لجريدة عمان:
2025-12-13@15:32:35 GMT

ثقافة السلام ومفاهيمه

تاريخ النشر: 9th, September 2023 GMT

يؤكد مؤشر السلام العالمي للعام 2023، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP)، أن متوسط مستوى السلام في العالم يتدهور؛ حيث سجلَّت 84 بلدا تحسنا عاما، بينما تدهور السلام في 79 بلدا، ويعزى ذلك لأسباب عدة منها تلك التحديات الجيوسياسية التي واجهت الكثير من دول العالم جراء الحروب المختلفة، والصراعات الداخلية والخارجية المرتبطة بالاستقرار السياسي، إضافة إلى انعكاس ذلك على العديد من البلدان التي تأثَّرت من تلك التحديات والصراعات خاصة على المستوى الاقتصادي وما صاحبه من أزمات كان لها أثر بالغا على المستويين السلمي والأمني.

يصنف المؤشر 163 دولة وإقليما مستقلا حول العالم وفقا لمستوى سلامها، وهي دول تضم 99.7% من سكَّان العالم، ويعتمد في ذلك على ثلاث مستويات هي (السلامة والأمن المجتمعي، ومدى الصراعات المحلية والدولية واستمرارها، والقوة العسكرية)، وذلك للوصول إلى اتجاهات السلام وقيمته الاقتصادية، وكيفية تطوير المجتمعات السلمية- حسب ما ورد في تقرير المؤشر–. إن هذه البيانات تكشف الصراعات الحالية والمستقبلية بين الدول والأقاليم، وتأثيرها على الاقتصاد العالمي؛ فالصراعات بين روسيا وأوكرانيا وبين الصين وتايوان مثلا أثقلت كاهل العالم بالكثير من التحديات ليس على المستوى الاقتصادي وحده، بل أيضا على المستوى الاجتماعي والتنموي عموما، وكذلك حال الصراعات في بلدان العالم العربي.

وعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تُعد من بين أقل المناطق سلمية بسبب الصراعات المستمرة داخليا وخارجيا، إلاَّ أن عُمان تأتي في هذا المؤشر من بين (50) دولة تم تصنيفها بأنها مرتفعة في مستوى السلام في مؤشراته العامة، حيث احتلت المرتبة (48) عالميا متقدمة بأربع مراتب عن تصنيفها للعام الماضي، الأمر الذي يعود إلى الكثير من الأسباب من أهمها الاستقرار السياسي ومستوى الأمن والعلاقات السلمية التي تحرص على توطيدها مع دول العالم، إضافة إلى القوة العسكرية المتنامية، وهي من الأسباب التي تؤهلها إلى صعود مستمر وقفزات في المؤشر للسنوات المقبلة، إذا ما تم تمكينها وفق منظور حديث يتناسب مع المتغيرات المتسارعة والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية.

إن ارتفاع مؤشرات السلام في الدولة ينعكس على كافة مجالات التنمية؛ فلا يمكن بناء دولة مستقلة سياسيا واقتصاديا، ولا يمكن تحقيق رفاه مجتمعي دون تمكين للسلام والأمن، لذا فإن هذه المؤشرات ترتبط بخطط التنمية وبرامجها التي يمكن أن تتأسَّس وفقها القطاعات التنموية من ناحية، وتطوير منظومة ثقافة السلام والتبادل الثقافي المبني عليها من ناحية ثانية، إضافة إلى ترسيخ مبادئ المساواة والعدالة المجتمعية من ناحية ثالثة. إنها أُسس قائمة على بناء مجتمع ينعم بالسلام داخليا وخارجيا، ويُسهم في حماية نفسه من تداعيات الأوضاع في بلدان العالم، ويقلِّل من تأثيرات ذلك عليه.

لقد تأسَّست عُمان على مبادئ السلام وهي بذلك تُعد نموذجا مهما على مستوى العالم، الأمر الذي دفعها إلى تأصيل تلك المبادئ من خلال مجموعة من البرامج والمبادرات التي نفَّذتها إقليميا وعالميا، وهكذا أصبحت اليوم قبلة السلام والأمن للزائر والسائح والمستثمر؛ وقد مكَّنها ذلك لأن تكون وسيطا للسلام والتآخي والتفاهم، إضافة إلى تلك التشريعات والقوانين القائمة على العدالة والمساواة ورعاية حقوق أفراد المجتمع وكل من يقيم على هذا الوطن، لذا فإن هذا الدور الأصيل الراسخ في الفكر الحضاري في عُمان، يحتاج إلى دعم مجتمعي وفق مفاهيم ثقافة السلام؛ ذلك لأن أفراد المجتمع شركاء في تمكين هذا الدور الذي تقوم به الدولة والذي طالما دعتهم إلى تبنيه وتأصيله قولا وفعلا.

