ماذا حدث في غزة وكيف تجدد العدوان؟
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
شن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، غارات كثيفة على قطاع غزة ونفذ أحزمة نارية في عدة مناطق بالقطاع، في أكبر خرق لاتفاق وقف الحرب الذي بدأ سريانه قبل 9 أيام، وفي مشهد ذكّر الغزيين بالأيام الأولى لحرب الإبادة، كما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن صدور قرار بإغلاق جميع معابر غزة.
وأحصت المصادر الطبية عشرات الشهداء والجرحى في أنحاء القطاع الفلسطيني، جراء الغارات العنيفة اليوم التي شملت استهداف خيام نازحين ومدرسة تؤوي نازحين ومبنى يعمل فيه صحفيون.
وجاء هذا التصعيد بعدما ادعت إسرائيل أن مقاتلين فلسطينيين أطلقوا النار والقذائف المضادة للدروع على قوات إسرائيلية وآليات هندسية تابعة لها في رفح جنوبي قطاع غزة، صباح الأحد، وهو ما نفته المقاومة الفلسطينية واتهمت الاحتلال باختلاق الذرائع لتخريب الاتفاق.
ما مدى التصعيد؟استهدف القصف الجوي والمدفعي مناطق واسعة في قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، وأفادت مصادر طبية باستشهاد فلسطينيين في بلدة الزوايدة ومخيم النصيرات وسط القطاع وقرب مستشفى كمال عدوان شمالا وفي مواصي خان يونس جنوبا.
ورصد مراسل الجزيرة أكثر من 20 غارة إسرائيلية على المناطق الشرقية لمدينة خان يونس.
عبر الخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يشن قصفا جويا ومدفعيا عنيفا على طول القطاع، فما التفاصيل؟#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/5vafWP2nqt
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 19, 2025
ومع حلول المساء، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن سلاح الجو شن حوالي 120 غارة في أنحاء قطاع غزة ونفذ "عمليات اغتيال مركزة" باستخدام طائرات مسيرة وسط وشمال القطاع.
في الوقت نفسه، قالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن القيادة السياسية استجابت لتوصية الجيش بوقف إدخال المساعدات لقطاع غزة حتى إشعار آخر. وأكدت أنه تم اتخاذ قرار بإغلاق جميع معابر القطاع.
ما موقف حماس؟حمّلت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن أي تدهور أو انهيار لاتفاق شرم الشيخ، ودعت الوسطاء والمجتمع الدولي إلى "التدخل العاجل لوقف هذه الممارسات العدوانية وضمان تنفيذ الاتفاق بما يحقق الأمن والاستقرار لشعبنا الفلسطيني".
إعلانوأصدرت الحركة بيانا مفصلا يحصي خروقات الاحتلال للاتفاق منذ اليوم الأول لتطبيقه، مشيرة إلى استشهاد حوالي 50 شخصا وإصابة عشرات آخرين منذ 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. وبينت أن نصف الشهداء والمصابين من الأطفال والنساء وكبار السن، ومن بين الشهداء عائلة أبو شعبان التي أبيدت بالكامل.
#شاهد | من غارات الاحتلال العنيفة والمكثفة على شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. pic.twitter.com/NPZj1iUD6e
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) October 19, 2025
وأشارت حماس إلى أن قوات الاحتلال لا تزال تفرض السيطرة النارية على شريط يمتد على طول خط الانسحاب المؤقت المعروف بالخط الأصفر، بمسافات تتراوح بين 600 إلى 1500 متر جنوبا وشرقا وشمالا من قطاع غزة، مانعة المواطنين من العودة إلى أماكن سكناهم.
من جانبها، أصدرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس بيانا أكدت فيه التزامها الكامل بتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه وفي مقدمته وقف إطلاق النار في جميع مناطق قطاع غزة.
