بلا كلل أو ملل، تنهمك جماعة الحوثيين في اليمن، الموالية لإيران، في فتح المزيد من الجبهات، وخطوط النار مع خصومها في الداخل، ومع من تصفهم بـ"دول العدوان" في الإقليم والعالم، وذلك في (ظاهرة) لا يمكن تفسيرها، إلا على أنها برهان قاطع على حالة القلق والخوف التي تنتاب الجماعة، إزاء ما تدري أو لا تدري أنه يُخطط لها، بعد أن تكاثر أعداؤها، واشتدت عزلتها، وضاق خناق الحصار الاقتصادي المفروض عليها أكثر فأكثر، وسقط على ما يبدو كل خيار ممكن للحوار والسلام معها، بسبب دورانها الأعمى حول الأجندة الإيرانية ، وذلك على الرغم من أنه لم يعد هناك أحد في اليمن أو الجوار أو العالم، يرغب في إطالة أمد النزاع معها، ومضاعفة معاناة الشعب اليمني والمنطقة جراءها.
تحسبٌ واحتياطات
قيادة الجيش الموالي للحكومة اليمنية الشرعية، أعلنت في بيان لها هذا الأسبوع، اعتبار المناطق الصحراوية الواقعة بين محافظات الجوف، وحضرموت وأطراف مأرب "منطقة عمليات عسكرية" وذلك بهدف مُحاربة الإرهاب والتهريب والتخريب.
قيادة الجيش طلبت من المواطنين المسافرين، بين تلك المناطق، التزام السير عبر الطرق الرسمية "حرصا على سلامتهم" وتجنّب المرور في الخطوط الفرعية، التي قد تعرضهم للخطر أو المُساءلة القانونية.
أتى هذا الإجراء، بعد ورود تقارير ومعلومات متواترة، عن قيام الحوثيين بتحركات وأنشطة وأعمال عسكرية، واستحداث طرق على امتداد خطوط التماس مع جبهات مأرب شرقا، والساحل الغربي داخل محافظة الحديدة، وفي محافظتي الضالع ولحج المجاورتين لمحافظة تعز.
صحيح أن المناوشات والاشتباكات المتقطعة بين القوات الحكومية ومسلحي الجماعة، لم تتوقف بطول تلك الجبهات، إلا أن الهدنة الهشة القائمة يمكن أن تنهار، وتعود الحرب الشاملة بوتائر أعلى، وتتحول إلى نوع من الحسم في أي من تلك المناطق، وذلك لسببين اثنين:
أولهما، أن الجماعة تدرك أن دوام الحال بات محالا، وأن طرفا ما، لا بد في نهاية المطاف أن يحسم المواجهة لصالحه، لكن شكل المعركة المرتقبة لم يتضح بعد، وبالتالي فإن مخاوف الجماعة، تكمن في عدم معرفتها من أي مكمن قد تتم مباغتتها، فالساحة واسعة والأعداء كُثر، وبالتالي لا بد من البقاء في حالة استنفار قصوى، والتظاهر كمن يعد العدة لمواجهة الخطر من أي مكان جاء.
مراقبون يتوقعون أسابيع ساخنة، خلال شهر سبتمبر/أيلول المقبل، بالنظر إلى أن معظم الأطراف المناوئة أصبحت في جاهزية تامة، لمنازلة حاسمة مع الحوثيين، كما يتردد في أوساط قياداتها، وأنها فقط "تنتظر اتخاذ القرار السياسي" لتبدأ معركتها.
أما السبب الثاني الذي يرجح كفة الحسم العسكري، فإن قادة وخبراء عسكريين، يرون أن "نهاية الحوثي محتومة" رغم أنه "متربص ويحشد كل يوم استعدادا للمعركة" لكن المعركة القادمة، في رأيهم "ستكون على ضوء ونتائج أمرين اثنين. أولهما: مدى تطور العلاقة والتفاهمات الإيرانية-السعودية"، وثانيهما "مستقبل المشروع النووي الإيراني" ونتائج اللقاءات الأميركية-الإيرانية.
نذر ومؤشرات
قبل أيام فقط قام مسلحو الجماعة بمهاجمة قوات الحكومة اليمنية في صعدة في محور "علب" حيث قتلت قوات الحكومة 27 حوثيا، فيما خسرت قواتها 11 جنديا، وفق تقرير لجريدة "الشرق الأوسط" السعودية.
