عربي21:
2025-12-13@00:23:13 GMT

جيل زد العربي وإعادة ضبط مفاهيم الحياة

تاريخ النشر: 11th, October 2025 GMT

تتواصل الاحتجاجات التي يقودها الشباب الموصوفين بـ»جيل زد» في المغرب وتحمل مطالب متعلقة بتحسين خدمات الصحة والتعليم، في بلد يشهد العديد من المنجزات على مستوى التحول الاقتصادي، حيث ينتقل المغرب من الاقتصاد المعتمد على الموارد الطبيعية إلى التصنيع والخدمات، خاصة السياحة، ولكن مثل بلدان نامية كثيرة فالمغاربة لا يشعرون بالتحسن في ظروفهم المعيشية، فالنمو الاقتصادي لا يترجم إلى تنمية حقيقية، والمغرب مثل بلدان عربية أخرى بعيد عن تحقيق الشمولية في توزيع المكتسبات الاقتصادية.



يعاني «جيل زد» في المغرب من تفشي البطالة التي وصلت إلى معدلات مقلقة، خاصة في المدن، وهذه الطاقة المعطلة تحولت إلى الغضب بعد حادثة وفاة ثماني نساء في قسم الولادة بمستشفى حكومي في أغادير، في شهر سبتمبر الماضي، ليظهر تطبيق ديسكورد بوصفه الهيكل التنسيقي لآلاف الشباب، وتبدأ المظاهرات التي تضغط تجاه مطالب واسعة من الإصلاحات، تلحق بمجموعة من الإجراءات التي تتابعت خلال العقدين الأخيرين.

تشكل الملكية في المغرب، الصمغ الذي تترابط من خلاله منظومة الدولة بشكل عام، ففي مكان اتصف بالسيولة التاريخية، وتوالت على أرضه الدول وتوسعت وتقلصت وتعاملت مع مؤثرات ثقافية طاغية بين العروبة والأمازيغية والزنوجة، يصبح النظام الملكي مرجعيا في التفاوض الاجتماعي الأوسع، إلا أنه يظل أيضا محاصرا بالتوازنات القائمة أصلا بين أطياف الشعب المغربي، التي تتوزع بين مفهومي المخزن والسائبة، مع أنه لا معنى قانوني أو عملي لهما حاليا، ولكنهما يبقيان رمزا للتفاوت بين المدن والريف وأنماط الحياة والإنتاج والتمثيل في الحياة السياسية. تحركت الثورة هذه المرة من المدن التي تعتبر مخزنية تاريخيا، ومن أحيائها التي تستقبل السائبة لتضعهم على هامش الحياة بصورة شبه عشوائية، وهذه وصفة موجودة في القاهرة، وغيرها من المدن العربية الكبرى، وهي الوصفة التي يمكن أن تمثل قنبلة موقوتة مستقبلا لتحرك موجة ثانية من الربيع العربي، بل تصبح أساسا للتثوير في العالم في المرحلة المقبلة.

عايشت المنطقة العربية حالة طويلة من الانسداد في الأفق السياسي بعد هزيمة يونيو 1967 وتساقط المشروع القومي بوعوده الاشتراكية المتعددة، ليترك وراءه حالة من الفراغ تصدى لتعبئتها الإسلام السياسي، الذي كان مشروعا عابرا للدولة وحدودها، حتى لو بدا جزءا منها بصورة مرحلية، ولجأت الدولة بعد تغيب الحلم المشترك والحافز الجمعي إلى الإفراط في ممارسة حضورها، ولكنه لم يترافق هذه المرة بالإغداق على المواطنين بالوظائف والخدمات، وداخل هذه الحالة توقف الحراك الاجتماعي، ووجدت أجيال كاملة نفسها من جديد، وبعد فورة الاستقلال ووعوده، محاصرة في مواقعها الاجتماعية، ومن غير فرصة لتكرر تجربة التقدم والارتقاء، فالدولة المنكمشة بأدوارها لم تعد توفر شيئا سوى للمقربين الذين أصبحوا عبئا مع تكاثرهم خلال العقود الأخيرة.

هذه الوضعية والمقدمات لا تعني «جيل زد» الذي انفتح على أفق عالمي لا يبخل بتقديم نماذج الحراك الاجتماعي، وحتى المتطرفة منها ويصبح النموذج الأمريكي من العدم إلى البطولة From Zero to Hero طريقه المشتهى، ولكن الجيل الغاضب لا يرى سوى النتائج التي تظهر مع المؤثرين الذين يقدمون نمطا معولما للحياة، ويضعون ضغوطا كبيرة تتعلق بتقدير الفرد لذاته ومجتمعه.

