القدس المحتلة- أجمع محللون على أن إعفاء الإسرائيليين من تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية يعكس لقاء المصالح المشتركة بين الحكومتين في الشرق الأوسط، وذلك رغم فتور العلاقات بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

واتفق المحللون على أن التوتر قد يتبدد للوهلة الأولى، لكنه سيلقي بظلاله على العلاقة بين نتنياهو وبايدن، مرجحين أن يبقى التوتر طي الكتمان ومن وراء الكواليس، حتى لو وصل إلى درجة الصدام.

ويفسَّر عدم خروج أي صدام وتوتر مستقبلي بين بايدن ونتنياهو بلقاء المصالح بشأن المشروع النووي الإيراني، وكذلك سعي إدارة بايدن إلى تعزيز الحلف الأميركي السعودي والتطبيع بين الرياض وتل أبيب، قبيل انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة العام المقبل.

وفي ظل لقاء المصالح، يعتقد محللون إسرائيليون أن الإعفاء من التأشيرة -الذي سيتم العمل به في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل- بمنزلة هدية من إدارة بايدن، وطوق نجاة لنتنياهو من الأزمات الداخلية التي تواجه حكومته، في ظل تصاعد الاحتجاجات المناهضة للتعديلات القضائية.

إعفاء الإسرائيليين من التأشيرة لأميركا سيتم العمل به في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 (غيتي) فتور وتباين

في هذا السياق، قال إلداد شابيت، الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، إن العلاقات الأميركية الإسرائيلية كثيرا ما شهدت فتورا وتباينا في وجهات النظر بشأن ملفات إقليمية وشرق أوسطية.

بيد أن هذا الفتور، يقول شابيت للجزيرة نت، بقي من وراء الكواليس وتم تجاوزه، وليس كما في عهد حكومة نتنياهو الذي خرج للعلن وشكل صداما بين البيت الأبيض وديوان رئيس الوزراء، وهو الصدام الذي ترك تداعيات وحتى تهديدات على مصالح أميركا بالشرق الأوسط.

وأوضح شابيت -الذي شغل سابقا منصب ضابط كبير في وحدة الاستخبارات العسكرية "أمان"- أن الإعفاء من التأشيرة إجراء سعت إليه جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، مرجحا أن يكون الهدف منه في الأساس تبديد التوتر بين بايدن ونتنياهو الذي سيعلن ذلك إنجازا لحكومته، وقد يشكل رافعة مؤقتة لشعبيته.

ووفقا لتقديرات شابيت، فإن الإعفاء من التأشيرة لأميركا وسيلة لإنزال نتنياهو عن الشجرة، الذي بدا -مع حكومة اليمين المتطرف- صداميا مع البيت الأبيض، إلى الحد الذي صرح فيه بعض وزراء حكومته بأنه يمكن لإسرائيل أن تستمر بالشرق الأوسط من دون الحاجة للدعم الأميركي.

وبمعزل عن هذه التصريحات العلنية لبعض وزراء حكومة نتنياهو، ومن وراء الكواليس، يقول شابيت إن "علاقات العمل بين البلدين استمرت بتنسيق وشراكة، مع تأكيد أهمية الدعم الأميركي للأمن القومي الإسرائيلي، ومنح الأولوية للحفاظ على العلاقات بين البلدين كجزء من مجموعة الاعتبارات والمصالح المشتركة بالشرق الأوسط".

ضغوطات وتنازلات

وفي سبيل تبرير الدفع بالمصالح المشتركة، يزعم مسؤولون سابقون وحاليون في الإدارة الأميركية أن المفاوضات مع حكومة نتنياهو بشأن برنامج الإعفاء من التأشيرة علمتهم أنه عندما يريد رئيس الوزراء شيئا حقا، فهو على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة غير مسبوقة لتحقيق ذلك، حسبما أفاد به باراك رابيد مراسل الشؤون السياسية لموقع "والا" الإخباري.

