لجريدة عمان:
2025-12-12@17:33:22 GMT

الأسباب الحقيقية لِلْحِمَائية في الغرب

تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT

ترجمة: قاسم مكي -

«تاجِروا دون قيد مع الصين والوقت في صالحنا»، تلك كانت وجهة النظر الواثقة التي أبداها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش قُبيل انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية في عام 2001.

بعد جيل لاحقا (بعد عشرين عاما أو نحو ذلك) توصل عديدون في الغرب إلى أن الوقت كان في الواقع لصالح الصين.

بوش كان يصدر حكما سياسيا، لقد اعتقد أن الصين المتكاملة بعمق مع الاقتصاد العالمي ستكون أكثر انفتاحا وديمقراطية، لكنها في ظل قيادة الرئيس شي صارت خلاف ذلك.

وهي أيضا صريحة في عدائها للولايات المتحدة. في الأثناء مَوَّل النموُّ الاقتصادي السريع للصين عملية ضخمة لبناء الجيش.

الآن بعض واضعي السياسات يعتبرون قبول انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية قرارا خاطئا، ويعتقدون أن التعزيز الهائل الذي منحه الانضمام للصادرات الصينية ساهم أيضا بقدر وافر في تفكيك الصناعة الأمريكية، ثم بعد ذلك ساعد تصاعد اللامساواة على ظهور دونالد ترامب.

هذا يطرح سؤالا محرجا. ماذا إذا قوَّضت العولمة الديمقراطيةَ في الولايات المتحدة بدلا من تعزيزها في الصين؟ ستكون تلك مفارقة تاريخية طريفة إذا لم نكن نعيش مع عواقبها.

المخاوف بشأن عافية ديمقراطية الولايات المتحدة هي الأساس الذي يرتكز عليه تبنِّي إدارة بايدن للسياسة الصناعية.

أبقى بايدن على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين وأضاف دعومات مالية سخية أُعِدَّت لاستعادة الصناعة الأمريكية وجعل الولايات المتحدة تتولى قيادة تقنيات المستقبل. البيت الأبيض يعتبر هذه السياسات حاسمة في أهميتها لاستقرار المجتمع الأمريكي ونظامه الديمقراطي.

استاء العديدون في أوروبا من تحول أمريكا إلى الحمائية والسياسة الصناعية (الحمائية حسب قاموس كمبردج تعني الإجراءات التي تتخذها الحكومة للمساعدة في حماية تجارة أو صناعة بلدها وذلك بفرض رسوم على السلع المستوردة من بلدان أخرى أو تحديد الكميات التي يمكن استيرادها، أما السياسة الصناعية فهي خطة حكومية مصمَّمة لتشجيع تطوير نوع معين من الصناعة أو الصناعة عموما - المترجم).

لكن الإعلان مؤخرا عن تحقيق أجراه الاتحاد الأوروبي حول الدعومات المالية لصناعة السيارات الكهربائية في الصين يوحي بأن أوروبا تشرع في اتخاذ مسار شبيه.

تفرض الولايات المتحدة رسما جمركيا على السيارات الصينية بنسبة 27.5%. بالمقارنة يبلغ الرسم الجمركي الأوروبي الحالي 10%. لكن إذا قرر الاتحاد الأوروبي أن الصين تدعم صادراتها من السيارات دون وجه حق قد يرتفع هذا المعدل بشدة.

رد الصين على تحقيقات الاتحاد الأوروبي كان اتهام أوروبا «بالحمائية الفاضحة.» لكن بدا بعض الأمريكيين المؤثِّرين أكثر تعاطفا. فجينيفر هاريس التي أعانت على إعداد السياسة الصناعية للولايات المتحدة في إدارة بايدن غردت على تويتر بالرسالة التالية «مرحبا أوروبا. نحن سعداء بأنك هنا الآن (معنا على درب الحمائية)»

إذا حذت أوروبا حذو أمريكا حقا وأصبحت أكثر حمائية ستفعل ذلك لأسباب مماثلة وهي الخشية من تقويض المنافسة الصينية للقاعدة الصناعية في أوروبا ومعها الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

صناعة السيارات هي أهم قطاع صناعي في أوروبا خصوصا في ألمانيا التي تشكل قلب اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وهي أيضا أحد المجالات القليلة التي لدى أوروبا فيها شركات تقود العالم حقا، فثلاثة من الشركات الأربعة التي تحقق أعلى إيرادات في العالم توجد في أوروبا وهي فولكسواجن وستيلانتيس ومجموعة مرسيدس بنز.

