الجنرال والسياسي.. لماذا يتحدث البرهان بأكثر من لسان؟
تاريخ النشر: 29th, September 2023 GMT
يمتلك الجنرال عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، سلسلة طويلة من التصريحات المتناقضة، تظهر أحياناً على مستوى أقواله، وتارات يدحضها بالأفعال!!
الخرطوم: التغيير
يُعد قائد الانقلاب في السودان، قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان أحد القادة الذين مروا على حكم البلاد إثارة للارتباك، بفضل قدرته على بث القول بالشيء ونقيضه.
ويمتلك الجنرال البرهان، سلسلة طويلة من التصريحات المتناقضة، هذه التناقضات تظهر أحياناً على مستوى أقواله، وتارات يدحضها بالأفعال، وعلَّ أبرز ما يجيئ في هذا السياق، هو إطاحته بحكومة انتقالية واعدة بقيادة المدنيين في أكتوبر 2021، رغم أنه قبيل ساعات من انقلابه، كان يؤكد للقادة الغربيين بأنه داعم رئيس للتحول الديمقراطي.
وبالقفز إلى الحرب الجارية بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، منذ منتصف أبريل الماضي، واصل البرهان هوايته في بث التصريحات التي قبيل أن تتخلق إلى مواقف، يسارع ويجهضها بأخرى مغايرة.
في أول خروج صحفي له بعد بدء الاشتباكات مع الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وصف البرهان الحرب الجارية بـ”العبثية” ولكنه رغم ذلك ما فتئ يعلن إصراره على حسمها بصورة عسكرية.
تمتد سلسلة التناقضات، لتضم أقواله بأنه سيقود العملية العسكرية من داخل القيادة العامة، ولن يخرج من هناك إلا منتصراً أو على نعش، ثم بعد عدة أشهر خرج تاركاً القيادة تحت حصار قوات صديقه القديم، وعدوه الحالي، الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ولكن أكثر مواقف الجنرال إرباكاً، المتعلقة بأقواله بأن الجيش ماضٍ في حل الأزمة الناشبة عبر عملية قتالية ستستمر حتى آخر جندي من قواته، يتبع ذلك بحديث عن إيمانه بالتفاوض كوسيلة لتجاوز حقيقة أبريل القاسية التي يعاني المدنيون وطأتها لقرابة الستة أشهر.
آخر ظهوروبعد أشهر من الاختفاء، عوض البرهان غيابه بقائمة طويلة من عمليات الظهور العلاني، بعضها في ثوب القائد العسكري والبعض الآخر في هيئة الرجل السياسي، كان آخرها ظهوره في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، تبع ذلك سلسلة من المقابلات التلفزيونية، ما يطرح تساؤلاً: بأي لسان يتحدث الجنرال حالياً؟ ولماذا؟.
وحاول البرهان في خطابه أمام الجمعية العامة، الظهور بمظهر القائد الحادب على مصالح بلاده ضد مليشيا إرهابية تعمل على طمس هوية وتاريخ السودان، والتأسيس لمشروع استئصالي يقوم فوق جماجم السودانيين.
وينطوي حديث البرهان عن قوات الدعم السريع على بعض الصحة، إذا ما جرى قراءة ذلك بالانتهاكات الفظيعة التي وقعت سيما في إقليم دارفور غربيِّ البلاد، ولكن هذا الحديث يتغافل عن حقيقة تورط الطرفين في الصراع، إذ تتكاثر الاتهامات للجيش بارتكاب جرائم ضد المدنيين، تشمل ضرب أعيان مدنية، وقصف لبيوت المواطنين.
ورغم إنكار الطرفين، للضلوع في الانتهاكات، تقول السجلات بمقتل آلاف المدنيين، وتشريد ما يزيد عن 5 ملايين منهم، منذ بدء العملية العسكرية في السودان.
لسان الخارجتعكس أحاديث البرهان أمام الجمعية العامة، وما تبعها ميلاً غير خاف لإنهاء الحرب عبر التفاوض.
فمثلاً قال في مقابلة مع (بي. بي. سي)، إنه “مستعد للحوار مع حميدتي لإنهاء الحرب”، ولكنه في ذات المقابلة قال إن “الجيش قادر على حسم المعركة عسكرياً”.
وعلى هذا المنوال سارت بقية مقابلاته، بين التفاوض والحسم.
