انقسامات عميقة بشأن صناعة الوقود الأحفوري تسبق قمة المناخ العالمية
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
ظهرت انقسامات عميقة بشأن كيفية مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، قبل انعقاد قمة المناخ المقبلة، حيث واجهت الجهود الرامية إلى "تخضير" أنظمة الطاقة في العالم، تحديًا من قبل المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط والغاز وشركات البترول، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" اللندنية.
وفي حين يجتمع زعماء العالم وكبار المسؤولين في نيويورك، قبل انعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 28) بعد 10 أسابيع، ظهر صدع عميق بين البلدان التي تدعم التوسع في استخدام الوقود الأحفوري، وتلك التي تصر على ضرورة وقف كل أشكال التطوير الجديدة في ذلك الوقود، لـ"تحقيق الاستقرار في درجات الحرارة".
وفي هذا المنحى، قال وزير التعاون التنموي وسياسة المناخ العالمية في الدنمارك، دان يورغنسن، والذي يرأس المناقشات حول الأهداف المناخية الجديدة التي يمكن الاتفاق عليها في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في ديسمبر المقبل: "إن البلدان تدرك أننا بحاجة إلى التقدم".
وتابع: "الأخبار السيئة هي أنه على الرغم من أننا متفقون على ذلك، فإننا لا نزال بعيدين جدًا عن التوصل إلى إجماع حول ما يعنيه ذلك في الواقع.. نحن ما زلنا بحاجة إلى معالجة المشكلة المشتعلة (الوقود الأحفوري)".
وعلى هامش مؤتمر نيويورك هذا الأسبوع، اختبر مفاوضو المناخ في العالم اللغة الدبلوماسية التي قد يتم الاتفاق عليها خلال انعقاد قمة "كوب 28" في دبي، حيث سيسعى المجتمعون للتوصل إلى اتفاق عالمي.
ويتلخص أكبر مصدر للاحتكاك في التوصيف الدقيق "للتخلص التدريجي" من الوقود الأحفوري، وما إذا كان هذا من شأنه أن يسمح بالتوسع في تكنولوجيات احتجاز الكربون، حيث كانت قمم المناخ السابقة قد فشلت على مدى سنوات في الاتفاق على هذه الصياغة.
وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ونظيره الكيني، ويليام روتو، من بين 17 زعيمًا وقعوا على رسالة الأسبوع الماضي، يصرون فيها على أن "تكنولوجيا التخفيض لا يمكن استخدامها لمنح الضوء الأخضر للتوسع في الوقود الأحفوري".
و تقوم تقنية "احتجاز الكربون" على أنه بدلاً من إرسال التلوث الكربوني الناجم عن احتراق الوقود الأحفوري إلى مداخن ومن ثم إلى الغلاف الجوي، فإنه يتم حصر ذلك التلوث من خلال عمليات كيماوية.
دول "مهددة بالفناء"من جانبها، اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن على "كبار الملوثين أن يتوافقوا مع هدف الاتحاد الأوروبي، المتمثل في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بلا هوادة قبل عام 2050".
وتحت ضغط من الدول النامية التي تسعى للحصول على تمويل للتحول إلى أنظمة الطاقة الخضراء، انتقد مبعوث المناخ الأميركي، جون كيري، تزايد الاعتماد على الفحم الحجري بلا هوادة في آسيا، حيث تعمل الصين والهند على تعزيز إنتاجهما من ذلك الوقود الإحفوري.
في هذه الأثناء، اجتمع رؤساء شركات النفط في مدينة كالغاري بمقاطعة ألبرتا - قلب صناعة النفط الكندية - لإجراء محادثة مختلفة تماما.
وفي مؤتمر النفط العالمي، وهو مؤتمر النفط والغاز الذي يعقد كل عامين، حذر نحو 500 من المسؤولين التنفيذيين في الصناعة، من بينهم دارين وودز من شركة "إكسون موبيل"، من "مخاطر الابتعاد عن الوقود الأحفوري بسرعة كبيرة".
وعلى نفس المنوال، أوضح الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية، أمين ناصر، وهي أكبر شركة منتجة للنفط في العالم، أن هناك "العديد من أوجه القصور في النهج الانتقالي الحالي، الذي لم يعد من الممكن تجاهله".
وقال الناصر: "إن التخلص التدريجي من الطاقة التقليدية قبل الأوان، يمكن أن يعرض أمن الطاقة وأولويات القدرة على تحمل تكاليف ذلك الانتقال، للخطر".
وزاد: "أظهرت أزمة الطاقة الأخيرة - والتي تفاقمت بسبب الصراع في أوكرانيا - أن العالم سيعاني إذا تم تجاهل تلك الحقائق".
وبالعودة إلى نيويورك، حاول رؤساء الدول الجزر الصغيرة، بما في ذلك توفالو وبالاو، دق ناقوس الخطر بشأن التهديد الذي يفرضه ارتفاع منسوب مياه البحر، والذي يهدد بالقضاء على دولهم.