وقالت الكتائب: "لا علم لنا بأية أحداث او اشتباكات تجري في منطقة رفح، حيث إن هذه مناطق حمراء تقع تحت سيطرة الاحتلال، والاتصال مقطوع بما تبقى من مجموعات لنا هناك منذ عودة الحرب في مارس (آذار) من العام الجاري، ولا معلومات لدينا ان كانوا قد استشهدوا أم لا زالوا على قيد الحياة منذ ذلك التاريخ، وعليه فلا علاقة لنا بأية أحداث تقع في تلك المناطق ولا يمكننا التواصل مع أي من مجاهدينا هناك إن كان لا يزال أحد منهم على قيد الحياة".
كيف تستعد المقاومة؟تداولت صفحات ومواقع إخبارية فلسطينية تعليمات منسوبة لأمن المقاومة تدعو فيها "جميع التشكيلات الميدانية إلى رفع مستوى الجاهزية، واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر في التحركات والاتصالات، مع تعزيز إجراءات الأمان الفني والميداني".
وحذر أمن المقاومة -قبيل تصاعد القصف- من إقدام الاحتلال على "عدوان غادر ومباغت خلال الساعات أو الأيام القادمة، في محاولة لتحقيق أهداف أمنية ومعنوية بعد فشله في الميدان.
ما الرواية الإسرائيلية؟لم تتضح على الفور ملابسات الحدث الذي وقع في رفح، صباح الأحد، والذي وصفه الفلسطينيون بأنه "خديعة رفح"، فيما ذكرت مواقع إسرائيلية أن الرقابة العسكرية فرضت حظرا للنشر بعدما أصدر الجيش الإسرائيلي بيانا بشأن الواقعة.
وزعم الجيش الإسرائيلي في بيانه أن مسلحين أطلقوا النار وقذائف مضادة للدروع نحو آليات هندسية تابعة للجيش كانت تعمل على تدمير بنى تحتية عسكرية في منطقة رفح. وأضاف أن قواته تبادلت إطلاق النار مع المسلحين.
وأشار إلى أنه نفذ على الفور قصفا جويا ومدفعيا أدى إلى تدمير فتحات أنفاق ومبان رصدت داخلها أنشطة لمسلحين، وفق ادعائه.
في الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الأحداث بدأت بانفجار في رفح سبق وصول آلية هندسية تابعة للجيش إلى المنطقة.
#عاجل | سي إن إن عن مصدر مطلع: هناك خسائر بشرية في صفوف القوات الإسرائيلية في الحادث الذي وقع خلف الخط الأصفر
#حرب_غزة pic.twitter.com/PYdHrRJGUF
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 19, 2025
ورغم حظر النشر، تحدثت مواقع وصفحات تابعة للمستوطنين عن مقتل وإصابة عسكريين إسرائيليين في هذه الحادثة، من بينهم قائد سرية في الفرقة 252.
إعلانوكذلك، نقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن مصدر مطلع قوله إن هناك خسائر بشرية في صفوف القوات الإسرائيلية في الحادثة التي وقعت خلف الخط الأصفر، وفق الادعاء الإسرائيلي.
وازداد الغموض بشأن الحادثة بسبب تزامنها على ما يبدو مع مهمة للأمن الداخلي في قطاع غزة لملاحقة مليشيات متعاونة مع الاحتلال بقيادة ياسر أبو شباب شرقي رفح، بحسب ما جاء في مواقع فلسطينية وإسرائيلية.
ففي بادئ الأمر، ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن إسرائيل شنت الغارات في رفح لحماية مليشيات أبو شباب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات قطاع غزة فی رفح
إقرأ أيضاً:
قطاع غزة.. صراع الإرادات القادم
لا يريد الإسرائيليون والأمريكان لغزة أن تأخذ أنفاسها وتلملم جراحاتها؛ بل سيواصلون المعركة بطريقة أخرى؛ ربما ليس إعلانا لحرب جديدة شاملة، ولكنهم سيتابعون سعيهم لتطويع الشعب الفلسطيني وإخضاع مقاومته.
