محبوب بين مستخدمي إنستغرام..طريق سريع يتحول لكابوس باسكتلندا
تاريخ النشر: 26th, August 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في ربيع العام الماضي، عندما اتجه الكاتب، أنجوس ماكينون، بسيارته خارج مدينة إنفرنيس ليبدأ جولة حول الساحل الشمالي الوعر لاسكتلندا، كان يتوقع مواجهة بعض المشاكل.
قبل عقد من الزمن، قامت "مبادرة المرتفعات الشمالية" (North Highland Initiative)، وهي مؤسسة خيرية تنموية أُنشئت في عهد الأمير البريطاني تشارلز آنذاك، بإعادة تسمية المسار باسم "الساحل الشمالي 500" (North Coast 500)، وبدأت في الترويج للرحلة بين السياح.
لم يكن ماكينون مقتنعًا بنجاحها، إذ أوضح: "كنت أؤيد أي مبادرة تهدف إلى جذب المزيد من الزوار إلى جزء مهمل من موطني، ولكن بدا الترويج للمرتفعات الشمالية المتداعية كوجهة مرغوبة وكأنه مبالغة".
مع ذلك، نجحت فكرة تحويل هذه الطرق السريعة والنُزُل المألوفة إلى مسرح للرحلات البرية الملحمية.
وشكّل "الساحل الشمالي 500" خطة عبقرية، بل أكثر من اللازم، بحسب الكثير من الروايات.
بفضل مزيج من التسويق ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح هذا المسار، الذي يبلغ طوله 830 كيلومترًا، والذي يبدأ وينتهي في إنفرنيس، وجهةً سياحيةً جذابة ومناسبة لمحبي توثيق الرحلات عبر "إنستغرام"، ولكنها أثقلت كاهل المنطقة قليلة السكان، وطرقها.
بعد عقد من إطلاقه، يُعتبر المسار الآن مثالاً نموذجيًا على السياحة المفرطة.
ولكن هل جميع آثاره سلبية؟
أثناء خوض هذا المسار، اكتشف ماكينون أن ما وجده كان بمثابة حُجةٍ للدفاع عن المسار سيء السمعة، بقدر ما كان إدانةً لتأثيره السلبي.
أسباب للاستياءقبل سبع سنوات، انتقل ريتشارد بنمان وجين ألكورن إلى ثورسو، بالقرب من الطرف الشمالي الشرقي من البر الرئيسي لاسكتلندا، لافتتاح نُزُلٍ يقدم وجبة الفطور.
وكان قربهما إلى طريق "NC500" أحد أسباب اختيارهما لهذا الموقع.
أدّى هذا القرار إلى نموٍ مطرد في عدد زوار نُزُلهم المريح "Aurora B&B"، ولكن أفاد بنمان أنّه يتفهم سبب استياء المقيمين الآخرين من هذا المسار.
وشرح: "في البداية، كانت الفكرة بأن يأتي الناس بسياراتهم للمكوث في أماكن إقامة محلية، والشراء من المطاعم المحلية، واستخدام المرافق المحلية".
لكنه أضاف: "ما رأيته منذ فترة الإغلاق الثانية (خلال جائحة كورونا) هو محاولة الأشخاص الحصول على عطلة مجانية. تزايد عدد الكرفانات وعربات التخييم، وأصبح الناس يركنون في مناطق الاستراحات الجانبية ويحاولون القيام بذلك بأسعار زهيدة. يمكنك أن ترى سبب انزعاج الناس من عربات التخييم التي تقف أمام نوافذ غرف معيشتهم، ومن ثمّ هناك مشكلة الإساءة التي يتعرضون لها عندما يطلبون منهم المغادرة".
السياحة المفرطةيمكن أن تكون السياحة بمثابة كبش فداء سهل لمشاكل لم تسببها ولا يُتوقع منها حلها.
هذا ما فكّر فيه ماكينون عندما زار مع صديق قديم له مطعم ونُزُل "Old School" الواقع على ضفاف بحيرة "إنشارد" على ساحل شمال غرب ساذرلاند.
مثل العديد من المنشآت على طريق "NC500"، صُمّم هذا المكان لتهيئة غرف نومه الست بشكلٍ يومي تقريبًا لاستقبال الضيوف.
يتم تشجيع الضيوف على تسجيل الوصول بين الساعة 4 مساءً و6 مساءً، وتناول العشاء بين الساعة 6 مساءً و8 مساءً، وتناول وجبة الفطور بحلول الساعة 9 صباحًا من اليوم التالي، والمغادرة بحلول الساعة 10 صباحًا.
