دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في كل عام، بعد إعلان دليل "ميشلان" عن اختياراته للمطاعم الحائزة على النجوم في فرنسا، تتلقى الصحفية، نورا بوعزوني، سيلاً من الرسائل الغاضبة.

أصبح ذلك نتيجةً غير متوقعة لسمعتها المتنامية كواحدة من أكثر المُبلغين عن المخالفات تأثيراً في قطاع المطاعم الفرنسي.

تأتي هذه الرسائل من موظفي المطاعم المحبطين والغاضبين من رؤية أنّ الطهاة المسيئين والسامّين الذين حوّلوا حياتهم إلى جحيم، يكافأون برفعهم إلى مرتبة الأبطال عبر منحهم إحدى أعلى الأوسمة في هذا القطاع.

وأكّدت بوعزوني لـCNN: "إنها القشة التي قصمت ظهر البعير حقًا".

ابتكرت فرنسا نموذجًا للمطاعم الراقية أصبحت تُطبَّق في جميع أنحاء العالم.Credit: Kajornsiri Auimanachai/iStockphoto/Getty Images

منذ العام 2017، غطّت الصحفية الفرنسية المتخصصة في مشهد الطعام ثقافة العمل السامة في مطابخ المطاعم بجميع أنحاء فرنسا. 

لكن كتابها الأخير "العنف في المطبخ" (Violence in the Kitchen) الذي صدر في مايو/أيار، كشف الحقيقة، موضحًا مدى الإيذاء الجسدي والعاطفي والنفسي الذي يحدث في البلاد.

من خلال الاستعانة بشهادات جُمعت من موظفي الصناعة منذ العام 2020، يروي الكتاب نوبات غضب عنيفة من الطهاة، أو حرقهم للموظفين عمدًا، أو رميهم لقدور الطبخ في وجوههم إذا ارتكبوا خطأً أثناء الخدمة.

بالنسبة للأشخاص الملونين، يعني ذلك تحمل التحرّش العنصري، والاستغلال، وسوء المعاملة.

أمّا بالنسبة للنساء، يعني ذلك تعرضهنّ للاستغلال الجنسي باستمرار، سواءً من خلال لمس مؤخراتهنّ يوميًا، أو قول تعليقات بذيئة بشأن مظهرهنّ، وفي حالة أكثر خطورة، تعرّضت إحداهنّ للاغتصاب في غرفة تبريد على يد زميل.

يشارك الطلاب في درس الطبخ داخل مطبخٍ باريسي كجزء من أسبوع الوظائف السياحية بفرنسا في مارس/آذار من العام 2025.Credit: Thibaud Moritz/AFP/Getty Images

ثقافة المطبخ السامة ليست فريدة من نوعها في فرنسا، فقد تم الكشف عنها وإدانتها لسنوات في الدول الناطقة بالإنجليزية والبلدان الأوروبية.

لكنّ عمل بوعزوني مهّد الطريق لإثارة محاسبة وطنية في فرنسا، ووصل الأمر إلى مسامع كبار المشرّعين في البلاد. وفي 7 يوليو/تموز، طُرح اقتراح لإنشاء لجنة تحقيق في العنف بالمطابخ أمام الجمعية الوطنية الفرنسية.

وجاء في الاقتراح: "وراء الصور الناعمة والمثالية للمهنة، كما تُعرض في برامج ترفيهية متنوعة، يختبئ تنظيم هرمي صارم، يكاد يكون عسكريًا ووحشيًا".

الأصول التاريخية

يُعدّ ذكر "التنظيم الهرمي العسكري والوحشي" أمرًا جديرًا بالملاحظة، وهو يشير إلى النظام الذي وضعه الشيف والكاتب الفرنسي أوغست إسكوفييه، الذي كان من أصحاب المطاعم، في أواخر القرن الـ19.

تأثر الفرنسي من فترة خدمته العسكرية، وصمّم لواء المطبخ، بناءً على الجيش، حيث تحدد الرتبة والتسلسل الهرمي سلسلة القيادة.