ووفقا لتقديرات رابيد، فإن ملف الإعفاء من التأشيرة درس مهم للبيت الأبيض، الذي بدأ هذه الأيام في إجراء مفاوضات مع نتنياهو بشأن الملف الفلسطيني، وكذلك الصفقة السعودية والحلف الإستراتيجي الدفاعي مع واشنطن وإمكانية التطبيع مع الرياض.

وفي واشنطن، يقول رابيد، "يفهمون أن نتنياهو يريد السلام بشدة ومعني بالتطبيع، كما هي الحال مع مسألة التأشيرة، إذ كان متحمسا لذلك"، مضيفا أن "إدارة بايدن تعتزم الضغط عليه من أجل الحصول على أقصى قدر من التنازلات منه في المقابل".

ورجح المتحدث أن تشهد العلاقات بين نتنياهو وبايدن تحسنا الفترة المقبلة، بسبب المصالح المشتركة بين تل أبيب وواشنطن، وكذلك المصالح الشخصية للزعيمين.

لكن، لا ينبع القلق مما تعتبره واشنطن محاولة من جانب الحكومة الإسرائيلية إضعاف "المؤسسات الديمقراطية"، فحسب، بل وينبع أيضا -حسب قول رابيد- "من النفوذ الهائل الذي يتمتع به وزراء اليمين المتطرف على سياستها في الضفة الغربية، وهو الامتحان الحقيقي للعلاقات المستقبلية بين نتنياهو وبايدن".

مصالح وهدايا

ووسط لقاء مصالح الحكومتين في الشرق الأوسط، ورغم "التنازلات" المزعومة التي قدمها نتنياهو لبايدن، يعتقد الصحفي الإسرائيلي أمير تيفون أن بايدن تحول إلى طوق نجاة لنتنياهو، وذلك بعد أشهر من جمود العلاقات بينهما.

وفي حديثه للجزيرة نت، شكك تيفون في أن تنجح تصريحات إدارة بايدن في حجب حقيقة أن الإدارة الأميركية قدمت هديتين كبيرتين لحكومة نتنياهو، التي وصفها بايدن بأنها "الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل".

وأوضح تيفون -الذي كان موفدا لصحيفة "هآرتس" إلى واشنطن- أنه تم تقديم الهديتين وهما إعفاء الإسرائيليين من تأشيرة دخول أميركا ودعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض، وقلل من احتمال تأثير هذه الهدايا على سياسات حكومة نتنياهو في القضايا الداخلية، خاصة التعديلات القضائية والملف الفلسطيني، مشيرا إلى احتمال توطيد العلاقات الشخصية بين بايدن ونتنياهو، وهي مصلحة مشتركة لهما.

واعتبر الصحفي الإسرائيلي أن السؤال المهم هو إذا ما كانت الإدارة الأميركية حصلت على مقابل هذا السخاء والهدايا في بند الإعفاء من التأشيرة، مضيفا أنه "حصل الأميركيون على تغيير في العلاقة التي سيحصل عليها المواطنون الأميركيون الفلسطينيون عند المطار والمعابر إلى إسرائيل، وتأشيرات سياحية للإقامة لمدة 3 أشهر في إسرائيل".

أما الدعوة إلى البيت الأبيض، فقد حملت في طياتها رسالة معاكسة، حسب تيفون الذي يعتقد أن "نتنياهو حصل على ما يريد من الإدارة، من دون أن يطلب منه حتى الآن سوى الكلمات والتصريحات، وفي الوقت نفسه، تواصل حكومته عملية ضم الضفة الغربية، وترعى عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: إعفاء الإسرائیلیین من الإعفاء من التأشیرة المصالح المشترکة حکومة نتنیاهو البیت الأبیض العلاقات بین إدارة بایدن

إقرأ أيضاً:

من يحدد الوقت الضائع لنتنياهو؟

ناشدت المحامية دافنا هولتز ليتشنر، التي تمثل مجموعة "الدفاع عن الديمقراطية" المستشارة القانونية لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، جالي بهاراف مايارا، باستبعاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن مهامه رسميا لعدم اهليته.

