الجزيرة:
2025-05-22@18:35:09 GMT

هل فشل الإسلاميون وانتهى زمن الإسلام السياسي؟

تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT

هل فشل الإسلاميون وانتهى زمن الإسلام السياسي؟

(1)

سؤال يتكرر: هل أخفق الإسلاميون وانهار مشروعهم؟ ربما هذا ما يتمناه خصومهم، ويُستدرج للتصريح به إسلاميون غاضبون من تنظيماتهم، أو تنظيمات غاضبة منهم. وهناك إسلاميون وغير إسلاميين متربصون ينتظرون انقلابا أو تزويرا في الانتخابات ليصرخوا "ألم نقلها لكم!"، معتبرين أن نقمتهم على تنظيماتهم أو إبعادهم ديمقراطيا عن المسؤولية؛ هما المشكلة الكبرى، وأن زمن صعود نجم التنظيمات والأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية سياسيا هو سبب ذلك، وأن التاريخ قد "انتقم لهم وأنصفهم" بالتراجع الانتخابي لأحزابهم.

إن منطق التداول في السلطة، هو من أجمل ما أنتج الفكر السياسي الحديث. ومن ضمن مستلزمات هذا المنطق هو الاعتراف بالفائز ديمقراطيا وتهنئته

(2)

يخطئ من يحكم على عقيدة أو فكرة أو مشروع إصلاحي بالإخفاق بسبب عدم استجابة مجتمع معين له أو مواجهته من قبل خصوم الإصلاح، وحتى إذا كان ذلك من الغالبية المطلقة في ذلك المجتمع. ولو كان ذلك صحيحا، لاعتبرنا عددا من الأنبياء والمصلحين الكبار في التاريخ فاشلين. والحقيقة هي أن كثيرا من الأنبياء قد قُتلوا، وكثيرا من المصلحين ابتُلوا وواجهوا المعارضة والإعراض من قومهم.

وفي الحياة السياسية المعاصرة، التي تقوم على منطق التداول السياسي والآليات الديمقراطية، فإن انحسار تنظيم أو حزب سياسي لا يعني بالضرورة هزيمة الفكرة أو المشروع الفكري والسياسي الذي يمثله. إنه منطق التداول في السلطة، وهو من أجمل ما أنتج الفكر السياسي الحديث. ومن ضمن مستلزمات هذا المنطق هو الاعتراف بالفائز ديمقراطيا وتهنئته.

وينطبق هذا، بطبيعة الحال، في الحالات التي تقوم فيها العملية الديمقراطية بنزاهة وشفافية، بدون تدخل من قوى خارجية تسعى للتحكم في العملية نفسها، وليس في الحالات التي تخترق فيها قواعد هذه العملية.

(3)

في بعض الأحيان، قد تصبح مسارات العمل السياسي محدودة وصعبة، وذلك قد يعود لهشاشة التجربة الديمقراطية في بلد معين. الأحزاب والدول قد تتبع منطق التداول السياسي، حيث تشهد فترات من الصعود وأخرى من الهبوط، ومع ذلك، العقيدة والفكر لا يتغيران. عندما نرجع إلى فكر ابن خلدون، نجد أن الاستبصار الديني هو ما يلعب دورا مركزيا في بناء الشرعية الاجتماعية، وعلى أساس هذه الشرعية، تبدأ دورة جديدة من الإصلاح، أو تقام دولة جديدة، بالمفهوم الخلدوني للدولة.

(4)

الذين يتحدثون عمّا يطلقون عليه "فشل الإسلام السياسي" بناءً على التراجع الانتخابي، رغم نجاحه في تجارب أخرى كتركيا، يمكن تقسيمهم إلى فريقين:

الفريق الأول لا يؤمن بالمشاركة السياسية ولا بالنضال من داخل المؤسسات. هؤلاء قد يقولون بصمت "لقد أخبرناكم من قبل أن هذا الطريق مغلق، والصراخ فيه كصراخ في الصحراء".

الثغرة الكبيرة في منطق هؤلاء هي أنهم لا يفهمون حقا رسالة المصلح ودوره. فدور المصلح يتمثل في إقامة الحجة وإبراء الذمة، بالإضافة إلى السعي للإصلاح وفق المقدور. منطق هؤلاء مُوجَّه نحو السياسة بشكل أكبر حتى من المنطق الذي يتبعه السياسيون أنفسهم. وهو يتعارض مع منطق الأنبياء وحملة الرسالة، الذين يركزون على تبليغ الرسالة وإقامة الحجة وإبراء الذمة.

في الواقع، هؤلاء يتفقون مع خصوم الحركات الإسلامية، الذين يشعرون بالتهديد بسبب منافسة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ودخولها الميدان السياسي. وهؤلاء الخصوم يتمنون لو أن هذه الحركات ظلت مشغولة فقط بالنقاشات الكلامية حول قضايا تاريخية قد تم الفصل فيها من قبل.

