لجريدة عمان:
2025-12-03@17:14:53 GMT

إبادة الثقافة، ثقافة الإبادة

تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT

إبادة الثقافة، ثقافة الإبادة

هذا هو ما يفكر به أي اللص، حين يستولي على بيت ليس له، يقف صاحب البيت الأصلي أمام بيته المسروق، يراه السارق الذي لا ينام من النافذة، يطلق عليه النار، يبتعد صاحب البيت متفاديا الرصاصة، التي تنجح في إصابته بالكتف، لكنه يعود بعد دقائق ليقف أمام النافذة، فيلقي عليه السارق قنبلة، تفتت يده، يتراجع صاحب البيت ويده معلقة بخيط لحمي، يعود بعد نصف ساعة مع أبنائه وأشقائه، وأبناء أشقائه، يدخلون إلى الحديقة ليلقطوا شجرات الزيتون التي زرعها أجدادهم قبل آلاف السنين، يجن جنون السارق، يخرج مع أولاده وأحفاده، يفاجأ صاحب البيت وأهله بدبابة تخرج من غرفة نوم السارق، فوهتها كانت مصوبة نحو عائلة صاحب البيت، القذيفة التي أطلقت، قتلت صاحب البيت وعددا من الأحفاد وشقيق، وعشرين شجرة زيتون، ثمة أحفاد استطاعوا الهرب بعد إصابات طفيفة.

عاد اللص وأهله إلى البيت المسروق، أقفل الباب بإحكام، خبأ دبابته في خزانة الملابس نام بعمق، لكن أحد أبنائه بقي يقظا حسب اتفاق المناوبة على الحراسة، يراقب ويترصد أي صوت خارج البيت، سمع صوت نقر ملح، أزاح الستارة، فتح النافذة ونظر: كانت هناك حمامة تنقر زجاج النافذة، أيقظ أباه: أبي أبي، ماذا أفعل بحمامة تنقر زجاج نافذتنا؟.

ارم لها حبوبا، ثم اقبض عليها واخنقها فورا فهي من حمامات صاحب البيت، التي رباها في زاوية الحديقة.

وهكذا فعل الابن، سقطت الحمامة على الأرض، حملها فيما بعد أحد الأحفاد الناجين من قذيفة الدبابة.

الليلة اللاحقة، أيقظ أحد أحفاد اللص وقد كانت مناوبته: أبي أبي، ثمة فراشة تخبط بجناحيها، زجاج النافذة، جحظ اللص عينيه، وهمس يا الله حتى الفراشات؟؟. حاول أن تمسكها يا بني، وحين تمسكها اسحقّها، حتى تختفي من بين يديك.

تعب اللص من الطرق التقليدية في صد عودة العرب إلى بيتهم، ففكر حفيده زئيف جابتونسكي بحل سحري: يا جدي، صاحب البيت لن ييأس ولا يتوقف عن التفكير باسترجاع البيت، لو كنت محله لفعلت ذلك، الحل هو: نقطع عنهم الأمل، نشوه أرواحهم، نقصف مسارحهم، ومخطوطاتهم، ندمر مدارسهم وأرشيفهم، ونهشم آلاتهم الموسيقية، ونقلب ملاعبهم الرياضية رأسا على عقب، نحطم مكتباتهم ولوحاتهم ونسحق أدبهم ومؤسساتهم الثقافية ونذبح صلتهم بماضيهم وتاريخهم، سترى كيف سينشغلون بلقمة العيش، وكيف سيرتعبون منا، ويفضلون السلامة الشخصية، على رفض وجودنا في بيتهم، حضن اللص حفيده، الذي سيصبح فيما بعد قائدا صهيونيا شهيرا، وبدأ بوضع خطة لتنفيذ نظريته.

تسلل هو وأشقاؤه إلى مكتبة بيت صاحب البيت المسروق، الذي سكن في شقة مستأجرة قرب بيته القديم، اقتحموا البيت من النافذة، احرقوا المكتبة ولوحات فن تشكيلي وهشموا الآلات الموسيقية.

كبر الحفيد الصهيوني صار جنرالا للخراب، أعجب به الكثيرون، من وحوش القتل، عينوه قائدا لمعركة إبادة غزة.

