القدس المحتلة - خاص صفا لم تتوقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن سياستها الرامية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في القدس المحتلة، وتحويلها لمستوطنات وبؤر استيطانية تخدم أهدافها الاستراتيجية بالسيطرة الكاملة على المدينة وعزلها عن محيطها بالكامل. وتستخدم "إسرائيل" مجموعة من الوسائل والقوانين الممنهجة لاقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم وتجريدهم من حقهم في ملكيتها، باعتباره عنصرًا أساسيًا في السياسة الإسرائيلية الرامية إلى سلب أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، ومنذ بداية العام الجاري، صعّدت سلطات الاحتلال من مخططاتها للاستيلاء على آلاف الدونمات من أراضي المواطنين في المدينة المقدسة، لصالح المشاربع الاستيطانية والتهويدية.

وحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن سلطات الاحتلال استولت منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، على أكثر من 52 ألف دونم من أراضي المواطنين في الضفة الغربية والقدس. والاثنين الماضي، أصدر جيش الاحتلال أمرًا عسكريًا بالاستيلاء على على نحو 77 دونمًا من أراضي بلدتي الزعيم والعيسوية شرقي القدس، بذريعة "الاحتياجات العسكرية. وسبق أن استولى الاحتلال على نحو 6 دونمات من أراضي الفلسطينيين في بلدة عناتا شمال شرق المدينة، لإقامة شارع استيطاني جديد. وتأتي عمليات الاستيلاء على الأراضي ومصادرتها، لصالح المستوطنات، والطرق الالتفافية، وتهجير المقدسيين قسرًا، وصولًا لتنفيذ مشروع "القدس الكبرى" الذي يستهدف السيطرة على 12% من أراضي الضفة. ويستخدم الاحتلال الأوامر العسكرية كأداة ممنهجة لفرض السيطرة على الأراضي الفلسطينية بزعم الأمن، قبل تحويلها لاحقًا لخدمة المشاريع الاستيطانية، بما في ذلك الطرق الالتفافية وتوسيع الكتل والبؤر الاستيطانية المحيطة بالقدس. تصاعد غير مسبوق الخبير في القانون الدولي والشأن الإسرائيلي المحامي محمد دحلة يقول إن مدينة القدس شهدت في الفترة الأخيرة، تزايدًا إسرائيليًا غير مسبوق في وتيرة الاستيلاء والسيطرة على الأراضي الفلسطينية، تحت ذريعة جديدة، وبغلاف قانوني. ويوضح دحلة في حديث لوكالة "صفا"، أن الاحتلال يستخدم من أجل السيطرة على الأراضي، قوانين استيطانية وإسرائيلية لا تُنصف الفلسطيني أبدًا. ويضيف "من الواضح أن حكومة الاحتلال تُريد فرض سيطرة كاملة على مدينة القدس، لأجل تفريغها من سكانها الفلسطينيين، ولهذا الهدف تستخدم وسائل قانونية مختلفة، رغم أن القدس أرض محتلة، ويجب تطبيق القانون الدولي الانساني عليها". لكن سلطات الاحتلال منذ عام 1967، لا تأبه بالقانون الدولي، بل تطبق على المدينة المقدسة القوانين الاسرائيلية الجائرة، وتستعمل هذه القوانين بطرق مختلفة من أجل الاستيلاء على مزيد من أراضي الفلسطينيين. ويؤكد دحلة أن الاحتلال استولى منذ عام 1967 على عشرات آلاف الدونمات في المدينة المحتلة، وأقام عليها مستوطنات وبؤر استيطانية، حتى أصبح عدد المستوطنين المقيمين داخل ما يسمى"حدود بلدية القدس" ما يزيد عن 240 ألف مستوطن. وسائل ممنهجة ومن الوسائل التي يستخدمها الاحتلال لغرض مصادرة الأراضي في القدس، قانون "المصادرة البريطاني للانتداب"، وقانون "المصادرة للاغراض العامة للعام 1943، والذي منح الاحتلال صلاحيات واسعة لمصادرة الأراضي اللازمة للمنفعة العامة. وفق دحلة وبموجب هذا القانون، جرى مصادرة عشرات آلاف الدونمات لأغراض عامة، ولا يزال الاحتلال يستخدمه حاليًا لتنفيذ مشاريع مختلفة، بما في ذلك توسيع الطرق وبناء مستوطنات ومرافق استيطانية. ويتابع دحلة أن الاحتلال يستخدم كذلك ما يسمى قانون "التخطيط والبناء" من أجل مصادرة الأراضي إما لإقامة مباني عامة أو شق شوارع التفافية وشوارع سريعة، تهدف لخدمة المستوطنين، وربط المستوطنات فيما بينها، ومع المستوطنات الواقعة خارج القدس مثل مستوطنة "معاليه أدوميم" شرقي المدينة. بالإضافة إلى قانون "أملاك الغائبين"، الذي يهدف لمصادرة ممتلكات الفلسطينيين الذين نزحوا أو هُجّروا من أراضيهم في الفترة التي سبقت النكبة الفلسطينية عام 1948 أو خلالها أو بعدها. ويوضح الخبير المقدسي أنه بموجب هذا القانون، استولت سلطات الاحتلال على أراضي ومباني تابعة للفلسطينيين، بحجة أن مالكيها أو جزء منهم غير مقيمين في مدينة القدس، أو أنهم لم يحصلوا على هوية إسرائيلية عند الاحصاء الذي جرى في المدينة عام 1967، علمًا أنهم يتواجدون في دول عربية مجاورة، وخاصة الأردن، ولا يمكنهم العودة إلى المدينة المقدسة، بسبب سياسات فرضتها حكومة الاحتلال. ويشير إلى أنه وفي بعض الحالات، يتم مصادرة الأراضي الفلسطينية، تحت حجج أمنية، وذلك استنادًا إلى قوانين مختلفة أو أوامر عسكرية، مثلًا بحجة بناء جدار الفصل العنصري، أو معسكرات أو مواقع أمنية لجيش الاحتلال. وفي بعض الحالات أيضًا، يتم إخراج أو إخلاء السكان من منازلهم، بحجة أن هذه الأراضي والممتلكات تعود ملكيتها إلى اليهود أو أوقاف يهودية كانت تملكها قبل عام 1948. وحسب محافظة القدس، فإن سلطات الاحتلال تعتمد منذ سنوات، على أوامر إعلان "المناطق المغلقة" و"مناطق إطلاق النار" لحرمان الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، تمهيدًا لمصادرتها ونقلها لمصلحة الاستيطان. ومنذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة، شهدت الضفة الغربية والقدس زيادة ملحوظة في إصدار مثل هذه الأوامر، في محاولة لاستغلال انشغال العالم بالأحداث الجارية لفرض وقائع جديدة على الأرض. وأكدت محافظة القدس أن هذه الخطوات تأتي ضمن مسار متسارع لفرض السيطرة الجغرافية وتقليص المساحات المتاحة للفلسطينيين، بما يؤدي إلى تقطيع أوصال التجمعات السكانية وإضعاف إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا، في تحدٍّ واضح لقرارات الشرعية الدولية. 

