أحمد يحيى الديلمي
في ظل الجدل الدائم بين المثقفين والأنصاف والأرباع منهم حول العلاقة الأزلية بين ثورة سبتمبر 21 و 26 ، لا بد أن نعود قليلاً إلى الوراء لنؤكد حقيقة هامة لا أعتقد أن أحداً يُنكرها ، ومفادها أن ثورة الـ26سبتمبر 1962م وقعت تحت الوصاية من أول وهلة وكانت وصاية مزدوجة كان المصريون ومن خلفهم يتحكمون بالجانب الجمهوري، والسعوديون ومن معهم يتحكمون في الجانب الملكي ، وهكذا أصبحت اليمن واليمنيون مجرد ألعوبة للتسلية وتصفية الحسابات بين دول مختلفة ومن لف لفيفهما ، ووصل الأمر في صنعاء مثلاً بالجانب المصري إلى مرحلة التحكم المباشر والسيطرة على كل مقاليد الأمور بحيث تم سجن الدولة بكامل رجالها في القاهرة واستبدالهم بآخرين وكان اللواء طلعت حسن آخر قائد لما يُسمى بالقوات العربية يتحكم في كل صغيرة وكبيرة ولا يستطيع أي وزير أن يتحرك إلا بأمره ، وهكذا كان الأمر مع السعودية والجانب الملكي ، السعودية تُقدم وتؤخر ما تُريد ، وهنا تكمن عظمة ثورة 21سبتمبر لأنها حررت البلاد من الوصاية والتبعية المطلقة وأصبح الوفد الوطني في صنعاء يتفاوض مع الجانب السعودي الند للند .
من هذه النقطة بالذات نعرف أساس الخلاف الرئيسي الذي يعرقل المفاوضات بين الجانبين من شهر إلى آخر ، فالسعودية على أتم الاستعداد لدفع أي مبالغ مرتبات أو تعويضات أو ما يطلبه الجانب اليمني ، بشرط أن يقبل الطرف اليمني بعودة الوصاية وحالة الخنوع والاستسلام والتبعية كما كان الأمر في الماضي ، إلا أن هذا الأمر بات مستحيلاً من قبل أنصار الله والشعب اليمني بشكل عام بعد أن تخضبت الأرض بالدماء وتزينت الشوارع بصور الشهداء الذين بذلوا أرواحهم في سبيل تحقيق هذه الغاية ممثلة في إنهاء الوصاية على الشعب اليمني ، وكأن 21سبتمبر الحدث جاء ليقول للسعوديين الشعب شب عن الطوق وخرج عن الوصاية ، ومن الآن حتى يبعث الله الأرض ومن عليها ستظل اليمن حرة مستقلة تملك الإرادة والسيادة والاستقلال ، وتمتلك قرارها بنفسها بعيداً عن الإملاءات الخارجية أو الوصاية المباشرة ، وهذا بالفعل ما ترفضه السعودية وتعتبره مصدر خطر عليها، ونحن نعلم جميعاً كيف كانت السعودية تتحكم في القرار اليمني حتى أن أحد الوزراء ذهب لحضور اجتماع دولي ليُمثل اليمن وانحاز إلى قرار مخالف لما أعلنه الوزير السعودي ، فتم استدعاؤه ومن ثم تنحيته من الوظيفة لأن السعودية أقامت الدنيا ولم تُقعدها بعد أن شذ عن القاعدة المعروفة وهي التبعية المطلقة للسعودية .
