جريدة الوطن:
2025-07-05@12:43:04 GMT

المولد النبوي بين الخصوصية والعموم «1»

تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT

أيها الأحبة الكرام.. ونحن نعيش هذه الأيام مناسبة عظيمة جليلة ألا وهي مناسبة المولد النبوي الشريف، والذي هيأ الله تعالى له من التهيئة والخصوصية والذاتية ما جعله مميزًا مخصوصًا، ليس له مثيل بين البشرية، كما جعله من العموم ما جعله عامًا على مر العصور، بل كلما أتت على العالم أعوام كثيرة كلما ازداد المولد النبوي عمومًا في مشارق الأرض ومغاربها.


إن المعتقد السائد والمشهور بين أواسط الأمة الإسلامية المعرفة التامة لمولد الرسول الكريم (عليه أفضل وأكمل التسليم) باليوم والشهر والسنة، فأما عن اليوم فقد أشتهر أن مولده (صلوات ربي وسلامه عليه) كان يوم الاثنين، وذلك لما ورد في كثير من كتب التاريخ والسير الكثير والكثير من القصص والأحاديث الصحيحة والروايات الدالة على ذلك.
وإليك ـ أخي القارئ الكريم ـ إطلالة خفيفة على مشهد المولد النبوي المضيء، بل أشرقت بمولده الدنيا بأثرها، وكانت له من الخصوصية ما يميزه عن غيره من المواليد في زمانه وبعده بل وقبله، ناهيك عن العموم الذي يزيد كل عام ليعلم به الناس جميعا مسلمهم وكافرهم، بعيدهم وقريبهم، فأما عن (الخصوصية) فلا يخفى على أحد ما ورد من أحاديث في الصحيحة كصحيح مسلم ومسند أحمد وسنن البيهقي.. وغيرها من كتب الحديث، أن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) كان دومًا يصوم يوم الاثنين، ولما سُئل عن ذلك قال:(ذلك يوم ولدت فيه)، وأما عن الشهر والعام فقد ولد (صلى الله عليه وسلم) في الثاني عشر من ربيع الأول في العام الذي أُشتهر عن العرب باسم (عام الفيل)،وبالطبع لما لم يكن لديهم تاريخ معروف فقد كانوا يسمون الأعوام بأشهر وأعظم ما وقع فيها من أحداث، وأعظم حدثٍحدثَ في ذلك العام هو هجوم أبرهة الأشرم الحبشي على مكة المكرمة ليهدم الكعبة ويحول الناس من حجهم إلى المسجد الحرام إلى كنيسة تُسمى (كنيسة القليس) باليمن، وردَّ الله كيده وأرسل عليه وجيشه الطير الأبابيل فجعلهم كالعصف المأكول، هذا بالنسبة لمسقط رأسه في مكة، وأما ما كان من الخصوصية في عموم الأرض فيقول صاحب كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، ص: 81):(لما أراد ـ جلّ شأنه، وعزّ سلطانه ـ نقل الملك عن فارس إلى العرب أصدر من المنذرات بذلك ما ملأ به قلوبهم وقلوب أوليائهم رعبًا، فأوّل ذلك: ارتجاس الإيوان، وسقوط الشرفات منه، وذلك عند ميلاد الرسول (عليه أفضل الصلوات) وخمود نار فارس ولم تكن خمدت قبل ذلك بألف عام، وذلك في عهد أنوشروان العادل، فلما رأى أنوشروان سقوط الشّرفات وانشقاق الإيوان غمّه ذلك ولبس تاجه وجلس على سريره، وأحضر وزراءه وشاورهم في ذلك، ففي تلك الحال وصل كتاب من فارس بخمود النار، فازداد كسرى غمًّا إلى غمّه وفي تلك الحال قام الموبذانوقص الرؤيا التي رآها، قال: رأيت ـ أصلح الله الملك ـ كأنّ إبلًا ضعافًا تقود خيلًا عرابًا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فقال له كسرى: فأيّ شيء يكون تأويل هذا؟ قال أصلح الله الملك، حادث يحدث من جهة العرب وفشا الحديث بذلك بين العجم وتحدّث به الناس فسكن الرّعب قلوبهم وثبتت هيبة العرب في نفوسهم،و(بهذا الاحتفال بهذا الحدث العظيم ما كان ميلاد محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بأقل شأنًا من ميلاد عيسى ـ عليه السلام ـ بل ميلاد الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أعظم منه، لأنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أكبر نعمة، فيكون ميلاده أيضًا أكبر وأعظم) (دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ 2/‏ 764)، ويقول صاحب (السياسة الشرعية ـ جامعة المدينة، ص: 50):(ابتداءً من سنة 571م التي شهدت ميلاد الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشب ـ عليه الصلاة والسلام ـ وسط هذه الحياة القبلية الصاخبة ووقف على جميع نظمها عن كثبٍ وعن تجارب ذاتية عديدة، هيأت له ـ عليه الصلاة والسلام ـ حمل الأمانة وأداء رسالتها بإخراج العرب من ظلمات تلك النظم إلى نور الإٍسلام وإعدادهم في نفس الوقت لنشر هذا الدين في جميع أرجاء العالم، وهكذا حصل الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مسقط رأسه بمكة) .. وللحديث بقية.

محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم ـ صلى الله علیه المولد النبوی وسلم ـ

إقرأ أيضاً:

هل يستحق البائع العربون إذا لم يتم البيع؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم الإسلام في العربون؟ وهل هو من حق البائع شرعًا؟ وهل له أن يتبرع به في وجهٍ من وجوه البر مثلًا إذا لم يكن من حقه؟.

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن أخذ العربون غير جائز شرعًا؛ لما ورد: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ" رواه أحمد وغيره، ولما فيه من الغرر وأكل أموال الناس بالباطل.

ونوهت بأنه يجب رد العربون إلى المشتري إذا كان على قيد الحياة، أو إلى ورثته إن كان قد توفِّي، فإن لم يستدل عليه ولا على ورثته، فإنه يتصدق بهذا المال في المصالح العامة للمسلمين، ولا يحلُّ للبائع الانتفاع به لنفسه.

قاتل زوجته هل يحق له أن يرثها ؟.. عالم بالأزهر يجيبعند عدم رغبة العميل في السلعة وإرجاعها.. من يتحمل تكلفة الشحن؟دعاء يوم تاسوعاء.. ردد أفضل أدعية الرزق والبركة ومغفرة الذنوبحكم صيام يوم تاسوعاء.. الإفتاء تجيب

تحريم البيع مع العربون

روى مالكٌ في "الموطأ" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: "أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ"، ورواه أيضًا أحمد والنسائي وأبو داود، ورواه الدارقطنيُّ، ورواه البيهقيُّ موصولًا، وقد فسَّر الإمام مالكٌ العربونَ كما أورده أبو داود في "السنن" (283/3) قال: [وَذلِكَ -وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ أَوْ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يَقُولُ: أُعْطِيكَ دِينَاراً عَلَى أَنِّي إِنْ تَرَكْتُ السِّلْعَةَ أو الكِرَاءَ فَمَا أَعْطَيْتُكَ لَكَ] اهـ بتصرف.

وهذا الحديث قد ورد من طرقٍ يقوي بعضها بعضًا، وهو يدل على تحريم البيع مع العربون؛ لما فيه من الشرط الفاسد، والغرر، وأكل أموال الناس بالباطل.
وقد نصَّ على بطلان البيع مع العربون وعلى تحريمه فقهاءُ مذاهب الأئمة؛ أبو حنيفة ومالك والشافعي، ورُويَ عن الإمام أحمد إجازتُه.

قال الشوكاني في بيان علة تحريم العربون: [وَالْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ اشْتِمَالُهُ عَلَى شَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: شَرْطُ كَوْنِ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ يَكُونُ مَجَّانًا إنْ اخْتَارَ تَرْكَ السِّلْعَةِ. وَالثَّانِي: شَرْطُ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ] اهـ، وأضافَ الشَّوكاني أنه إذا دار الأمر بين الحظر والإباحة ترجَّح الحظر. "نيل الأوطار" (5/ 153، 154)، و"الروضة الندية شرح الدرر البهية" (2/ 9)، و"المجموع للنووي شرح المهذب للشيرازي" (9/ 334، 335).


لمَّا كان ذلك: فإن استيلاءُ البائع على العربون غيرَ جائزٍ شرعًا؛ لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع العربون.

التصرف في مبلغ العربون بعد الحصول عليه

إذا كان ذلك، فما طريق التصرُّف في مبلغ العربون الذي ظهر أنه من المحرَّمات؟

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المسلِم إذا أخذ مالًا حرامًا كان عليه أن يصرفَه إلى مالكه إن كان معروفًا لديه، وعلى قيد الحياة، أو إلى وارثه إن كان قد مات، وإن كان غائبًا كان عليه انتظارُ حضوره وإيصالُه إليه، مع زوائده ومنافعه.

أما إن كان هذا المال الحرام لمالكٍ غير معيَّنٍ، ووقع اليأس من التعرُّف على ذاته، ولا يُدْرَى أمات عن وارثٍ أم لا، كان على حائزِ هذا المال الحرام في هذه الحال التصدُّقُ به؛ كإنفاقه في بناء المساجد والقناطر والمستشفيات.

وذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز التصدُّق بالمال الحرام؛ لأن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا.