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: القدس استيطان سرقة أراضي تهجير الأراضی الفلسطینیة مصادرة الأراضی سلطات الاحتلال على الأراضی السیطرة على من أراضی

إقرأ أيضاً:

مقال: المدارس الإسلامية والكنائسية بالقدس ودورها في تشكيل الهوية الوطنية

تعد مدينة القدس عبر العصور مركزا إشعاعيا للعلم والمعرفة، إذ احتضنت مدارس وجامعات ومساجد وكنائس شكلت معا بيئة ثقافية وروحية ووطنية فريدة. ومن أبرز المؤسسات التعليمية التي تركت بصمة واضحة في مسار التربية والتعليم والثقافة مدارس الأوقاف الإسلامية والمدارس الأهلية الكنائسية المسيحية. هذه المدارس لم تكن مجرد أماكن لتلقين العلوم، بل مثلت فضاء لتشكيل الهوية العربية والوطنية والثقافية الفلسطينية.

ويعود تاريخ أقدم المدارس الإسلامية في القدس إلى المدرسة الصلاحية التي أسسها السلطان صلاح الدين الأيوبي عام 1192م بعد تحرير المدينة من الاحتلال الأوروبي في ذلك الوقت، لتكون منارة للعلم الديني والمعرفي واللغوي والفكري.

أما المدارس الكنائسية المسيحية، فتعد مدرسة الفرير قرب الباب الجديد في البلدة القديمة من القدس، والتابعة لجمعية إخوة المدارس المسيحية، أول مدرسة أهلية مسيحية في المدينة، وقد تأسست عام 1876.