المطالبة جاءت في ضوء أحكام المحكمة العليا التي تقضي بعدم قدرة نتنياهو على تعيين رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) ديفيد زيني بسبب تضارب المصالح، محذرة بأنه في حال لم تتخذ المستشارة القانونية أي إجراء بشأن هذه القضية، فسوف تتقدم هولتز ليتشنر بالتماس إلى المحكمة العليا بالنيابة عن مجموعة مراقبة الديمقراطية.

الرسالة نشرتها صحيفة معاريف العبرية يوم الخميس تحت عنوان تحول دراماتيكي: التحرك لعزل نتنياهو بدأ رسميا. والتحرك لعزل نتنياهو وإبعاده عن المشهد السياسي لم يبدأ برسالة المحامية ليتشنر، إذ استبقها قبل شهر رئيس الكيان الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بدعوته نتنياهو عبر صحيفة هآرتس ومن ثم يديعوت أحرنوت نهاية نيسان/ أبريل الفائت؛ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة إقرار ذنب في محاكمته بتهم الفساد، يخرج بموجبها نتنياهو من الحياة السياسية دون الزج به في السجن.

خيار هرتسوغ لنتنياهو للاعتراف بالذنب مقابل اعتزاله الحياة السياسية الأمثل والأفضل للكيان الإسرائيلي ولمكانته في المعسكر الغربي، إذ يسمح بالمناورة لتعويم الكيان الإسرائيلي داخليا وإقليميا ودوليا
إسحاق هرتسوغ يفضل خيار الصفقة على نزع الأهلية من نتنياهو، وقد حاول جاهدا إقناعه به عبر مناشدات سرية وأخرى علنية في مقابلات صحفية، قبل تحرك المحامية ليتشنر الذي بدأته يوم أمس الخميس (29 أيار/ مايو).

يُفهم من هذا التسارع الدراماتيكي الذي أشارت إليه صحيفة معاريف بعد مضي شهر على مقترح هرتسوغ؛ أن الوقت نفد من نتنياهو، وأن ما تبقى هو وقت ضائع ليس من الواضح من الطرف الذي سيحدد مقداره، هل سيكون ستيف ويتكوف، الوسيط الأمريكي بالنيابة عن ترامب، أم وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ورئيس الحكومة كير ستارمر؛ الذي ذهبت حكومته نحو تأجيل فرض عقوبات على وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن إيتمار بن غفير بحجة حادثة مصرع اثنين من دبلوماسيي السفارة الإسرائيلية في واشنطن الأسبوع الماضي، وهي أخبار سُربت من لندن بالتوازي مع ما تم كشفه حول نية المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرتي جلب بحق سموتريتش وبن غفير؛ قبل أن يجمد نشاطه بسبب تحقيقات ارتبطت بشكوى ضده من موظفة تعمل في مكتبه.

في كل الأحوال، الأصابع على الزناد لبنادق سياسية وقانونية واقتصادية محشوة وموجهة نحو نتنياهو وأعضاء حكومته، ما جعل من خيار هرتسوغ لنتنياهو للاعتراف بالذنب مقابل اعتزاله الحياة السياسية الأمثل والأفضل للكيان الإسرائيلي ولمكانته في المعسكر الغربي، إذ يسمح بالمناورة لتعويم الكيان الإسرائيلي داخليا وإقليميا ودوليا .

خيار هرتسوغ لم يُستبعد وزُوّد بوقت إضافي استثمره نتنياهو بتفعيل ورقة المساعدات والمفاوضات في الآن ذاته، أوراق فاقمت من أزمة العلاقة بين الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بدل أن تحد من تدهورها، خصوصا مع الجانب الأمريكي والبريطاني والألماني، فالوسيط الأمريكي بات مأزوما، ذلك أن مشروع مؤسسة غزة (GHF) وشركة البحوث والحلول الأمنية (SRS) إلى جانب شركة أوربيس (ORBS)؛ انطوى على شبه فساد داخل ائتلاف نتنياهو وامتد نحو شركائه في أمريكا، بالتوازي مع اتهام هذه الشركات بالشراكة في ارتكاب جرائم حرب وتجويع بحق الشعب الفلسطيني، وهي اتهامات عكستها التحقيقات الصحفية داخل الكيان وأمريكا عبر صحيفة نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال وصحيفة هآرتس العبرية، وانضمت إليها مؤخرا واشنطن بوست، ما وضع هذه الشركات وعلاقات المتنفذين بها داخل حكومة نتنياهو تحت الضوء، ودفع اثنين من مدراء مؤسسة غزة للقفز من السفينة الجانحة بسبب العواصف القانونية والسياسية التي اجتاحت العالم .