وقد استدل جمهرة الفقهاء على ما قالوا من التصدق بالمال الحرام إذا لم يوجد مالكُه أو وارثُه بخبر الشاة الْمَصْلِيَّةِ التي أمر الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتصدُّقِ بها بعد أن قدمت إليه فكلمته بأنها حرامٌ؛ إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى» رواه أحمد، وهو في "الدر المختار"، وحاشية "رد المحتار" لابن عابدين (3 / 498، 499 في كتاب اللقطة)، و"إحياء علوم الدين" للغزالي في (كتاب الحلال والحرام)، وأخرج العراقي الحديث عن أحمد بسندٍ جيد بهامشه.

ولما قامر أبو بكر رضي الله عنه المشركين بعد نزول قول الله سبحانه: ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: 1]، وكان هذا بإذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحقَّقَ اللهُ صدقَهُ، وجاء أبو بكر رضي الله عنه بما قامر المشركين به، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هذا سُحْتٌ فتصدَّق به». وكان قد نزل تحريمُ القِمار بعد إذن الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي بكر رضي الله عنه في المخاطرة مع الكفار.


وكذلك أُثر عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنه اشترى جاريةً فلم يظفر بمالكها ليعطيه ثمنها، فطلبه كثيرًا، فلم يظفر به، فتصدَّق بثمنها، وقال: "اللهم هذا عنه إن رضي، وإلا فالأجر لي". "إحياء علوم الدين" للغزالي، وتخريج العراقي بهامشه.

واستدلوا أيضًا بالقياس فقالوا: إن هذا المالَ مُردَّدٌ بين أن يضيع وبين أن يُصرفَ إلى خيرٍ إذ وقع اليأسُ من مَالِكه، وبالضرورة يُعلَم أن صرفه إلى خيرٍ أولى من رميه؛ لأن رميه لا يأتي بفائدةٍ، أما إعطاؤه للفقير أو لجهةٍ خيريةٍ ففيه الفائدة بالانتفاع به، وفيه انتفاعُ مالكه بالأجرِ ولو كان بغير اختياره؛ كما يدل على هذا الخبرُ الصحيحُ: «لَا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا كَانَتْ له صدقة» رواه ابن حبان. ولا شك أن ما يأكل الطير من الزرع بغير اختيار الزارع، وقد أثبت له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأجر.


وردَّ الإمامُ الغزاليُّ على القائلين بعدم جواز التصدُّق بالمال الحرام بقوله: [وأما قول القائل لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر، وترددنا بين التضييع وبين التصدق ورجحنا التصدق على التضييع، وقول القائل: لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك، ولكنه علينا حرامٌ؛ لاستغنائنا عنه، وللفقير حلالٌ إذا أحلَّه دليلُ الشرع، وإذا افترضت المصلحةُ التحليلَ وجب التحليلُ] اهـ. "إحياء علوم الدين" في النظر الثاني في المصرف (5/ 882: 890، ط. لجنة نشر الثقافة الإسلامية بالقاهرة سنة 1356هـ).

وأكدت بناء على ذلك، أن مبلغ العربون الذي دفعه المشتري إلى البائع ولم تتم الصفقة محرَّمًا على البائع، ويتعيَّنُ عليه ردُّه إلى المشتري إذا كان معروفًا لديه وعلى قيد الحياة، وإلى ورثته إن كان قد توفي، فإن لم يُعلم بذاته ولا بورثته فعلى البائع التصدُّق بمبلغ العربون في المصالح العامة للمسلمين، كبناء المساجد أو المستشفيات؛ لأنَّ عليه التخلُّص مما حازه من مال مُحرَّمٍ، ولا يحلُّ له الانتفاع به لنفسه؛ لأن كلَّ مسلمٍ مسؤولٌ عن ماله مِن أين اكتسبه وفيم أنفقه كما جاء في الحديث الشريف في "صحيح الترمذي" (9/ 252).

طباعة شارك تحريم البيع مع العربون العربون حكم الإسلام في العربون هل العربون من حق البائع التصرف في مبلغ العربون بعد الحصول عليه

مقالات مشابهة

  • مكة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • منطقة الغربية الأزهرية تحتفل بتكريم أوائل مسابقة حفظ القرآن الكريم بحضور قيادات الأزهر
  • فضل صيام يوم عاشوراء.. فرصة لا تضيعها
  • حكم صيام يوم عاشوراء فقط .. دار الإفتاء تجيب
  • ماذا يحدث لمن واظب على ذكر الله؟.. خطيب المسجد النبوي: ينعم بـ10 أرزاق
  • خطيب المسجد النبوي: الذكر يرضي الرحمن ويطرد الشيطان ويقوي الإيمان
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
  • خطبة الجمعة من المسجد النبوي
  • هل يستحق البائع العربون إذا لم يتم البيع؟.. الإفتاء تجيب
  • هل ورد ذكر يوم عاشوراء في القرآن الكريم؟.. تعرف الآيات التي أشارت له