وقال رئيس وزراء توفالو، كوسيا ناتانو: "إذا سمح العالم لدولة بأكملها أن تختفي بسبب تغير المناخ، فلن يكون هناك أمل لأي شخص آخر".
من جانبها، قالت رئيسة وزراءدولة بربادوس، ميا موتلي، التي قادت الجهود التي تبذلها الدول الصغيرة التي اجتاحها تغير المناخ، لتأمين المزيد من التمويل من العالم الغني، إن "الكيل طفح".
وأضافت موتلي: "تغير المناخ لا يمثل تحديًا للدول الصغيرة فحسب، بل يمثل تحديًا لمعظم البلدان على مستوى العالم، بما في ذلك أقطار العالم المتقدم".
وأردفت: "ربما يكون هذا أمرًا جيدًا حتى تكون هناك مفاوضات جدية، بطريقة لم تحدث منذ عقود".
لكن عندما يتوجه زعماء العالم إلى دبي للمشاركة بقمة المناخ، على أمل التوصل إلى اتفاق للحفاظ للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن المسؤولين التنفيذيين في صناعة الوقود الأحفوري المتوقع حضورهم، إلى جانبهم، "سيضغطون ضد تخفيضات الإنتاج قبل عام 2050"، وفق الصحيفة البريطانية.
أما نائب الرئيس الأميركي الأسبق والناشط في مجال المناخ، آل غور، فقد أعرب عن مخاوفه بشأن "استيلاء" صناعة الوقود الأحفوري على مفاوضات قمة المناخ "بدرجة مثيرة للقلق".
وقال غور لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، إن "معظم العاملين في القطاع أرادوا عرقلة وتأخير ومنع أي شيء من شأنه أن يقلل من بيع وحرق الوقود الأحفوري".
وأردف: "ببساطة ليس من الواقعي الاعتقاد بأنهم سيأخذون زمام المبادرة في حل هذه الأزمة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: من الوقود الأحفوری قمة المناخ
إقرأ أيضاً:
العالم يتجه لتحطيم الرقم القياسي لدرجات الحرارة مجددًا بحلول 2029
على الرغم من الحرارة والجفاف والكوارث التي شهدناها خلال الأعوام القليلة الماضية، يبدو أن الفوضى الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الكوكب قد بدأت للتو.
ورغم أن العام الماضي سجل أعلى درجة حرارة منذ نحو قرنين، فمن المرجح أن يحطم العالم هذا الرقم القياسي مرة أخرى بحلول عام 2029، وفقًا لتقرير جديد صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهي الذراع المعنية بالمناخ والطقس التابعة للأمم المتحدة.
هناك احتمال كبير جدًا أن يتجاوز متوسط ارتفاع درجة الحرارة خلال السنوات الخمس المقبلة 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 درجة مئوية) فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو الحد الأقصى الذي حددته اتفاقية باريس لتفادي أسوأ عواقب تغير المناخ. كما توجد احتمالية أكبر أن تتجاوز إحدى هذه السنوات على الأقل 2.7 درجة مئوية مقارنة بمتوسط الفترة بين عامي 1850 و1900.
وهذا يعني أننا قد نتوقع المزيد من الأيام ذات الطقس الغريب، والمزيد من الكوارث الطبيعية التي تهدد منازل الناس وصحتهم وحياتهم.
قال مايك فلانيجان، عالم الحرائق في جامعة تومسون ريفرز بكولومبيا البريطانية: “الوضع قاتم للغاية. أخشى أن تكون السنوات القادمة أكثر دفئًا مما نتوقع، وأن تستمر التأثيرات في مفاجأتنا وتكون أشد وطأة على مستوى العالم، بما في ذلك الغرب الأمريكي”.
وأوضح علماء المناخ أن هذه التأثيرات تشمل في الولايات الغربية الأمريكية، وخاصة كاليفورنيا، موجات جفاف وحرّ ومواسم حرائق أطول وحرائق غابات أشد كثافة.
وقال بارك ويليامز، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: “مع ارتفاع حرارة الأرض حتى الآن، ارتفعت أيضًا حرارة غرب الولايات المتحدة، دون أي زيادة في كميات الأمطار تعوض آثار الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى الجفاف وحرائق الغابات”.
في العام الماضي، فحص ويليامز 1200 عام من السجلات الجيولوجية، ووجد أن الأعوام الـ25 الماضية كانت الأشد جفافًا منذ عام 800 ميلادي. وهو لا يرى سببًا لتوقف هذا الاتجاه.
وأضاف: “بما أنه لا توجد أي مؤشرات على تباطؤ انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري عالميًا خلال السنوات المقبلة، فمن شبه المؤكد أن تسجل درجات الحرارة العالمية أرقامًا قياسية جديدة كل بضع سنوات، كما كان الحال خلال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية”.
