دولة فلسطينية تنضم للسلام الإبراهيمي

خالد فضل

قيام دولة إسرائيل كان سابقاً لاستقلال كل الدول العربية تقريباً، عدا المملكتين العربية السعودية (1932م) والأردنية الهاشمية (1946م)، لذلك ولدت جميع الدول العربية المستقلة فوجدت (دولة العدو) تكبرها.

نشأت أجيال متلاحقة في الدول العربية والنغمة الرسمية السائدة، دولة الكيان الصهيوني، القضية الفلسطينية المركزية للأمة العربية، ثم جاءت حقبة لا صلح لا اعتراف لا تفاوض.

حتى كسر الرئيس المصري الراحل السادات تلك اللاءات؛ بزيارته للقدس واجتماعه مع مناحيم بيغن ومخاطبته الكنيست الإسرائيلي (البرلمان المنتخب طبعاً) ومن ثم إبرام اتفاقية كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في 1978م ونال جائزة نوبل للسلام مناصفة مع بيجن في نفس العام..

مثلت تلك المعاهدة اختراقاً مدوياً في الإجماع العربي التاريخي، وُوجه نظام السادات بعزلة عربية صارمة لدرجة نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس. ثم دفع السادات روحه ثمناً بعد ذلك بإغتياله في أكتوبر 1981م أثناء عرض عسكري في ذكرى الاحتفال بالنصر العربي الوحيد في 1973م.

مرّت مياه كثيرة تحت الجسر العربي، وبسقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي (1989م- 1990م)، وبسط الهيمنة الأحادية لأمريكا وحلفائها الغربيين بات واضحاً أنّ حقبة الموقف العربي العدائي ضد إسرائيل إلى أفول. وسرعان ما وقعت اتفاقات إسرائيلية فلسطينية فيما عرف باتفاقات أوسلو ثم مدريد، وظهر مصطلح غزة/ أريحا أولاً في بداية عقد التسعينات، ونال ياسر عرفات جائزة نوبل في 1994م بالاشتراك مع إسحق رابين وشيمون بيريز.

تزامن ذلك مع صعود جماعة الإخوان المسلمين السودانية (الجبهة الإسلامية القومية) واستيلائها على السلطة عن طريق الانقلاب العسكري بالطبع وتسميتها بالمؤتمر الوطني بعد ذلك، في مقابل صعود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للسلطة في قطاع غزة بفوزها في الانتخابات العامة هناك. وهي الانتخابات الأولى والأخيرة في القطاع؛ إذ هيمنت حركة حماس على السلطة بشكل مطلق وآحادي بعد طردها لعناصر السلطة الفلسطينية بالقوة.

ظل الوضع هكذا، سلطة فلسطينية لا حول لها ولا سلطان على غزة، وحركة جهادية إسلامية تحكم سيطرتها. مناوشات طويلة مع إسرائيل انتهت مؤخراً بالحرب الشاملة التي نجم عنها تدمير هائل وقتل جماعي ونزوح ومآسٍ فظيعة؛ قوبلت  بتنديد واسع وتضامن عالمي مع المدنيين الفلسطينين في القطاع؛ الملاحظ أنّ القوام الغالب لهذا التضامن الإنساني العالمي كان بتنظيم وقيادة من منظمات وتشكيلات يسارية علمانية فيما خفتت أبواق الدعاية الجهادية الإسلامية، وهو تحول مهم يعيد للقضية الفلسطينية جوهرها كقضية تحرر وطني بعد عقود من اختطافها بوساطة جماعات التطرف الإسلامي مما أفقدها قيمتها الفعلية.

وتطور النزاع ليشمل ضرب إيران، وتقليم أظافر حزب الله في لبنان، وقصقصة أجنحة تيارات الإسلام السياسي في سوريا قبل تمكينها من السيطرة على السلطة بسقوط نظام بشار الأسد. قبل ذلك سقط نظام الإخوان المسلمين في السودان بثورة شعبية سلمية عارمة، لكنهم عادوا مرة أخرى تحت عباءة الانقلاب العسكري الذي نفذته قيادة الجيش وقيادة الدعم السريع مؤتلفين، قبل أن يشعل الإسلاميون المهيمنون على الجيش الصراع الراهن بينهما على خلفية خطة سياسية كانت تهدف إلى إعادة مسار الانتقال المدني السلمي نحو الديمقراطية كما طالبت به الثورة الشعبية.

طرحت الدول العربية خارطة طريق منذ سنوات خلاصتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل فيما يعرف بحل الدولتين. وتعتبر الدول العربية أن ذلك الحل يمثل المفتاح لاعترافها بإسرائيل ومن ثم الانخراط معها في علاقات طبيعية.