في الصباح، شاركت صاحبة المطعم والنزل، ليزا ماكليود، رأيها حول أثر المسار، بدءًا بجانب من السياحة يُغفل عنه أحيانًا عند نقاش التكاليف والفوائد.
وقالت ماكليود: "من المؤكد أن هناك جوانب سلبية له، ولكن بشكل عام، يُتاح لجميع هؤلاء الأشخاص رؤية جزء مذهل من العالم ربّما لم يكونوا على معرفة به لولا ذلك".
مع أنّ الطريق السريع كان مفيدًا لتجارتها الموسمية، رأت ماكليود أنّه من غير الواقعي التوقع بأن تحل السياحة وحدها مشاكل كبيرة، مثل ميل الشباب لمغادرة المنطقة بحثًا عن الفرص المتوفرة في أماكن أخرى، لمجرد البحث عن الإثارة.
فوائد للمجتمع المحليبعد تناول فطور اسكتلندي مقلي تقليدي، انطلق ماكينون لمشاهدة الطيور في جزيرة "هاندا".
وبعد بضع ساعات، شعر مع صديقه بالجوع الشديد عند الوصول إلى قرية سكوري الساحلية المجاورة.
كان التوقيت جيدًا، ففي أسفل إحدى المزارع الصغيرة شديدة الانحدار، تواجدت شاحنة طعام "Crofters Kitchen"، ويديرها الثنائي جرانت وهيذر ميرسر.
كان هدفهما قضاء المزيد من الوقت معًا كعائلة، مع الاستفادة من الطلب المتزايد على طول الطريق السريع لتقديم المأكولات الموسمية المحلية.
مرّ عام منذ افتتاح المطعم، وقد حظيت عائلة ميرسر بتقييمات خمس نجوم، أثناء التخطيط للمرحلة التالية من مغامرتها في مشهد المطاعم، وهي استخدام منحة حكومية لتحويل شاحنة الطعام إلى منطقة جلوس داخلية لتقديم الطعام على مدار العام، ما يزيد من العائدات السياحية في المجتمع المحلي.
الأثر الاقتصادييصعب تحديد بيانات دقيقة حول الأثر الاقتصادي لطريق "الساحل الشمالي 500". وغالبًا ما يكون الأمر موضع خلاف، إلا أن معظم المحللين يتفقون على أن هذا المسار ساهم في زيادة أعداد الزوار في منطقة المرتفعات الأوسع (من 5.1 مليون في عام 2012 إلى 8.4 مليون في عام 2023، وفقًا للمجلس المحلي)، في حين نما الإنفاق السياحي بوتيرة أبطأ (من 1.38 مليار جنيه إسترليني إلى 1.68 مليار جنيه إسترليني في الفترة ذاتها).
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: المملكة المتحدة اسكتلندا الساحل الشمالی هذا المسار
إقرأ أيضاً:
الجمال المزيف والنجاح الوهمي.. كيف تصنع الشاشات مراهقين غير راضين عن أنفسهم؟
أصبحت برامج الواقع ومنصات مثل إنستغرام جزءا لا يتجزأ من حياة المراهقين، تؤثر بشكل مباشر في نظرتهم إلى الجمال والنجاح والعلاقات.
ورغم طبيعتها الترفيهية، فإنها تفرض ضغطا نفسيا متزايدا على الشباب، الذين يجدون صعوبة في التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مصطنع. وتتأثر الفتيات بشكل خاص بالصور المثالية والمحتوى المنمق، ما يدفع كثيرات منهن إلى تقليد أنماط حياة غير واقعية، ويجعلهن أكثر عرضة لتكوين تصورات مشوهة عن الذات والعالم من حولهن.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نانسي فقدت توأميها على طريق النزوح وتخشى أن تفقد ابنتها الأخيرة في غزةlist 2 of 2لغة الحب الأولى.. كيف يعبر الرضع عن مشاعرهم قبل الكلمات؟end of listهذا التعرض المستمر لمعايير الجمال والمكانة المصطنعة يزرع شعورا دائما بعدم الرضا عن النفس، ويغذي روح المقارنة والغيرة بين المراهقات، كما يعزز فكرة أن القبول الاجتماعي والنجاح مرتبطان بالمظهر الخارجي لا بالقيم الحقيقية أو الإنجازات الشخصية.