أما المقدمات التي تتعلق بالمجتمع وبنيته ووجود آليات وروافع للحراك الاجتماعي، فهي غائبة عن زاوية رؤيته. عادةً ما يتشارك الناس في الغرب والشرق، صورا مشرقةً لاحتفالاتهم ومنجزاتهم، ولكنهم يتجاوزون عن مشاركة الرحلة التي وصلت بهم إلى هذه النقطة، وكنت ذات مرة في واحدة من المدن الهولندية، في ضيافة صديق مغاربي فتحدثت له عن الضجيج في المقاهي والحانات ليخبرني: أنت هنا يا صديقي في عاصمة العمل بشدة واللهو بشدة Work Hard Play Hard كما قالها بالإنكليزية وتحديدا، فالعالم الذي تقدمه مواقع التواصل والتقنية الحديثة هو الجانب المتعلق بالألعاب، التي تستغرق الكثير من البشر حول العالم.

أما جوهريا فتبقى هذه العبارة غير ممكنة التحقق في الدول النامية، فثمة عمل شاق لا يمنح هذه الفئة من الشباب فرصة الحصول على الحدود الدنيا من التجربة الحياتية وفقا للنمط الذي يضغط عليهم من أقرانهم في الدول المتقدمة، ويكونون ضيوفا مستدامين على هوامشه، متفرجين سلبيين تتراكم داخلهم الأسئلة من غير إجابة.
هي ببساطة لا تراهم حتى لو كان خطابها مستغرقا في الحديث عن الشباب وتمكينهم
تتبدى المشكلة أن الدولة العربية في منظومتها المغلقة والاحتكارية، التي تقصي فئات واسعة من الشباب ولا تخاطبهم ولا تتفضل حتى بمحاولة الإجابة على أسئلتهم، ولا تطلب منهم تحمل مسؤولياتهم، هي ببساطة لا تراهم حتى لو كان خطابها مستغرقا في الحديث عن الشباب وتمكينهم، والسبب الرئيسي أنه لا توجد آليات للمشاركة في القرار السياسي، والتقاسم العادل للمكتسبات والتكاليف، فالبيئة السياسية تقوم أساسا على إعادة التدوير المستمر، أو التمثيل الدائم لفئات محددة.

تمثل الحالة المغربية نموذجا جديرا بالدراسة، فالمغرب بصورة عامة في وضعية أفضل مما كان عليه منذ ربع قرن من الزمن، ولكن المغاربة لا يشعرون بذلك، والأزمة أساسية في الخطاب السياسي التقليدي للغاية، الذي تتبناه الدولة المغربية في مفرداته وتجلياته وتمسكه بالموروث المرحل من الأجيال السابقة، وفي مقابل ذلك، طبقة عازلة من السياسيين يوجد وراءها ملايين المغاربة غير الممثلين بالصورة الكافية، ومن ضمنهم الشباب الذين لا يعرفون جذور الحكايات والتعقيدات القائمة، ويؤخذون بالصور التي تقدم لهم نموذجا اختزاليا يعلي من قيمة النتائج ويتجاهل المقدمات التي لم يكن شريكا في تأسيسها، أو حتى مطلعا بصورة كافية عليها.

يمكن للدولة في المغرب أن تعمل على تحسين الخدمات بصورة أو بأخرى، ولكنها لن تقدم في النهاية ما يريده «جيل زد» من تغييرات عميقة تتعلق بإعادة تعريف الحياة، ما لم تعمل على إنتاج خطاب جديد لتنسحب من دورها الأبوي وتتوقف عن إمساكها بمفاتيح الحراك المجتمعي، ليترك بوصفه فضاءً متاحا وعاما، ووقتها سيرى الجيل الغاضب الصورة الكاملة التي تتطلب منه الاندماج الكامل والمرهق في منظومة العمل بمختلف مستوياته، فالجيل الذي لم يخض اختبار المشاركة سيبقى دائما في موقف متأهب وغاضب لا يمكن محاصرته بالوسائل التقليدية التي تحكم ذهنية الدولة في المنطقة العربية.

