حياتنا.. أسيرة أولوياتنا
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
عذرًا منك أيها القارئ العزيز لأنَّ كلامي كثير، لاعتقادي أنك تشاركني أهميته عندما يكون كلاما مهما عن شيء يزعج الجميع ويحتاج لحل ما، لربما الحل بين ثنايا القول، أو بالاستماع إليه، كلما شعر بالعجز في أكثر من حين عن تحقيق ما يصبو إليه، وفي الغالب كل شيء نؤجله إلى حين نصبح فيه جاهزين أو قادرين، كنت دائمًا لست مع فكرة التأجيل أو إيجاد التبريرات التي لا تخدم تحقيق طموح نحمله معنا في مسيرتنا، ولأن لا أحد يعرف ما في داخلي معرفة جيدة قررت أن أكتب، أن أفصح أكثر في الكلام، أن أهمل ذلك الجانب التواكلي الصامت، وأن أتوكل في اقتناص الفرص وتحليل الأمور ودراستها ووضع الخطط المُثلى.
لم يكن لدي في بداياتي الكثير من الأحلام ولم أكن احتاج لأن الرعاية الأبوية كفلت لي كل شيء، أكملت المشوار وعزمت في داخلي على تحقيق أعلى الدرجات بما لدي من تطلعات وما أملك من إمكانات، فمنذ كنت في سنواتي الأولى من العمر عبرت لمن حولي عن ذلك، وكانوا يعلمون بمحاولاتي، وكيف كنت أخفق ولا أحصل على ما أريد، تحديت ذلك الأمر، واستطعت أن أوظف قدراتي مع الإمكانات المتوفرة، وأكملت على هذا النحو، وأصبحت أكثر وعيا بالفرص ومتطلبات الواقع، إن أخفقت لا أيأس، رضيت وسعدت بما أحصل وأناله، لم أكن أقارن نفسي بأي أحد، وارتضيت بما لدي من قدرات، وجدت تشجيعا وفخرا من والديّ، وصلت إلى ميدان العمل، كنت كحال الآخرين، لم أشعر بتميز، لكن شعرت في لحظة بأنني استعيد ثلاثية جدي حينما قالها لي في الأيام الأخيرة من حياته، التي لم تغادر عقلي ووجداني، الأوهام، والطموحات المبالغ فيها وغير الواقعية، والتشكيك في قدرات ونتائج الأعمال، ثلاثية يكمن خطرها في قبول التعايش معها وملازمتها في مسيرة الحياة، وهي اليوم تحاصرنا من كل حدب وصوب، وإذا لم نتمكن من تحديد الأولويات فيها أو بالأحرى ترتيبها وفق الأولوية نالت منَّا وقضت على أحلامنا وطموحاتنا، أما البقاء خارج دائرة الأوهام والأحلام غير الواقعية والشك كفيل بأن نهتدي إلى الحلول المثلى دون مؤثرات.
ووصف العالم الذي نعيشه اليوم، بالمثالية أو الظلم، يقوم في جزء كبير منه على جهد وطموحات الإنسان نفسه، ولكي يقدم هذا الأخير إنجازا ذا أهمية لا بد أن يكون في البدء لديه أهداف واضحة عما يريده، ولا بد أن يكون قد قرر ما هو الممكن وما هي قدراته، وهذا يتطلب دائما تصورا عن ما هو مجهول في طموحاته، وأن يبدأ بما هو ممكن، في بداية بناء الأحلام والطموحات كنت احتاج إلى القليل فقط من الاستفادة سواء كان نجاحًا أم فشلًا!
وقد آثرت التوكل على التواكل في داخلي، وكنت أتجاوز الكثير مما يزعجني بلا أدنى شكوى، أسعد نفسي بنفسي، وأصمت طويلا مع عائلتي واكتفي بالاستماع، ثم لم أشعر بشيء بعد تلك الفترة سوى بالرغبة العارمة في العمل والاجتهاد في تحقيق الحلم الذي أصبح واضح المعالم، لم أتوقف ولم يخطر ببالي التأجيل في تحقيقه، بقيت مُصِرًّا على الأمر، عملت، اجتهدت، قرأت، كتبت، صادقت ولم أخاصم، تمسكت بطموحاتي، وعشت واقعها ولازلت أعيشه وأسعد به مع من كانوا حولي ولازالو يعيشون، الحياة أسيرة الأولويات تلك قناعة لم تغب عني طرفة عين، لأن ذلك يعني توفير الوقت والجهد وإحراز ثمرة العمر التي نتمناها، لذا علينا أن نرى المهم مُهمًا فنقدمه، والهامشي هامشيًا فنؤخره.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
“موت الإنترنت” قد يكون قريباً
في عام 2022م، أصدرت الشرطة الأوروبية تقريراً بعنوان “مواجهة الحقيقة؟ تطبيق القانون وتحدي التزييف العميق”، واقتبس منه لاحقاً موقع عبارة مفادها “الخبراء يقدرون أن نحو 90 % من المحتوى الرقمي سيكون مولداً اصطناعياً في غضون عام 2026م”. المفارقة الأولى أن هذا الاقتباس لم نجده في التقرير، وربما هذا ما قربنا خطوة نحو نظرية “الإنترنت الميت” التي تُصنف على أنها نظرية مؤامرة، بدأت في النصف الثاني من مطلع الألفية.
