نتنياهو يجهز لضم الضفة.. هل يلفظ اتفاق أوسلو أنفاسه الأخيرة؟
تاريخ النشر: 2nd, September 2025 GMT
بينما تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة، تتجه الأنظار نحو الضفة الغربية التي تشهد تصعيداً سياسياً واستيطانياً يهدد بإنهاء أي أفق لحل الدولتين ودفن اتفاقية أوسلو.
وتمضي حكومة بنيامين نتنياهو بخطوات متسارعة نحو ضم مناطق واسعة، وسط تساؤلات حول الموقف الأميركي، وما إذا كان يشكل ضوءاً أخضر غير مباشر لهذه التحركات التي قد تعيد رسم المشهد الجغرافي والديموغرافي في المنطقة.
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل تخطط لضم مناطق استراتيجية من الضفة، تشمل غور الأردن والمناطق المصنفة (ج)، التي تمثل نحو 60% من مساحتها ويسكنها قرابة 300 ألف فلسطيني.
وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر أكد لفرنسا أن الضم لن يتوقف عند حدود، فيما كشفت تقارير إسرائيلية عن وجود نقاشات متقدمة مع الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب عبر قنوات رسمية، في خطوة قد تسبق إعلاناً وشيكاً خلال الأشهر المقبلة.
التصعيد الاستيطانيالتحركات الإسرائيلية تتجسد ميدانياً عبر مشاريع استيطانية ضخمة، أبرزها خطة E1 لبناء 3500 وحدة سكنية في مستوطنة "معاليه أدوميم"، بما يعزل القدس عن محيطها الفلسطيني ويفصل شمال الضفة عن جنوبها.
كما صادق الكنيست على مشروع قانون لدعم فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، حيث يعيش نحو 700 ألف مستوطن، ما يعزز المخاوف الدولية من تكريس واقع دائم يقضي على أي إمكانية للتسوية.
الموقف الأميركي.. ضوء أخضر غير مباشر؟ورغم تمسك واشنطن رسمياً باعتبار الضفة أرضاً متنازعاً عليها، فإن ممارساتها تكشف عن دعم ضمني للسياسات الإسرائيلية، وفق محللين. فقيود التأشيرات المفروضة على الفلسطينيين، إلى جانب تصريحات غامضة من مسؤولين أميركيين، توحي بأن الولايات المتحدة تكتفي بإدارة الأزمة من دون تقديم حلول.
الباحث حسين عبد الحسين أوضح أن الموقف الأميركي لم يشهد تغييراً جذرياً، لكنه أشار إلى غياب الرؤية الموحدة منذ عهد أوباما، حيث باتت واشنطن تميل إلى "إدارة الأزمات" بدلاً من السعي نحو تسوية نهائية.
غياب القيادة الفلسطينية.. عامل مفاقمفي المقابل، يعاني الفلسطينيون من أزمة قيادة واضحة، ففي غزة، أطاحت إسرائيل بقيادات الصف الأول والثاني في حماس، بينما تعاني السلطة الفلسطينية من تراجع شعبي ودولي، مع دعوات متزايدة لظهور وجوه جديدة تقدم رؤية مغايرة. هذا الغياب القيادي جعل الموقف الفلسطيني هشاً أمام مشاريع الضم، وترك فراغاً تستفيد منه إسرائيل لترسيخ وقائع جديدة على الأرض.
معضلة الديموغرافيا في المنطقة (ج)أحد أكثر التحديات حساسية يتمثل في مصير نحو 300 ألف فلسطيني يسكنون المنطقة (ج)، فإذا مضت إسرائيل بالضم، ستكون مضطرة لمنح هؤلاء الجنسية، ما قد يخلق معضلات ديموغرافية وسياسية مشابهة للوضع في القدس الشرقية، مع تداعيات بعيدة المدى على هوية الدولة وموازين القوى الداخلية.
