إبراهيم السامرائي.. اللغوي العراقي الذي لم ينل حظه من الاهتمام
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
لغوي عراقي كرّس حياته لخدمة اللغة العربية، تضعه أبحاثه النحوية في مصافّ كبار النحاة العرب في العصر الحالي، لكنه لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه، حتى إنه لم ينل عضوية في مجمع اللغة العربية العراقي.
ولد الدكتور إبراهيم السامرائي في العمارة بالعراق، وتيتم من أبويه طفلا، وربته خالته. وفي زمن ما قبل الاستقلال استطاع بنبوغه أن ينال منحة إيفاد إلى جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس، وعاد بشهادة الدكتوراه.
وفي العراق المستقل، لم ينل السامرائي حتى العضوية في مجمع اللغة العربية العراقي، وعلق قائلا: هذه وظيفة تتم بالتعيين، ولم أُعيَّن.
وخلال مشواره المهني، قام اللغوي العراقي -الذي سلطت عليه الضوء حلقة (2023/10/3) من برنامج " تأملات"- بتدريس اللغتين العربية والسُّريانية في العراق، وله باع في الفرنسية ونشر بها أبحاثا، وكان يتعقب في العديد من كتبه الكلمات والأساليب الدارجة ويعيدها إلى أصولها، فهو صاحب لغات شرقية وغربية كثيرة.
وفي كتابه "دراسات في اللغة"، أورد التعبيرات الأجنبية التي دخلت العربية بألفاظ عربية ومنها، السهر على المصلحة العامة، ذرُّ الرماد في العيون، توتر العلاقات، اللعب بالنار، أجاب بالحرف الواحد، يبكي بكاء مُرَّا، دموع التماسيح، القضية مطروحة على بساط البحث، على قدم المساواة، حجر عثرة، الاصطياد في الماء العكر..
ويوضح السامرائي في الكتاب الأصل الفرنسي أو الإنجليزي، أو كليهما لتلك التعبيرات.
ورغم مكانته العلمية، تعرض اللغوي العراقي لمعاناة في حياته، ويروي أحمد علاونة مؤلف سيرته كيف كان السامرائي وهو شيخ جاوز الـ70 ينتقل من دائرة حكومية إلى أخرى في الأردن لينال بطاقة الإقامة، وهو العضو في مجمع اللغة العربية الأردني، والمحاضر في الجامعة الأردنية. وكيف اضطر أخيرا إلى أن يأخذ ورقة من مكتب هندسي تقول إنه يعمل في ذلك المكتب.
أما المؤرخ المصري، وديع فلسطين فيروي كيف وصل السامرائي مرةً متأخرا إلى اجتماع مجمع اللغة العربية في القاهرة، فسئِل عن ذلك فأجاب بغضب: (بعد 3 ساعات من الانتظار الممل والمذل في المطار، بسبب عراقيتي، أُذن لي بالدخول. حقا إن وصف العرب بأنهم أشقاء مغاير للحقيقة، بل هم أشقياء).
ويضيف وديع فلسطين: (خاطبته بلقب دكتور، وهو في صناعة التأليف والترجمة حجة آمِرَة، فنهاني، وقال لي إنه أخذ يُسقط اللقب من أغلفة كتبه بعدما هزُل اللقب على أيدي الدكاترة المحدثين).
وتوفي السامرائي -الذي نشر 60 كتابا- مغتربا في الأردن عام 2001 وقد قارب الـ80، وشيعه قلة ممن عرفوا فضله.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مجمع اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
كتاب يُعيد تعريف اللغة والمنطق بوصفهما جوهر الوجود الإنساني
عمّان "العُمانية": يرتاد الباحث الأردني صادق إنعام الخواجا في كتابه "رسالة في اللغة والمنطق" عوالم فكرية وفلسفية غير تقليدية بينما يحاول إعادة تعريف اللغة والمنطق بوصفهما جوهر الوجود الإنساني لا مجرد أدوات تواصل أو تفكير عادية.