وهكذا كان الأمر بالنسبة للشهيد المغدور إبراهيم محمد الحمدي، فلقد حاول أن ينزع إلى الاستقلالية فلم تمهله السعودية سوى أسابيع وكلفت عملاءها في الداخل للقضاء عليه، وبالتالي ظلت الأمور محكومة للإرادة السعودية تارة عن طريق المشائخ الممولين منها وأخرى عن طريق من تلبسوا الدين زوراً وبهتاناً وأصبحوا يمثلونه في كل المواقع والمحافل، فلقد كانوا يجسدون الرغبة السعودية في كل أعمالهم ولو على حساب كل شيء السيادة والاستقلال والأرض والكرامة كلها كانت مباحة أمام الجانب السعودي ، وهذا ما يجعله اليوم يتلكأ كثيراً في كل جولة من جولات التفاوض رغم استعداده وما يترتب على هذا الاستعداد من سخاء وقبول بدفع المليارات فقط أن يُسمح لها بأن تعود للأمساك بزمام الأمور ولو من طرف خفي ، إلا أنه كما قُلنا بات من الصعب العودة إلى ذلك الوضع المزري، وهذا هو الألق الذي تتميز به ثورة 21سبتمبر والذي يمنحها خاصية مميزة، ولكي تستمر هذه الحالة فإن الأمر بحاجة إلى مساعٍ كبيرة لتحقيق كل ما يتطلع إليه الشعب في مجال التنمية والسلام والأمن والاستقرار ، لا أن نظل نسير على نفس النهج الذي ظل سار عليه النظام السابق ، نعلن عن أشياء لا وجود لها إلا في الإعلام وفي أذهان المعلنين فقط ، والواقع يئن ويشكو الويل وإذا استمر الأمر على هذه الحالة فإن الأمور ستسير من سيئ إلى أسوأ ، وستتمكن السعودية من العودة إلى نفس الموقع الذي خسرته بفعل التضحيات وحالات الاستبسال النادرة .
نبارك لشعبنا ولقيادة الثورة هذه الذكرى الخالدة.. ومن نصر إلى نصر.. والله من وراء القصد ..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
علي ناصر محمد تحدث عن تشكيل المجلس اليمني المشترك بين الشمال والجنوب
قال علي ناصر محمد، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الأسبق، إن عام 1979 شهد اندلاع حرب جديدة بين الشطرين، أعقبتها مواجهات طويلة في ما عُرف بحرب المنطقة الوسطى على الحدود بين الشمال والجنوب، والتي استمرت نحو 12 عامًا منذ 1972 حتى 1982.
وأوضح خلال لقاء مع الكاتب الصحفي والإعلامي سمير عمر، في برنامج "الجلسة سرية"، المذاع على قناة "القاهرة الإخبارية"، أنه قام، عندما أصبح رئيسا لجنوب اليمن بأول زيارة له إلى صنعاء خلال تلك الفترة، حيث التقى الرئيس علي عبدالله صالح، وتم الاتفاق على ضرورة إنهاء الحروب والاحتكام للحوار، مضيفا: "قلت له يكفينا حروب، ولنركز على وقف القتال، ووقف الحملات الإعلامية، ومنع التهريب والتخريب، وأن تكون الزيارات متبادلة، والشروع في وضع دستور دولة الوحدة وتشكيل مجلس يمني مشترك، ووافق على ذلك، ومضينا في هذه الخطوات".
وأشار إلى أن الزيارات المتبادلة بدأت بالفعل، حيث زار علي عبدالله صالح عدن عام 1981 وحضر احتفالات 30 نوفمبر، وأُعلن آنذاك عن تشكيل المجلس اليمني المشترك بين الشمال والجنوب، كما تم إنجاز مشروع الدستور، لكنه أكد أن "هناك أشخاصًا لم يكونوا يريدون تحقيق الوحدة عبر الحوار".
وتابع أن الشمال كان في موقع عسكري أفضل عام 1972، وأعلن الحرب حينها على الجنوب، غير أن طريقة ضم الجنوب إلى الشمال كانت مرفوضة من جانب عدن، مضيفا أن موازين القوة تغيّرت لاحقًا، قائلًا: "بعدها أصبحنا نحن في وضع عسكري أقوى، لكن الأغلبية كانوا مع الحوار، وأنا كذلك، وهذا كان أحد أسباب الخلاف بيني وبين بعض الإخوة حول قضية الوحدة".