لكن تفوق أوروبا في صناعة السيارات العالمية يتآكل بسرعة. ففي هذا العام من المتوقع أن تصبح الصين أكبر مصدّر للسيارات في العالم. الصينيون أفضل خصوصا في مجال السيارات الكهربائية وهي سيارات المستقبل. وسيكون من الصعب القضاء على هذه الميزة لأنهم يهيمنون على إنتاج البطاريات وإمدادات معادن الأرض النادرة. وهذه المعادن حاسمة في أهميتها للسيارات الكهربائية.

ردُّ «حرية السوق» التقليدي هو أن على الأوروبيين الإقرار بفضل الصين إذا كانت تزود المستهلكين الأوروبيين بسيارات كهربائية رخيصة ويُعتمد عليها. إلى ذلك حقيقة أن هذا النوع من السيارات سيكون أساسيا لتحول أوروبا إلى موارد الطاقة المتجددة تشكل حافزا إضافيا للترحيب بالسيارات الكهربائية الصينية.

لكن الواقع الاجتماعي والسياسي أكثر تعقيدا، فقطاع السيارات يقدم أكثر من 6% من الوظائف في الاتحاد الأوروبي، حسب المفوضية الأوروبية. وهذه غالبا ما تكون وظائف جيدة الرواتب وتشكل جزءا كبيرا من الصورة الذاتية (الهوية الوطنية) لبلدان مثل ألمانيا. وستقود هجرة مثل هذه الوظائف إلى احتقان اجتماعي وسياسي.

تأييد حزب «البديل لألمانيا «اليميني المتطرف يتزايد في ألمانيا. وتشير استطلاعات عديدة للرأي العام إلى أنه الحزب الثاني الأكثر شعبية. ولكم أن تتخيلوا كيف سيكون وضعه إذا بدأت صناعة السيارات المحلية في الانهيار مع حلول سيارات «بي واي دي» الصينية محل سيارات بي إم دبليو في شبكة الطرق السريعة (أوتوبان) الألمانية.

لكن في حين تبدو الحمائية حلّا واضحا ومغريا للاتحاد الأوروبي إلا أن الواقع أكثر تعقيدا إلى حد بعيد. فأوروبا لا تزال بحاجة إلى مُدخلات صينية في شكل بطاريات كهربائية ومعادن من أجل تصنيع السيارات الكهربائية للاستخدام المحلي. والصين أيضا أكبر سوق للسيارات في العالم وأكبر سوق تصدير لسيارات مرسيدس وفولكسواجن. وتحقق هذه الأخيرة على الأقل نصف أرباحها هناك. وإذا فرضت أوروبا رسوما جمركية على السيارات الكهربائية الصينية من المؤكد تقريبا أن بكين ستردُّ الصاع. من جهة أخرى تفقد شركات الاتحاد الأوروبي حصة سوقية في الصين ومن المتوقع أن يتسارع هذا التدهور (في حصتها).

هذه التعقيدات قد تعني أن أوروبا لن تسلك المسار الأمريكي في نهاية المطاف وسيلزمها التراجع في هدوء عن تهديداتها الحمائية. ومن جهة أخرى من المرجح أن تتصاعد الضغوط السياسية والاجتماعية لإنقاذ صناعة السيارات الأوروبية. وسيكثف صعود الأحزاب الشعبوية والقومية في أوروبا تلك الضغوط.

ومن الممكن أن ينتهي الأمر بالاتحاد الأوروبي إلى الدفع بشكل ما من أشكال التسوية الفوضوية (غير المرتَّبة) مثل فرض قيود «طوعية» على السيارات الكهربائية الصينية.

لكن مهما كانت المحصَّلة النهائية من الواضح أن السياسة الصناعية والحمائية تحظيان مرة أخرى بالاحترام والقبول على جانبي الأطلنطي.

جيديون راكمان كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة الفاينانشال تايمز.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیارات الکهربائیة الولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی صناعة السیارات فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

مكافحة الفساد الحقيقية

#مكافحة_الفساد_الحقيقية

#موسى_العدوان

تنزانيا دولة إفريقية تقع في شرق وسط إفريقيا على المحيط الهندي. وتبلغ مساحتها 945 ألف كيلو متر مربع، وعدد سكانها حوالي 38 مليون نسمة.

كانت هذه الدولة تعاني من الفقر والفساد، الذي ينخر مؤسساتها كالسرطان الخبيث. وفي شهر اكتوبر عام 2015 انتخب الشعب جون ماغوفولي الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الكيمياء رئيسا للبلاد.

مقالات ذات صلة الخلاف والإختلاف 2025/12/08

كان هذا الرئيس الجديد يعرف أن الفساد هو العقبة في تطور البلاد وتخلفها. فقرر مواجهة هذه العقبة بحزم وجراة وقام بما يلي :

1. أقال عددا من المسؤولين البارزين من بينهم رئيس جهاز مكافحة الفساد، رئيس مصلحة الضرائب، مسؤول بارز في السكك الحديدية، ورئيس هيئة الموانئ.

