كشفت مصادر دبلوماسية في نيويورك أن الجزائر قد تمتنع عن التصويت على مشروع القرار الأممي حول الإقليم، في حال تضمّن النص أي إشارة إلى "سيادة المغرب على الأراضي الصحراوية" دون تنظيم استفتاء لتقرير المصير كما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة.

وأكدت المصادر ، وفق صحيفة الخبر الجزائرية، أن هذا الموقف يعكس ثبات السياسة الجزائرية الرافضة لأي تسوية لا تمر عبر "تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير"، مشددة على أن الجزائر تعتبر القضية الصحراوية "قضية تصفية استعمار" لا يمكن حسمها عبر اتفاقات سياسية ظرفية أو مقايضات دبلوماسية.



ويأتي هذا الموقف في وقت يشهد فيه الملف تحولاً ملحوظاً في موازين المواقف الدولية، إذ يتزايد التأييد لخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل نهائي للنزاع. فقد دعمتها خلال الأشهر الماضية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وعدد من الدول الأوروبية والإفريقية، في حين شكّل الموقف الروسي الأخير الداعم للخطة المغربية مفاجأة لدوائر المراقبة، باعتبار أن موسكو كانت تاريخياً تميل إلى الحياد أو دعم حق تقرير المصير.

وبهذا الموقف الجديد، بات معظم أعضاء مجلس الأمن ـ الدائمين وغير الدائمين ـ يميلون عملياً إلى المقاربة المغربية للحل، في ما اعتبره دبلوماسيون "تحولاً نوعياً في ميزان الشرعية السياسية داخل الأمم المتحدة".

ورغم هذا التحول، تواصل الجزائر رفضها لأي قرار أممي "يشرعن سيطرة المغرب على الإقليم"، معتبرة أن ما يجري هو "محاولة غربية لإعادة تعريف النزاع بما يخدم مصالح استراتيجية واقتصادية على حساب القانون الدولي".

وتتعامل القوى الكبرى، وفي مقدمتها واشنطن وباريس ولندن، مع الملف باعتباره ركيزة للاستقرار في شمال إفريقيا وممرات الطاقة والبحر المتوسط، أكثر منه قضية تصفية استعمار.

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن حول الصحراء، على ضرورة انخراط الجزائر بشكل أكبر من أجل التوصل إلى حل سياسي للنزاع الإقليمي. وأشاد التقرير بالإشارات الأخيرة التي بعث بها المغرب من أجل حوار مفتوح مع الجزائر، مشيراً إلى خطاب العرش في 29 تموز / يوليو 2025، حيث جدد الملك محمد السادس تأكيد استعداده لبدء حوار "صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق" مع الجزائر.

وذكر غوتيريش أن دول الجوار، وفي مقدمتها الجزائر، لها "دور حاسم ينبغي أن تضطلع به من أجل التوصل إلى حل" للنزاع، مشدداً على أن ذلك من شأنه تعزيز أمنها وآفاقها التنموية. لكنه أشار إلى أنه على الرغم من إعلانات النوايا، لم يتم تسجيل أي تحسن ملموس في العلاقات بين الجزائر والمغرب، داعياً البلدين إلى تجديد جهودهما بما يخدم التعاون الإقليمي، باعتباره شرطاً أساسياً لتحقيق سلام دائم في منطقة المغرب العربي.

وسجل التقرير كذلك رغبة المغرب في إيجاد "حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف"، مؤكدًا على الدعوة إلى إعادة إطلاق المفاوضات ضمن إطار يشمل كافة الأطراف المعنية، بما فيها الجزائر.

ويأتي هذا التذكير في وقت تكثف فيه الأمم المتحدة والمنتظم الدولي جهودهم لإحياء العملية السياسية، بهدف التوصل إلى حل سياسي واقعي وبراغماتي ودائم، للنزاع الذي سيبلغ عامه الخمسين الشهر المقبل.