يخطط الحوثيون، بحسب خبراء عسكريين، لشن هجمات على عدة محاور تستهدف، بدرجة أساسية، محاصرة كل من مدينة مأرب النفطية الغنية والاستراتيجية، من خلال الالتفاف عليها من جنوب المحافظة، وصحراء العبر القريبة من منفذ الوديعة السعودي، وكذلك لإعادة السيطرة الكاملة على مدينة تعز في وسط البلاد، عبر الالتفاف عليها من محافظتي لحج والضالع جنوبا، وحتى الحديدة غربا.
لكن آمال الحوثيين في سقوط مأرب وتعز، قد لا تتحقق كما يتمنون، فالأوضاع الأمنية والعسكرية في عموم تلك المناطق والمدن، لم تعد كما كانت عليه في السابق، عندما حاول الحوثيون اجتياحها والسيطرة عليها، كما أن الكل في المناطق الخارجة عن سيطرتهم استعد ميدانيا، بما يكفي للمواجهة، وإن لم تكن شروط المعركة، قد اكتملت بعد سياسيا وحتى عسكريا.
سيناريوهات معارك الحوثييين
باستثناء ذلك النمط المعروف من حرب العصابات، فقد كان أول وأكبر هجوم للحوثيين، مخطط له جيدا، وشبه نظامي، وبمشاركة ميدانية لخبراء من "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" اللبناني، ذلك الذي شنته الجماعة على مدينة مأرب، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وهو الهجوم الذي حرض عليه الأمين العام السابق لـ"حزب الله"، حسن نصرالله، الذي قال في خطاب متلفز: "إن سقوط مأرب يعني أن الحوثيين فازوا في الحرب" لكن جماعة الحوثيين ووجهت بمقاومة شرسة من قبائل مأرب، وما تبقى في ذلك الحين من قوات الجيش، بالإضافة إلى دعم جوي، من قبل قوات التحالف الذي قادته السعودية، حيث تم إفشال الهجوم على مأرب، ومُنيت الجماعة على أطراف المدينة بهزيمة عسكرية، أسفرت عن مقتل 27 ألفا من مسلحيها، بحسب بيانات عسكرية حكومية، فيما لم تعترف الجماعة سوى بسقوط 14 ألفا فقط، غير عابئة بضخامة هذا الرقم أيضا.
كيف يقاتل الحوثيون
تعمد الجماعة عادة إلى حشد أكبر عدد ممكن من مسلحيها، الذين تزجّ بأغلبهم دون إعداد أو تدريب كافيين، حيث تدفع بهم إلى القتال، عبر عدة أنساق متتالية تكاد تشبه أو تستنسخ إلى حد كبير، تجربة إيران في حربها مع عراق صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي، الأول من تلك الأنساق، مباشر وقريب من خطوط التماس، ويتكون عادة من مقاتلين مبتدئين، صغار السن يدفعون الثمن الأكبر في كل مواجهة من أرواحهم، وتقتصر مهمتهم على استنزاف "العدو" وإنهاكه، لتبدأ بالتالي هجمة النسق الثاني، بقصف مدفعي مكثف، وباستخدام أسلحة ثقيلة وطائرات مسيرة، وتقدم سريع نحو مواقع (الأعداء) وذلك لتأمين وصول (نخبة) النسق الثالث لاستلام تلك المواقع.
غير أن "تكتيكات" الجماعة تظل قابلة للتعديل والتغيير، بحسب ظروف المواجهة، لكنها في كل منطقة تضطر إلى الانسحاب منها، وتقوم بزرع آلاف من الألغام بطرق عشوائية ودون خرائط، من بينها مضادات للأفراد والدروع، وأخرى كالأحجار الصغيرة والكبيرة المتناسبة مع الطبيعة الجغرافية للمنطقة، وحتى في شكل دمىً ولُعب أطفال، وما إلى ذلك.
