الاستشراق في سياقه الأمريكي
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
الاستشراق في سياقه الأمريكي
أهم ما بقى من الاستشراق القديم كان موقف العداء الثقافى لذلك «الشرق».
لغة الاستشراق ومفرداته تفضحان خطابًا ينضح ليس فقط بالعنصرية بل ينطوى على تعبيرات موحية وشديدة الانحياز.
نقلت أمريكا الاستشراق من علم لغويات وعلوم الأديان قديمًا إلى فروع العلوم الاجتماعية. وهي حولت المستشرق إلى «خبير»!
فى طبعته الأمريكية لا يحتاج المستشرق لتعلم اللغة، بل يتدرب فى أحد فروع العلوم الاجتماعية ثم يقوم بتطبيق نظرياتها الغربية على الشرق والإسلام والمسلمين!
يرجع الباحثون الغربيون من المستشرقين فى فهم الشرق ومخاطبتهم المسؤولين والمواطنين الغربيين، لمصادر غربية لا شرقية، ثم يعتبرون ذلك «الحقيقة» الثابتة عن الإسلام والشرق وأهله!
يتحدث الطب النفسي عن المنظومة القيمية العربية: إن «فن الخداع له مكانة متقدمة» فى الثقافة الإسلامية ولا قيمة للوقت فيها، وأن «الرغبة فى الثأر ذات أولوية، وإلا تقع النفس فى شعور مدمر بالعار»
«تحليل سلوك العرب» بدوريات الطب النفسى يزعم أن «الموضوعية» بعيدة تمامًا عن «سلوك» العرب، هكذا بالجملة! وأن العرب لهم- كلهم- سلوك واحد لأنهم «عرب»، فهم ليسوا كالبشر بينهم تعددية!
* * *
عرضت فى مقالات سابقة أهم ما جاء فى كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد، فقلت إن إسهامه الحقيقى كان فى نقده للمنهج الذى يستخدمه المستشرقون، وفى فضحه لتلك المنظومة الفكرية التى تعيد إنتاج نفسها بنفسها.
وبدءًا من هذا المقال ستتضح للقارئ العلاقة بين تراث «سعيد» الفكرى ووقائع تدنيس القرآن كأحد تجليات التحيز الأيديولوجى، وهى سابقة على الإسلاموفوبيا.
فـ«سعيد» يقول إن الاستشراق كفرع من فروع «العلم» صارت له قوة «ذات أبعاد ثلاثة»، الشرق والمستشرق والقارئ الغربى العادى.
بمعنى أن الباحثين الغربيين من المستشرقين يرجعون، فى فهم الشرق ومخاطبتهم للمسؤولين الغربيين وللمواطن الغربى العادى، لمصادر غربية لا شرقية، ثم يعتبرون ذلك هو «الحقيقة» الثابتة عن الإسلام والشرق وأهله!
ثم يطرح «سعيد» مفارقات دخول الولايات المتحدة ساحة الاستشراق باعتبارها الإمبراطورية التى حلت محل الإمبراطوريات القديمة، فازداد اهتمامها بدراسة الشرق الأوسط. وظل الاستشراق القديم كما هو من حيث النموذج المعرفى والمنهجى.
أما ما أضافته أمريكا فكان نقل الاستشراق من علم لغويات وعلوم الأديان قديمًا إلى فروع العلوم الاجتماعية. وهى حولت المستشرق إلى «خبير»!
وفى هذا السياق، غدا المستشرق، فى طبعته الأمريكية، ليس بحاجة لتعلم اللغة مثلًا، وإنما يتدرب فى أحد فروع العلوم الاجتماعية ثم يقوم بكل بساطة بتطبيق نظرياتها الغربية على المنطقة، وعلى الإسلام والمسلمين!
لكن أهم ما بقى من الاستشراق القديم كان موقف العداء الثقافى لذلك «الشرق».
بل يقول «سعيد» إن المفارقة كانت أن اللغة العربية فى بدايات النصف الثانى من القرن العشرين لم تكن تُدَرّس إلا فى الكليات والمعاهد العسكرية الأمريكية لأسباب استراتيجية، ثم امتد تدريسها خارجها قليلًا لأغراض تتعلق بإضفاء «هالة الخبير» على المستشرق لأنها تُمكّنه من فهم تلك الشعوب «المتخلفة»!
لكن مع صعود الحرب الباردة حدث التوسع فى دراسة اللغة العربية فى أمريكا والغرب، ولكن التوسع لم يكن بهدف فهم العالم العربى، ولكنه كان بغرض الدعاية لأمريكا وللغرب باللغة العربية.
وفى هذه النسخة الأمريكية من الاستشراق، حسب «سعيد»، لا مكان أصلًا للأدب العربى والإسلامى، على الإطلاق، مما يغذى نزع الإنسانية. فالمنطقة وأهلها مجرد إحصاءات واتجاهات!
وغياب الأدب كاشف، فى تقديرى المتواضع، لأن الأدب ينبع من خبرات إنسانية وحياتية تقوض «الصور الكاريكاتورية المرسومة» لنا. ويوجه «سعيد» نقدًا لاذعًا للاستشراق فى ادعائه الحياد والموضوعية، وتبنيه «الفكرة الساذجة بأن الإنسان لا يلعب على الإطلاق دورًا فى تحديد المادة العلمية وتشكيل عمليات المعرفة».
