مارس/آذار، لتصل إلى 36%. وفي استطلاع آخر لـ"بوليتيكو"، تقول "بي بي سي" إن نصف الناخبين تقريبا -بما في ذلك 4 من كل 10 ممن صوّتوا لترامب عام 2024- يرون أن تكاليف المعيشة هي "الأسوأ في حياتهم".

وتشير "سي إن إن" في تحليل سياسي إلى أن ثقة الناخبين بأداء الرئيس في الاقتصاد تتآكل، إذ تُظهر استطلاعات مختلفة أن المزاج العام "قاتم"، وأن مؤشرات الثقة الاستهلاكية تقترب من مستويات متدنية، على الرغم من اقتراب سوق الأسهم من قمم تاريخية وتوقّعات نمو تقارب 1.9% هذا العام بعد 2.8% في العام السابق.

وتضيف الشبكة أن ترامب، عندما سُئل في مقابلة مع "بوليتيكو" عن التقييم الذي يمنحه لاقتصاد بلاده، أجاب: "إيه +++++"، في عبارة تحذّر "سي إن إن" من أنها قد تتحول إلى جملة تُستعاد لاحقا إذا خسر الجمهوريون السيطرة على الكونغرس.

استطلاعات الرأي تكشف تراجع الثقة بقدرة الإدارة الحالية على معالجة أزمة القدرة الشرائية للمواطنين (الفرنسية)ناخبون بين فقدان الوظائف وغلاء متصاعد

وتجمع تقارير ميدانية لـ"بي بي سي" و"سي إن إن" شهادات لناخبين يعيشون التوتر اليومي بين دخل لا يكفي وغلاء متصاعد. فـ"بي بي سي" تنقل عن ألينـا هانت، البالغة 37 عاما من أوكلاهوما سيتي، أنها فقدت وظيفتها في شركة إنشاءات في أبريل/نيسان، جزئيا بسبب الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على الفولاذ والألومنيوم، ما ضرب قطاع البناء مبكرا.

وتقول إنها تقدمت لما لا يقل عن 75 وظيفة بدون جدوى، وإن ارتفاع فاتورة البقالة بنحو 25 دولارا أسبوعيا يزيد الضغط على ميزانيتها، قبل أن تضيف: "كنت قادرة على تدبّر أموري بسهولة أكبر في السنوات السابقة… لا أشعر أن الحكومة الفدرالية تستمع على الإطلاق".

وفي تقرير آخر، تورد "بي بي سي" شهادة بيث ريتشاردسون (45 عامًا) من كنساس، التي تتحدّث عن صدمتها من أسعار سلع بسيطة في متجر البقالة، بما في ذلك علبة علكة وصلت إلى نحو 5 دولارات مع الضرائب، لتعلق ساخرة: "قلت لنفسي، سأذهب وأموت الآن، فهذا لا يمكن أن يكون حقيقيا". وتقول ريتشاردسون، التي فقدت عملها في شركة تكنولوجيا نقلت وظائفها إلى الخارج، إنها تدرك أن الرؤساء لا يتحكمون في كل القوى الاقتصادية، لكنها تشعر أن سياسات التعرفة الجمركية "تطلق النار على أقدامنا".

في المقابل، تنقل "بي بي سي" عن ناخبين مؤيدين لترامب أنهم "يشعرون بالضغط" لكنهم ما زالوا يمنحونه "فائدة الشك". فالعامل جون موهرينغ (60 عاما) من ولاية ويسكونسن يقول إنه يدفع الآن نحو 100 دولار أسبوعيا على البقالة لنفسه فقط، حتى مع تجنّب شراء اللحوم والتركيز على السلع الأرخص، لكنه يظل مؤيدا للرسوم الجمركية وسياسات الحدود، قائلا إنه يمنح الرئيس "فرصة أخرى".

إعلان

وتشير "بي بي سي" كذلك إلى مزارع الذرة وفول الصويا براد سميث من إلينوي، الذي تضرر عندما جمدت الصين، في إطار حرب تجارية، مشتريات فول الصويا الأميركي، قبل أن يعود السوق تدريجيا بعد اتفاق تجاري واستئناف جزء من الصادرات، ليقول إنه لا يزال "يؤمن بخطط ترامب الاقتصادية" على الرغم من الضرر الذي لحق به.

وتضيف "سي إن إن" صوتا آخر من بنسلفانيا، هي لين فايدنر، المسؤولة النقابية في قطاع الرعاية الصحية، التي تقول إنها سمعت ترامب يعد بجعل الأشياء ميسورة عندما كان مرشحا، ثم تسمعه الآن يصف مسألة القدرة على تحمّل تكاليف العيش بأنها "خدعة"، لتعلق: "هذا لا يبدو منطقيا بالنسبة لي"، مؤكدة أنها تجد صعوبة متزايدة في تغطية نفقات الحياة اليومية.

