قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن الإهمال الحكومي والسياسات الخاطئة رمت ليبيا في وسط فيضان دامٍ أدى إلى مقتل الآلاف.

وأشارت واشنطن بوست إلى أن المسؤولين في الحكومتين المتنافستين في ليبيا كانوا على علم منذ أيام قبل حدوث العاصفة بقدومها، وكانت السدود فوق درنة متضررة ومعرضة لخطر الانهيار منذ سنوات، ومع ذلك، يبدو أن المسؤولين الموالين لخليفة حفتر، لم يفكروا أبدًا في هذا التهديد، معتقدين بدلاً من ذلك أن أسوأ الفيضانات ستأتي من البحر.

ولفتت الصحيفة إلى أن أدلة الفيديو أظهرت تنفيذ العديد من عمليات الإخلاء بين السكان في المناطق الساحلية في درنة، مما دفع العديد من الأشخاص إلى الانتقال إلى الداخل – وإلى مسار الفيضان القادم، موضحة أن حظر التجوال الصارم، الذي فرضته قوات الأمن المسلحة التابعة لحفتر يتطلب من الناس الاحتماء في أماكنهم.

وأضافت الصحيفة أن القيود الحكومية جعلت وصول المراسلين إلى المدينة صعبا في الأسابيع الأخيرة، وأن الاحتجاجات المطالبة بالمحاسبة انتهت بحملة من الاعتقالات.

وكانت منظمة العفو الدولية، بعد سيطرة حفتر على درنة في عام 2018 وفي السنوات التي تلت ذلك، اتهمت القوات الجوية التي يقودها حفتر والميليشيا التي يقودها ابنه صدام، باستهداف منتقديهم في درنة ومضايقتهم وتعذيبهم بشكل روتيني.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أنهم لا يعتبرون أن الأمطار الغزيرة يمكن أن تدمر السدود، أو يتخذون خطوات للاستعداد لمثل هذا السيناريو.

وقال وزير المياه في حكومة البرلمان محمد دومة لواشنطن بوست، إن الوضع في درنة يبدو طبيعياً للغاية، ولا توجد مؤشرات على حدوث أزمة”. ولكنه أقر أن هذا ليس مبرراً لحجم الإهمال الذي حدث في صيانة السدود.

وقالت المديرة المساعدة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش” حنان صلاح، إن الجزء غير المفهوم من هذه المأساة برمتها هو حظر التجوال الذي فرضته مديرية أمن درنة منذ بداية العاصفة، مؤكدة أن حظر التجوال حاصر الناس فعليًا في منازلهم، ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، لم تعد أمامهم أي فرصة.

وأضافت صلاح أن المدينة فقدت الكثير من الأرواح في ذلك اليوم، ويستحق سكان درنة على الأقل أن يعرفوا لماذا خذلتهم السلطات التي من المفترض أن تحميهم.

هذا وكان من بين القتلى عدد من ضباط الشرطة والعاملين في الهلال الأحمر المشاركين في حظر التجوال وجهود الإخلاء، بحسب شهود عيان ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، كما قتل أكثر من 100 من العاملين في المجال الطبي.

ووفقا لكبيرة محللي شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية لكلوديا غازيني، فإنه لم يكن هناك سوى حارس واحد في الخدمة في الليلة التي حدثت فيها الفيضانات، في سد وادي بو منصور، وقال الحارس لغازيني إنه اتصل بمشرفه المباشر في وزارة الموارد المائية في درنة، الذي نقل التحذير إلى بنغازي، وأكد لها مسؤول في الوزارة في بنغازي أنه أبلغ طرابلس بتدهور الوضع، وفق الصحيفة.

كما نقلت الصحيفة عن المسؤول في وزارة الزراعة في طرابلس رياض جحا، أن الناس لم يتم تحذيرهم بشكل كافٍ من المخاطر، لكنه قال إنهم مخطئون جزئيا لأنهم بنوا منازلهم على ضفاف النهر، مضيفا أنه لا ينبغي عليهم أن يلوموا الحكومة بأكملها فحسب، بل يجب أن يلوموا أنفسهم أيضًا، وفق ما صرح به للصحيفة.