اتساقما يمكن وصفه بالتناقض في خطابات البرهان، فسره أحد مستشاريه المقربين، العميد الطاهر أبو هاجة، في وقتٍ سابقٍ بأنه امتثال لمقولة لـ”كل مقام مقال”.
ورأى أبو هاجة أن مخاطبة الجنود التي تقتضي رفع المعنويات ودرجة الحماس تختلف عن الحديث الدبلوماسي للمبعوثين والسفراء، وتختلف عن مخاطبة الساسة.
ويفسر المحلل السياسي، إبراهيم خليفة، بأن تصريحات البرهان التي قد تبدو- للعيان- متناقضة، تتسق مع شخصيته النزّاعة للبقاء في السلطة، من خلال تكتيك يعتمد على حشد الحلفاء.
ويقول: كيف نفسر ما رشح عن عدم ممانعته لإقامة دولة علمانية، فيما يقاتل عناصر الحركة الإسلامية المحلولة في صفوف الجيش، ليس بصورة فردية، ولكن عبر كتائب معروفة للجميع، وضرب مثلاً بكتيبة (البراء بن مالك) التي شارك بعض عناصرها في قمع الحريات والتحركات المطالبة باستعادة الحكم المدني، وتورط بعض قادتها مع تنظيمات إرهابية خارج الحدود.
وعودة إلى السؤال الأبرز، إن كان البرهان مع المفاوضات أمام المضي قدماً في الحرب؟ يقول خليفة إن ذلك يعتمد على أي من الخيارين يبقي الرجل على رأس السلطة أو ضمن هيئاتها، على الأقل خلال الفترة المقبلة.
وختم بالتنبيه إلى نقطة مهمة ذات صلة بأن تارجح البرهان بين الخيارين يعكس عدم قناعة بأن الحل العسكري بعيد المنال، مطالباً باستثمار هذه التصريحات لدفع الرجل إلى طاولات المفاوضات.
قراءة واقعيةلا يخفى على أحدٍ أن البرهان يفضل الحسم العسكري، كونه يضمن له الانفراد بالسلطة، والتخلص من خصومه المؤيدين للحكم المدني، وتحصين كل ذلك بسياج من القوى الخارجية والأحزاب غير المؤمنة بالديمقراطية.
ولكن رغم ذلك، تعكس أحاديث الجنرال الأخيرة، النزاع الداخلي بين الجنرال والسياسي.
ولكن بوضع ذلك كله، في سياق تطاول أمد الحرب وعجز طرفيها عن الحسم العسكري، وتنامي الجبهة المدنية المؤيدة للخيار السلمي؛ زد على ذلك ظهور المحكمة الجنائية الدولية على الخط، وحديثها عن إمكانية ملاحقة قادة الطرفين؛ يمكن القول إن الخيار السلمي بات أقرب من أي وقت مضى، هذا إلا أن أراد البرهان وحميدتي هد المعبد فوق رؤوس الجميع.
الوسومالأمم المتحدة الجيش الدعم السريع السودان الطاهر أبو هاجة عبد الفتاح البرهان محمد حمدان دقلو (حميدتي) نيويوركالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأمم المتحدة الجيش الدعم السريع السودان عبد الفتاح البرهان محمد حمدان دقلو حميدتي نيويورك الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
كتاب ومحللون إسرائيليون: لماذا لم ننتصر بعد 600 يوم من الحرب؟
#سواليف
بعد مرور 600 يوم على بدء #الحرب على #غزة، تصاعدت حدة #التساؤلات في #الإعلام_الإسرائيلي حول #أداء_الحكومة و #الجيش والأجهزة الأمنية.
ونُشرت الأربعاء مقالات في صحف بارزة مثل /معاريف/، /يديعوت أحرونوت/، و/إسرائيل اليوم/ كشفت عن حالة من #الإحباط الداخلي، وشكّكت في جدوى #العمليات_العسكرية، وأشارت إلى #فشل تحقيق #أهداف #الحرب.
أسئلة بلا أجوبة
مقالات ذات صلة حصيلة العدوان الإسرائيلي ارتفعت إلى 54,249 شهيدا و123,492 مصابا 2025/05/29في صحيفة “معاريف”، نشر الكاتب الإسرائيلي مائير أوزييل مقالاً حمل عنوان: “600 يوم، الكثير من الأسئلة: كيف حدث هذا؟ ولماذا لم ينتهِ بعد؟”، مستعرضاً فيه جملة من التساؤلات حول الأداء السياسي والعسكري الإسرائيلي بعد مرور 600 يوم على الحرب ضد غزة.