فلغة الاستشراق ومفرداته تفضحان خطابًا ينضح ليس فقط بالعنصرية وإنما ينطوى على تعبيرات موحية وشديدة الانحياز.
وهنا لجأ «سعيد» لكتابات «كيسنجر» التى تنطوى فى شرحها لثقافة العالم الغربى مقابل العالم الإسلامى على ثنائيات تفاضل بين الغرب الذى ينحو لـ«الدقة» و«النظام»، والعالم الإسلامى الذى يميل للعكس.
وحتى فى دوريات الطب النفسى كان الحديث عن «تحليل سلوك العرب» يزعم أن «الموضوعية» بعيدة تمامًا عن «سلوك» العرب، هكذا بالجملة! هذا ناهيك عن أن العرب لهم- كلهم- سلوك واحد لأنهم «عرب»، فهم ليسوا كباقى البشر بينهم تعددية!
وهو أعطى مثالًا لمقال نُشر فى السبعينيات (التى نُشر فيها كتاب سعيد) فى إحدى دوريات الطب النفسى «الأكاديمية»، يتحدث عن المنظومة القيمية العربية، فيقول صراحة إن «فن الخداع له مكانة متقدمة» فى الثقافة الإسلامية ولا قيمة للوقت فيها، فضلًا عن أن «الرغبة فى الثأر ذات أولوية، وإلا تقع النفس فى شعور مدمر بالعار»!.
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: العنصرية أمريكا الاستشراق الخبير العرب الإسلام المسلمين الموضوعية اللغة العربية الطب النفسي الثقافة الإسلامية
إقرأ أيضاً:
إعلام إسرائيلي: ترامب سئم من سلوك نتنياهو ومفاجآته مستمرة
تناولت وسائل إعلام إسرائيلية ما سمتها مفاجآت الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ عودته إلى البيت الأبيض في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.
ووفق الإعلام الإسرائيلي، فقد سئم ترامب من سلوك نتنياهو لدرجة أنه عقد اتفاقا مع جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بشأن سفن البحر الأحمر، وترك إسرائيل منفردة في مواجهة صواريخهم.
وكان ترامب أعلن الثلاثاء الماضي أنه قرر وقف الضربات على اليمن مقابل التزام الحوثيين بوقف استهداف السفن، وهو ما اعتبرته الجماعة "انتصارا"، مؤكدة أن الاتفاق مع واشنطن "لا يشمل استثناء إسرائيل من العمليات".
وقال المحلل السياسي في القناة الـ13 الإسرائيلية رفيف دروكر إن ترامب توصل إلى اتفاق مع الحوثيين "من وراء ظهورنا، مما أدى إلى تركنا وحيدين في مواجهة الصواريخ الحوثية"، متسائلا: "متى غرز رئيس أميركي سكينه عميقا في ظهر إسرائيل؟".
ووفق دروكر، فإن ترامب لم يكلف نفسه عناء إبلاغ نتنياهو قبل ذلك، مشيرا إلى أن أوكرانيا تتلقى "معاملة أفضل مما نتلقاه من أكبر صديق لشعب إسرائيل في البيت الأبيض".
وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قد نقلت عن مقربين من ترامب أبلغوا وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر أن الرئيس الأميركي قرر قطع الاتصال مع نتنياهو الذي يتلاعب به، وأن أكثر ما يكرهه ترامب هو أن يظهر كشخص يتم التلاعب به.
إعلانونقلت الإذاعة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن حديث ديرمر مع كبار المسؤولين الجمهوريين بغطرسته المعهودة لم يجد نفعا.
بدوره، قال أورن آبمان، وهو قائد فرقة عسكرية سابق، إن تل أبيب ترى قدرة الردع الأميركي بدأت تتلاشى في غزة أيضا، وليس فقط تجاه اليمنيين فحسب.
واعتبر آبمان -في حديثه للقناة الـ12 الإسرائيلية- الحديث عن عملية برية في اليمن "مزحة" تندرج في سياق الخيال العلمي.
أما مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة الجيش أمير بار-شالوم فأعرب عن قلقه من إبرام واشنطن اتفاقا بمفردها مع الحوثيين، وانعكاساته على مسار المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران.
وأشار كوبي مروم، وهو خبير في الأمن القومي، إلى إصرار إسرائيل على مواصلة ما سمّاه "الغوص في الطين الغزي" بهجوم من 5 فرق عسكرية وعشرات آلاف الجنود من دون هدف واضح وآلية لنهاية الحرب.
وأعرب مروم عن قناعته بأن هذا الإصرار والضغط العسكري "لن يؤدي إلى إطلاق سراح المحتجزين بغزة"، لافتا إلى أن إسرائيل أمام واقع إستراتيجي صعب.
وخلص إلى غياب ما سمّاه "التنسيق الودي" بين إسرائيل والولايات المتحدة في ما يتعلق بملفي الحوثيين وإيران.