الحوثيون، كما أصبح يراهم كثيرون في الشرق الأوسط وحول العالم، مزيج معقد من "مشروع حرب" يتباهون بانتسابهم إليه، ولا يطيقون العيش والشعور بالأمان من دونه، وجماعة مذهبية مسلحة، ابتعدت في رأي الكثير من أبناء الطائفة (الزيدية) عن طائفتها، وذهبت بعيدا في ولائها لـ"إمام آخر الزمان" ونائبه على الأرض "الولي الفقيه" في طهران، وبالتالي فهي بوضوح موالية "عقائديا وروحيا" لطهران، وحليفة موثوقة لها سياسيا وعسكريا، بمعنى أنها برنامج تكتيكي منساق لإيران، ومنفصل عن محيطه الوطني والعربي القريب.
موازين القوة
نعلم أن إيران أمدت الجماعة، منذ زمن بعيد، بما يمكن اعتبار أنه اليوم "قوة دفع ذاتي" تعتمد عليها لشن حروبها، وذلك من سلاح وقدرة، على تصنيع السلاح الصاروخي والطيران المسيَّر، وبعض الخبرة في الحشد البشري، وتنظيمه وإدارته، ولكن إلى أي مدى تعلم الجماعة أن الصواريخ والمسيَّرات لا يمكنها وحدها أن تصنع الفارق، أو الحسم في أي معركة، إذا استخدم خصومها طاقاتهم البشرية المسلحة، والمعبأة تلقائيا ضدهم؟
في الأيام القليلة الماضية شهدت صنعاء وضواحيها، تشييعا ضخما وغير معهود لجنازتي شيخين من رجال قبائلها (ناجي جمعان، وزيد أبو علي) وهما من قادة وأنصار "حزب المؤتمر الشعبي العام" الذي تأسس على يد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح الذي قتله الحوثيون.
في مراسم التشييع قرأ كثيرون رسائل ودلالات واضحة، على نفاد صبر القبائل اليمنية تجاه الحوثيين، وأن ما "بقي من طاقة لديها لتحمل أذاهم، وسوء تصرفاتهم، ليس سوى أقل القليل"، كما قال لي بعضهم.
تبدو الحرب واستدعاء وجلب العداوات "طبيعة" في سيكولوجيا الجماعات (العقائدية) المسلحة، التي لا ترى في السلام مصلحة لها، ولا مصدرا لأرزاق ومعيشة مقاتليها، بل تراه مصدرا مهددا لوجودها ومستقبلها، ولهذا فهي تعمد إلى "الاستفزاز" وسيلةً للفت الأنظار إليها والاعتراف بها، فمنذ استيلاء جماعة الحوثيين على السلطة في صنعاء، لم تتوقف عن استخدام هذه الآلية في التعامل مع محيطها ومن حولها، فخلال أقل من نصف عام على اجتياحها العاصمة اليمنية، صنعاء، أجرت جماعة الحوثيين مناورات عسكرية في منطقة البقع بمحافظة صعدة شمالي اليمن على مقربة من الحدود السعودية، وفي توقيت متعمد متزامن مع اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، في العاصمة السعودية الرياض، لبحث الوضع في اليمن، وكانت آخر مناورة عسكرية "استفزازية" قام بها الحوثيون في محافظة صعدة، على الحدود مع الجارة السعودية، قد جرت عقب الحملة الجوية، التي شنّتها الولايات المتحدة على مواقعهم، أوائل هذا العام، ردا على هجماتهم على خطوط الملاحة التجارية في البحر الأحمر.
استخدمت في هذه المناورات الدبابات والمدفعية والطائرات المسيَّرة، ما دلَّ في تحليلات أوساط كثيرة في العالم، على "حالة من العمى السياسي لا تزال تتخبط فيها الجماعة" وتتسبب في الكثير من الضرر لأمن واستقرار اليمن والمنطقة، وحتى العالم البعيد عنها.
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
ماذا يمكن أن يفعل المرشح الذي عينه ترامب في بنك الاحتياطي الفيدرالي؟
نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، تقريرًا، ناقشت فيه، ما وصفته بـ"سيناريو تعيين دونالد ترامب، لرئيس جديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي "الفيدرالي الأمريكي" في حال تمكن من إقالة جيروم باول، رغم أن ذلك غير قانوني ما لم يثبت وجود سبب مشروع".
وذكرت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "إقالة دونالد ترامب لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، تُعد خطوة معقدة قانونيًا، ولا يمكن تنفيذها إلا بوجود سبب مشروع، ما دفع ترامب للتفكير في توجيه تهمة احتيال كغطاء قانوني محتمل".
