أنور الخنجري

[email protected]

 

 

 تعيش الرياضة العُمانية اليوم واحدةً من أكثر مراحلها حساسية بعد خروج المنتخب الوطني لكرة القدم من تصفيات كأس العالم؛ الأمر الذي أعاد إلى الواجهة أسئلة مُؤجلة منذ عقود: لماذا تتكرر الإخفاقات؟ وأين تكمن المشكلة الحقيقية؟

منذ أكثر من نصف قرن، والرياضة العُمانية تراوح مكانها بلا إنجاز قاري ولا تأهل إلى المونديال، ولا حتى ميدالية أولمبية واحدة.

ورغم الاستثمارات الحكومية- أو لنقل المصروفات الرياضية الحكومية- فإنَّ النتائج على مستوى الأداء الرياضي لا تعكس حجم التطلعات، ولا تتناسب مع طموح الجماهير التي أظهرت استياءً واسعًا عقب كل إخفاق جديد.

وفي قراءة متأنية للواقع الرياضي في بلادنا، نرى أن الأزمة ليست في اللاعبين ولا في الحظ؛ بل في المنظومة الإدارية والاقتصادية للرياضة العُمانية؛ فالأندية، وهي الركيزة الأساسية لأي نهضة رياضية، ما تزال تُدار بعقلية تقليدية تعتمد على الدعم الحكومي فقط، دون نموذج تجاري مستدام، إذ مُعظمها يفتقر إلى هياكل إدارية متخصصة، ولا توجد رؤية واضحة لتحويلها إلى كيانات اقتصادية قادرة على تمويل نفسها وتطوير لاعبيها.

إضافة إلى ذلك، فإنَّ الدوري المحلي يعاني ضعفًا في الحضور الجماهيري والرعاية الإعلامية، فلا هو مُنتَج تجاري قادر على جذب المستثمرين، ولا هو بيئة تنافسية تصنع نجومًا للمنتخب الوطني.

أما الإعلام الرياضي، فقد تحول في كثير من الأحيان إلى منبر للانفعال العاطفي بدل التحليل والرقابة المهنية، ما أفقده دوره التنويري في توجيه النقاش العام نحو الإصلاح الحقيقي.

وللخروج من هذه الدوامة، لا بُد أن تكون بداية الإصلاح في تحويل الأندية إلى كيانات تجارية تعمل على أسس اقتصادية واضحة، كما هو الحال في التجارب الناجحة عالميًا. وهذا يعني فصل العمل الإداري عن النفوذ الشخصي والانتخابي، وإنشاء إدارات متخصصة (رياضية، مالية، تسويقية، إعلامية) تعتمد على نظام الحوكمة والشفافية، مع تنويع مصادر الدخل من خلال الرعاية وحقوق البث التلفزيوني، وإنشاء الأكاديميات الرياضية والمتاجر والفعاليات الرياضية، إلخ....

كما إن الدوريات المحلية- خاصة دوري كرة القدم- يجب أن يكون قويًا ومستقلًا من الناحية المالية، بحيث يتحول إلى منتج تجاري مستدام، يُدار باحترافية، ويُطرح حقوق الرعاية والبث وفق آليات تنافسية. دوري قوي يعني جمهورًا أكثر، دخلًا أكبر، ومواهب أفضل؛ أي نواة منتخب وطني منافس.

ولأنَّ الطموح الرياضي لا يجب أن يقتصر على كرة القدم فقط، فإنِّه بات من الضروري أن تتبنى الدولة، مع الأندية والمدارس، خطة استراتيجية للارتقاء بالألعاب الأولمبية؛ إذ هي أيضًا لا تُلبِّي طموح الجماهير العمانية. وإذا ما أُخذ في الاعتبار إعداد لاعب أولمبي واحد على الأقل كل عام في رياضات فردية مختارة، من خلال برامج تدريب علمية وشراكات دولية، فإن النتائج قد تكون واعدة. إن تحقيق ميدالية أولمبية لا يرفع فقط اسم عُمان في المحافل الدولية؛ بل يخلق ثقافة رياضية وطنية ملهمة تثبت أن النجاح ممكن حين تُدار الرياضة بعقلية احترافية واستدامة مؤسسية.