تقوم فرضية الكتاب الصادر مؤخرًا عن "الآن ناشرون وموزعون" على أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي الكينونة ذاتها أو جوهر التفكير ذاته، فهي "ليست مجرد أصوات يلفظها الإنسان، بل نظام داخلي معقّد يُفعّل الذاكرة وينظّم فعل العقل ويُنتج الفكر بشكل متداخل لا انفصال فيه".
من هذا المنطلق، يتتبع المؤلف العلاقة بين الصوت والنطق والمعنى، ليصل إلى أن "كل فكرة هي كلمة، وكل كلمة هي فكرة، ولا يمكن فصلهما أو التعامل معهما ككيانَيْن مستقلَّين".
ينظر الخواجا إلى اللغة كنظام صوتي وجدلي يعكس تركيب الجسد الإنساني وتفاعلاته مع محيطه، مستعرضًا كيفية نشوء اللغة من تفاعل الأصوات الداخلية للإنسان -كنبض القلب، وأنفاس الرئتين، وتناغم الأعضاء المختلفة- مع الأصوات الخارجية التي يلتقطها من العالم، هذه الأصوات، التي قد تبدو عشوائية في ظاهرها، تتحول عبر عمليات عقلية وعصبية معقدة إلى "تراكيب لغوية محملة بالمعنى"، ومنها يُبنى نسيج المعرفة الذي يُخزّن ويُستعاد ويُطوّر الحضارة الإنسانية.
ويمتد النقاش في الكتاب إلى مفهوم المنطق، حيث يفكك الخواجا المفهوم التقليدي السائد للمنطق بوصفه "قواعد صورية جامدة ومعزولة عن الواقع"، ليعيد تأسيسه كمنهج جدلي ينبع من الواقع ويتحرك معه. فالمنطق عنده ليس معيارًا نهائيًّا للحقيقة، بل هو "أداة لغوية حية لوصف الحقيقة وتشكيلها وتطويرها عبر الزمن".
ويقارن الخواجا بين المنطق الأرسطي التقليدي، والمنطق البياني عند المعتزلة، والمنطق الجدلي عند هيجل، ليخلص إلى ضرورة "تأسيس منطق لغوي جديد ينبع من طبيعة اللغة ذاتها، وليس من قواعد مفروضة عليها من الخارج".
ومن مميزات هذه الأطروحة انفتاحها على مصادر فكرية عميقة، لكنها مهملة أو غير معروفة في سياقات الدراسة التقليدية، مثل أعمال علي زيغور، وأحمد الداوود، وعالم سبيط النيلي، وعلي فهمي خشيم. ووفقًا للمؤلف، "يشكل هؤلاء المفكرون جبهة تفكر في اللغة من خارج المنظومة الغربية السائدة، ويعيدون الاعتبار لمفهوم الحرف العربي كوحدة دلالية متعددة الأبعاد تجمع بين الشعور والنطق والبعد النفسي". وبذلك، تفتح هذه الرؤية آفاقًا جديدة لفهم اللغة العربية على نحوٍ "يتجاوز مجرد كونها أداة اتصال، لتصبح كيانًا ذا حضور وتأثير حيّ في تكوين الفكر".
إلى جانب ذلك، يوجّه الخواجا في أطروحته نقدًا ضمنيًّا للمنظور الأوروبي السائد في دراسة اللغة، الذي يربط بين الكتابة وتعدد الشعوب ويرى في اختلاف الرموز دليلًا على اختلاف الأجناس والثقافات، وهو منظور "قلّص من وحدة اللغة العربية وجعلها عرضة للانقسامات والتجزئة". في المقابل، يقدم المؤلف رؤية عربية-جغرافية توضح أن اللغة العربية "نظام صوتي موحد يمتد عبر الزمان والمكان، لا يحتاج إلى فرض سلطوي أو قوة خارجية لتثبيته أو تأكيد وحدته".
ويتجاوز هذا الكتاب مجرد كونه دراسة تحليلية للّغة والمنطق، ليغدو "تجربة فكرية عميقة تعيد للغة قدسيتها، وللفكر أصالته، وتفتح مسارًا لتجديد البناء المعرفي العربي من الداخل، انطلاقًا من مفاهيم ذاتية نابضة بالحياة تعكس عمق الحضارة والثقافة العربية في أبهى صورة".