وأضافت: "رغم ما قد تسببه مثل هذه الخطوة من اضطراب واسع في الأسواق المالية"، مبرزة أنّ: "صلاحيات رئيس الاحتياطي الفيدرالي تستند إلى أعراف توافقية بين مجلس المحافظين واللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، أكثر من اعتمادها على القانون".
وأوضحت: "تضم اللجنة أعضاء مجلس المحافظين ورئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وأربعة رؤساء بنوك إقليمية بالتناوب، وغالبًا ما تصدر قراراتها بالإجماع، ما يعكس تقليدًا باتباع القيادة".
"إذا استمر هذا النمط من السلوك، واستطاع الرئيس الجديد المعيَّن من قبل ترامب (والأرجح أنه سيكون رجلًا) أن يحشد أصوات مجلس المحافظين، فسيكون بيده مجموعة من الصلاحيات المهمة" بحسب التقرير نفسه.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ: "رئيس الاحتياطي الفيدرالي المُعيَّن من قِبل ترامب سيتمكن من تحديد سعر الفائدة على الاحتياطيات ومتطلبات الاحتياطي، وهي أدوات رئيسية في توجيه السياسة النقدية. ورغم أن تحديد هذه الأسعار عادةً ما يتم بناءً على قرارات لجنة السوق المفتوحة، إلا أن مجلس المحافظين يمتلك الصلاحية القانونية لوضعها، ما يمنح الرئيس الجديد نفوذًا فعليًا على السياسة النقدية".
وأضافت أنه: "سيكون بوسع الرئيس المعيّن تعيين المستشار القانوني العام للاحتياطي الفيدرالي، وهو الشخص المسؤول عن إبلاغ مجلس المحافظين بما يمكنهم فعله قانونيًا وما لا يمكنهم فعله. وقد تؤدي مرونة هذا المستشار في تأويل القوانين وتوسيع حدودها التقليدية إلى تمكين رئيس فيدرالي متشدد من استخدام صلاحيات واسعة وغير مسبوقة".
إلى ذلك، تابعت أنّ: "الرئيس المعيّن من قِبل ترامب يمكنه مراجعة تعيين رؤساء البنوك الفيدرالية الإقليمية، ما يتيح له تعزيز نفوذه داخل لجنة السوق المفتوحة وضمان تمرير سياسات نقدية غير تقليدية، مثل طباعة الأموال لتمويل مشاريع كبرى، شرط تأمين الأصوات اللازمة".
وذكرت الصحيفة أنّ: "رئيس الاحتياطي الفيدرالي المعيَّن من قبل ترامب، إذا استطاع التحكم في أصوات لجنة السوق المفتوحة، فبإمكانه تحديد الدول المخوّلة باستخدام خطوط المبادلة وشروط الوصول إليها"؛ فيما اعتبرت الصحيفة أنّ: "هذه الخطوط تُشكّل شريان الحياة للنظام المالي العالمي بأكمله"، مشيرة إلى: "صعوبة تخيّل أداة ضغط أكبر من ذلك بيد الإدارة الأمريكية".
وأفادت الصحيفة أنّ: "السؤال المحوري هو ما إذا كان رئيس يعينه ترامب سيتمكن من حشد أصوات مجلس المحافظين لتمرير سياساته. ويُرجّح أن المجلس الحالي لن يتعاون معه، إذ إن خمسة من أعضائه عُيّنوا من قبل بايدن أو أوباما ويملكون فترات ولاية طويلة، ما قد يعيق تنفيذ أجندة ترامب النقدية ما لم يُبدّل تركيبة المجلس بالكامل".
واختتمت الصحيفة، تقريرها، بالتحذير من أنّ: "إقالة ترامب لرئيس الفيدرالي قد تمهد لإقالة باقي أعضاء مجلس المحافظين واستبدالهم بموالين، ما يمنحه نفوذًا واسعًا لطباعة الأموال أو تعطيل خطوط المبادلة النقدية، ما يهدد النظام المالي العالمي. ورأت أن الكونغرس قد يكون العقبة الوحيدة أمام هذا التوسع في السلطة، لكنها لم تُبدِ تفاؤلًا كبيرًا بذلك".