وأوضحت الصحيفة أن تقريرها يستند للأيام والساعات الأخيرة التي سبقت الكارثة وبنته على أكثر من عشرين مقابلة مع السكان والمسؤولين والخبراء، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والوثائق التي استعرضتها الصحيفة.

وبينت الصحيفة أن عميد بلدية درنة السابق وكذلك إدارة المياه ومسؤولين حكوميين آخرين في طرابلس لم يستجيبوا للمكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية التي تطلب التعليق على الحادثة، ولم تنجح الجهود المبذولة من قبل الصحيفة للوصول إلى حفتر عبر كبار المسؤولين العسكريين، وفق الصحيفة.

المصدر: واشنطن بوست

درنةواشنطن بوست Total 0 مشاركة Share 0 Tweet 0 Pin it 0

المصدر: ليبيا الأحرار

كلمات دلالية: يوهان يونيسيف يونيسف يونسيف درنة واشنطن بوست

إقرأ أيضاً:

صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن

يمانيون/محسن علي
على سفوح جبل شمسان الشاهق، وفي قلب مدينة كريتر التاريخية بمحافظة عدن جنوبي اليمن (الخاضعة حاليا تحت سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لدويلة الإمارات)، تقف “صهاريج الطويلة” كشاهد صامت على عبقرية هندسية يمنية فريدة تمتد جذورها لآلاف السنين، ونظام متكامل لإدارة الموارد المائية وحماية المدينة من الكوارث الطبيعية، مما يجعلها واحدة من أروع الأعمال المعمارية المائية في العالم، وتحفة فنية منقوشة في الصخر، تروي حكاية حضارة أمة أدركت قيمة الماء ونعمته في مواجهة تحديات الزمن وضرورة التكيف مع بيئة قاسية.

جدل النشأة وعبقرية البناء
يحيط الغموض بتاريخ بناء صهاريج عدن، حيث تتعدد آراء المؤرخين والباحثين تشير بعض التقديرات إلى أن تاريخها يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في عهد مملكة سبأ، بينما ترجح دراسات أخرى أن من شيدها هم الحميريون، وهناك من يرى أنها نتاج تطور عبر مراحل زمنية متلاحقة، بدءًا من العصور القديمة مرورًا بالعصر الإسلامي، ورغم غياب النقوش التي تحدد تاريخًا دقيقًا، يتفق الجميع على أن هذه المنظومة هي نتاج تراكم معرفي وهندسي فريد.

خطط عبقرية لأهداف استراتيجية
تقع الصهاريج في وادي الطويلة، وهي منحوتة في الصخور البركانية الصلدة لجبل شمسان، أو مبنية بالحجارة والجص المقاوم للماء، وقد صُممت بطريقة عبقرية تضمن تجميع مياه الأمطار الغزيرة التي تهطل على الجبل، وتوجيهها عبر سلسلة من القنوات والسدود إلى الصهاريج المتتابعة.

 

وظيفة مزدوجة الحماية والتخزين
تكمن العبقرية الهندسية لصهاريج عدن في وظيفتها المزدوجة والحيوية للمدينة، فكانت تعد المصدر الرئيسي لتزويد سكان عدن بالمياه العذبة للشرب والزراعة، وكذلك لتزويد السفن العابرة في الميناء، خاصة في مدينة عانت تاريخيًا من شح المصادر المائية،
والأهم من ذلك، أنها كانت تعمل كمنظومة دفاعية لحماية مدينة كريتر من السيول الجارفة التي تتدفق من جبل شمسان، فبدلاً من أن تجتاح السيول المدينة وتدمرها، كانت الصهاريج تستقبلها وتخفف من اندفاعها وتخزنها، مما يجنب المدينة كوارث دمار الفيضانات الطبيعية.

 

الأرقام تتحدث.. السعة والترميم الحديث
تشير التقديرات التاريخية إلى أن العدد الأصلي للصهاريج كان يتراوح بين 50 إلى 55 صهريجاً، لكن معظمها طُمر أو أصابه الخراب والأضرار عبر العصور،  أما الصهاريج القائمة والمكتملة حالياً، فيبلغ عددها نحو 18 صهريجاً، بسعة تخزين إجمالية تصل إلى حوالي 20 مليون جالون (ما يعادل تقريباً 75,700 متر مكعب، و90مليون لتر ).
وبعد أن اندثرت الصهاريج وأصبحت مطمورة بالكامل تقريبًا، أعيد اكتشافها بشكل كبير من قبل الغزو والاحتلال البريطاني لمدينة عدن عام 1856م، يؤكد بعض المؤرخين أن التعديلات التي تمت حينها من قبل مهندسين بريطانيين تحت مزاعم الترميم غيرت من وظيفتها الأساسية كمصارف لتوجيه المياه إلى خزانات لتجميعها.