كتب أوزييل: “لقد تغير عالمنا. تحطّمت ثقة الجمهور في الجيش والشاباك والاستخبارات. بات السؤال المرير يتردد على ألسنة المختبئين: أين الجيش؟”
ويطرح الكاتب ستة تساؤلات مركزية: كيف وقعت الكارثة؟ لماذا لم تنتهِ الحرب؟ كيف يفترض أن تنتهي؟ ما موقع إسرائيل عالميًا؟ لماذا تجرؤ حماس؟ ولماذا لم يتوحد المجتمع الإسرائيلي حتى الآن؟
ويهاجم الكاتب انشغال الداخل الإسرائيلي بالصراعات السياسية، قائلاً: “لا أفهم كيف لم تتوقف الخلافات الداخلية… كيف حُوّلت الكارثة العسكرية إلى قضية ضد نتنياهو؟ ولماذا لا تزال محاكمته مستمرة، مما يقوض ثقة الجمهور في القضاء والديمقراطية؟”
وتساءل: كيف يجب أن تنتهي هذه الحرب؟ لا توجد إلا نهاية واحدة ممكنة: استسلام حماس غير المشروط. ثم أضاف متأملاً في وضع إسرائيل العالمي: “لقد أدركنا أن معاداة السامية لم تُدفن بمجرد أن أصبح لليهود دولة”.
#فشل_القيادة
أما في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فكتب المحلل إليشع بن كيمون مقالاً بعنوان “600 يوم من فشل القيادة”. استعرض فيه إخفاقات الحكومة الإسرائيلية بعد مرور أكثر من عام ونصف على الحرب، مؤكداً أن “لا هدف من أهداف الحرب الثلاثة قد تحقق”.
يوضح بن كيمون أن “حماس لا تزال تسيطر على غزة. 58 رهينة لا يزالون في الأنفاق، والأمن بعيد المنال. ونتنياهو يتردد ويتجنب اتخاذ القرارات الحاسمة”.
ويرى أن “التقدم العسكري، رغم تدمير البنية التحتية وقتل قادة بارزين، لم ينجح في إسقاط حماس، التي لا تزال تتنفس وتقاوم، ما دفع الجيش للعودة مراراً إلى المناطق نفسها”.
كما يصف خطة توزيع المساعدات الإنسانية على السكان مباشرة بأنها “محاولات متكررة لم تحقق التغيير الجذري”، لافتاً إلى “غياب رؤية سياسية حاسمة لإدارة ما بعد الحرب”.
يقول بن كيمون بوضوح: “لم تفلح الحكومة في فرض معادلة ردع. لا أتوقع شيئًا من منظمة إرهابية، لكنني كنت أترقب أداءً مختلفًا من حكومتي”.
ويختم مقاله بالتأكيد على أن “غزة لم تكن مجرد ساحة حرب، بل اختباراً للقيادة الإسرائيلية… وقد فشلت في اجتيازه”.
#استنزاف متصاعد
وفي صحيفة “إسرائيل اليوم”، كتبت الكاتبة اليمينية كارني إلداد مقالاً رصدت فيه مؤشرات الإنهاك والاستنزاف المتصاعد داخل المجتمع الإسرائيلي، قائلة: “الجنود، عائلات المختطفين، والمجتمع بأسره يشعرون بالإرهاق… حتى قادة الدول تعبوا”.
وتساءلت: إذا كانت جيوش نابليون وقيصر قد أعادت تشكيل خريطة أوروبا خلال أقل من 600 يوم، فلماذا لم تحقق إسرائيل أهدافها في غزة خلال الفترة نفسها؟
وتوضح أن “الشعب يريد النصر، وأن المؤسسة العسكرية تقول إن الحرب شارفت على نهايتها، بينما يؤمن بعض قادتها، مثل رئيس الشاباك الجديد، بأنها حرب أبدية”.
وتخلص إلى أن الصراع مع الفلسطينيين ليس عارضًا أو مؤقتًا، بل امتداد لحرب عمرها قرن من الزمان، “وليست ضد دولة إسرائيل، بل ضد اليهود في الفضاء الإسلامي”، حسب وصفها.
وتضيف في نهاية مقالها: “هذا الفصل يجب أن يُحسم قريبًا، وينتهي بشكل واضح. الشعب يستحق صورة نصر… ويستحق أن يعيش أربعين عاماً في هدوء، قبل الجولة القادمة”.