أيهما أجدى.. خطبة الجمعة أم قانون رادع؟
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
يوحي اختيار موضوع خطبة الجمعة في تركيا في الأول من سبتمبر الحالي بأنّ هناك رغبة رسمية تركية لوقف العنصرية ضد العرب واللاجئين، بعد أن تفاقمت وسبّبت خسائر كبيرة لتركيا. فقد خصّصت رئاسة الشؤون الدينية التركية، الخطبة ضد العنصرية والعرقية، وعمّمتها على جميع مساجد تركيا، مع التذكير بأنه «لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي [إلا بالتقوى].
وتعميمُ خطبة كهذه، يفتح مجالًا للنقاش: هل ستكون النتائج إيجابية؟ وهل ما زال للخطب - أصلًا - تأثيرٌ على الناس، حتى تثني العنصريين عن أفعالهم؟ وهل يمكن أن تكون عبارة «إنما المُؤمنون إخوة» التي ترددت في منابر تركيا بديلًا عن القوانين؟
والإجابة في نظري هي أنه لا يمكن أن تكون تلك العبارة، ولا كلّ تلك الخطب، بديلًا عن القوانين العقابية الصارمة، بعد أن دفعت تركيا الثمن، مثلما دفعه اللاجئون العرب وغيرهم؛ فالتقارير تتحدّث عن خسارة تركيا لمليار دولار خلال الشهرين الماضيين، نتيجة تراجع السيّاح العرب عن اختيارها كوجهة سياحيّة، فيما ألغيت حُجوزات قُرابة 60%، مما استوجب إيجاد حُلول رادعة لها، قبل أن يفقد الاقتصاد التركي أحد مصادره الرئيسية التي يعتمد عليها، وهو الذي يُعاني أصلا من التضخّم بنسبة 38%، وتراجع الليرة التركية 20% أمام الدولار، وهذا ما أشارت إليه صحيفة «تركيا» التي أكّدت «أنّ التحريض العنصري المُفتعل من قِبَل بعض الأشخاص والأحزاب ضد العرب، تسبّب في ضربة موجعة للاقتصاد خلال آخر شهرين، وأنّ الإجراءات الرسمية التي اتخذتها السلطات ضد الهجرة غير النظاميّة، أثّرت أيضًا على الحركة الاقتصادية بشكل سلبي».
ومن التعليقات ذات المغزى، ما قاله الكاتب الصحفي التركي إسماعيل ياشا، الذي اعتبر أنّ خطبة الجمعة عن خطر العنصريّة وموقف الإسلام منها كانت في الاتجاه الصحيح، لكنه لفت إلى «أنّ مُعظم العنصريين لا علاقة لهم بالمسجد ولا بالخطب، بل بعضهم يُعادُون الإسلام تحت قناع العنصرية، وبالتالي فإنّ الخطوة الضروريّة هي تطبيق عقوبات رادعة على جرائم العنصريّة، مع استمرار حملات التوعية».
وإذا كان علي يرلي كاي وزير الداخلية التركي قد تحدّث عبر قناة «الجزيرة» عن خطوات وحملات بلاده ضد «الأجانب»، قائلًا إنّ حُكومة تركيا لا يُمكن أن تسمح بانتشار العنصرية وكراهية الأجانب في المُجتمع، إلا أنه لم يُنكر حملات الترحيل ضدّ اللاجئين، ولم يتحدّث عن تشريع قوانين جديدة صارمة لمنع العنصريّة ضد العرب، واكتفى بالقول: «إنّ المدّعين العامّين يُتابعون الخطاب العنصري في إطار القانون، وإنه لا مكان للعنصرية والكراهية في تاريخ وثقافة ومُعتقدات الأتراك»؛ مما حدا بالكاتب خالد الجيوسي في صحيفة «رأي اليوم» للقول «إنّ رد الوزير التركي لم يكن كافيًا ومُقنعًا في تفنيد أو تكذيب الحملات المُتناسلة ضد العرب، التي وصلت لترحيل سائح مغربي، وأخرى جزائرية إلى الشمال السوري «قسْرًا»، لاعتقاد تلك السلطات بأنهم سوريون».
إنّ العنصرية البغيضة، بقدر ما أضرت باللاجئين أضرت بتركيا أكثر، وإذا لم تكن هناك قوانين صارمة تنظم العملية برمتها، فإنّ مليون خطبة لن تنفع في شيء؛ فهناك أرواح أزهقت، وأبرياء سجنوا، وأصحاب ممتلكات أضيروا في ممتلكاتهم وتجارتهم، ونساء تفرقن عن عائلاتهن وأبنائهن، وغيرها من المآسي.