يمتلك المغرب كل مقومات الدولة المنتجة، باستثناء الخطاب اللازم إعادة إنتاجه ليكون ميثاقا ضمنيا للمشاركة في تحقيق الحلم الجمعي، وأهم مقومات ما يمتلكه المغرب ومعظم الدول العربية هو ثروته من الشباب الذين يجب أن يتجاوز الحوار معهم حدود اللعبة التقليدية، فيتم استدعاء بعض الممثلين لهم ليقابلوا مسؤولا أو آخر، ولكن على المسؤولين أن ينظروا إلى الشاشات نفسها، وأن يتفهموا الخوارزميات التي تحرك المخزون الشعوري للشباب، فالخوارزمية لا تواجهها المقالات نفسها أو الخطب العصماء التي تتضاءل أهميتها أمام مؤثر يتحدث متحمسا، لشباب لا يرون أمامهم بديلا أو دليلا على أن الواقع الذي يعيشونه يحمل شيئا مختلفا أو وجهة نظر أخرى، أو على الأقل، يتطلب الكثير من العمل الذي يعود بالمكتسبات على الجميع، لا على فئة محددة ستتلقى غنائم السلطة والنفوذ.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه جيل زد المغرب الثورة تظاهرات المغرب ثورة جيل زد سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المغرب جیل زد

إقرأ أيضاً:

الأجندة اليومية للنشرة العربية ـ الخميس 11 ديسمبر 2025

تجدون تاليا المتابعات الإخبارية والتقارير الخاصة بأجندة النشرة العربية ليوم الخميس 11 ديسمبر/ كانون الأول 2025.

* المتابعات الإخبارية

*تركيا

​​​​​​​-الرئيس رجب طيب أردوغان يشارك في فعالية لاتحاد جمعيات أرباب العمل الأتراك بأنقرة.

* غزة

– خروقات إسرائيل المستمرة لوقف إطلاق النار بالقصف اليومي ونسف المنازل المتبقية في المناطق التي تحتلها.

– تداعيات المنخفض الجوي الجديد الذي يهدد آلاف خيام النازحين، غداة إعلان جهاز الدفاع المدني بغزة تلقيه الأربعاء، أكثر من ألف مناشدة من نازحين فلسطينيين غمرت مياه الأمطار خيامهم.

* طقس البلدان العربية

– أجواء الطقس السيئ المتوقع حتى الجمعة، وتأثيره على بلدان عربية بينها العراق والسعودية والكويت وفلسطين، وسط تحذيرات من سيول وأمطار غزيرة بفعل المنخفض الجوي القطبي “بيرون”.

* إسرائيل

– حالة التوتر الدبلوماسي، بعد استدعاء سفير أوكرانيا بتل أبيب يفغيني كورنيتشوك لجلسة توبيخ، بعدما انتقد تصريحات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن “علاقاته الشخصية” و”اتصالاته المستمرة” مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

* لبنان

– إضراب ليوم واحد بقطاع التعليم الابتدائي والثانوي دعت إليه “روابط التعليم الرسمي” احتجاجا على “تفاقم الانهيار المعيشي الذي يضرب رواتب المعلمين، واستمرار السلطة في تجاهل حقوقهم المهدورة”.

– خروقات إسرائيل شبه اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار مع “حزب الله”.

* الضفة الغربية

– اقتحامات الجيش الإسرائيلي واعتداءات المستوطنين شبه اليومية على الفلسطينيين وممتلكاتهم بمختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة.

– ردود الفعل المتوقعة على مصادقة السلطات الإسرائيلية على بناء 764 وحدة استيطانية جديدة بالضفة الغربية.

* السعودية

– اليوم الثاني من زيارة يجريها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى السعودية ضمن جولة عربية تقوده أيضا إلى العراق في 13 ديسمبر الحالي.

– اليوم الثالث من زيارة غير محددة المدة يجريها رئيس إريتريا أسياس أفورقي إلى الرياض، بحث خلالها الأربعاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان العلاقات الثنائية بين البلدين.

* مصر

– إغلاق صناديق الاقتراع في 30 دائرة انتخابية (من 70 دائرة) بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب المصري والتي ألغت المحكمة الإدارية العليا نتائجها لوجود “خروقات” في 9 محافظات.

* تونس

– انطلاق اجتماع الدورة 23 للجنة العليا المشتركة الجزائرية التونسية ويستمر يومين بقيادة رئيسي الحكومتين التونسية سارة الزعفراني، والجزائرية سيفي غريب، ومشاركة مسؤولين من البلدين، بينهم وزراء الخارجية والداخلية والنقل والفلاحة والصناعة والطاقة والتجارة والرياضة.