مظاهرة سابقة أمام البيت الأبيض للمطالبة برحيل الرئيس ترامب، تعبيرا عن غضب تجاه سياساته (الأناضول)انقسام جمهوري وضغط انتخابي متصاعد

وتذكر وكالة الصحافة الفرنسية أن الجمهوريين ينظرون "بعين القلق" إلى انتخابات منتصف الولاية عام 2026، في ظل شعور متزايد بأن ملف تكاليف المعيشة قد يكلّفهم السيطرة على الكونغرس. وتشير الوكالة إلى أن مرشحين ديمقراطيين حققوا نجاحات لافتة في انتخابات ولايات كفرجينيا ونيوجيرزي ومدينة نيويورك، بعدما جعلوا "القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة" محورا رئيسا في حملاتهم. وتضيف أن شعبية ترامب وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، في وقت تخشى فيه قيادات جمهورية من أثر الغلاء على ولاء الطبقة العاملة التي ساهمت في إيصاله إلى الحكم في 2016 و2024.

وفي الداخل الجمهوري، قالت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين في مقابلة مع شبكة "سي بي إس" إن الرئيس "فشل في التركيز على قضية تكاليف المعيشة"، مضيفة أنه بالنسبة إلى رئيس شعاره "أميركا أولا"، كان ينبغي أن تكون "الأولوية الأولى هي السياسة الداخلية، وهذا لم يحصل".

وتشير "بي بي سي" من جانبها إلى أن البيت الأبيض يحاول إعادة صياغة الرسالة الاقتصادية عبر جولات ميدانية ووعود محددة، من بينها إزالة رسوم عن عشرات السلع الغذائية، والترويج لتراجع أسعار الوقود، والحديث عن حسابات تقاعدية تحمل اسم ترامب لصالح الأطفال بوصفها أدوات لتخفيف ضغط تكاليف المعيشة. لكن الشبكة تُبرز في تقاريرها أن هذه الخطوات لم تُترجم بعد إلى تحسّن واضح في شعور الناخبين، كما تعكسه استطلاعات الرأي الأخيرة.

السردية الجمهورية تحاول ربط الأزمة بإرث إدارات سابقة (رويترز)عرض انتخابي صاخب وفجوة باقية مع الواقع اليومي

وفي تحليلها اللاذع، تصف "سي إن إن" خطاب ترامب في كازينو بنسلفانيا بأنه أقرب إلى "عرض كوميدي" من كونه محاولة جادة للاعتراف بآلام الناخبين، إذ "يعمل الجمهور" بإيماءات مسرحية، ويسخر من آلة قراءة النصوص، ويستعيد نبرة حملاته السابقة بدل تقديم خطة واضحة لمواجهة الغلاء.

وتنقل الشبكة عنه قوله إنه لا يملك أولوية أعلى من "جعل أميركا ميسورة الكلفة مجددا"، لكنها تشير إلى أن الرئيس أمضى جزءا كبيرا من خطابه في التباهي بانتصارات انتخابية سابقة، والهجوم على طاقة الرياح، والتندر على خصومه، أكثر مما أمضى في شرح حلول ملموسة.

وتضيف "سي إن إن" أن ترامب عرض رسوما بيانية تزعم ارتفاع الأجور الحقيقية وتراجع أسعار الغذاء، لكنه "رفض عمليا الاعتراف" بأن مجمل الأسعار بقي مرتفعا مقارنة بما كان عليه قبل 5 سنوات، وأن التضخم -على الرغم من ابتعاده عن الذروة التي سُجلت في عهد بايدن- "لم ينخفض إلى مستوى يشعر معه المواطن العادي بأن الأمور عادت إلى طبيعتها".

وتذكّر الشبكة بأن ترامب نفسه وصف الاقتصاد الحالي بأنه شهد "أفضل 10 أشهر في تاريخ الرئاسة"، في وقت تقول فيه استطلاعات الرأي إن كثيرا من الناخبين لا يرون في جيوبهم ما يدعم هذه الصورة الوردية.

إعلان

مقالات مشابهة

  • رويترز: أميركا حجبت معلومات استخباراتية عن إسرائيل خلال حرب غزة
  • عاجل| ترامب: الضربات البرية التي تستهدف تهريب المخدرات ستبدأ قريبا
  • رئيسة مجموعة الأزمات: أميركا لم تعد واثقة في النظام الذي بنته وهناك أزمة مبادئ
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • أميركا تطلق تأشيرة "ترامب الذهبية".. هذا سعرها
  • على صلة بحزب الله وايران.. اليكم آخر المعلومات عن ناقلة النفط التي احتجزتها أميركا في الكاريبي
  • من الذي فتح باب حمام الطائرة الرئاسية رغمًا عن ترامب «فيديو»
  • ترامب يشيد بما حققه لاقتصاد أميركا رغم تآكل ثقة الناخبين
  • أميركا تبدأ بفحص حسابات السياح على وسائل التواصل .. لمدة 5 سنوات
  • المالية تبدأ جلسات الحوار المجتمعي للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية.. تفاصيل