وفي هذا السياق أيضًا، تبرز أهمية إعادة هيكلة الدعم الحكومي، فبدلًا من الدعم المباشر غير المشروط، يمكن للدولة أن تقدم تمويلًا مشروطًا بالإصلاح المؤسسي، بحيث يُربط التمويل بتحقيق أهداف محددة (تطوير البنية، عدد اللاعبين الصاعدين، الكفاءة الإدارية، النتائج المالية، إلخ...).

وفي خضم هذه التحديات، يُحسب لوزارة الثقافة والرياضة والشباب قرارها مؤخرًا بالموافقة على فك دمج الأندية الراغبة في ذلك وفق شروط محددة قابلة للتحقيق، وهي خطوة تعكس مرونة وتفهمًا للواقع الميداني. إنَّ هذه المبادرة تمنح الأندية المندمجة فرصة لإعادة بناء هويتها المؤسسية والمالية من جديد، شريطة أن تعمل بطريقة علمية حديثة مختلفة عن النمط التقليدي الذي ساد في العقود الماضية، وأن تتبنى استراتيجيات مستدامة في الإدارة والتسويق والحوكمة.

عمومًا.. إنَّنا بحاجة ماسة إلى استراتيجية رياضية وطنية تتكامل فيها أدوار الوزارة والاتحادات والأندية، مع مؤشرات أداء واضحة، وخطط طويلة المدى لا تتغير بتغير الأشخاص أو الإدارات. فـ التجارب الدولية اليوم أثبتت أن الرياضة حين تُدار كصناعة، تتحول إلى رافعة اقتصادية واجتماعية، تخلق الوظائف وتستقطب الاستثمار. وفي المقابل، حين تبقى أسيرة الهواية والإدارة العشوائية، فإنها تستهلك المال العام دون عائد، وتنتج الإخفاق بدلًا من التطور.

وفي الختام، فإن كرة القدم، في بعدها الاقتصادي، لم تعد مجرد رياضة؛ بل صناعة اجتماعية وتجارية تتطلب إدارة مؤسسية دقيقة لتحقيق الاستدامة على المدى الطويل. كما أن إدارة الأندية الرياضية وفق منطق تجاري لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية. فالنجاح الرياضي يجب أن يُترجم إلى قيمة اقتصادية عبر استراتيجيات مالية وتسويقية متكاملة.

إنَّ خروج المنتخب من تصفيات كأس العالم ليس مجرد نتيجة رياضية، إنه مؤشر على خلل بنيوي في إدارة الرياضة الوطنية. والحل لا يكمن في تغيير المدرب أو اللاعبين؛ بل في إعادة بناء المنظومة على أسس مؤسسية حديثة، تجعل من النادي مشروعًا اقتصاديًا، ومن الرياضة صناعة وطنية تليق باسم عُمان وطموح شبابها الواعد.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عين النجوم.. مشروع صيني طموح لسيادة الفضاء

سلّط تقرير نشره موقع "لو ديبلومات" الإيطالي الضوء على المشروع الصيني الطموح "شينغيان" أو "عين النجوم"، الذي يهدف إلى بناء منظومة تتشكل من 156 قمرا صناعيا لتتبع الأجسام الفضائية ورصد الحطام في مدار الأرض.

وقال كاتب التقرير جوزيبي غاليانو إن بكين لا تكتفي ببناء شبكة من الأقمار الصناعية من خلال مشروع "عين النجوم"، بل تُعِدّ نهجا جديدا لممارسة النفوذ في الفضاء عبر هذا النظام المُصمَّم لمراقبة المدارات المزدحمة ومساعدة المشغّلين التجاريين على تجنّب الاصطدامات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف عالمية: حماس ترسخ حكمها بغزة وإسرائيل فشلت في تفكيكهاlist 2 of 2طبيب سوداني: نجوت من الفاشر وأعتني الآن بالنازحين مثليend of list

ويجسّد المشروع -وفقا للكاتب- طموحا أعمق، وهو تقليص الاعتماد على بيانات الأقمار الصناعية الأجنبية، وتحويل الفضاء إلى مجال للسيادة التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية.

المعلومات كل 30 دقيقة

وأكد الكاتب أن الكوكبة ستتكوّن من 156 قمرا صناعيا قادرة على رصد الحطام الفضائي، وتتبع الأجسام، ورصد التحركات غير الطبيعية، وبثّ المعلومات كل 30 دقيقة.

في الوقت الراهن، لا يزال المشروع في مرحلته التحضيرية، ومن المنتظر إطلاق 12 قمرا صناعيا بحلول 2027، على أن يصبح النظام بأكمله جاهزا للتشغيل بعد 2028.