ولأن مؤشرات السلام مرتبطة بما يحدث في العالم من تحديات وصراعات تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الدولة، فإن تطوير برامج داعمة لتلك المؤشرات ضمن أنظمة التعليم والثقافة والسياحة وبرامج التنمية المستدامة عموما، سيمكِّن من تأسيس شراكات مع المؤسسات المعنية سواء أكانت الحكومية أو الخاصة أو المدنية، ولعل إشراك مؤسسات المجتمع المدني يُعد أحد أهم المعطيات التي ترسِّخ أهداف تلك المؤشرات وتُسهم في تطوير آليات العمل بها محليا ودوليا.

إن تفعيل دور تلك المؤسسات سيمكِّن من دعم منظومة السلام والأمن على المستوى الداخلي بشكل خاص؛ فما يمر به العالم ينعكس على دولنا في ظل الانفتاح الهائل، وبناء العلاقات السياسية والاقتصادية المتداخلة، ولهذا فإننا بحاجة إلى رؤية واضحة أو استراتيجية لتنمية آفاق السلام ومستقبله، تُسهم فيها مؤسسات المجتمع وأفراده خاصة الشباب ممن لديهم القدرة على المساهمة في ترسيخ آفاق تلك المنظومة، وفق معطيات واقع الدولة وتاريخ السلام فيها، وطموحها، ليس للوصول إلى أفضل نتائج في مؤشرات السلام وحسب، بل ليكون أحد أهم أهداف تلك الرؤية هو تعزيز ثقة الشباب في تحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق الرفاه الاجتماعي وإشراكهم في ذلك.

فالسلام باعتباره مؤشرا تنمويا، يقوم على أهمية فهم ثقافته ودوره المجتمعي، من خلال تأصيل قيمه التي هي أصلا قيما حضارية في المجتمع، ولذلك فإن الدولة تسعى دوما إلى إيجاد حلول سريعة قادرة على تخطي التحديات التي تواجه المجتمع في ظل الكثير من الصراعات والتداعيات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تنعكس على الأهداف الوطنية لذلك المؤشر وفق مجموعة من البرامج، ولهذا فإن تكثيف الدور الذي تقوم به المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية في ترسيخ ثقافة السلام والعمل على أهدافه، سيكون له مردود على المستوى الوطني بشكل خاص.

إن ثقافة السلام لا تتعلَّق بالوفاق والتآخي والحوار البنَّاء وحسب، بل ترتبط بطرق الحياة وأنماط القيم والسلوك، وتلك الطرائق التي تعزِّز الرفاه والرعاية المتبادلة، وكذلك أشكال التقدير والاحترام للآخر، إضافة إلى سيادة العدل ودعم الشعور به من خلال مجموعة البرامج التي تقدمها الدولة، فذلك كله يدعم هذه الثقافة ويمكِّن من النهوض بأهدافها، كما يسهِّل التبادل والشراكة الإيجابية بين أفراد المجتمع المحلي والدولي. إنها ثقافة تدعو إلى ترسيخ القيم وفق معطيات الهُوية الوطنية والهُويات العالمية، ضمن مبادئ التنوُّع الثقافي والترابط والتعاون والانفتاح.

ولهذا فإن تأصيل ثقافة السلام اليوم تتخذ أبعادًا ثقافية جديدة في ظل الانفتاح التقني وطغيان البرامج الإلكترونية خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، وما يحدث في صناديق الأجهزة من مناكفات وصراعات منافية لأُسس السلام ومفاهيمه؛ فالسلام ليس نقيضا للحرب وحسب. إنه طريقة حياة وقدرة على الحوار والتفاهم ضمن مجموعة من المفاهيم القيمية التي يجب أن يتأسَّس عليها أبناء المجتمع، ولن يكون ذلك سوى ببناء منظومة ثقافية قائمة على السلام وفق مفاهيم جديدة تتناسب مع الواقع الذي يعيشه أفراد المجتمع خاصة الناشئة والشباب.