ماذا تقدم برامج الواقع وإنستغرام؟تكرس برامج الواقع ومنصات التواصل الاجتماعي أنماطا معينة من القيم والصور الذهنية، وتؤثر بعمق على تصورات المراهقين لأنفسهم وللعالم المحيط بهم.
تعرض برامج الواقع ومنصات مثل إنستغرام النساء بوصفهن رموزا للجمال والنحافة ضمن قوالب ضيقة لا تراعي الاختلافات الفردية أو التنوع الطبيعي في الملامح والأجسام، كما تربط قيمتهن إلى حد كبير بجاذبيتهن الخارجية.
التركيز المفرط على العارضات وعمليات التجميل يجعل من المظهر مدخلا للشهرة والقبول الاجتماعي، بينما تقدم بعض عائلات المشاهير أنماطا تقوم على الاستعراض الجسدي المبكر، مما يرسخ هذه المفاهيم منذ الطفولة.
هذا التوجه يغذي لدى المراهقين والمراهقات قناعة خاطئة بأن النجاح يقاس بالمظهر لا بالقدرات أو القيم، فيُضعف ثقتهم بأنفسهم ويشوّه إدراكهم لمعنى القيمة الحقيقية والتميز الشخصي.
المادية المفرطةتعكس هذه البرامج نمط حياة استهلاكيا قائما على الترف والبذخ، حيث يظهر الشباب وكأنهم يعيشون بلا مسؤوليات حقيقية سوى السفر، التسوق.
إعلانهذا التصوير المبالغ فيه يضفي طابعا مثاليا على المادية، ويشجع المراهقين على محاكاة هذه القيم حتى وإن كانت بعيدة عن واقعهم. في بعض الحالات، يؤدي هذا التقليد إلى ممارسات خطرة أو غير قانونية، مثل الإسراف في الإنفاق أو تجريب الممنوعات. كل ذلك يوضح مدى قوة التأثير في دفع الشباب لتبني سلوكيات غير صحية.
العدوان والتنمرتعرض العديد من برامج الواقع العلاقات بين النساء في إطار يقوم على الصراع الدائم والنميمة والعداء العلني، مما يغرس في أذهان المراهقين، وخصوصا الفتيات، فكرة أن العدوانية اللفظية والسلوكية جزء طبيعي من العلاقات الاجتماعية.
وبدلا من أن تسهم هذه البرامج في مواجهة ظاهرة التنمر، فإنها تقدّمه أحيانا كوسيلة فعالة لفرض الذات وكسب القبول أو الشهرة.
وهكذا يتحول السلوك العدواني إلى نموذج يُقلّد، ما يعزز انتشار أنماط سلوكية سلبية بين الشباب، ويزيد من مظاهر العنف اللفظي والاجتماعي.
تركّز برامج الواقع على الجوانب الشخصية والصراعات بين المشاركات، متجاهلة نجاحاتهن المهنية أو ذكاءهن في إدارة أعمالهن، لتستبدل صورة المرأة المتوازنة بنموذج سطحي يعتمد على المظهر والدراما. هذا التوجه يحرم المراهقين من رؤية نماذج واقعية تجمع بين الجمال والإنجاز.
تأثير الصور المثالية على المراهقينيعرض المؤثرون والمشاهير عبر إنستغرام لحظات مصقولة ومعدّلة، ما يخلق معايير غير واقعية للحياة والمظهر. ومع المقارنة اليومية، يتراجع تقدير الذات لدى المراهقين؛ إذ أظهرت دراسة لفيسبوك، نشرتها وول ستريت جورنال عام 2021، أن 30% من المراهقات شعرن بمزيد من السلبية تجاه أجسادهن بسبب استخدام إنستغرام.
تدهور الصحة النفسيةأظهرت دراسة داخلية لشركة فيسبوك -نشرتها وول ستريت جورنال- وجود ارتباط مباشر بين استخدام إنستغرام وتزايد القلق والاكتئاب بين المراهقات؛ إذ أفادت 6% من الفتيات في الولايات المتحدة و13% في المملكة المتحدة اللواتي فكرن في الانتحار بأن المنصة كانت سببا مباشرا في تفاقم حالتهن. كما أكدت دراسة نُشرت في "مجلة صحة المراهقين الأميركية" أن قضاء وقت طويل على إنستغرام يرتبط بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق، خصوصا لدى الفتيات، ما يجعل الصحة النفسية للمراهقين قضية حرجة في عصر الاستخدام المفرط للتكنولوجيا.