النظرية تفترض أنه بسبب تطور الذكاء الاصطناعي والمحتوى المزيف، سيفقد الإنترنت مصداقيته بوصفه مصدر معلومات، وسينتهي الأمر بهجرانه كلياً منهلاً للمعرفة، لأننا سنكون أمام محتوى لانهائي يولده الذكاء الاصطناعيّ، محتوى المفترض أن يهيمن العام المقبل، لكن المؤشرات تقول إن “موت الإنترنت” قد يكون أقرب.
يبدو أن أول منصة قد تدخل “الموت” هي Pinterest، تطبيق الصور الشهير الذي عانى مستخدموه بكثرة انتشار المحتوى المزيف الذي هيمن عليه، ما دفع المنصة إلى محاولة مواجهة المشكلة تحت اسم “الشفافية” عبر إطلاق تاغ أو تصنيف للصور المصنوعة بالذكاء الاصطناعي، ما يتيح تفاديها أو عدم رؤيتها. لكن، قبل ذلك، عانت المنصة نفسها مشكلة طرد المستخدمين وحجبهم. والسبب، خطأ في الذكاء الاصطناعي المسؤول عن تصنيف الصور.
يتزامن هذا التفسير مع كم البروباغاندا والصور والأخبار المزيفة التي بدأت منذ الحرب على أوكرانيا وتضاعفت مع حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني على غزة، الأمر الذي وصفه جان كلود غولدستاين، المدير التنفيذي لشركة CREOpoint المختصة بتقييم المصداقية الرقمية بأنه “سيصبح أسوأ، قبل أن يتحسن”. هذا التصريح كان في عام 2023م، ويبدو أن غولدستاين، لم يتوقع أن يشارك دونالد ترامب فيديو مولّداً بالذكاء الاصطناعي عن تحويل غزة إلى منتج سياحيّ كبير.
تنامت الظاهرة في الآونة الأخيرة مع انتشار الـBrain rot، والـAI Slop. ملايين الفيديوهات عن كائنات غريبة ومحادثات هاتف مزورة بهدف الضحك. وفيديوهات للمشاهير تتغير فيها أشكالهم. نحن أمام محتوى مولّد عبر الذكاء الاصطناعي، ازداد بعد ظهور “تشات جي بي تي”. محتوى وصف بأنه “يخنق الإنترنت”، وأصبح تفاديه أصعب منذ قرّرت “ميتا” التخفيف من شروط الرقابة على المحتوى.
الحروب والأحداث التي تشهدها المنطقة وما ترافق معها من صور وفيديوهات مزيفة وأخرى مولّدة عبر الذكاء الاصطناعي، ربما تسرع في هذه موت الإنترنت، خصوصاً أن عمليات التحقق من الزائف والمولّد بالذكاء الاصطناعي ونتائج هذا التحقق، لا تنال الانتشار نفسه ولا الشهرة نفسها التي تنالها الصورة المزيفة. والمثال الأبرز هو صورة البابا فرانسيس وهو يرتدي معطفاً لافتاً للانتباه، وتم تداولها لفترة قبل نفي صحتها. اللافت أن من ولّد الصورة لم يكن رجل دعاية، أو منظمة سياسية أو دينية، بل بابلو إكزافييه، عامل بناء من شيكاغو، كان يتسلى من دون أي هدف.
الملاحظ إذن أن مصدر الفيديوهات المزيفة لا يهدد انتشارها ولا كميتها، بل يهدد علاقتنا بـ “الإنترنت” نفسه، بل يمكن القول إن منصات التواصل الاجتماعي بأنواعها، تحولت إلى ساحات حروب حقيقية، تخوضها دول وحكومات ومشاهير، ضمن ما يمكن تسميته بالـHypnocracy، أو الحكم عبر التنويم المغناطيسي، عبر بث عدد لانهائي من العلامات والصور التي تصل قدرتها التأثيرية حد تنويمنا مغناطيسياً. أحد أعراض هذا الشكل من “الحكم” هو ما يسمى الـDoom scrolling، أي إمضاء ساعات طويلة في تصفح الريلات، الآلاف منها الحقيقية والمزيفة والمصممة بدقة، كي “تستعمر” انتباهنا.
ويبدو أن أول خطوة أبعد نحو “موت الإنترنت” بدأت مع “غوغل”، الذي بدأ باستخدام الذكاء الاصطناعي لنشر ملخصات عن نتائج البحث في كل صفحة، ما يعني أن المستخدم لن يضغط على الرابط ليقرأ، وسيكتفي بالملخص، ما يشير إلى أن الانتباه الآن محط صراع حتى قبل “استعماره”. منذ لحظة البحث الأولى، تختصر عملية التصفح إلى قراءة ملخّص سريع عما نريد، عملية تدفع الإنترنت أكثر نحو “المقبرة”، ولعلّها تعيد إلينا السيادة على انتباهنا.