 

مخاطر البناء العشوائي والبسط
وبينما تؤكد التقارير والأخبار المتداولة أن صهاريج عدن تواجه خطر الانهيار ليس بفعل القذائف، بل بفعل معاول الإهمال والبناء العشوائي منذ العام 2015م، تشير بعض المصادر إلى أن عمليات البسط والتجريف تتم بشكل علني على أيدي قيادات وعناصر مدعومة من قبل متنفذين يتبعون ما يسمى بالمجلس الانتقالي الممول من دويلة الاحتلال الإماراتي، مما يعيق محاولة أي جهود للحماية والترميم جراء الاعتداءات من المتنفذين، وقد أثارت ظاهرة الإهمال والبناء العشوائي حفيظة المواطنين والمثقفين، مما أدى إلى إطلاق نداءات وبيانات لإنقاذ الموقع من التدمير الممنهج لهذا المعلم الأثري.

 

 بين القيمة التراثية وتحديات الواقع
على الرغم من صمودها لآلاف السنين ومن أبرز المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في اليمن، تواجه الصهاريج اليوم عدة تحديات خطيرة تهدد بقاءها ووظائفها على رأس ذلك: الإهمال وغياب الصيانة وتراكم النفايات والأوساخ، مما يهدد بانسداد قنوات التصريف ويؤثر على سلامة المنشآت التاريخية التي لم تخضع لترميم شامل منذ عقود،  بالإضافة إلى انتشار البناء والتوسع العمراني غير المنظم في محيطها، إلا أن التهديد الأكبر الذي واجهته بعد عام 2015 تمثل في الإهمال المتعمد من قبل حكومة الفنادق وأدواتهم واستمرار التعديات العشوائية التي تفاقمت حتى اليوم.

واقع صهاريج عدن اليوم تعد صورة مصغرة لتحديات الحفاظ على التراث في مناطق الغزو والاحتلال، فبعد أن صمدت المنظومة الهندسية لآلاف السنين في وجه الطبيعة، أصبحت مهددة بالزوال بسبب الإهمال والفوضى العمرانية والدمار المتعمد منذ أن جثم تحالف العدوان في السيطرة العسكرية الميدانية عليها تحت مزاعم التحرير، وكذلك يفعلون.

#صهاريج_عدن#معالم_تاريخية_وأثرية_يمنية

مقالات مشابهة

  • بيانات ملاحية تكشف تحركات عسكرية.. ما الذي يجري قبالة الساحل الفنزويلي؟
  • تحقيق دولي يزيح الستار عن إمبراطورية “مارساليك” السرية في قطاعي النفط والإسمنت بليبيا
  • صهاريج عدن.. حكاية حضارة أمة أدركت نعمة الماء وقيمته في مواجهة تحديات الزمن
  • السيول تكشف الإهمال في التخطيط المائي..  وطرق منكوبة تُعرّي ضعف الاستعداد
  • الفريق صدام حفتر يستقبل وفدًا عسكريًا أردنيًا لبحث التعاون المشترك
  • الفريق أول ركن “صدام حفتر” يبحث مع وفد عسكري أردني سبل تطوير برامج التدريب ورفع قدرات القوات المسلحة
  • دعوة للجنائية الدولية لإدراج الإهمال الطبي بحق المعتقلين ضمن تحقيقاتها
  • لقاء زيلينسكي وميلوني.. ما الدور الذي يمكن أن تلعبه إيطاليا في محادثات السلام؟
  • السيسي يستقبل حفتر.. حين تُعيد الجغرافيا تشكيل السياسة وتختبر القاهرة بوصلتها في الغرب
  • واشنطن ترفع سقف المُواجهة الإلكترونية.. 10 ملايين دولار مكافأة لرصد مُتهمين إيرانيين وراء هجمات طالت قطاعات حسّاسة عالميًا