على جبهة غزة يقود الآن زئيف جابوتنسكي حرب إبادة تماما حسب خطته، التي تتلخص بأنه يرى أن العرب لن يقبلوا قيام دولة يهودية طوعًا، لأن أي شعب يرفض أن تُنتزع منه أرضه. لذلك اعتبر أن الحل الوحيد لنجاح المشروع الصهيوني هو بناء "جدار حديدي" من القوة العسكرية والسياسية يجعل العرب يقتنعون بأن المقاومة غير مجدية. عندها فقط -بعد أن يفقدوا الأمل في تغيير الواقع بالقوة.

خطب الحفيد المتوحش أمام كبار ضباط جيش الكيان: وضعت أمامكم قائمة أهداف، مهمة، لا علاقة لها بالبيوت، لقد دمرنا آلاف البيوت للأعداء لكن هذا لن يجبرهم على الخنوع، أمامنا 260 هدفا: مساجد وكنائس أثرية قديمة وجامعات ومكتبات ومتاحف ومسارح وجداريات وقلاع ومؤسسات ثقافية.

تدمير هذا الجانب من حياتهم، سيحولهم إلى كائنات بلا معنى، تبكي وتتذكر وتقف على بقايا إنجازاتهم، دون أن تجرؤ على المقاومة، سنسمح لهم بالبكاء، والتذكر لكننا لن نسمح لهم بمقاومة وجودنا عمليا، سأكون صريحا معكم، نحن نشتري الوقت، لا ضمانة لنجاح خطة الجدار الحديدي، التي ابتكرتها أنا، لأنني أعرف بصفتي شاعرا بخيال واسع، أن العرب سيحاولون استرداد مصادر قوتهم، من أجل هذا الفهم أقول لكم: لا تتوقفوا عن تخويفهم وقتلهم واعتقالهم وإرباك حياتهم.

الملل أو التراخي يعني بداية هزيمة لنا، وستنهض مخطوطاتهم من جديد من رماد حريقنا، حين أسمع كلمة مخطوطة في مركز أرشيف فلسطيني يجن جنوني، لذلك أمرت طائراتنا بقصف كل مراكز الأرشيف في غزة: أرشيف مكتبة بلدية غزة،

مكتبة جامعة الأزهر، أرشيف مركز رشاد الشوا الثقافي، أرشيف مكتبة الجامعة الإسلامية، الأرشيف المركزي لغزة، أبدنا سجلات ورسائل ووثائق عمرها 150 عاما، أرشيف مكتبة الجامع العمري، انهينا حياة مخطوطات عمرها 700 سنة، مكتبة مركز الملتقى الثقافي، مكتبة دير اللاتين، تم تدمير 85 مدرسة تدميرا شاملا، مع مئات المدارس التي قصفنا مكتباتها وآلاتها الموسيقية وملاعبها الرياضية، وأربعة وعشرين مركزا ثقافيا وقاعات مسارح، وقصور قديمة تحولت لمؤسسات ثقافية مثل قصر بيت السقا، وبيت الغصين وهو مركز ثقافي في غزة القديمة، ومتحف قصر الباشا، ومتحف دير البلح ومتحف القرارة في خان يونس. بقصف هذه المراكز وتفتيت المخطوطات وإفناء الآثار، نستطيع أن نعزز سرديتنا أمام سرديتهم المدمرة، الآن هم هائمون على وجوههم، تشويهم شمس أغسطس في خيامهم، وتعصف بهم رياح سبتمبر الباردة، لنبقيهم في الخيمة، يعانون ويموتون، لن تسمع -فيما يتكلمون به- كلمة مخطوطة، أو آثارا أو مركزا أو قصرا أو مسرحا، أو موسيقى، أو رقصا، أو مدرسة أو كتابا أو مكتبة، أو ذاكرة او قصص تراث، فقط سنسمع: خبزا، فولا، خيمة، بطاطا، وماءءءءءءءءءءء...

بعد سنتين من الإبادة استغرب جنود زئيف جابوتنسكي، من الملامح المعتمة والمرعوبة في وجهه، حين تقدم منهم بوهن ليخبرهم أن ثمة خبرا سيئا، وقاتلا لنا.

قال: وصلنا خبر مؤكد قبل قليل بأن الهائمين على وجوههم الراكضين بيأس تحت طائرات الطرود، وسكان الخيام الأجلاف بدؤوا بقيادة شخص اسمه عبد اللطيف هاشم مدير عام دائرة المخطوطات والآثار في وزارة أوقافهم، بترميم آلاف المخطوطات التي تضررت بشكل جزئي، وأن العشرات من الغزيين والغزيّات من سكان الخيام يتطوعون الآن، في عملية البحث عن المخطوطات تحت الأنقاض وترميمها.