تبعتها لاحقا مدرسة شميدث للبنات عام 1886، ثم مدرسة المطران سان جورج التي تأسست عام 1899، ثم مدرسة تراسنطا عام 1920.

وقد أصبحت هذه المدارس والمؤسسات التربوية مع مرور الوقت ركائز محورية في المشهد والحياة التعليمية والثقافية المقدسية.

تعد المدرسة الصلاحية التي أسسها السلطان صلاح الدين الأيوبي من أقدم المدارس الإسلامية في القدس (الجزيرة)منابر لتعزيز الهوية الوطنية

منذ تأسيسها، لم تقتصر رسالة هذه المدارس على التعليم التقليدي، بل أسست لنظام تربوي منسجم مع الثقافة العربية والفلسطينية والقيم الإنسانية العامة، فهي لم تكن مجرد مؤسسات أكاديمية، بل منابر لنشر الفكر التنويري وتعزيز الهوية الوطنية، إذ ساهمت في ترسيخ قيم الانفتاح والتفاعل بين مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني بمنابته الجغرافية والدينية المختلفة، وشكلت قاعدة تربوية وثقافية فسيفسائية، شكلت أساس الانتماء للأرض والتاريخ.

إعلان

لقد ركزت مدارس الأوقاف الإسلامية على الجمع بين العلوم الشرعية واللغة العربية والعلوم الحديثة، لتخرج أجيالا قادرة على المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة. في المقابل، حملت المدارس الكنائسية المسيحية رسالة تعليمية متقدمة اعتمدت بأساسها على مناهج متنوعة ولغات متعددة كالإنجليزية والألمانية والفرنسية، مما جعلها بوابة للمعرفة العالمية.

هذا التكامل بين المؤسستين (الأوقاف الإسلامية والمدارس الكنائسية) شكل ويشكل إطارا مشتركا عزز الثقافة الفلسطينية، وأسهم في ظهور نخبة من المفكرين والأدباء والسياسيين الذين كان لهم تأثير بارز داخل فلسطين وخارجها.

لم يكن تأثير هذه المدارس نظريا فقط، بل تجلى من خلال تخريج شخصيات برزت وأثرت في المشهد التربوي والسياسي والثقافي الفلسطيني خاصة، وفي المشهد العربي والعالمي عامة.

نماذج بارزة

ويعتبر الأديب والمفكر التربوي خليل السكاكيني نموذجا بارزا لما ذكر سابقا، فقد درس في مدارس الأوقاف الإسلامية وكذلك في المدارس الكنائسية، واستفاد من تنوع بيئتها التربوية ليؤسس منهجه التربوي ومدرسته الخاصة في القدس، حيث اعتمد منهجه التعليمي على التعلم من خلال التجربة والابتعاد عن التلقين، وهو توجه ومنهج سبق عصره ولاقى صدى في الأوساط التربوية الأوروبية التي بنت العديد من مناهجها على أسس هذا المنهج.

وكذلك برز المفكر العالمي إدوارد سعيد، الذي يعتبر من أبرز المفكرين الذين طوروا "دراسات ما بعد الاستعمار". لقد تخرج إدوارد سعيد من مدرسة المطران في القدس، حيث صاغت بيئة المدينة والمدرسة المتعددة المنابت الفكرية والثقافية وعيه النقدي المبكر.

وفي السياق السياسي، برز فيصل الحسيني، القائد الوطني المقدسي، الذي نهل من فكر هذه المدارس وقيمها، فكان صوتا مدافعا عن القدس وفلسطين وهويتها.

أما على صعيد الأدب والشعر، فقد لمع اسم سميحة خليل، الشاعرة والمناضلة، التي تشربت من هذه المؤسسات التربوية روح الانتماء والالتزام الوطني، وكذلك التربوية هند الحسيني، وغيرهم الكثير.

إن هذه النماذج تؤكد أن هذه المدارس لم تكن مجرد مؤسسات تعليمية، بل مصانع لإعداد قادة الفكر والعلم والمجتمع، ساهموا في صياغة أسس الهوية العربية الفلسطينية الحديثة.

لقد قامت هذه المدارس بدور محوري في بلورة وتعزيز النسيج الوطني والاجتماعي الفلسطيني في مدينة القدس، إذ جمعت بين طلاب من خلفيات اجتماعية ودينية وجغرافية وسياسية وثقافية مختلفة، وساهمت في صهرهم في نسيج وهوية وطنية واجتماعية وتربوية وثقافية موحدة، مما جعلها نموذجا للأخوة والتلاحم والتسامح.