أما الفريق الثاني من النقاد، وهم السياسيون العلمانيون، فرفضهم ليس فقط لمشروع سياسي معين. قضيتهم الحقيقية هي مع منهج كامل للعمل، الذي يستمد مفاهيمه وأهدافه من المرجعية الإسلامية. (5)

في مجال العمل السياسي، قد تكون هناك فترات من الصعوبات والتحديات، سواءً كانت ناتجة عن أسباب داخلية أو خارجية. ورغم هذا التذبذب، فإن العقيدة والفكرة تظل قائمة. وهنا يأتي دور مفهوم الاستبصار الديني كما عبر عنه ابن خلدون، الذي يكون له الدور في تأسيس شرعية اجتماعية تقوم على أسسها دولة جديدة أو حضارة متجددة.

العصبية، والقبيلة، وأشكال التنظيم والشرعية الاجتماعية، كلها لا تُمكّن من بناء حضارة أو أمة إذا كانت بدون فكرة أو عقيدة. الدول والتنظيمات تتجدد بتجدد الأفكار والهمة النضالية، وتفقد قوتها عندما يضعف تجديد الفكر والهمة.

وكلما ضعفت الإرادة والصمود، تكون الهزيمة قريبة. فالخوف، كما قال جمال الدين الأفغاني، هو فكرة تعترض الذهن والنفس، مما يؤدي إلى هزيمة محتملة. والتنظيمات التي يقودها قادة غير ثابتين فكريا ومهزومون نفسيا هي التي تكون على أعتاب الهزيمة.

إن الإصلاح هو نتيجة لهمة وإرادة قوية، والمصلح يسعى لتحقيق الإصلاح باستطاعته، معتمدا على الله ومتوكلا عليه.

(6)

وأخيرا وليس آخرا، يبدو أن للقضية وجها آخر، ألا وهو الفقر في الثقافة الديمقراطية التي تقوم على الإقرار بنتائج العملية الانتخابية والاعتراف بالهزيمة، هذا إذا كانت العملية الانتخابية ديمقراطية وسليمة. ومن الأولى اعتبار تحديات المشاركة السياسية في الأوضاع غير الديمقراطية أو في الأوضاع التي تتسم بالهشاشة الديمقراطية، وتقدير التصرف السياسي الملائم لهذه الأوضاع المتهاشة. ففي هذه الحال، تسهم المشاركة السياسية في إبراز عيوب الوضع السياسي، ويصبح من الأولويات النضال من أجل دمقرطة الحياة السياسية. وهذا الطريق شاق وطويل ويحتاج إلى وعي تاريخي ووضوح في نظرية العمل.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