إسرائيل الكبرى.. بين الشعار والواقعمفهوم "إسرائيل الكبرى" لا يزال في معظمه شعاراً سياسياً أكثر منه مشروعاً واقعياً، إذ يدرك قادة إسرائيل صعوبة فرض سيطرة ممتدة من "النيل إلى الفرات" في ظل التركيبة السكانية والقدرات المحدودة، فالتركيز العملي ينحصر حالياً في الضفة الغربية وغزة، مع اعتبارات أمنية تتعلق بالممرات البرية والبحرية لضمان التواصل الجغرافي الإسرائيلي.
انعكاسات إقليمية ودوليةورغم خطورة التصعيد في الضفة، يرى مراقبون أن الأزمة قد لا تنتقل بالضرورة إلى جبهات أخرى مثل لبنان أو سوريا، في ظل التزامات إسرائيل باتفاقياتها مع دول الجوار. لكن استمرار الاستيطان والضم يهدد بتقويض فرص السلام الإقليمي ويضعف مصداقية أي مبادرات أميركية، خاصة في ظل انشغال واشنطن بملفات أخرى مثل أوكرانيا وإيران.
وتسابق إسرائيل الزمن لفرض واقع جديد على الأرض، مستفيدة من الانقسام الفلسطيني الداخلي والتراخي الدولي وغياب الرؤية الأميركية.
وإذا ما تحقق الضم، فلن يعني فقط دفن اتفاقية أوسلو، بل سيعيد صياغة قواعد اللعبة في المنطقة عبر خريطة جديدة أكثر تعقيداً. وفي ظل غياب قيادة فلسطينية متجددة ورؤية أميركية واضحة، يبدو أن مشروع الضم بات أقرب إلى واقع آخذ في التشكل، لا مجرد ورقة ضغط سياسية عابرة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إسرائيل غزة قطاع غزة الضفة الغربية أوسلو اتفاقية أوسلو
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يستقوي بترامب.. تقرير بريطاني يحذر من مرحلة الإفلات من العقاب
قال مركز أبحاث بريطاني إن الثقة المطلقة التي يبديها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترتبط مباشرة بإحساسها المتزايد بالإفلات من العقاب، في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية على غزة رغم مرور شهرين على إعلان "وقف إطلاق النار"، الذي وصفه التقرير بأنه "مضلل" ولا يعكس الواقع الميداني.
التقرير الصادر عن مركز “أوبن ديموكراسي” في لندن، سلط الضوء على مشاهدات ميدانية وآليات سياسية تكشف حجم الانتهاكات الجارية، إلى جانب التحولات التي تشهدها الخطة الأمريكية الخاصة بإدارة غزة، وما رافقها من تغييرات مفاجئة طالت شخصيات محورية مثل توني بلير.
غارات مستمرة رغم وقف النار
ذكر التقرير أن الفلسطينيين في غزة واصلوا دفع ثمن الغارات الإسرائيلية، سواء عبر المقاتلات أو الطائرات المسيرة التي استهدفت مباني وخرائب وحتى المخيمات المؤقتة، رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار.
وأشار إلى أن هذه الهجمات أسفرت عن سقوط شهداء فلسطينيين بشكل شبه يومي، بما يؤكد أن "وقف النار" بات مصطلحا لا يعكس حقيقة العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وفي الوقت ذاته، يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعداد "تل أبيب" للانتقال إلى المرحلة التالية من خطة ترامب الخاصة بغزة، بينما تشير تقارير أمريكية إلى أن الخطة ذاتها تخضع لتعديلات جوهرية.
إقالة توني بلير
فيما أشار تقرير فايننشال تايمز أشار إلى أن توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، قد أُقيل هذا الأسبوع بهدوء من "مجلس السلام" التابع لإدارة ترامب، وهو المجلس الذي كان مكلفا بالإشراف على إدارة غزة. وكان يتوقع أن يلعب بلير دورا مركزيا وربما قياديا في البرنامج، إلا أن اعتراضات عربية وإسلامية — على خلفية دوره في غزو العراق عام 2003 — جعلت تعيينه "غير لائق سياسيا"، وفق الصحيفة.