والسؤال الآن: ماذا لو اتخذت الحكومة التركية الحزم وعدم التساهل في تطبيق القوانين ضد العنصريين؟ ماذا لو طبقت القانون وأنزلت العقوبة المناسبة على المخالفين؟ فمن طبيعة الناس أن يزدجروا بالقوانين أكثر من النصوص الدينية، وقد تكون هذه صفة الغالبية منهم. ولنا مَثَلٌ في عُمان وقت جائحة كورونا، فلو أنّ الحكومة لم تتخذ إجراءات مثل الإغلاق وغيرها، واعتمدت فقط على التوجيه عبر المنابر، كنا قد شاهدنا أضعاف الضحايا؛ فهناك من يخشى العقوبة العاجلة أكثر من الآجلة، ويؤلمه تطبيق القوانين والغرامات أكثر من أيّ شيء آخر. لذا، فإنني لا أتصور أنّ خطبة الجمعة ستُوقِف ما يتعرّض له العرب في تركيا، إذا لم تكن هناك قوانين وتشريعات عقابيّة رادعة، فيكفي أنه في فجر يوم الجمعة يوم الخطبة نفسه، نقلت الصحف التركية حادثة عنصرية تعرّض لها شاب سوري، انتهت بإطلاق النار عليه من قبل جاره التركي فأرداه قتيلا.
الذي يبدو أنّ تطبيق القول المأثور: «إنّ الله يَزَع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، أجدى من إلقاء الخطب التي لا يتفاعل معها الناس. وحينئذ؛ أي حين تطبق القوانين العادلة على الجميع، ستتوقف الاعتداءات العنصرية، وسيستعيد السياح العرب ثقتهم في تركيا ومدنها الجميلة، التي كانت في الأمس القريب وجهتهم السياحية المفضلة، وكثيرٌ منهم امتلك فللا وشققا فيها.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: خطبة الجمعة ضد العرب
إقرأ أيضاً:
«السلام رسالة الإسلام».. موضوع خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف
خطبة الجمعة.. كشفت وزارة الأوقاف عن نص خطبة الجمعة غدا 4 يوليو 2025م، الموافق 9 محرم 1447 هـ، لافتة إلى أن عنوان خطبة الجمعة غدا، سيكون «السَّلَامُ رِسَالَةُ الإِسْلَامِ».
خطبة الجمعة غداوتوفر «الأسبوع» لمتابعيها كل ما يخص خطبة الجمعة غدا، وذلك من خلال خدمة متقدمة تتيحها لمتابعيها في جميع المجالات، ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنـــــــا.
نص خطبة الجمعة غداالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شَاءَ رَبُّنَا مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، هَدَى أَهلَ طَاعتِهِ إلى صِرَاطهِ المُسْتَقيمِ، وَعَلِمَ عَدَدَ أَنْفَاسِ مَخْلُوقَاتِهِ بِعِلْمِهِ القَديمِ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَتَاجَ رُؤُوسِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ.
وَبَعْدُ: فإن الإسلامَ جاءَ برسالةٍ سمحاءَ، وشريعةٍ غراءَ، ودٌّ ومحبةٌ، إلفٌ ورحمةٌ، سخاءُ بالأخلاقِ، ونشرٌ للخيرِ، ومنعٌ للشرِ، حياةٌ آمنةٌ مستقرةٌ، إنه مددُ الإسلامِ، ولا غَرو، فإنَّ رسالته هي السلامُ.
أيها الكرام، تأملُوا معي اسمَ الإسلامِ، ألمْ تلاحظُوا فيه معنَى السلامِ؟! ثم تأمَّلوا تَسَمِّينَا باسمِ المسلمين، إنه ارتباطٌ بالسلامِ في المسمَى والسلوكِ، دينًا ومتدينِين، وقدْ سجلَ اللهُ جلّ جلالُه ذلكَ في قوله تعالى: }مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ}.
عبادَ اللهِ، تدبروا تحيةَ أهلِ الإسلامِ فيما بينَهم، إنها السلامُ، يلقيها وينْشُرها المسلمُ على مَنْ عَرَفَ ومَن لا يَعْرِفْ، تأملوا ختامَ الصلاةِ: سلامٌ على اليَمِينِ وسَلامٌ على اليَسَارِ، كأننا نبدأُ أهلَ الدنيا من كلِّ نواحيها بالسلامِ بعد أن فارقُوها بخواطرِهم لحظاتٍ، انصرفُوا فيها لمناجاةِ المَلِكِ العلامِ سبحانَهُ وتعالى، ثم تدبروا كيفَ نزلَ القرآنُ في ليلةٍ كلُّها سلامٌ تحفُّه ملائكةُ السلامِ، حيثُ قال سبحانه: {تَنَزَّلُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ}.
أيها النبيلُ: اعلم أن المسلمَ من سَلِمَ الناسُ من لسانِه ويده، وأن المؤمنَ الحقَّ هو من أمِنَهُ النَّاسُ على أنفسِهم وأموالِهم كما أخبرَنا صاحبُ الجَنابِ المعظمِ ﷺ، فكن أيها المسلمُ سِلمًا سلامًا، فإن الإسلامَ تخطَى بقضيةِ السلامِ إلى مساحاتٍ أرحبَ شملتْ الإنسانَ والحيوانَ والجمادَ وسائرَ المخلوقاتِ، إنَّهُ الإسلامُ دينُ السلامِ للعالمين.