تحت الضوء

#تحت_الضوء

د. #هاشم_غرايبه

قبل حوالي عشرين عاما كنت في زيارة سياحية الى تايلاند، وفي عاصمتها “بانكوك” معبد خاص لبوذا فيه تمثال له يزن أكثر عشرين طناً من الذهب الخالص، شاهدت مجموعة سياحية من الكوريين يبدو عليهم الوقار الأكاديمي، يتقدمون بخشوع شديد منه، فيلصقون على التمثال رقائق من الذهب تباع في كشك مجاور، فيتقربون بها منه ، ثم يعودون القهقرى من غير ان يديروا ظهورهم له، احتراما وتبجيلا لهذا الصنم.
دهشت من ذلك التصرف، فكيف يقتنع شخص قطع شأوا بعيدا في العلم والفهم، كيف يقتنع أن هذا الصنم المتربع مبتسما هو إله له سطوة، يراهم ويقدر لهم ذلك التوقير!؟.
عندها أيقنت أن الجهل الحقيقي هو الضلال عن معرفة الله، ولا قيمة للتقدم العلمي والتقني في ارتقاء المرء فهما، فهذا التقدم مهارات يكتسبها المرء ليحقق بها مكاسب ومغانم، لكن العلم الحقيقي الذي يرتقي به المرء عن الكائنات الحية الأخرى يجب أن يبدأ بمعرفة الله، ولذلك قال تعالى: “إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” [الأنفال:55].
تعتبر كوريا الجنوبية من الأقطار الآسيوية الصاعدة بسرعة في التقدم التقني والصناعي، وعلى الرغم من ذلك فان الثقافة العامة لأغلب السكان ما زالت متخلفة، إذ أن معتقداتهم المتوارثة تعتمد تعدد الآلهة، إذ يسود الاعتقاد لديهم بوجود سبعة آلهة.
يعود السبب الى انعزال المنطقة جغرافيا مع تعرضها للاحتلالات الأجنبية، الصيني لحقبات عديدة ثم الاحتلال الغربي، لكنها كباقي المنطقة وصلها الإسلام عن طريق التجار المسلمين، وقد ذكرها العلماء المسلمون باسم “شيلا”، ورسم “الادريسي” خارطة لها عام 1154 م، والتي تعتبر اقدم خارطة لها، وقبل الخارطة التي اعتمدها الغرب ورسمها “مركاتور” بـ 441 عاماً، لكن انتشار الإسلام فيها كان ضئيلا مقارنة بالمناطق الأخرى في جنوب شرق آسيا.
في عام 1984 شكا وزير كوري زار الكويت من انعدام وجود دعاة مسلمين في بلادهم، فقام وزير الأوقاف بطرح المسألة في جامعة الكويت، فتحمس للفكرة استاذ سوري يعمل فيها اسمه “عبد الوهاب زاهد الحلبي”، رغم انه لم يكن يعرف شيئا عن ثقافة ذلك البلد.
ترك عمله ومركزه الرفيع كعميد لكلية الدراسات العليا، وسافر الى كوريا، وبدأ بدراسة ثقافة السكان ولغتهم، وشق طريق الدعوة وبدأ الناس يسلمون على يديه، منهم مشاهير ومنهم قساوسة وتم تأسيس الإتحاد الإسلامي.
وبفضل جهوده، اعتنق الألاف من الكوريين الإسلام، وفي مراكزه الإسلامية التي ساهم وساعد وجاهد في إنشائها والمنتشرة في مدن كورية كثيرة، يتهافت الناس للتعرف على الإسلام، وفي المساجد الكبيرة التي عمل على بنائها، بتبرعات من محسنين عرب، وتوزيعها وفقاً لأعداد المسلمين في المدن، يمكنك أن ترى حقيقة إنتشار الإسلام في كوريا.
كتب للكوريين عشرات الكتب باللغة الكورية حتى أصبح التعرف على الإسلام ظاهرة لافتة، والإقبال على التحول إلى الإسلام يحدث بشكل يومي والأعداد في إزدياد، في بلاد ينهشها الإلحاد، وينتشر فيها الانتحار والكفر بشكل كبير.
ووصل عدد الكتب التي ألفها بعدة لغات الى أكثر من 55 كتابا، جميعها تبسط الإسلام وتوصل رسالته وتوضح معانيه.
هكذا أثمرت جهود شخص واحد مخلص لدينه، ترك مباهج الدنيا ومناصبها طمعا برضوان الله، فأنقذ أنفسا كثيرة من الضلال، اتباعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن ابي طالب: “فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم” [متفق عليه].
كل الأمم السابقة التي أنزل الله إليها رسالاته، كانت كل رسالة محددة بها، وموقوتة زمانا ومكانا بها، لذلك فلم يكلفها الله بنشرها لغيرها، فهي تمثل مرحلة من مراحل نزول الدين على البشر، فكل رسالة تكمل على ما قبلها.
الرسالة الخاتمة كان فيها أكمال الدين، بعدها انقطع وحي السماء عن أهل الأرض، فهي النهائية، لبشر ذلك الزمان ولكل العالمين للأزمان القادمة، فحمّل الله مسؤولية التبليغ لهذه الأمة التي انزل القرآن بلغتها، لأنها أقوى اللغات وأقدرها على حمل معانيه العظيمة.
لذلك سميت أمتنا أمة الدعوة، وهذا تشريف آخر من رب العالمين لها، وإنعام عظيم عليها، أن تبقى الى يوم الدين هادية لكل الأمم الأخرى، فالحمد لله على عظيم آلائه.

مقالات ذات صلة وليد عبدالحي يكتب .. هل اسرائيل في مأزق ؟ 2025/05/21

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية والهجرة يلتقى مع وزيرة الخارجية بجمهورية الكونجو الديمقراطية
  • برلمانية حماة الوطن: تكييف قوانين الإنتخابات استثمار في مستقبل الديمقراطية
  • وزير الخارجية يُشيد بالعلاقات الثنائية بين مصر والكونجو الديمقراطية
  • لقجع: المغرب يطمح إلى إحداث فضاء لترسيخ منطق التعاون جنوب- جنوب من خلال مونديال 2030
  • تحت الضوء
  • الجزيرة ترصد معاناة النزوح القسري للعائلات الفلسطينية في غزة
  • ردا على اجراءات لندن .. إسرائيل: عهد الانتداب البريطاني ولى وانتهى
  • وهبي: رئيس جمعية لحماية المال العام مُنحت له "فيلا".. لن أترك مفسدا يفسد العملية السياسية
  • الإسلاميون وفنّ الخضوع الممكن.. في نقد السياسة بلا فرق
  • فيديو. أخنوش: جعلنا من إصلاح المنظومة التعليمية اختيارا سياسيا يتجاوز منطق التدبير القطاعي