بيد أنّ إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في دورته السابقة كانت قد طرحت خطة السلام الإبراهيمي، وبالفعل انخرطت بعض الدول العربية في إبرام اتفاقات سلام منفصلة مع إسرائيل منها الإمارات العربية المتحدة، البحرين، المغرب، فيما ظلت قطر تدير علاقات مواربة معها منذ التسعينات. كما وقعت معاهدة سلام مع الأردن، وعلاقات مع موريتانيا. وعقب سقوط نظام البشير في السودان التقى قائد الجيش السوداني الفريق البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في عنتبي اليوغندية لكن لم يثمر ذلك اللقاء عن توقيع اتفاق معلن وإن ظلت العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب مستمرة سرّاً وعلناً على مستوى المكون العسكري الثنائي الحاكم آنذاك؛ (الجيش/ الدعم السريع) حتى اندلاع القتال بينهما في أبريل 2023م.

الآن تم توقيع اتفاق بين إسرائيل وحماس حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، بيد أنّ المستقبل السياسي لحماس بات موضع الشك، فإسرائيل والولايات المتحدة تصران على عدم السماح لها بفرصة إعادة السيطرة والحكم في القطاع، وهو المطلب الذي يتوافق عليه كل الدول العربية  تقريباً؛ ومن ضمنها عدة دول تصنف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. كما حدث مؤخراً توافق مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة مع الولايات المتحدة فيما عرف ببيان الرباعية حول السودان، وفيه نص صريح بعدم السماح لتنظيم الإسلام السياسي السوداني بصياغة مستقبل البلاد.

هذه التطورات تعني تلاشي نفوذ وتمكين تيار الإسلام السياسي الفلسطيني الذي استمر لعقود طويلة وأورث الدمار الشامل لقطاع غزة أسوة بما حدث في السودان الذي ما يزال يعاني من نتائج هيمنتهم وتطلعهم للعودة للسيطرة بعد تدمير البلاد.

يبدو أنّ هناك حلاً يلوح؛ هو ميلاد دولة فلسطينية ديمقراطية علمانية، توقع على معاهدة السلام الإبراهيمي فور إعلانها. وبالتالي تنفتح بقية الدول العربية على ذلك الاتفاق وتتبادل علاقات طبيعية مع إسرائيل، وعوضاً عن عقود العداء الموروث تنفتح آفاق التعاون، والشراكات المنتجة، ويسود السلام المنطقة. ساعتها ستنتهي حدوتة العدو التاريخي والقضية المركزية، ولن تجد الحركات الجهادية ذرائع لجر شعوبها إلى الوراء وحبسها تحت أدبيات بالية، ستكون العلاقات مع إسرائيل على مبدأ المصالح المشتركة. وتجرب الشعوب العربية كلها  لأول مرة منذ ميلاد بلدانها المستقلة فرصة العيش في سلام دون الخوف من الخطر الحقيقي أو المتوهم الذي تشكله إسرائيل. ولعل ذلك الحل يلجم التطرف اليميني في إسرائيل والولايات المتحدة وغيرها من الدول الداعمة لها ويبدد دعاويها التي تستحلب بها العواطف الدينية ونوازع التطرف الديني، فاليمين الديني المتطرف ملّة واحدة تحركه الغرائز بينما  اليسار في تضامنه العالمي ينادي بمضامين إنسانية راشدة في دعواه للسلم والحرية.

أما موضوع الإسلام، فقد عاش اليهود في المدينة المنورة وكان اسمها يثرب قبل بزوغ فجر الدعوة الإسلامية نفسها، وواصلوا العيش بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم  إليها. وكانت هناك تعاملات واتفاقات دنيوية عديدة بين الرسول واليهود؛ وهو بالضبط الأمر المطلوب الآن، وقد حسم القرآن بالنص الصريح (لكم دينكم ولي دين).

ستنتهي سرديات حركات العنف والإرهاب باسم الإسلام تلقائياً عندما تستيقظ الشعوب على واقع سلمي تعلو فيه قيم الحياة على سردية الموت، وسيشرق الوجه الإنساني للإسلام كرافعة روحية فردية ترتقي الجماعة بفضل ارتقاء أفرادها ليعيشوا في سبيل الله بدل الموت في سبيله كما تزعم جماعات الهوس الإسلامي، وهو مما نادى به المفكر الإسلامي الشهيد محمود محمد طه منذ عقود.

سيعود العرب المسلمون من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، فالله اختص نفسه بأسماء السلام والخير والحق ولم يختصها بأسماء الحرب والشر والباطل.