الوقت الإضافي أو ما تبقى منه لنتنياهو يناور فيه داخليا وإقليميا، مستعينا بمن تبقى لديه على مقاعد الاحتياط من مسؤولين أمنيين وعسكريين، أو شركاء إقليميين عرب وعجم، يشركهم في معركته للسيطرة على المساعدات وسلاح التجويع في قطاع غزة، وللسيطرة على خصومه ومواجهة الحراك العالمي
أمام هذه التحولات المشبعة بضغوط سياسية وأمنية وقانونية داخلية وخارجية على نتنياهو، يُطرح السؤال حول الطرف الذي يحدد الوقت الضائع المتبقي من عهد نتنياهو وفريقه السياسي والأمني، هل هو نتنياهو نفسه، أم دونالد ترامب؟ إذ تتزايد الإعلانات المتكررة من المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف حول إمكانية التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة يفضي لاتفاق شامل ونهائي، بقوله الخميس: أعتقد أننا على وشك إصدار ورقة تتضمن شروطا جديدة، نأمل أن يتم تسليمها قريبا، مضيفا القول: إن الرئيس (الأمريكي) سيقوم اليوم (الخميس) بمراجعة هذه الوثيقة، ولدي شعور إيجابي جدا حيال إمكانية التوصل إلى حل دائم، يشمل وقفا مؤقتا لإطلاق النار، وتسوية سلمية لهذا الصراع.

في المقابل، فإن نتنياهو يستثمر وقته في إغلاق ثغرة الشاباك من خلال الإتيان بالجنرال ديفيد زيني خلفا لرونين بار، حيث يعوّل عليه في إكسابه مزيدا من الوقت والقدرة على الحسم لصراعاته الداخلية والإطاحة بخصومة.

ختاما.. الوقت الإضافي أو ما تبقى منه لنتنياهو يناور فيه داخليا وإقليميا، مستعينا بمن تبقى لديه على مقاعد الاحتياط من مسؤولين أمنيين وعسكريين، أو شركاء إقليميين عرب وعجم، يشركهم في معركته للسيطرة على المساعدات وسلاح التجويع في قطاع غزة، وللسيطرة على خصومه ومواجهة الحراك العالمي الذي بات ضاغطا وفاعلا ومنفلتا من عقاله في أوروبا وأمريكا، وكامنا مقلقا في العالم العربي والإسلامي، فصافرة النهاية لم تعد بيد الحكومات ومعتمدة على صبر ويتكوف، بل بيد الشعوب في العالم الحر الذي يكاد ينفد صبرها وهي تراقب شاشة النهاية وثوانيها الأخيرة.

x.com/hma36

مقالات مشابهة

  • أميركا اللاتينية تميل إلى الصين في خضم الحرب التجارية
  • من يحدد الوقت الضائع لنتنياهو؟
  • "حرف السعودية" تحصد المركز الثالث عالميًا في مسابقة تحدي هدايا الطعام 2025 في إيطاليا
  • إعفاء 4 دول خليجية من تأشيرة الدخول إلى الصين.. تبدأ في هذا الموعد
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين: نتنياهو فوّت فرصة صفقة شاملة
  • لتعزيز التعاون الاقتصادي.. الصين تعفي 4 دول خليجية من التأشيرة لمدة عام
  • الخارجية تثمن إعفاء السعوديين من تأشيرة دخول الصين لمدة عام
  • الخارجية: إعفاء المواطنين من تأشيرة الصين يعزز التعاون والصداقة بين البلدين
  • الخارجية تثمن إعلان الصين إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول
  • هيئة عائلات المحتجزين الإسرائيليين: نتنياهو فشل في إعادة محتجزينا رغم مرور 600 يوم على الحرب