شيوخ التضليل في تنظيم لصوص الذهب
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
عندما نقرأ منشورات التواصل الاجتماعي التي يكتبها الأحياء من قيادات ومؤسسي تنظيم ما يسمى "الجماعة الإسلامية"، نرى قدامى التنظيم والجيل الجديد من أتباعهم يخاطبون أكابرهم بلقب "فضيلة الشيخ"، وهم يعلمون أن ملفات التحقيقات في القضايا منذ عام 1981 لن تُمحى من ذاكرة التاريخ. تلك الملفات توثق اعترافات عناصر قيادية بجرائم نهب محالّ الذهب، وإطلاق الرصاص على من فيها، لاستغلال محتوياتها في تمويل أنشطة التنظيم وشراء الأسلحة والذخيرة.
في قضية الجناية رقم (48) لسنة 1982 أمن دولة عليا، المعروفة إعلاميًا باسم "قضية تنظيم الجهاد"، اعترف شيوخ التنظيم وقياداته بأنهم هاجموا محالّ الذهب وقتلوا عددًا من الأبرياء، ليحصلوا على الأموال اللازمة لشراء الأسلحة التي استخدموها في الهجمات الإرهابية التي كانوا يخططون لها بالتزامن مع اغتيال الرئيس السادات في السادس من أكتوبر 1981، وما تلاها من جرائم تخريب وسفك دماء.
اعترافات المتهمين في قضية ما يسمى تنظيم الجهاد أكدت أن مجلس شورى التنظيم عرض على الأمير العام فكرة "سرقة أموال غير المسلمين"، فأفتى ضالًا مضلًا بجواز ذلك شرعًا. ثم قرر مجلس الشورى الموافقة على خطة للسطو على محالّ الذهب باستخدام القوة، وبدأ تنفيذها بالفعل في يونيو 1981، بمهاجمة عدد من المحالّ في مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا.
اقتحم ملثمون يحملون الأسلحة النارية أحد المحالّ ونهبوا ما بها من قطع ذهبية وأموال، وشرعوا في قتل عدد من الموجودين داخله. كما شهدت دائرة قسم أول شبرا الخيمة حوادث مماثلة في يوليو 1981. وباع أعضاء التنظيم بعضًا مما نهبوه عن طريق زوجاتهم، واحتفظوا بكميات أخرى لتأمين نفقات التنظيم وما يحتاجه من أسلحة وذخائر ومتفجرات.
قال محمد عبد السلام فرج في اعترافاته: "كان التنظيم يعتمد في تمويله على التبرعات، ثم قامت مجموعة الوجه القبلي بسرقة محتويات محل ذهب بنجع حمادي، واستعملوا قيمة المسروقات في شراء أسلحة للتنظيم. كما استطعت الحصول على كمية من المتفجرات أخفيتها في المنزل الذي أقيم فيه، وأخبرت عبود الزمر بمكانها."
أما عبود الزمر فقال في اعترافاته: "وضعت خطة عامة تتلخص في إعداد مجموعة من الأفراد وتدريبهم، وإعداد عدد من الأسلحة للقيام بعمليات إحكام على بعض الأهداف، وقتل بعض الشخصيات السياسية، وتفجير الثورة الشعبية من خلال توجيه مظاهرات، واختيار مجلس شورى ومجلس علماء."
وأضاف: "كان التنظيم يعتمد أساسًا على التبرعات، وقد تبرعتُ بمبلغ أربعة آلاف جنيه. ثم عرض عليّ محمد عبد السلام فرج فكرة نهب محتويات محل بيع مشغولات ذهبية تملكه سيدة، فوافقتُه، وتوجهتُ مع نبيل عبد المجيد المغربي لمعاينة المحل ووضع خطة المداهمة، وكلفتُه بتنفيذ الخطة، فاستعان بمجموعة من أعضاء التنظيم."
وقدم عبود الزمر في اعترافاته شرحًا للخطة التي نفذوها وقت أذان المغرب في شهر رمضان، وقال: "عقب التنفيذ عادوا بالمسروقات التي احتفظتُ بها مدة، ثم سلمتُها لمحمد عبد السلام فرج الذي قام بتصريفها. وقد أُصيب أحد المهاجمين بطلقة نارية أثناء الحادث."
واعترف نبيل عبد المجيد المغربي بأنه في شهر يوليو 1981، الموافق لشهر رمضان 1401 هجريًا، "عرض على محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر إمكان السطو على أحد محالّ الذهب والاستيلاء على محتوياته. وبعد بحث، اخترنا محلًا للمشغولات الذهبية بدائرة قسم أول شبرا الخيمة".
وانتقل معي عبود الزمر، وعاينّا المحل، ثم عدتُ ووضعت خطة التنفيذ. وفي الموعد المحدد، أحضر لي محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر الأسلحة والذخيرة، واخترتُ من يشاركني، وانتقلتُ بسيارة يقودها أحدهم بعد أن وزعتُ عليهم الأسلحة، ووضعوا على وجوههم جوارب حريمي، وفي أيديهم قفازات.
توجهنا إلى مكان الحادث، وخلفنا عبود الزمر في سيارته لمراقبة الموقف، وخلفنا أيضًا اثنان يركبان دراجة بخارية حاملين مطاوي للتدخل إذا اعترضهم أحد الأهالي. وكشف المغربي أنهم بعد تنفيذ العملية علموا أن المسروقات تجاوزت نصف كيلو من الذهب، تولى محمد عبد السلام فرج تصريفها.