هذا التداخل أنتج وعيا جمعيا قائما على احترام الآخر، وأسهم في الحفاظ على روح القدس كمدينة عالمية مفتوحة ومتنوعة.

ومن خلال مناهجها وأنشطتها، استطاعت هذه المدارس أن توازن بين الخصوصية الثقافية والتربوية الفلسطينية والانفتاح على الثقافات الأخرى، وهو ما جعلها مؤسسات تربوية وثقافية ذات تأثير يتجاوز حدود التعليم النظامي.

تواجه مدارس الأوقاف والمدارس الكنائسية في القدس تحديات جسيمة، أبرزها السياسات الإسرائيلية التي تستهدف البنية التعليمية وتسعى إلى قطع صلتها بالهوية الوطنية الفلسطينية. وبذلك، يصبح الحفاظ على هذه المؤسسات ودعمها مسؤولية وطنية ومجتمعية لضمان استمرارها.

تحديات جسيمة

ورغم هذا الدور العميق والمتجذر، تواجه مدارس الأوقاف الإسلامية والمدارس الكنائسية في القدس اليوم تحديات جسيمة، أبرزها السياسات الإسرائيلية التي تستهدف البنية التعليمية والثقافية الفلسطينية.

إعلان

فمنذ بداية الألفية الثانية، وتحديدا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تضاعفت القيود المفروضة على هذه المدارس، سواء من محاولات فرض المنهاج الإسرائيلي، أو تحريف المنهاج الفلسطيني بما ينسجم مع سياسات المؤسسة الإسرائيلية، أو تقييد حرية التعبير الثقافي، أو التضييق على الأنشطة والبرامج التربوية.

كما تعاني هذه المدارس من شح الموارد المالية بسبب القيود على التمويل والدعم الخارجي، مما يهدد استمرار رسالتها.

وهذه الضغوطات لا تمس الجانب الإداري أو التعليمي فحسب، بل تهدد السياق التاريخي الذي قامت عليه هذه المدارس، وتسعى إلى قطع صلتها بالهوية الوطنية الفلسطينية.

وبذلك، يصبح الحفاظ على هذه المؤسسات ودعمها مسؤولية وطنية ومجتمعية لضمان استمرارها كحصون للعلم والثقافة والتسامح في مدينة القدس.

إن مدارس الأوقاف الإسلامية والمدارس الكنائسية في القدس ليست مجرد مؤسسات تعليمية تقليدية، بل هي ركيزة أساسية في تكوين الهوية التربوية والثقافية الفلسطينية. هذه المدارس ساهمت في صياغة أجيال مثقفة وواعية، وعززت قيم الانفتاح والتسامح، وربطت بين الأصالة والمعاصرة.

واليوم، رغم التحديات الجسيمة، تظل هذه المدارس شاهدة على تاريخ طويل من المقاومة الثقافية والفكرية، ومؤشرا على أن القدس ستبقى مدينة للعلم والتسامح مهما اشتدت القيود.

 

*نبيل عبد الله: رئيس فرع القدس في نقابة الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين الفلسطينية وعضو إداري في المجلس التنسيقي للتعليم في مدينة القدس.

مقالات مشابهة

  • مستوطنون يُواصلون أعمال تجريف في أراضي الفلسطينيين في الضفة
  • ما هي وسائل الاحتلال لسرقة أراضي الفلسطينين بالقدس؟
  • التحرير الفلسطينية : على جيش الاحتلال الانسحاب من كل أراضي غزة ووقف أي تصعيد
  • محافظة القدس الفلسطينية تُحذر من قانون إسرائيل يُشرعن الاستيطان
  • محافظة القدس تحذر من قانون إسرائيلي يمهّد لشرعنة الاستيطان وشراء الأراضي بالضفة
  • الاحتلال يواصل استهداف العيزرية بالقدس ورئيس البلدية يحذّر من إعدام البلدة
  • إصابة شاب برصاص الاحتلال في مخيم شعفاط بالقدس المحتلة
  • مدير المسرح الفلسطيني بالقدس: الاحتلال يحاربنا بشتى الطرق
  • مقال: المدارس الإسلامية والكنائسية بالقدس ودورها في تشكيل الهوية الوطنية