في أعلى السلسلة، يوجد رئيس الطهاة ونائبه، يليهما طهاة القسم، المسؤولين عن محطات محددة (الصلصات، والمأكولات البحرية، والأطباق الباردة، وما إلى ذلك)، ومن ثم الطهاة المبتدئين، أو المساعدين، والمتدربين.

يحظى كل من إسكوفييه، ودقة مطابخ المطاعم الاحترافية الذي ألهم تشكيله، بالاحترام في الثقافة الفرنسية.

لكن من نواحٍ عديدة، ترى بوعزوني أنّ هذا التنظيم الهرمي مهّد الطريق لثقافة المطابخ السامة، الأمر الذي سمح للطهاة بإساءة معاملة موظفيهم من دون مواجهة العقاب.

إلى ذلك، تم تصدير وتكرار نظام "لواء المطبخ" في مطابخ المطاعم الفاخرة والفنادق حول العالم من قِبل الطهاة الدوليين الذين توجّهوا إلى فرنسا للتدرّب في مهد فن الطهي الراقي على مر العقود.

لكن كيف يُمكن فك نظام فرنسي يعود لقرنٍ مضى ويُكرر في مطابخ حول العالم؟

قدمت دراسة نُشرت في العام 2021 بمجلة "Management Studies" حلاً مقنعًا وبسيطًا، يتمثّل بإنشاء المزيد من المطابخ المفتوحة.

في هذه الدراسة، خلص باحثون من جامعة "كارديف" في المملكة المتحدة إلى أن بيئة العمل الفريدة لمطابخ المطاعم الفاخرة، التي تشكل مساحات معزولة ومغلقة وخفية وبعيدة عن أعين الجمهور، تشجّع مشاعر التحرر من التدقيق، حيث لا تنطبق القواعد المعتادة.

استندت الدراسة إلى مقابلات مع 47 طاهيًا من مطاعم فاخرة حول العالم.

لكن على مدى السنوات الخمس الماضية، قَلَب عالم ما بعد جائحة كورونا الأمور رأسًا على عقب. 

فرنسا ليست استثناءً لجهة نقص العمالة، وظاهرة "الاستقالة الكبيرة" المدفوعة بالموظفين المنهكين والغاضبين، والأجيال الشابة في الدول الغربية الناطقة باللغة الإنجليزية.

قال رئيس اتحاد المهن والصناعات الفندقية الفرنسي (UMIH)، تييري ماركس، إنه لا يزال هناك 300 ألف وظيفة شاغرة في قطاع المطاعم والضيافة الفرنسي.

تييري ماركس أثناء العمل داخل مطبخ مطعم "Madame Brasserie" الواقع في الطابق الأول من برج إيفل.Credit: Emmanuel Dunand/AFP/Getty Images

كما أوضح ماركس، الذي يُدير 10 مطاعم راقية في اليابان وفرنسا، ضمنًا مطعم "Onor" الحائز على نجمة "ميشلان"، ومطعم "Madame Brasserie" في برج إيفل، أن نظام "اللواء" ضروري لتفويض المهام وتحقيق أقصى قدر من الكفاءة في البيئات المُرهقة وعالية الضغط. 

لكنه أقرّ أيضًا بأن هذا النظام قد يكون مُعيبًا، من خلال إشارته إلى أنّ الطاهي الأفضل ليس بالضرورة القائد الأفضل.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: أوروبا الاتحاد الأوروبي التحرش الجنسي التمييز العنصري العنف تحرش جنسي صحة نفسية طبخ

إقرأ أيضاً:

منتخب الرأس الأخضر.. البلد الصغير الذي حقق حلم الصعود للمونديال

حقق منتخب الرأس الأخضر إنجازًا تاريخيًا بعد أن تأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026 لأول مرة في تاريخه، وذلك عقب فوزه الكبير على منتخب إسواتيني 3-0 في المباراة التي جمعت بينهما ضمن الجولة العاشرة والأخيرة من تصفيات كأس العالم عن قارة إفريقيا.
 

