الراجحي وعجوز سودانية من قرية القرير
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
التقيت بالشيخ سليمان الراجحى عندما جاء الى السودان لأول مرة بغرض الاستثمار الزراعى، ما لفت نظر الشيخ أكثر هو كثرة (السبيل) وهو مبنى صغير يظلل عدداً من الأواني الفخارية الكبيرة، الممتلئة بالماء لسد حاجة المسافرين والعابرين بلا مقابل، يوقفها الأخيار صـدقة لله.
طلب منا الشيخ التوقف عند أحدها، وكانت عند التروس العليا لمدينة القرير، التي نرأها على بعد عدة كيلومترات، ترقد قرب النيل.
قمت بما أمرت العجوز، فحملت الجرة، وأفرغت الماء في أحد الأزيار.
لتستريح من عناء المشوار الطويل والحِمل الثقيل، ورفعت يديها للسماء حمدًا لله وشكرا.
صديقنا الشيخ الراجحي تابع ما دار بيني والعجوز. وبدا على وجهه إعجاب وسعادة فائقة مثل كل ما لحظته عليه طوال زيارتنا النهارية الجميلة، الموفقة الناجحة، الفريدة، وكنا نأمل أن تعود على الولاية بخير وفير.
شيخنا الراجحي صرفته شيختنا العجوز وجرة الماء، عن كل أمر سواهما، فجلس على الأرض الى جوارها، وأمطرها بأسئلة في قالب لطيف و رزين لا يقابل إلا بمثله. بل يستحق أكثر، فحق الضيف أن يحترم.
فأفادته بأدب واحترام أنها “معلمة تقاعدت بالمعاش عندما بلغت الستين، إلا أنها استمرت في العمل لسد النقص في المعلمين بالمدرسة، بلا مقابل، فلديها مال يسدُّ كل حاجاتها، ولديها نخيل ومزرعة، وبعض رؤوس الأغنام والأبقار ، ويقوم زوجها وأحد أبنائها بإعانتها عند الحاجة، وهي ترى أن سُقيا الناس من هذا السبيل أحد أهم ما تقوم به يوميًا.
فهي تزور السبيل يوميًا في رحلة لستة كيلومترات جيئة وذهابا ولا يحبسها عنها إلا المرض المقعد! وهي قد جاوزت السبعين بسنوات ثلاث، ولربما أكثر”.
قالت كل ذلك في مودة ولطف مع الضيف السعودي “المبروك السعيد الساكن الحرمين” كما وصفته، وهي مستغربة متسائلة عن “الشيء العاجبو في ديار الشايقية”!
وهمَّت بالنهوض لتنصرف فاستبقاها الشيخ وقدم إليها حزمة كبيرة من الريالات السعودية وحاول وضعها بكفها الخشن المعروق… فجفلت جفلة كالملدوغ وصاحت: “وى وى عليَّ، سجم أمي، حدثوا ضيفكم: قولولو موية السبيل ما للبيع؛ دي صدقة لي الله”.
وانطلقت هاربة من الموقف الماثل، عائدة الى القرير، تابع الشيخ الضيف، وهو يقف ويده تحمل الحزمة النقدية حركة المرأة تلك وهي تجري مبتعدة حتى توارت خلف الكثبان الرملية… عندها بدأ يتمتم كالمعتذر لها ولمن حوله: “هي هدية، هي ليست ثمنًا للماء، هي هدية لوجه الله، لوجه الله”.
أطرق الشيخ الراجحي قليلا وأشاح بوجهه بعيدًا برهة نحو السماء ووجهه أكتسب نضرة وهيبة و بهاء، ثم رفع رأسه عاليا، وقال: “من يعش ويرى مثلما رأيت هنا اليوم ويشهد ما شهدت هذه الساعة، في هذا المقام مع هذه السيدة الكبيرة بمعناها القريب والبعيد، يجد نفسه في عهد هو التزام وميثاق مع أهل هذه البلاد ليجعل من هذه الارض قِبلة للناس، وإنى لفاعلٌ بإذن الواحد الأحد رب العالمين”.
بقلم : اللواء الركن الهادى بشرى حسن
والى الولاية الشمالية الاسبق.
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الراجحي يطلق رخصة العمل التطوعي ويدشن مؤسسة مرصد العمل غير الربحي لخدمة ضيوف الرحمن
برعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، أطلق معالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية رئيس مجلس إدارة المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، مبادرة رخصة العمل التطوعي، ودشن مؤسسة مرصد العمل غير الربحي لخدمة ضيوف الرحمن، التي تمثلان دفعة تنموية واقتصادية للقطاع، عبر تأهيل المتطوعين ورفع كفاءة المنظمات، وتحفيز الابتكار الاجتماعي، بما يسهم في استدامة القطاع غير الربحي وزيادة مساهمته في الناتج المحلي.
جاء ذلك خلال افتتاح المعرض الدولي للقطاع غير الربحي 2025 “إينا” بنسخته الثالثة، والمتضمن ملتقى للاستثمار الاجتماعي، والملتقى الخليجي لتعزيز علاقة القطاع غير الربحي بالقطاعين الحكومي والخاص، ويعد المعرض منصة رائدة من نوعها، تجمع تحت مظلتها المنظمات غير الربحية مع القطاعين الحكومي والخاص والمؤسسات الدولية, بهدف دعم التعاون وتبادل الخبرات، وتنمية الحلول والابتكارات في هذا المجال.
ويأتي المعرض كون القطاع غير الربحي ركيزة إستراتيجية فاعلة في تحقيق الأهداف التنموية والاجتماعية المستدامة، وتمكين القدرات البشرية، وزيادة عدد المنظمات غير الربحية في مختلف المجالات التنموية، ورفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% بحلول عام 2030.
وأوضح الراجحي أن رخصة العمل التطوعي تُعنى بتأهيل المتطوعين ورفع كفاءتهم، بما يمكّنهم من أداء مهامهم بتميّز واحترافية ضمن إطار منظم وآمن، تحت مظلة المنظومة الوطنية للعمل التطوعي، وتأتي هذه المبادرة إحدى الركائز الأساسية لتنظيم وتمكين العمل التطوعي، لا سيما في خدمة ضيوف الرحمن، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تعزيز ثقافة العطاء وتنمية العمل المجتمعي المؤسسي.
وبين أن مؤسسة مرصد العمل غير الربحي لخدمة ضيوف الرحمن تهدف إلى رصد الواقع الفعلي للقطاع وجمع وتحليل البيانات بشكل منهجي، بما يسهم في إعداد دراسات نوعية تعالج التحديات والمعوقات التي تواجه المنظمات غير الربحية, وتسعى المؤسسة من خلال هذا الدور إلى تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية، ودعم استدامة المنظمات ورفع مستوى تميزها، بما يواكب تطلعات التنمية الوطنية.