* المغرب

– النسخة الثانية لملتقى الأعمال في منطقة التبادل الحر القاري الإفريقي، وتستضيفها مراكش ليومين تحت شعار: “معاً من أجل تنفيذ فعّال لاتفاقية منطقة التجارة الحرّة لإفريقيا”.

*رياضة مباريات اليوم

** الدوري الأوروبي

– دينامو زغرب / ريال بيتيس

– أوتريخت / نوتينغهام فورست

– نيس / سبورتينغ براغا

– يونج بويز / ليل

– بازل / أستون فيلا

– بران / فنربهتشه

– سيلتا فيغو / بولونيا

– سلتيك / روما

– بورتو / مالمو

– أولمبيك ليون / جو أهيد إيجلز

** دوري المؤتمر الأوروبي

– دريتا / ألكمار

– فيورنتينا / دينامو كييف

– ياغييلونيا بياويستوك/ رايو فاليكانو

– صامصون سبور / أيك أثينا

– أبردين / ستراسبورغ

– شيلبورن / كريستال بالاس

** كأس العرب (ربع النهائي)

– المغرب / سوريا

– فلسطين / السعودية

——-

** التقارير الخاصة

* الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

1- بين الاندفاع والتحفظ.. إلى أين يتجه مسار التفاوض بين لبنان وإسرائيل؟ (تقرير)

تقرير يستشرف مستقبل التفاوض بين بيروت وتل أبيب بعد انعقاد اجتماع لأول مرة الأسبوع الماضي في منطقة الناقورة بمشاركة شخصية لبنانية مدنية في لقاءات اللجنة الخماسية المكونة من الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان وفرنسا وقوات اليونيفيل لمراقبة وقف إطلاق النار، وسط حديث عن مهمة هذه اللجنة وما إن كانت مخولة صلاحية التطرق لقضايا اقتصادية وسياسية بين البلدين. (النشرة العربية/ بيروت/ وسيم سيف الدين/ 1000 كلمة)

2- هل ينجح المغرب في التنظيم القانوني للمنصات الرقمية ؟ (تقرير)

تقرير يتناول محاولات الحكومة المغربية تنظيم المجال الرقمي، خاصة التطبيقات الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، عبر طرح مشروع قانون بالبرلمان يضبط الممارسات الافتراضية بهدف “مواكبة التحولات التكنولوجية السريعة، والسعي إلى إيجاد توازن بين حرية التعبير وحماية القيم المجتمعية والفئات الهشة، خصوصا القاصرين”. (النشرة العربية/ خالد المجدوب/ 800 كلمة)

* دولي

3- متحف “غريفان” الباريسي.. 250 تمثال شمع تضيء صفحات التاريخ (تقرير)

تقرير عن متحف “غريفان” الشهير في العاصمة الفرنسية باريس، الذي يواصل منذ تأسيسه عام 1882، تقديم رحلة بصرية عبر التاريخ من خلال ما يقرب من 250 تمثالًا من الشمع، تشمل شخصيات عالمية بارزة في الثقافة والفن والسياسة والرياضة، إلى جانب شخصيات كرتونية محبوبة. (النشرة التركية/ ​​​​​​​باريس/إسراء طاشقين/ صور وفيديو/ 500 كلمة)

 

وكالات

مقالات مشابهة

  • انطلاق قطار الشباب إلى الأقصر للمشاركة في منتدى الشباب العربي الإفريقي في نسخته الـ14
  • انطلاق فعاليات المنتدى العربي الإفريقي للشباب من القاهرة إلى الأقصر
  • مركز الشباب العربي يوقّع مذكرتي تفاهم استراتيجيتين مع «بريدج» و«فيجينيرز»
  • شكرا للفريقين علي المتعة التي قدماها المستكاوي يشيد بمباراة المغرب وسوريا
  • الأجندة اليومية للنشرة العربية ـ الخميس 11 ديسمبر 2025
  • مراكش تستضيف برنامج الحوار الإسلامي الإفريقي العربي بمشاركة ليبية
  • رئيس غرفة التجارة العربية الفرنسية: المياه والبيئة في صميم الأزمات والفرص بالعالم العربي
  • بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!
  • "المها العربي" يثري الحياة الفطرية في محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية
  • معرض للانقراض.. المها العربي يثري الحياة الفطرية في محمية الملك سلمان