ويضيف الكاتب أن بكين تعمل بالتوازي على نشر كوكبة "غوانغشي" المرتبطة هي الأخرى بعملاق الصناعات الجوفضائية "تشونغكه شينغتو"، في إطار المساعي لتجهيز بنية مدارية مستقلة قادرة على منافسة نظيرتها الأميركية.

التقرير الإيطالي:
الفضاء الذي كان يوما مجالا للاستكشاف، أصبح يمثل ساحة للتنافس الجيوسياسي تتقاطع فيها التكنولوجيا والاقتصاد والأمن الوعي بالمجال الفضائي

أوضح الكاتب أن الوعي بما يجري في الفضاء أصبح ضرورة لا غنى عنها، فمع إطلاق آلاف الأقمار الصناعية الجديدة إلى مدار الأرض كل عام، أصبح من المستحيل التنقل داخل البيئة المدارية الكثيفة من دون نظام رصدٍ قوي.

وحتى الآن، ظلّ الاحتكار التشغيلي الفعلي في يد الولايات المتحدة، التي تمتلك شبكة من الرادارات والتلسكوبات، وبرنامجا مخصصا لتتبّع التحركات المدارية ورصد الحالات الشاذة.

وأكد الكاتب أن الاعتماد على هذه المعلومات يعدّ بالنسبة للصين ميزة إستراتيجية، ومن هنا بدأت المساعي لبناء نظام مستقل قادر على التحكم في حركة المرور المدارية وإدارة مخاطر الاصطدام من دون اللجوء إلى مصادر أجنبية.

إعلان الحدّ الفاصل بين المدني والعسكري

وأشار الكاتب إلى أن هذه التكنولوجيا الفضائية مزدوجة الاستخدام، فإلى جانب الطابع المدني ورصد الاصطدامات المدارية، يمكن أيضا أن يتم استغلالها في تتبّع الأقمار الصناعية الأجنبية، واستباق المناورات المشبوهة، وتحليل السلوك في الفضاء.

وضمن الحيّز من الالتباس يتجلى جانب آخر من المنافسة العالمية بين القوى الكبرى، حسب الكاتب، فالولايات المتحدة تدرك أن كل تقدّم صيني في مجال المراقبة المدارية يمثّل خطوة إلى الأمام في مجال الردع الفضائي.

ولفت الكاتب إلى أن بكين تُصرّ على الطابع التجاري للبرنامج الجديد، لكن الكاميرات متعددة الأطياف، وأجهزة الاستشعار بالأشعة تحت الحمراء، وأجهزة المراقبة الكهرومغناطيسية، والذكاء الاصطناعي المُدمَج على متن الأقمار الصناعية، ليست مفيدة لشركات التأمين أو شركات الاتصالات فحسب، بل هي أدوات ذات قيمة إستراتيجية عالية.

التكنولوجيا والاقتصاد والأمن

ومن منظور اقتصادي، يمكن لهذه الكوكبة أن تمنح دفعة لقطاع الفضاء التجاري الصيني، وأن تجذب عقودا كبيرة وتعزّز منظومةً مزدهرة بالفعل.

واختتم الكاتب بأن الفضاء الذي كان يوما مجالا للاستكشاف، أصبح يمثل ساحة للتنافس الجيوسياسي تتقاطع فيها التكنولوجيا والاقتصاد والأمن، ويشكل مشروع "شينغيان" دليلا على طموحات بكين في هذا المجال.

مقالات مشابهة

  • الزمالك يؤجل حسم ملف الراحلين حتى إنهاء أزمة إيقاف القيد
  • وزارة الرياضة: خطة شاملة لإصلاح منظومة كرة القدم.. وكأس العالم هدفنا
  • نادي العُلا يحصل على جائزة "المؤسسة الرياضية الواعدة"
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 379 (زين نصر)
  • رابطة الدوري السعودي: الباب مفتوح أمام محمد صلاح.. والقرار بيد الأندية
  • كلوب ينضم إلى مجلس إدارة مؤسسة الدعم الرياضي الألمانية
  • عمر مغربل: محمد صلاح مرحب به في الدوري السعودي.. والقرار بيد الأندية
  • بقرار وزير الرياضة.. حل مجلس إدارة مركز شباب في كفر الشيخ
  • كرة القدم المصرية بين الانهيار والبناء
  • عين النجوم.. مشروع صيني طموح لسيادة الفضاء