2. أوقف الاحتفالات الرسمية في يوم الاستقلال، لكي يوفر مصروفات الدولة، وحول مبالغها لمحاربة وباء الكوليرا.

3. ألغى كافة مظاهر البذخ في البلاد.

4. خفض عدد الوزراء في الحكومة من 30 وزيرا إلى 19 وزيرا، وطلب من جميع الوزراء الكشف عن أرصدتهم وممتلكاتهم، وهدد بإقالة أي وزير لا يكشف عن حسابه، أو لا يوقّع على التعهد بالنزاهة.

5. منع جميع المسؤولين من السفر للخارج بغير ترخيص مباشر منه. حيث يرى في نظره أن هؤلاء المسؤولين، عليهم أن يهتموا بالمشاكل الداخلية للبلاد. وأن على السفراء أن يقوموا بالعمل المطلوب في الخارج.

6. منع المسؤولين في الحكومة من السفر بالدرجة الاولى في الطائرات.

7. منع اللقاءات والندوات الحكومية التي تقام في الفنادق، وفي لقاء الكومنولث أرسل 4 وزراء فقط ليمثلوا البلاد، بدلا من 50 ممثلا كانوا مدرجين في الكشف وجاهزين للسفر.

8. في زيارة مفاجئة قام بها للمستشفى الرئيسي في الدولة، وجد المرضى يفترشون الأرض، ووجد الأجهزة الطبية أيضا معطلة. فعزل جميع المسؤولين في المستشفى، واعطى مهلة اسبوعين للإدارة الجديدة للإصلاح، وقد تم اصلاح كل شيء خلال ثلاثة أيام فقط.

9. أرسل رئيس الوزراء في تفتيش مفاجئ لميناء دار السلام، واكتشف وجود تجاوزات ضريبية واختلاسات بلغت 40 مليون دولار من العائدات، فأمر باعتقال رئيس ديوان الحكومة، مع خمسة من كبار مساعديه، وبدأ تحقيقا جنائيا معهم ومحاسبتهم.

10. أمر بجمع جميع عربات الدفع الرباعي التابعة للدولة، وباعها بالمزاد العلني، وعوضها بسيارات تويوتا صغيرة ( فيتز ).

11. شن حملة على المتهربين من دفع الضرائب، وجمع في شهر واحد 500 مليون دولار.

12. قام بزيارات مفاجئة للوزارات والمؤسسات الرسمية، وعقب كل زيارة كان يقيل عددا من المسؤولين المقصرين في أعمالهم، ويحيلهم للمحكمة.

13. في شهر ابريل / نيسان 2017 أمر بفصل نحو 10 آلاف موظف مدني،وذلك عقب الكشف عن شهاداتهم المزورة، من خلال عملية تدقيق موسعة، تم إجراؤها في المؤسسات العامة.

14. شارك شخصيا في نفس العام مواطني بلده، في حملة تنظيف شوارع مدينة دار السلام بدلا من حفل تنصيبه.

هكذا تتم مكافحة الفساد الحقيقية، لنقل الدولة من الفقر والتخلف إلى التقدم والازدهار، إذا كانت النوايا صادقة. ولكن مكافحة الفساد لا تتم بتشكيل اللجان، والتخطيط طويل المدي، الذي ثبت فشله في كل المحاولات السابقة . . !

فهل يمكن لأصحاب القرار، اتباع خطوات الرئيس الراحل ماغو فولي، وينقلونا إلى وضع اقتصادي افضل مما نحن فيه ؟ أم سنبقى رهينة لصندوق البنك الدولي ونعاني من مديونية واقتصاد متخلف؟

التاريخ : 9 / 12 / 2025

مقالات مشابهة

  • 2025.. عام مالي معقد في الاتحاد الأوروبي بسبب اتساع العجز
  • للحد من هيمنة التجارة الإلكترونية الصينية.. الاتحاد الأوروبي يفرض ضريبة على الطرود الصغيرة
  • زخم متنامٍ: هل تتمكن المبادرات الأمنية من معالجة قضايا الأمن الجماعي الأوروبي؟
  • تباطؤ النمو العالمي لمبيعات السيارات الكهربائية بسبب استقرارها بالصين وتغيرات بأمريكا
  • وثيقة مسرّبة تهدد بتفريق أوروبا: ترامب يسعى لفصل أربع دول عن الاتحاد الأوروبي
  • شراكة جديدة بين فورد ورينو لمنافسة السيارات الصينية
  • الصين تزيح المانيا عن عرش صناعة السيارات
  • أكبر الخاسرين في 2025.. من أوبن إيه آي إلى السيارات الكهربائية وخدمات البث التلفزيوني
  • مكافحة الفساد الحقيقية
  • الصين تتعهد بإبقاء النمو الاقتصادي ضمن النطاق المعقول