أيها السادةُ، ألا تعلمون أن رسالةَ الإسلامِ إلى الدنيا الحفاظُ على الدنيا بخيراتِها ومقوماتِها وطاقاتِها وقدرَاتِها، وأن ندفعَ عنها شرَّ المفسدينَ، قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، وكانَ الجنابُ الأعظمُ رسولُ السلامِ ﷺ جامعًا لمقالةٍ هي عينُ السلامِ وجوهرُه عندما قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، انظروا معي «لا ضررَ» معناه: أن تَزْرَعَ السِلمَ والسلامَ، «ولا ضرارَ» معناه: أن تسالمَ من آذاكَ فلا تضرُه كما ضرَّكَ، ولكنْ خُذْ حقَّكَ بطريقةٍ سلميةٍ عاقلةٍ، فلا تهورَ ولا فوضَى، ولكنْ بالسلامِ تُسدَى الحقوقُ، وتُوفَّى الاستحقاقاتُ.
أيها المكرمُ، لا تنسَ أنَّ شريعتَنَا الإسلاميةَ أرستْ قواعدَ السلامِ، وضبطتْ أحكامَها، فكلُّنا جيرانٌ في عالمٍ واحدٍ، وهنا يبرزُ السلامُ أيقونةَ العلاقاتِ الدوليةِ في الإسلامِ، فنقرأُ قولَ اللهَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، فنجدُ أنَّ السلامَ رحمةٌ وبرٌّ وتعايشٌ، وعزٌّ وقوةٌّ {وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
هذه هي رسالةُ الإسلامِ، السلامُ الشاملُ والعادلُ، السلامُ الذي ينشرُ الخيرَ، ويتطلعُ إلى حبِّ الحياةِ، وإلى البناءِ والتعميرِ، رسالةٌ ترفضُ التطرفَ والاعتداءَ، والتخريبَ والفسادَ، تُقررُ أمنَ الإنسانِ وبناءَ شخصيتهِ، السلامُ في الإسلامِ منظومةٌ يحركُها الشغفُ بالعمرانِ، يحركُها صناعةُ الحضارةِ وبناءُ الإنسان.
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنا محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، وبعدُ:
فإنَّ البذلَ، والجودَ، والشهامةَ، والمروءةَ، وإنكارَ الذاتِ، والعملَ في صمتٍ معانٍ جليلةٌ تمثلُها قيمةُ التضحيةُ التي تتطلعُ بالعبدِ إلى غاياتٍ أسمى، حيث تذوبُ المصلحة الشخصيةُ، وتتألقُ قيمةُ بذلِ النفسِ والمالِ والوقتِ ابتغاءَ الأجرِ والثوابِ على ذلك عند اللهِ عزَّ وجلَّ.Islamic clothing
أيها المكرمُ، اعلم أنَّ التضحيةَ اختبارٌ واختيارٌ صعبٌ، يكلفُ العبدَ نفسَه ومالَه وجهدَه وامتيازاتِه، وإذا أردتَ نجاحًا في اختبارِ التضحيةِ مع صعوبتِه، فتدبَّر أن الله تعالى هوَّنَ من شأنِ الدنيا وزينتِها، وعلَّمنا أن المضحيَ بالدنيا تنتظرُه المحاسنُ، والعقبى الطيبةُ، وإن شئتَ فاقرأ معي قولَ الحقِّ سبحانَه وتعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ} إنَّهُ ثوابُ فقهِ الدنيا وفهمِ واقعِها الذي يدفعُكَ دفعًا إلى التضحيةِ.
أيها المصريون، بمثل تضحياتِكم فلتفاخرْ الأممُ! وما خبرُ سقوطِ طائرةِ (رأسِ البَّرِ)، وكيفَ ضحى الطياران بحياتِهما خوفًا على أرواحِ المواطنين عنكم ببعيدٍ، وما هو بغريبٍ عنكم خبرَ السائقِ الشجاعِ الذي جادَ بنفسِه فأبعدَ سيارتَه التي انفجرَتْ في مدينةِ (العاشرِ من رمضانَ) عن حياةِ الناسِ، وارتقى شهيدًا، وأنقذَ الناسَ من حادثٍ مروعٍ.
أيها الكريمُ، عَلِّمْ أولادَكَ مَعنى التضحيةِ، اغرسْ فيهم حُبَّ الوطنِ، وحبَّ الناسِ، وفعلَ الخيراتِ دونَ مقابلٍ، عَلِّمْهُمْ أنَّ التضحيةَ مقامُ الأصفياءِ، وفِعلُ الأتقياءِ، وعلامةٌ من علاماتِ الأولياءِ، بدونها تبادُ الأممُ، وتنهارُ الحضاراتُ، وتتخلفُ المجتمعاتُ.
اللهم اجعلنا فداءً للأوطانِ، واحفظْ بلادَنا من كلِّ سوءٍ.
اقرأ أيضاً«بداية جديدة وأمل جديد».. موضوع خطبة الجمعة غدًا لـ وزارة الأوقاف
رئيس الوزراء يشهد إطلاق المنصة الرقمية الجديدة لوزارة الأوقاف
وزارة الأوقاف تهدي محافظة الإسماعيلية لحوم ومواد غذائية لتوزيعها على الأسر الأولى بالرعاية