الاتفاق الذي تمّ كان على المرحلة الأولى من خطة ترامب، والتي تبادل فيها الطرفان المصالح، كوقف الحرب وتبادل الأسرى ومنع التهجير ودخول الاحتياجات والمساعدات للقطاع وبدء الإعمار، وإعادة تموضع الاحتلال الإسرائيلي. غير أنّ معظم بنود خطة ترامب العشرين لم يتم التوافق عليها ولا حتى التفاوض بشأنها، حيث يحتاج كل بند من البنود مفاوضات شاقة، مع احتمالات فشل عالية. ولذلك فإنّ المسائل الحاسمة والحساسة ستظل عناصر تفجير؛ وعدد منها ليس مرتبطا بحماس ولا قوى المقاومة المسلحة وحدها، وإنما بالثوابت الفلسطينية وبالإجماع الوطني الفلسطيني، وبحق الفلسطينيين في صناعة قرارهم المستقل. وعلى رأس هذه المسائل: نزع سلاح المقاومة، والموقف من مجلس الوصاية على قطاع غزة، وتشكيل حكومة التكنوقراط وصلاحياتها والجهة المشرفة عليها، والقوة الأمنية التي ستدخل قطاع غزة وطبيعة مهامها وأماكن تموضعها، وشراكة حماس (أو التيار الإسلامي بشكل عام) في النظام السياسي الفلسطيني؛ كما يرتبط بذلك استكمال الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، والسيطرة على المعابر.
السلوك الإسرائيلي:
ستتمسك المقاومة بالثوابت الوطنية، وبحل المسائل في الإطار الداخلي الفلسطيني، وهي لن تُفرّط بسلاحها، ولا بالسيادة الفلسطينية على الأرض والشعب، ولن تُفرط بوجوب الانسحاب الإسرائيلي من القطاع.. وغيرها، أما الاحتلال الإسرائيلي فسيُصرُّ على تفسيره الخاص لخطة ترامب. وهذا سيؤدي إلى حالة انسداد، وهو ما يدفع الإسرائيلي إلى أحد سيناريوهين:
1. استئناف الحرب لمحاولة اجتثاث المقاومة واحتلال غزة، وفرض رؤيته فرضا.
2. التموضع التكتيكي داخل قطاع غزة، وممارسة سياسة الابتزاز، وربط كافة الخدمات والتحسينات في حياة الغزيين وتشكيل الحكومة وانسحابه التدريجي من القطاع.. بمدى الاستجابة لطلباته وشروطه.
ووفق المعطيات الحالية، فإنّ الأجواء تدفعه أكثر باتجاه السيناريو الثاني، حيث سيستخدم الأساليب التالية في ممارسة ضغوطه وابتزازه:
1. متابعة الحصار البرّي والبحري والجوي، والتحكّم في المعابر وحركة الأفراد، وإغلاقها جزئيا أو كليا، ومنع إدخال الاحتياجات الإنسانية، من طعام وشراب ودواء ومستلزمات حياتية.
2. التعطيل الجزئي أو الكلّي لعملية إعادة الإعمار، ومنع دخول مستلزمات البناء ومستلزمات إزالة الردم وغيرها.
3. ممارسة الاغتيال الممنهج لكوادر حماس والمقاومة.
4. ضرب منظومات العمل المدني بذريعة الانتماء لحماس أو العمل تحت إشرافها، بما في ذلك الدفاع المدني والإسعاف والخدمات البلدية والبنى التحتية.
5. تشجيع العصابات والمليشيات وفرق العملاء المعادية للمقاومة، وحمايتها ومحاولة "شرعنتها"، ومحاولة نشر الفوضى.
6. عمل اجتياحات محدودة.. على طريقة الضفة الغربية.
7. ممارسة حملات الدعاية والتحريض والتشويه ضد المقاومة، ومحاولة محاصرتها إعلاميا وشيطنتها، بالتعاون مع المنظومة الغربية ودول التطبيع العربي والإسلامي.