إن السلام بمفهومه القيمي والثقافي أحد أهم مؤشرات القوة الناعمة التي يقوم عليها المجتمع في بناء صورته الذهنية الإيجابية، التي تعكس مدى تمكُّنه من مفاهيم ثقافة السلام ومبادئه، وهي صورة لا تعكس الدور الرسمي الذي تقدمه الدولة وحسب، بل أيضا دور الأفراد والمؤسسات المدنية والخاصة ومواقفها التي تؤثر مباشرة على قيم المجتمع وثقافته؛ فالممارسات العملية بل وحتى المنافسات لابد أن تنتهج تلك القيم والمفاهيم التي تؤصِّل فكر السلام والأمن، وترسِّخ مبادئه وفق قيم مجتمعية قادرة على التفاوض والحوار وبناء العلاقات الودية.

فالسلام باعتباره قيمة يجب أن يعيش بيننا، وأن يكون لساننا الذي نتحاور من خلاله، وفعلنا الذي يكشف قيمنا وحضارتنا الثقافية الأصيلة. إنه قيمة نصدِّرها للآخر من خلال ممارساتنا وأفعالنا ومشاركاتنا الداخلية والخارجية.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أفراد المجتمع ثقافة السلام على المستوى السلام فی إضافة إلى من خلال

إقرأ أيضاً:

عاصم سليمان: الرئيس السيسي أيقونة الدبلوماسية الدولية وبوصلة السلام العالمي

تصدر الرئيس باحتفالية الفيفا بكأس العالم 2026 تكريم دولى لمصر بمعايير الدبلوماسية الناعمة
مشهد الفيفا يجسد الريادة المصرية في صناعة السلام وتعزيز الاستقرار الدولي
مصر تصنع مشهدها العالمى من جديد.. وتفرض حضورها على خارطة القرار الدولى

 


أشاد رجل الأعمال عاصم سليمان بالمكانة الدولية التي يحظى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدا أن تصدره مشهد احتفالية الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) خلال قرعة كأس العالم 2026، يمثل تكريما دوليا لمصر واعترافا عالميا بقدرتها على التأثير في المشهد السياسي والدبلوماسي.


وأضاف سليمان: "الرئيس السيسي بات أيقونة للدبلوماسية الدولية وبوصلة للسلام العالمي، وتحول حضوره إلى عنوان للثبات والرؤية، في وقت تتطلع فيه الشعوب إلى قادة يمتلكون الحكمة والشجاعة في آن واحد".  


وأشار عاصم سليمان إلى أن المشهد اللافت الذي بثه "فيفا"، متضمنا لقطات من قمة شرم الشيخ وتكريم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يعكس تقدير المجتمع الدولي للدور المصري في دعم الاستقرار وصناعة السلام، ويؤكد أن مصر تفرض حضورها بجدارة على خارطة القرار العالمي.

وأكد قائلا: "تابعت بفخر بالغ لحظة ظهور الرئيس السيسي في هذا المحفل العالمي، حيث تجلت قوة مصر الناعمة وامتدت بصماتها لتصنع مشهدا يعكس تأثيرها الممتد وقدرتها على صياغة مشهدها الدولي من جديد بثقة ووعي".


وأوضح سليمان أن العالم أدرك أن لدينا قيادة تصنع المعجزات، وأن الرئيس السيسي لا يكتفي بالكلام عن السلام، بل يعمل من أجله، ويبني له أرضا صلبة في الداخل والخارج، وأختتم قائلا :"تحية للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي استطاع، بحكمته وثبات رؤيته، أن يرسخ مصر على الخريطة العالمية ليس فقط كقوة إقليمية، بل كضمير حضاري وإنساني للعالم".

مقالات مشابهة

  • مدبولي يؤكد دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء
  • أردوغان يدعو المجتمع الدولي لدعم وقف إطلاق النار بغزة وإشراك الفلسطينيين في جهود السلام
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
  • عاصم سليمان: الرئيس السيسي أيقونة الدبلوماسية الدولية وبوصلة السلام العالمي
  • سعيد عبد الحافظ: العمل الحقوقي في مصر يشهد مرحلة تعاون غير مسبوق مع مؤسسات الدولة
  • «السيسى» وبناء الدولة