للتاريخ.. الرأس الأخضر يتأهل لـ كأس العالم 2025 مباراة حاسمة لمنتخب ليبيا ضد الرأس الأخضر في تصفيات كأس العالم منتخب الرأس الأخضر يهزم الكاميرون ويضع قدما في المونديال


وبهذا الفوز، أنهى منتخب الرأس الأخضر التصفيات في صدارة المجموعة الرابعة برصيد 23 نقطة، متفوقًا بفارق أربع نقاط عن أقرب منافسيه، منتخب الكاميرون، الذي اكتفى بالتعادل السلبي مع أنجولا.

منتخب الرأس الأخضر كان قد قدم أداءً متميزًا طوال التصفيات، ليضمن تصدره المجموعة الرابعة عن جدارة. كما تمكن من التفوق على منتخب الكاميرون، الذي كان يأمل في التأهل المباشر، إلا أن تعادله أمام أنجولا حرمه من ذلك.

بالتالي، أصبح منتخب الرأس الأخضر سادس المنتخبات الإفريقية التي تتأهل إلى نهائيات كأس العالم 2026، بعد مصر، المغرب، تونس، الجزائر، وغانا.

هذا الإنجاز يمثل حدثًا غير مسبوق في تاريخ كرة القدم في الرأس الأخضر، التي تعتبر ثاني أصغر دولة من حيث عدد السكان تتأهل إلى كأس العالم. 

يبلغ عدد سكان الرأس الأخضر حوالي 500 ألف نسمة فقط، وهو ما يجعلها تقترب من أيسلندا، التي شاركت في كأس العالم 2018 في روسيا بعدد سكان بلغ 340 ألف نسمة.

وجاءت باراجواي في المركز الثالث ضمن قائمة أصغر الدول التي شاركت في كأس العالم، حيث كانت قد ظهرت في النسخة الأولى من البطولة عام 1930 بعدد سكان بلغ حوالي 860 ألف نسمة. 

ومن بين الدول التي تلت الرأس الأخضر في هذا السياق، نجد ترينيداد وتوباجو التي شاركت في مونديال 2006 في ألمانيا بعدد سكان بلغ 1.3 مليون نسمة، ثم إيرلندا الشمالية التي شاركت في نسخة 1958 بعدد سكان بلغ حوالي 1.4 مليون نسمة، وأخيرًا الكويت التي تأهلت لمونديال 1982 بعدد سكان بلغ 1.5 مليون نسمة، والإمارات التي شاركت في مونديال 1990 بعدد سكان بلغ حوالي 1.9 مليون نسمة.
 

إن تأهل الرأس الأخضر إلى كأس العالم يعد من أبرز المفاجآت في التصفيات الإفريقية، ويعكس التطور الكبير لكرة القدم في هذه الدولة الصغيرة، والتي لم تكن تحظى في السابق بالكثير من الأنظار.
 
ويُظهر هذا الإنجاز كيف يمكن للدول الصغيرة أن تحقق مفاجآت كبيرة في عالم الرياضة، ويعزز من أهمية التحضير والروح القتالية في سبيل تحقيق الطموحات الرياضية الكبيرة.

مقالات مشابهة

  • 14 عالمًا من جامعة الفيصل ضمن قائمة ستانفورد لأفضل 2% من علماء العالم
  • من رحم غزة الصغير يولد عالم كبير
  • رئيس الوزراء الفرنسي ينفي ضلوع بلاده في الإبادة بغزة
  • ما هو “سكري النوع الخامس” الذي يصيب 25 مليون شخص حول العالم؟
  • عضو حزب النهضة الفرنسي: ماكرون مقتنع بأن الحل الوحيد لتحقيق السلام في المنطقة هو حل الدولتين
  • معايير الازدواجية في عالم اليوم
  • ساركوزي.. كشف موعد دخول الرئيس الفرنسي السابق السجن بتهمة التآمر
  • منتخب الرأس الأخضر.. البلد الصغير الذي حقق حلم الصعود للمونديال
  • الرئيس الفرنسي: قمة شرم الشيخ تاريخية
  • نص اتفاق غزة الذي وقع عليه ترامب وقادة العالم في شرم الشيخ