وبحسب المركز البحثي البريطاني، تجلت ثقة نتنياهو بنفسه في إجراءات ميدانية جسيمة، أبرزها ضم فعلي لأكثر من نصف قطاع غزة دون إعلان رسمي.
فقد حشر نحو مليوني فلسطيني داخل شريط ضيق على الساحل يعرف بـ"المنطقة الحمراء"، بينما تسيطر قوات الاحتلال على "المنطقة الخضراء" التي تمثل 58% من مساحة القطاع.
وتظهر أعمدة خرسانية صفراء رسمتها قوات الاحتلال الحدود الفاصلة بين المنطقتين، وتعاملها المؤسسات الأمنية الإسرائيلية كحدود جديدة بحكم الأمر الواقع.
تجسس على القوات الأمريكية
في خطوة أخرى توثق الاستهتار الإسرائيلي، كشف التقرير أن "إسرائيل" تجسست على القوات الأمريكية داخل مركز التنسيق المدني العسكري (CMOC)، وهو غرفة عمليات مخصصة لمراقبة وقف إطلاق النار أنشأتها واشنطن في كريات جات جنوب الأراضي المحتلة٬ على مسافة 20 كيلومتراً من غزة. ويؤكد المركز أن التجسس بدأ منذ 10 تشرين الأول/أكتوبر، من دون أي تبعات سياسية حتى الآن.
خارج غزة، يشير التقرير إلى أن الجيش والشرطة الإسرائيليين يتمتعان بحصانة شبه كاملة في تعاملهم مع ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة المحتلة والقدس. ومن الأمثلة الحديثة، قتل فلسطينيَين أعزلاً بالرصاص بعد استسلامهما.
ومنذ بدء الحرب على غزة قبل عامين، استشهد أكثر من ألف فلسطيني في الضفة الغربية وحدها، بينما أجبر 32 ألفا على النزوح من مخيمات شمال الضفة خلال العام الأخير.
وفي القدس، تواجه 34 عائلة تضم 175 فردا خطر الإخلاء القسري من حي بطن الهوى لصالح جمعيات استيطانية.
عنف متصاعد يهدد جيلا كاملا
ونقل المركز عن منظمة "أنقذوا الأطفال" أن حملات الجيش الإسرائيلي أجبرت مجتمعات بأكملها في شمال الضفة على البقاء داخل منازلهم، ما أدى إلى تعطيل تعليم الأطفال وتعريض الأسر لخطر فقدان الدخل، وزيادة احتمالات تعرض الأطفال للعنف أو الاعتقال.
وأكدت المنظمة أن "مستقبل جيل كامل بات مهددا"، في ظل القيود على المساعدات، وتوسع العنف الاستيطاني، وعمليات الهدم، ومصادرة الأراضي، وتدمير البنية التحتية.
ويرى مركز “أوبن ديموكراسي” أن إصرار نتنياهو على البقاء في السلطة حتى الانتخابات المقبلة يجعل من الصعب تصور أي انفراجة قريبة للأزمة الفلسطينية.
كما يتوقع المركز أن تمتد آثار الحرب على غزة إلى أجيال قادمة، وأن تترك تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية طويلة الأمد.
تحوّل في المزاج الأمريكي
تقرير لوموند ديبلوماتيك الذي استشهد به المركز، أشار إلى تحول كبير في الرأي العام الأمريكي، حيث "لا تؤيد غالبية الأمريكيين الآن عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة"، وللمرة الأولى "يحظى الفلسطينيون بتأييد أكبر من إسرائيل" في استطلاعات الرأي.
ويحذر المركز من أن استمرار تراجع الدعم الشعبي الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي قد ينعكس سريعا على موقف ترامب نفسه، إذا شعر بأن هذا الدعم بات يهدد صورته أو حساباته الداخلية.