وفي هذا السياق، حذّر الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق عبد العزيز رحابي مما وصفه بـ"دبلوماسية الصفقات" التي تتزعمها واشنطن عبر مبعوثها للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مشيراً إلى أن المبادرة الجارية "ليست حلاً دبلوماسياً بريئاً، بل محاولة منسقة بين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لتثبيت السيادة المغربية كعربون لتطبيع العلاقات بين الجزائر والمغرب"، مؤكداً أن هذه المقاربة "تكرّس روحاً استعمارية جديدة تسعى لإخضاع الجزائر سياسياً".

وأضاف رحابي أن فرنسا تحاول إعادة صياغة خطة الحكم الذاتي المغربية لتبدو شبيهة بتجربة كاليدونيا الجديدة ضمن السيادة الفرنسية، بينما تروّج بريطانيا لصيغة "الحكم الذاتي الموسع" كبديل لتقرير المصير. أما الولايات المتحدة، فيرى رحابي أنها تعمل على تثبيت الوضع القائم خدمة لمصالحها الاستراتيجية في مواجهة النفوذ الروسي والصيني المتنامي في إفريقيا ومنطقة الساحل.

الصحراء الغربية و”دبلوماسية “الصفقات” التي ينتهجها ترامب

تصريح ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، عن مبادرة غريبة من بلده يصعب وصفها، خاصة وأن الجزائر لم تشارك رسمياً في ما يمكن اعتباره نشاطاً مفرطاً من جانب الرئيس ترامب ودبلوماسيته القائمة على الصفقات.
ما يبدو… — @AbdelazizRahabi عبد العزيز رحابي@ (@AbdelazizRahabi) October 23, 2025

من جهتها، أكدت جبهة البوليساريو، في بيان حديث، انفتاحها على استئناف المفاوضات المباشرة مع المغرب دون شروط مسبقة، شريطة أن تجري تحت رعاية الأمم المتحدة ووفق قراراتها التي تضمن حق تقرير المصير.

وشددت على أن أي تسوية لا تقوم على هذا الأساس "لن تحقق سلاماً دائماً"، مؤكدة تمسكها بالمسار السلمي رغم ما وصفته بـ"سياسات فرض الأمر الواقع بدعم من قوى كبرى".

ويأتي هذا الجدل أيضاً بعد أيام من تصريحات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، الذي أعلن أن الولايات المتحدة تسعى لإنهاء الخلاف بين المغرب والجزائر خلال شهرين، في محاولة لتثبيت الاستقرار الإقليمي وتسهيل التوافق الدولي حول ملف الصحراء الغربية، ما يضيف بعداً جديداً للضغوط الدولية على الأطراف المعنية قبل جلسة مجلس الأمن المقبلة.

 


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المغرب المصير تقرير مجلس الأمن الصحراء المغرب مجلس الأمن تقرير الصحراء مصير المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الأمم المتحدة مجلس الأمن

إقرأ أيضاً:

"دراسة" ترصد مواقف الأمم المتحدة الثابتة من وحدة اليمن ورفضها لمشاريع انفصالية

قالت دراسة تحليلية جديدة إن الأمم المتحدة لا تزال تعتبر وحدة اليمن مبدأ ثابتًا في تعاملها مع الملف اليمني، رغم التحولات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية.

 

وذكرت الدراسة الصادرة عن مركز المخا للدراسات الاستراتيجية أن مواقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ إعلان الوحدة اليمنية عام 1990 وحتى عام 2025 اتسمت بالوضوح والثبات في دعم الدولة اليمنية الموحدة، ورفض أي مشاريع أو خطوات أحادية تمسّ سلامة أراضي البلاد.

 

وأفادت أن الأمم المتحدة رحّبت فور إعلان الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 باندماج الشطرين الشمالي والجنوبي في دولة واحدة، معتبرة ذلك خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار الإقليمي.

 

وفي حرب صيف 1994، رفض مجلس الأمن إعلان الانفصال الصادر عن قيادة الجنوب آنذاك، وأصدر القرارين (924) و(931) اللذين شددا على أن الأزمة شأن داخلي يمني، وأن أي اعتراف بدولة منفصلة يمثل خرقًا لميثاق الأمم المتحدة.