السلوك الفلسطيني:
هذه لحظة تاريخية فارقة للتضامن الفلسطيني، وتجاوز الخلافات، والارتقاء إلى مستوى يليق بتضحيات شعبنا وآلامه ومعاناته، ويليق بأداء المقاومة، ويليق بالمكانة العالمية التي استعادتها قضية فلسطين، والفرص التي أحدثتها. وهي لحظة تماسك وتوحُّد وطني، إذ إنّ خطة ترامب ومن ورائه المشروع الصهيوني، لا تستهدف حماس والمقاومة.. وإنما تستهدف شطب فلسطين وقضيتها، وحتى تفتيت السلطة الفلسطينية نفسها وإنهاء "حلم" الدولة، بل ودفن اتفاقات أوسلو بالرغم من كل سوءاتها.
ثمة قواعد التقاء مشتركة بين فتح وحماس وكل القوى الفلسطينية يمكن التأسيس عليها لإسقاط المشروع الإسرائيلي "الترامبي":
1. رفض الوصاية الدولية، ورفض الاعتراف بـ"مجلس السلام"، وعدم التعامل معه على الإطلاق.
2. رفض أن يتم تشكيل حكومة التكنوقراط بإملاءات ومعايير إسرائيلية أمريكية، وعدم الاعتراف أو التعامل مع أي حكومة مفروضة على الشعب الفلسطيني. والإصرار على أن يكون تشكيلها مسألة داخلية فلسطينية.
3. الإصرار على أن سلاح المقاومة هو شأن فلسطيني، وهو مرتبط بزوال الاحتلال، ولا يُكافَأ الاحتلال على جرائمه بسحب هذ السلاح، وهو ما سيغريه باستمرار عدوانه واحتلاله.
4. رفض قدوم أي قوة أمنية خارجية تقوم بمهام الاحتلال بالوكالة، وتحديدُ أي مهام لهكذا قوات (إن استدعت الضرورة وجودها) بمهام فنية وحدودية مؤقتة متعلقة بتسهيل انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، وضمن توافق فلسطيني، مع عدم التدخل بأي شكل في حياة الفلسطينيين وشؤونهم.
5. الإصرار على إخلاء الاحتلال الإسرائيلي للمعابر، والتوافق الفلسطيني على إدارتها.
6. الإصرار على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة.
7. الاستعانة بالدول العربية والإسلامية ودول العالم المناصرة للحق الفلسطيني، لاستعادة زمام المبادرة وتفعيل القرارات الدولية التي تحظى بالإجماع كوجوب الانسحاب الإسرائيلي وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، وحق العودة، وفك الحصار. وبالتالي إسقاط فكرة مجلس الوصاية من أساسها، خصوصا مع وجود 156 دولة في العالم تعترف بدولة فلسطين.
وعلى ذلك، فإذا ما وُجدت حالة وحدة وطنية تلتقي ولو على الحد الأدنى، فإنها كفيلة بإسقاط أي شكل سلطوي أو أمني يُفرض عليهم، وبالتالي فرض الإرادة الفلسطينية، وإفشال خطة ترامب والتصور الإسرائيلي لمستقبل القطاع.
صراع إرادات:
ستشهد المرحلة القادمة صراع إرادات في قطاع غزة (كما في القدس والضفة الغربية والمنطقة بشكل عام..)، وسيسعى الطرف الإسرائيلي الأمريكي لممارسة أقصى درجات ابتزازه، غير أن التكاتف والصمود الفلسطيني كفيل بإفشاله؛ وإلا فإن نجاح الصهاينة -لا قدر الله- سيكون خطوة نحو إغلاق الملف الفلسطيني.
وإذا كان لدى الصهاينة عناصر قوة، فإنهم أنفسهم لا يستطيعون المضي إلى النهاية في ابتزازهم لقطاع غزة، إذ إنهم أنفسهم يعانون من الإنهاك العسكري والاقتصادي والبشري ومن العزلة العالمية. كما أنهم لا يرغبون بتفويت الفرصة التي وفرتها خطة ترامب لهم بإعادة تأهيلهم "وغسلهم"، وإدماجهم في المنطقة، وإعادة الانفتاح على البيئة العالمية. ولذلك، فإن قدرتهم على متابعة الضغوط تظل محدودة، خصوصا عندما يدركون أن أسقفهم غير قابلة للتنفيذ.
x.com/mohsenmsaleh1