وعوضاً عن توجيه العداوة لإسرائيل واستغلال حركات الإسلام السياسي لتلك النزعات الجوفاء، سيكون على المسلمين العرب توجيه المراقبة والمحاسبة للأنفس، وما يكتنفها من شح، وسيلتفتون إلى واقعهم الذي يكلله البؤس السياسي والفكري والاقتصادي بل والديني في تمام جوهره، ربما يسيرون بعد ذلك في ركب الإنسانية الصاعد بدل الانزواء في ركن السخط البائس، يرددون ببلاهة هتافات جماعات الهوس.. خيبر خيبر يا يهود جيش محمد بدأ يعود، وفي حقيقة الأمر يجوس ضباط الجيش الإسرائيلي في بلدانهم، ويصافح قادتهم زعماء اليهود تحت لمعان بريق أضواء الكاميرات أو في سراديب ودهاليز مكاتب تلك القيادات المنافيخ.

آن الأوان ليقظة العقل، وتهدئة العواطف السطحية، فطريق التحرر هو طريق الحرية السلام والعدالة، وهي إلى ذلك مقاصد الإسلام وجوهره لمن يعرف دينه بعيداً عن مزايدات مزادات تجّاره.

الوسومأنور السادات إسرائيل الإخوان المسلمين الإسلام السياسي البرهان البشير الحرب الرباعية السلام الإبراهيمي السودان بنيامين نتنياهو حماس خالد فضل غزة كامب ديفيد مناحم بيغن

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أنور السادات إسرائيل الإخوان المسلمين الإسلام السياسي البرهان البشير الحرب الرباعية السلام الإبراهيمي السودان بنيامين نتنياهو حماس خالد فضل غزة كامب ديفيد الإخوان المسلمین الإسلام السیاسی دولة فلسطینیة الدول العربیة مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

أحمد موسى: لا سلام حقيقي دون دولة فلسطينية.. ونتنياهو يواجه مرحلة تكسير عظام

أكد الإعلامي أحمد موسى ، أن تحقيق الاتفاقيات الإبراهيمية لن يكون ممكنًا بشكل فعلي ما لم تقم دولة فلسطينية مستقلة، متسائلًا: هل يعقل أن تستمر الحروب إلى ما لا نهاية؟

وقال موسى، خلال تقديمه برنامج “على مسئوليتي” المذاع عبر قناة “صدى البلد”، إن الجميع سئم من دوامة الصراع، سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني، مشيرًا إلى أن الشعوب تتطلع إلى السلام بعد سنوات من المعاناة.

وتحدث موسى، عن الكارثة الإنسانية في غزة، موضحًا أنه كان من الممكن إنقاذ نحو 20 ألف شخص من الموت لو تم التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في يناير الماضي، مضيفًا أن صوت العقل لو سمع من حماس أو إسرائيل لكان الوضع مختلفًا.

وأشار مقدم “على مسئوليتي” إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه تحديات قاسية في المرحلة المقبلة، قائلاً: “نتنياهو سيتعرض لتكسير عظام”.

وأوضح أن نتنياهو فشل في إعادة الرهائن رغم حملته العسكرية الواسعة، في حين تمكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من تحقيق هذا الهدف خلال ولايته.

واختتم موسى تصريحاته بالتأكيد على أن السلام الحقيقي مرهون بتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية، وهو ما تطمح إليه جميع الأطراف التي أنهكها الصراع المستمر منذ عقود.

طباعة شارك أحمد موسى صدى البلد شرم الشيخ فلسطين ترامب

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: لا سلام حقيقي دون دولة فلسطينية مستقلة
  • أحمد موسى: لا سلام حقيقي دون دولة فلسطينية مستقلة و90% من مساعدات غزة مصرية
  • لافروف: يجب إقامة دولة فلسطينية بعد تنفيذ خطة ترمب
  • لافروف: يجب إقامة دولة فلسطينية بعد تنفيذ خطة ترامب بشأن غزة
  • المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية : نثمن الدور الذي قامت به قطر لإقرار وقف الحرب في قطاع غزة
  • بعد قليل.. تبدأ فعاليات قمة شرم الشيخ للسلام بمشاركة 30 دولة
  • وصول الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى شرم الشيخ للمشاركة في قمة السلام
  • أحمد موسى: لا سلام حقيقي دون دولة فلسطينية.. ونتنياهو يواجه مرحلة تكسير عظام
  • أوزبكستان تنضم إلى الدول الراغبة في استضافة سباق لبطولة العالم للفورميلا وان