تستند التوقعات في تقرير الأمم المتحدة إلى أكثر من 200 نموذج تنبؤي يشرف عليها علماء من 14 معهدًا بحثيًا حول العالم، من بينها اثنان تديرهما الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي.
أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق
وخلص التقرير إلى وجود احتمال بنسبة 80% أن يتجاوز عام واحد على الأقل في الفترة بين 2025 و2029 عام 2024 كأكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، واحتمال بنسبة 86% أن يتجاوز أحد هذه الأعوام هدف الاحترار البالغ 2.7 درجة مئوية.
وقدرت الدراسة احتمالًا بنسبة 70% بأن يتجاوز متوسط ارتفاع الحرارة خلال هذه الفترة 2.7 درجة، رغم أن المتوسط العام لعشرين عامًا ــ وهو معيار اتفاق باريس ــ من المرجح أن يظل دون هذه العتبة.
وقال كو باريت، نائب الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في بيان: “للأسف، لا يشير تقرير المنظمة إلى أي بوادر تحسن خلال السنوات المقبلة، ما يعني تأثيرًا متزايدًا على الاقتصادات، وحياتنا اليومية، والأنظمة البيئية، والكوكب ككل”.
عواقب الاحترار العالمي
كما خلص التقرير إلى أن عواقب الاحترار العالمي من المرجح أن تختلف من منطقة إلى أخرى، وتشمل: ذوبان الجليد السريع في القطب الشمالي، مواسم الجفاف في الأمازون، وأمطارًا زائدة في مناطق مثل ألاسكا، شمال أوروبا، ومنطقة الساحل في شمال وسط أفريقيا.
تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تبخر الماء من التربة والنباتات، ما يُسبب الجفاف وفشل المحاصيل. وفي الوقت نفسه، يحتفظ الغلاف الجوي الأكثر دفئًا بكميات أكبر من الرطوبة، ما يزيد من احتمالية هطول أمطار غزيرة وعواصف تؤدي إلى فيضانات.
كما أصبحت التقلبات المناخية الحادة بين الظروف الجافة والرطبة أكثر تكرارًا وحدة بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
اندلعت حرائق غابات مدمرة في منطقتي باليساديس وإيتون في يناير الماضي بعد فترة من هذه التقلبات. إذ أدت أمطار غزيرة غير معتادة عام 2023 إلى ازدهار نباتات جديدة، جفت وتحولت إلى وقود للحرائق خلال عام 2024 الذي شهد جفافًا استثنائيًا.
الفوضى المناخية
وفي الأسبوع نفسه الذي اندلعت فيه الحرائق، أكدت وكالات حكومية في الولايات المتحدة وحول العالم أن عام 2024 كان الأشد حرارة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة عام 1880، وكان هذا هو العام الحادي عشر على التوالي الذي يُسجل فيه رقم قياسي.
ومن المرجح أن تدخل الولايات المتحدة هذه المرحلة من الفوضى المناخية بقدرة منخفضة على التنبؤ بالكوارث أو تجنبها.
فقد أدت عمليات تسريح الموظفين إلى تقليص العاملين في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، بما في ذلك هيئة الأرصاد الوطنية التابعة لها. كما اقترحت إدارة ترامب خفض ميزانيتها بمقدار 1.5 مليار دولار عام 2026، أي بنسبة 25% عن العام السابق.
وتشكل هذه التخفيضات جزءًا من تحول أوسع نحو تقليص الجهود المبذولة لمواجهة تغير المناخ.
لطالما كانت علاقة الولايات المتحدة باتفاقية باريس متوترة. فقد انسحبت منها قبل أيام من خسارة ترامب الانتخابات في نوفمبر 2020، ثم عادت للانضمام إليها مع تولي جو بايدن الرئاسة في يناير 2021، قبل أن تنسحب منها مجددًا مع بدء ترامب ولايته الثانية في يناير.
وذهبت إدارة ترامب إلى أبعد من ذلك، حيث منعت استخدام عبارات مثل “أزمة المناخ”، و”الطاقة النظيفة”، و”علم المناخ” من قِبل المستفيدين من التمويل الفيدرالي والموظفين في تقاريرهم ومواقعهم الرسمية.
وفي أبريل الماضي، أقالت الإدارة أكثر من 400 عالم وخبير كانوا قد باشروا العمل على إعداد أحدث تقرير للتقييم الوطني للمناخ، وهو تقرير أقره الكونغرس لرصد أحدث العلوم المتعلقة بالتغير المناخي.
في غضون ذلك، تستمر درجات الحرارة في الارتفاع، ولا مفر من عواقبها.
قال فلانيجان: “إنه أمر مخيف بالفعل. كثيرون يتجاهلونه، أو يقولون: لن يحدث في حديقتي الخلفية. لكنه قادم إلى حدائقنا جميعًا قريبًا”.