 

وقالت الدراسة أن هذا الموقف الأممي ساهم في ترسيخ شرعية الوحدة اليمنية دوليًا، وأغلق الباب أمام محاولات الانفصال في تلك المرحلة.

 

ورصدت الدراسة سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي التي أعادت التأكيد على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، أبرزها القرارات (2014)، (2051)، (2140)، و(2216)، التي دعت جميعها إلى تطبيق المبادرة الخليجية، ودعم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، واحترام المرجعيات الثلاث كأساس لأي تسوية سياسية.

 

وأضافت أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش جدّد في مايو 2025 تهنئته لليمن بمناسبة اليوم الوطني للوحدة، فيما أكد مجلس الأمن الدولي في بيانه الأخير التزام أعضائه "الراسخ بوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه ووقوفهم إلى جانب الشعب اليمني"، وهو ما اعتبرته الدراسة إشارة واضحة لاستمرار التوافق الدولي حول وحدة الدولة اليمنية.

 

وأحسب الدراسة فإن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يحصل حتى اليوم على أي اعتراف رسمي من الأمم المتحدة، لا كسلطة أمر واقع ولا كممثل للجنوب، رغم محاولاته المتكررة منذ عام 2017 لاستمالة الموقف الأممي، عبر اللقاءات الدولية وإعلان "الإدارة الذاتية" في عام 2020، أو تنظيم "اللقاء التشاوري الجنوبي" في عام 2023.

 

وزادت "الأمم المتحدة ومجلس الأمن رفضا جميع الخطوات التي تهدف إلى تقويض وحدة اليمن، مشددين على أن أي حوار سياسي يجب أن يتم تحت مظلة المرجعيات الثلاث وقرارات مجلس الأمن".

 

واشارت إلى أن مشاركة رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، جاءت بصفته الرسمية كعضو في مجلس القيادة، وليس بصفته ممثلًا للمجلس الانتقالي، في دلالة على استمرار الموقف الأممي الرافض للاعتراف بالانتقالي ككيان مستقل.

 

وخلصت الدراسة إلى أن موقف الأمم المتحدة يشكل أحد أهم ركائز السياسة الخارجية اليمنية، مؤكدة أن هذا الدعم الأممي المستمر للوحدة يُعدّ رصيدًا دبلوماسيًا يمكن للحكومة اليمنية استثماره لمواجهة المساعي الانفصالية داخليًا وخارجيًا.

 

وحذّرت الدراسة من أن استمرار الانقسام الداخلي وضعف الأداء الدبلوماسي قد يؤديان إلى تراجع هذا الدعم في حال تصاعدت التوجهات الإقليمية الداعمة للتفتيت، داعيةً مجلس القيادة الرئاسي إلى اعتماد خطاب سياسي موحد يعزز الوحدة كخيار استراتيجي، والعمل على استقرار الوضع في الجنوب باعتباره جزءًا لا يتجزأ من القضية الوطنية اليمنية.


مقالات مشابهة

  • رئيس مجلس الأمن الروسي ينتقد إخفاق الأمم المتحدة في حل قضية فلسطين
  • رئيس مجلس الأمن: أكبر خيبة أمل واجهت الأمم المتحدة عدم حل قضية فلسطين
  • أزمة جديدة تلوح في الأفق… “فيفا” يهدد الزمالك بحرمانه من القيد
  • مجلس الأمن يبحث تثبيت وقف إطلاق النار في غزة
  • مجلس الأمن يبحث تثبيت وقف إطلاق النار في غزة وضمان تدفق المساعدات الإنسانية
  • الجزائر تؤكد في مجلس الأمن دعمها الثابت لفلسطين وتدعو لإقامة دولة مستقلة
  • أبرز الولايات التي نشر فيها ترامب قوات الحرس الوطني
  • "دراسة" ترصد مواقف الأمم المتحدة الثابتة من وحدة اليمن ورفضها لمشاريع انفصالية
  • "غوتيريش" يرحّب برأي العدل الدولية ويؤكد ضرورة دعم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني