ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا.. مشروع اقتصادي أم سياسي؟

المثير للاهتمام أنّ المشروع تجاهل سؤال الأمن وكيف ستتم حماية الخط في أي من المناطق الرئيسية التي يمر بها.

للمشروع أهداف سياسية وأيديولوجية واستبعاد بعض الدول من المشروع أو محاولة عزلها تمّ بناءً على هذه الخلفيّة بالذات وليس بناءً على أي معطيات أخرى.

المشروع يقوّض من الخط التاريخي لقناة السويس ويزيد الضغط المالي والاقتصادي على مصر التي تمّ تجاهلها هي الأخرى بالرغم من أنّها من أكبر أسواق المنطقة.

الممر يتجاهل أكبر اقتصاد غير نفطي بالشرق الأوسط، كما يتجاهل حقيقة أنّ تركيا هي أكثر دولة بالمنطقة ذات بنية تحتيّة مؤهلّة ومندمجة جغرافيا ولوجستياً مع أوروبا.

يُعدّ الممر عقدة مواصلات تربط الموانئ بسكك الحديد وشبكات النقل الرئيسية في المحطّات الأربع، لتسهيل حركة النقل وتقليص الوقت والمسافة وخفض التكلفة لتعزيز التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي.

* * *

شهدت قمّة مجموعة العشرين التي إنعقدت مؤخراً في الهند يومي 9 و10 أيلول/ سبتمبر 2023 تدشين مشروع ممر الهند-الشرق الأوسط-الأوروبي (IMEC) برعاية الولايات المتّحدة الأمريكية وعضوية كل من الهند والإمارات والسعودية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.

ووقعت الدول المذكورة خلال الإعلان عن المشروع مذكرة تفاهم لإنشاء الممر الاقتصادي المذكور مشيرة إلى أنّ الهدف منه زيادة التبادل التجاري وتوفير موارد الطاقة ورفع درجة الاندماج الرقمي.

يربط المشروع الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط من خلال أربع محطّات جغرافية رئيسية، الأولى في الخليج العربي وتضم الإمارات والسعودية حيث يتم استقبال البضائع الهندية القادمة من مومباي إلى الموانئ الإماراتية (ميناء دبي) قبل أن يتم تفريغها ونقلها عبر سكّة الحديد إلى السعودية، ومنها إلى المحطّة الثانية في الشام.

حيث تعبر الأردن وتصل إلى إسرائيل التي تفرغها في الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط (ميناء حيفا)، قبل أن يتم نقلها مرّة أخرى عبر السفن إلى اليونان مروراً بقبرص في البحر المتوسط الذي يشكّل المحطّة الثالثة تمهيداً لنقلها إلى البلدان الأوروبية وأهمّها إيطاليا وفرنسا وألمانيا عبر الشاحنات.

ورغم أنّ الدول الموقّعة لم تقدّم أي التزامات مالية بشأن المشروع، إلا أنّها وافقت على إعداد خطة عمل لإنشاء الممر في غضون شهرين. وجرى التوقيع على الاتفاق وسط احتفاء بأهميّة المشروع من الناحية الاقتصادية والجيو ـ استراتيجية.

ويشير دعاة هذا المشروع إلى أنّه يتمتّع بمزايا عديدة أهمّها موقعه الاستراتيجي الذي يُشكّل جسراً بين جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، مما يجعله طريق عبور حاسم للتجارة والتبادل التجاري.

ويُعدّ الممر بمثابة عقدة مواصلات إذ يربط بين الموانئ سكك الحديد وشبكات النقل الرئيسية في المحطّات الأربع، مما يسهل حركة البضائع والخدمات، ويقلّص الوقت والمسافة ويخفّض من التكلفة، وكلّها مزايا مهمّة لتعزيز التكامل الإقليمي والتعاون الاقتصادي.

وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن المشروع بأنّه مشروع تاريخي، وهو ما جعل الكثير من المراقبين ينظرون إليه على أنّه مشروع منافس تمّ الاتفاق عليه لمواجهة مشروع "الحزام والطريق" الصيني، خاصّة أنّه يأتي في سياق العديد من المبادرات التي يتم الترويج لها مؤخراً والتي تستهدف إيقاف تراجع نفوذ واشنطن، ومواجهة صعود الصين.

المشترك في هذه المبادرات أنّها تتضمّن إدراج الهند والدول الشريكة في المنطقة ضمن ترتيبات سياسية بغطاء اقتصادي كمشروع (I2U2) الذي يضم الولايات المتّحدة والهند والإمارات وإسرائيل.

ورغم الإمكانات التي يتمتع بها مشروع الهند-الشرق الأوسط-أوروبا من الناحية النظرية، إلاّ أنّ تنفيذه ينطوي على العديد من التحديات الهائلة التي تجعل البعض يعتقد أنّ الإعلان عنه هو مجرّد دعاية إعلامية حيث سينتهي به المطاف لأن يكون مجرّد حبر على ورق.

وتعتبر الديناميات الجيوسياسية للمنطقة التي يمر بها من أبرز التحدّيات التي تواجه المشروع نظراً للتناقض الموجود بين دوله لناحية التنافس أو التنافر، إذ يمر المشروع في دول ذات أوضاع سياسية معقدة وصراعات مستمرة.

ويمكن لهذه الصراعات أن تعرقل التجارة والاستثمار، وتخلق حالة من عدم اليقين، وتعطل تدفق السلع والخدمات. ومن التحدّيات الرئيسية أيضاً التي يواجهها المشروع الافتقار إلى البنية التحتية والاتصال المتفاوت في هذا الشأن بين البلدان المنخرطة.

علاوة على ذلك فإنّ اشتمال المشروع على محطّات نقل مختلفة للبضائع سيشكّل كابوساً لوجستياً، وبخلاف ما يروّج له البعض، فإنّ ذلك سيؤخّر على الأرجح من عملية نقل البضائع ويعرقلها ويزيد من تكلفتها ومن الزمن اللازم لها للوصول إلى الوجهة النهائية.

علاوة على ذلك، يواجه الممر تعقيدات وتحديات تنظيمية وبيروقراطية. ولكل دولة مجموعتها الخاصة من القواعد واللوائح والحواجز التجارية، والتي يمكن أن تعيق سهولة ممارسة الأعمال التجارية.

ولكل هذه الأسباب كما غيرها، يرجّح منتقدو المشروع فشله، فهو غير مؤهل لمنافسة المشروع الصيني، ولذلك فقد يكون له أهداف أخرى لعل أبرزها محاولة دمج إسرائيل في المنطقة من خلال الغطاء الاقتصادي وذلك لتعزيز عمليات التطبيع الجارية وإعطائها بعداً طويل الأمد.

ومن الممكن ملاحظة أنّ دول المشروع تشترك في ظاهرة الإسلاموفوبيا ومعارضة حركات الإسلام السياسي، وهو ما يدفع البعض للنظر إليه من الناحية الأيديولوجية.

ومن الانتقادات التي يمكن توجيهها للمشروع أنّه يتجاهل دول رئيسية في المنطقة، إذ إنّ المحطّة الأولى يغيب عنها عُمان ذات الموقع الاستراتيجي في الخليج والتي تربطها علاقات تاريخية بالهند، كما أنّ وجود إسرائيل في المحطّة الثانية يبقى موضع تساؤل وشك، وأن نقل البضائع في المرحلة الثالثة إلى اليونان بدلاً من تركيا مثير للاستغراق على أكثر من صعيد.

فالمشروع بشكل الحالي يتجاهل أكبر اقتصاد غير نفطي في منطقة الشرق الأوسط، كما يتجاهل حقيقة أنّ تركيا هي الدولة الاولى في المنطقة لناحية البنية التحتيّة المؤهلّة والمندمجة جغرافيا ولوجستياً مع أوروبا.

فضلاً عن ذلك، فإنّ المشروع يقوّض من الخط التاريخي لقناة السويس ويزيد الضغط المالي والاقتصادي على مصر التي تمّ تجاهلها هي الأخرى بالرغم من أنّها من أكبر أسواق المنطقة.

والمثير للاهتمام أنّ المشروع تجاهل سؤال الأمن وكيف سيتم حماية الخط في أي من المناطق الرئيسية التي يمر بها، إذ إنّه يمر في نقطة اختناق أساسيّة في الخليج عند باب هرمز والتي ستخضع في حالة التوتّر لإيران التي سيبقى بإمكانها تهديد الممر وشل حركته بشكل شبه كامل.

كما أنّه يمر في البحر المتوسط حيث النفوذ التركي البحري المتزايد والذي سيكون من الصعب تجاوزه خاصّة إذا ما تبيّن أنّ للمشروع أهدافا سياسية وأيديولوجية وأنّ استبعاد بعض الدول من المشروع أو محاولة عزلها إنما تمّ بناءً على هذه الخلفيّة بالذات وليس بناءً على أي معطيات أخرى.

*د. علي باكير كاتب وأكاديمي تركي، أستاذ بمركز ابن خلدون، جامعة قطر.

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: ممر الهند أوروبا إسرائيل مصر تركيا الإمارات السعودية قناة السويس الشرق الأوسط سؤال الأمن الحزام والطريق الهند الشرق الأوسط فی المنطقة المحط ة

إقرأ أيضاً:

قناة الحرة تعلق بثها التلفزيوني.. ما السبب؟

واشنطن- الوكالات

أعلنت قناة الحرة الأميركية مساء أمس السبت تعليق بثها التلفزيوني؛ نظرا لامتناع الوكالة الأميركية للإعلام عن صرف تمويلها الذي أقره الكونجرس.

وقالت قناة الحرة -وهي شبكة باللغة العربية أنشأتها الحكومة الأميركية بعد غزو العراق عام 2003- في بيان نشر على موقعها إنها تأسف بشدة لاتخاذ هذا القرار الاضطراري.

اضطرت شبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN) إلى تعليق البث التلفزيوني لـ #قناة_الحرة.. نُقدّر جمهورنا ونتطلع إلى العودة إلى عشرات الملايين من المشاهدين الذين كانوا يتابعون الحرة أسبوعيًا. pic.twitter.com/Ny2GIETfUe

— قناة الحرة (@alhurranews) May 31, 2025

ووفقا لموقع الحرة، فقد وافق الكونجرس الأميركي في 14 مارس/آذار الماضي على "تمويل استمراري" لشبكة الشرق الأوسط للإرسال حتى نهاية السنة المالية 2025، وفي اليوم التالي أبلغت الوكالة الأميركية للإعلام الدولي شبكة الشرق الأوسط للإرسال وبقية الهيئات الإعلامية الممولة من الحكومة الأميركية بإنهاء اتفاقيات منحة التمويل فجأة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلنت في مارس/آذار الماضي أنها ستوقف جميع التحويلات المالية لوسائل الإعلام المدعومة من الحكومة الأميركية، في إطار حملة واسعة النطاق لخفض التكاليف بقيادة الملياردير إيلون ماسك.

أدى هذا الإجراء إلى تجميد صوت أميركا على الفور، على الرغم من أن موظفيها رفعوا دعاوى قضائية لاستعادة التمويل الذي وافق عليه الكونغرس.

وقال جيفري غدمين، الرئيس التنفيذي لشبكات الإرسال في الشرق الأوسط، التي تضم تحت مظلتها قناة "الحرة" وغيرها من وسائل الإعلام العربية الأصغر حجما، والممولة من الولايات المتحدة في وقت سابق إن قناة الحرة ستتوقف عن البث، ولكنها ستسعى إلى الحفاظ على التحديثات الرقمية من خلال عدد من الموظفين تم تخفيضه إلى "بضع عشرات".

وتقول قناة الحرة إنها تصل إلى أكثر من 30 مليون شخص كل أسبوع في 22 دولة.

ولدى ترامب علاقة متوترة مع وسائل الإعلام وقد شكك في "جدار الحماية" الذي وُعدت بموجبه وسائل الإعلام التي تمولها الولايات المتحدة بالاستقلالية التحريرية.

مقالات مشابهة

  • أحمد موسىى: مصر مصرة على نزع السلاح النووي الإسرائيلي
  • رئيس التنمية الحضرية: حدائق تلال الفسطاط من أكبر مشاريع الشرق الأوسط وإفريقيا
  • خالد صديق: مشروع حدائق تلال الفسطاط من أكبر المشاريع في الشرق الأوسط وأفريقيا
  • أحد أطول الأنفاق في الشرق الأوسط.. “زين السعودية” توفر تغطية الجيلين الرابع والخامس في نفق أبي بكر الصديق
  • قناة الحرة تعلق بثها التلفزيوني.. ما السبب؟
  • ما هو «الشرق الأوسط الجديد»... الحقيقي هذه المرة؟!
  • قناة الحرة تعلق بثها التلفزيوني
  • الباحة تحتضن أكبر مدينة بن في الشرق الأوسط .. فيديو
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!
  • خلافات ترامب وماسك تندلع علناً في الشرق الأوسط