وفي كتابه "الفريضة الغائبة" كتب محمد عبد السلام فرج، ضالًا مضلًا، تحت عنوان "حكم أموالهم" ما نصه: "إذا دخل التتار الشام ونهبوا أموال المسلمين وغير المسلمين، ثم نهب المسلمون التتار وسلبوا القتلى منهم، فهل المسلوب من أموالهم حلال أم لا؟
والجواب: كل ما أُخذ من التتار يُخَمَّس ويُباح الانتفاع به، ومعنى يُخَمَّس أي أصبح غنيمة."
كان كتاب "الفريضة الغائبة" هو دستور ما يسمى تنظيم الجهاد، الذي ضمّ بين مكوناته تنظيم الجماعة الإسلامية بعد اتحاد ودمج التنظيمين في تنظيم واحد قبيل اغتيال الرئيس السادات. وشارك عدد من عناصره وقياداته في الهجوم على مديرية أمن أسيوط وقسمي أول وثان أسيوط، وقتلوا نحو 118 شخصًا من ضباط وجنود الشرطة والمواطنين في الثامن من أكتوبر 1981، بعد يومين فقط من حادث المنصة.
تلك الجريمة تحدث عنها الإرهابي الهارب عاصم عبد الماجد بكل فخر في لقاءات تلفزيونية بعد أحداث يناير 2011، وكتب عنها في مذكراته عبر وسائل التواصل الاجتماعي واصفًا إياها بأنها "عمل بطولي نفذه الإخوة المجاهدون".
كانت هذه سطورًا من صفحات الملف الأسود لأولئك الذين يتخفّون وراء عمائم الوعظ وشعارات الجهاد، وهم في الحقيقة تجار دمٍ ولصوص ذهب. وما زال بعضهم يرتدي قناع التدين الزائف، ويتصدر المشهد في إحدى الدول تحت لافتات العمل الخيري والسياسي، بينما يواصل بثّ سمومه في عقول الشباب بفتاوى ضالة ومضللة.
إنهم الوجوه القديمة لذات الفكر الذي نهب المال وسفك الدماء باسم الدين. وما زال خطرهم قائمًا ما لم يُكشَف زيفهم، وتُقطع جذور فكرهم من وعي الأجيال القادمة، حتى لا يُعاد إنتاج الإرهاب في ثوب جديد.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: عبود الزمر عدد من
إقرأ أيضاً:
ضربات أمريكية تطيح بأبرز قيادات القاعدة في مأرب وتشلّ حركة التنظيم
تلقى تنظيم القاعدة في اليمن ضربة موجعة مساء أمس عندما قضت غارة جوية — يُعتقد أنها نفذتها طائرة أمريكية مسيّرة — على قياديين ميدانيين بارزين أثناء تنقلهما في منطقة وادي عبيدة بمحافظة مأرب. هذا التطور يعكس تصاعد الضغوط على القاعدة وقد يشكل نقطة تحول في معركتها ضد جهود محاربة الإرهاب في اليمن.
ووفقًا لمصادر يمنية مطلعة أن الغارة استهدفت دراجة نارية كان يستقلها أبو عبيدة الحضرمي — القيادي الشرعي في القاعدة — برفقة أنيس الحاصلي، القيادي في الجهاز الأمني للتنظيم، في منطقة "الحضن" بوادي عبيدة شرقي مأرب. وأضافت المصادر أن الضربة وقعت مساء الاثنين وأسفرت عن مقتلهما فورًا.
وفي وقت متزامن، أشارت تقارير إعلامية إلى أن طائرة مسيّرة أخرى نفذت غارة على وكر للتنظيم قرب مزرعة تعود لقيادي يُدعى رائد بن معيلي، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى إضافيين، وساد الغموض بشأن حصيلة الضحايا بدقة.
المنطقة المستهدفة تُعد من معاقل القاعدة الكثيفة، وقد شهدت في الشهور الماضية عدة غارات مماثلة أسفرت عن مقتل قيادي بارز آخر يُكنّى بـ “أبو الهيجاء الحديدي” (الاسم الحقيقي: منير الأهدل)، عندما استُهدف هو أيضاً أثناء تنقّله على دراجة نارية في مأرب.
كما تعرضت في 9 نوفمبر/تشرين الثاني غارتان أمريكيتان لمخزن أسلحة وورشة تصنيع متفجرات للتنظيم في مديرية مرخة بشبوة، ضمن حملة واسعة تستهدف قدرات القاعدة في اليمن.
وبحسب تقديرات استخباراتية ومصادر ميدانية، خسر تنظيم القاعدة نحو 15 قياديًا منذ بداية العام الجاري، بين قتلى غارات جوية وتفجيرات وصراعات داخلية، إضافة إلى تفكيك عدد من خلاياه وحرمانه من قواعد لوجستية مهمة. ويُعتبر مقتل الحضرمي والحاصلي ضربة رمزية لهذا التنظيم الذي يعتمد على قياداته الميدانية لنشاطاته في مأرب وريفها.
تحليل الخبراء يشير إلى أن هذه الضربات المتلاحقة قد تؤدي إلى تقويض شبكات القيادة والسيطرة داخل القاعدة، وتضعف قدرتها على التخطيط والتنفيذ. كما أن استهداف الأوكار والمخازن والقيادات يُشكّل ضربة معنوية تنعكس على معنويات عناصر التنظيم وتفكك روابط الولاء داخله.
وأشار الخبراء إلى أن ما يشهده تنظيم القاعدة اليوم يبدو كخيارين متوازيين: إما مزيد من التراجُع مع استمرار الضربات أو محاولة لإعادة التموضع والاختباء بين المدنيين، من جديد. نجاح أمريكا والتحالف في ضرب قياداته يقلص من قدرته على إعادة بناء شبكته بسرعة، لكن التنظيمات الإرهابية وكعادتها تميل إلى التكيف والانتقال إلى أساليب حرب خفية أو انفجارات فردية.