تعزيز معايير جمال غير واقعيةتشير الأبحاث إلى أن التعرض المستمر للصور المعدلة يرسّخ معايير جمال مثالية وبعيدة عن الواقع، مما يزيد خطر الإصابة باضطرابات الأكل. وتوضح الدكتورة راشيل رودجرز، أستاذة علم النفس التطبيقي في جامعة نورث إيسترن الأميركية، أن المنصات البصرية مثل إنستغرام وتيك توك تمنح المظهر الخارجي قيمة اجتماعية مفرطة، ومع سعي المراهقين لتكوين هويتهم، يصبحون أكثر عرضة لربط قيمتهم الذاتية بصورة أجسادهم، حتى ولو كان ذلك على حساب صحتهم الجسدية والغذائية.
دور الأهل في التوجيه والتوعيةلا يقتصر دور الأهل على المراقبة أو المنع، بل يتعداهما إلى التوجيه الواعي عبر الحوار والمشاركة، ومن أهم الإستراتيجيات:
اختيار البرامج والمحتوى المناسبمن الضروري أن يتعامل الأهل بوعي مع نوعية البرامج والمحتوى الذي يتابعه الأبناء. قد تكون بعض البرامج أو الصفحات غير ملائمة لمراهق في الثالثة عشرة بينما قد يتقبلها شاب في السادسة عشرة. لذلك من المفيد أن يشاهد الأهل هذه البرامج أو الحسابات مسبقا قبل السماح بها.
إعلان المشاهدة المشتركة والتفاعلعند مشاهدة برامج الواقع أو تصفح إنستغرام مع المراهقين، من المهم أن تكون التجربة حوارية وتوعوية. يمكن للوالدين أن يشرحوا أن ما يُعرض في هذه البرامج أو الصور ليس واقعيا بالكامل، بل يتم تجهيزه وتضخيمه لأغراض ترفيهية أو تسويقية. هذا الوعي يساعد الأبناء على التمييز بين الحقيقة والتمثيل، ويحميهم من التأثر المفرط أو المقارنات السلبية التي قد تؤثر على ثقتهم بأنفسهم.
من خلال النقاشات البسيطة يمكن للأهل معرفة كيف يرى المراهق تصرفات الشخصيات أو الصور التي يشاهدها. هذه الحوارات تكشف مدى تأثره، وتمنحه فرصة للتفكير في الإيجابيات والسلبيات، بدلا من التقليد التلقائي.
صورة الذات والقيم الشخصيةيجب الانتباه إلى صورة المراهق عن نفسه. المقارنة المستمرة مع صور معدلة قد تجعله غير راض عن ذاته. دور الأهل هو طرح أسئلة مثل: ما القيم التي يروج لها المحتوى؟ وهل تتماشى مع قناعات الابن؟ كما يمكنهم النقاش حول سبب إعجاب المراهق بشخصيات معينة لتحديد ما إذا كان يراها قدوة حقيقية أم مجرد جاذبية سطحية.
تأثير الأصدقاءيشكل الأصدقاء جزءا محوريا في بناء قيم المراهقين وسلوكياتهم. فمتابعة المجموعة نفسها من الحسابات أو البرامج تمنحهم أرضية مشتركة للتفاعل، لكنها في الوقت نفسه قد تدفع بعضهم إلى تقليد سلوكيات غير مناسبة بدافع القبول أو الانتماء. لذلك، فإن ملاحظة الأهل لاهتمامات أصدقاء أبنائهم وردود أفعالهم تساعدهم على فهم حجم التأثير وتوجيهه بطريقة متوازنة.
يُعد التفكير النقدي أداة أساسية لحماية المراهقين من تأثير المحتوى المضلل. فحين يشارك الأهل أبناءهم مشاهدة البرامج أو تصفح إنستغرام، يمكنهم الإشارة إلى المبالغات وطرح أسئلة مثل "ما الرسالة وراء هذا المشهد؟ وهل يعكس الواقع فعلا؟". مثل هذه الحوارات تعزز الوعي وتدرب المراهق على التمييز بين الحقيقة والتزييف الإعلامي.
إن برامج الواقع ومنصات التواصل تقدم صورة براقة لكنها مشوهة عن الجمال والنجاح والعلاقات، ما يجعل التوجيه الأسري ضرورة لا ترفا. فالموازنة بين الترفيه والتحليل الواعي للمحتوى هي السبيل لحماية المراهقين من الانجراف وراء المقارنة السطحية، وترسيخ فهم أعمق للذات والواقع.