لكننا منذ سنتين وحتى الآن دمرنا علاقتهم مع سرديتهم، وشوهنا إنسانيتهم، وعزلناهم عن ذاكرتهم، وقتلنا أملهم في النهوض، وجربنا معهم نظرية الجدار الحديدي التي ابتكرتها أنت يا سيدي؟ ماذا نفعل الآن.؟ ما الحل.؟ قال جندي.

لم يجب القائد. غادر سريعا وسط ذهول الجنود.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صاحب البیت

إقرأ أيضاً:

رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة يتحدث عن أهمية افتتاح قصر ثقافة الغردقة

قال اللواء خالد اللبان، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، إن قصر ثقافة الغردقة يُعد من أهم وأجمل الأصول الثقافية التي تمتلكها الهيئة في مصر، نظراً لكونه مشروعاً متكاملاً يضم مختلف الأنشطة الفنية، موضحا أن المكان يحتضن برامج للموسيقى والفنون التشكيلية وكافة الفنون الأخرى، بالإضافة إلى معمل متخصص، فضلاً عن مسرح مجهز على أعلى مستوى يضم نحو 850 مقعداً.

وأضاف خلال مداخلة في برنامج "هذا الصباح"، المذاع على قناة "إكسترا نيوز"،  أن الموقع يضم أيضاً فندقاً ملحقاً بقصر الثقافة يضم 42 غرفة، وقد تم تطويره وإطلاق علامة تجارية خاصة به تحمل اسماً مستمداً من اللغة المصرية القديمة، بهدف توحيد الهوية البصرية لمنشآت الهيئة على مستوى الجمهورية، كما أشار إلى وجود "Culture Store"، وهو متجر مخصص لبيع المنتجات الحرفية التراثية، وقد بدأ العمل على افتتاح أول فرع له بمدينة العلمين.

وتابع اللواء اللبان أن الهيئة أطلقت أربع منصات على مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع الشباب والفئات العمرية الصغيرة، بهدف تقديم جرعة ثقافية مكثفة خلال الفترة المقبلة.

وفيما يتعلق بخطة استغلال قصر الثقافة بعد عملية التطوير، قال إن المسرح يلعب دوراً أساسياً في دعم الحركة السياحية بمدينة الغردقة. وفي هذا الإطار، تم توقيع بروتوكول تعاون مع محافظة البحر الأحمر، برعاية اللواء عمرو حنفي، لتقديم عروض فنية يومية لمدة ساعتين، خمسة أيام أسبوعياً، للسائحين الأجانب، بما يسهم في تنشيط السياحة وتحقيق موارد إضافية.

وأشار إلى أن القصر يقدم أيضاً عروضاً موجهة لأهالي المحافظة، حيث شهدت إحدى الحفلات إقبالاً كبيراً فاق التوقعات، مؤكداً سعادته بتفاعل الجمهور وحرصه على حضور الفعاليات.

وأكد أن الفندق الملحق يُستغل كذلك لاستضافة الفرق الفنية المشاركة في العروض القادمة، مشيراً إلى أن الهيئة تستقدم فرقاً من مختلف محافظات الجمهورية لتقديم عروض متنوعة.

مقالات مشابهة

  • رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة يتحدث عن أهمية افتتاح قصر ثقافة الغردقة
  • العدو الصهيوني يعتقل 21 ألف فلسطيني في الضفة والقدس منذ بدء حرب إبادة غزة
  • نور.. تطبيق ذكي لأول مرة في افتتاح قصر ثقافة الغردقة
  • اللواء خالد اللبان يُعلن تدشين قصر ثقافة الغردقة: ليس مجرد مبنى
  • من صناع الفخار ينهض التراث في افتتاح قصر ثقافة الغردقة
  • النحاس والتكفيت يجذبان الزوار.. الإبداع يسطع في افتتاح قصر ثقافة الغردقة
  • افتتاح مسرح قصر ثقافة الغردقة بعد تطويره الشامل
  • مدير مكتبة الإسكندرية: الثقافة هي العمود الفقري للعمران البشري
  • عبد السلام فاروق يكتب: ثقافة القوة وقوة الثقافة