حكاية عمرها أكثر من نصف قرن، تحكي قصة (دكان) العم علي مقبل.. هؤلاء مروا من هنا!
تاريخ النشر: 8th, October 2023 GMT
دون الحكاية / أديب الشاطري:
- لم تلمسه يد التغيير.. وعرض على الورثة تسليم المفتاح.
- معلومات لم تنشر عن أول ابتدائية بدار سعد.
سبعون عاما بالوفاء والتمام قضاها العم (علي مقبل) في (دكانه) الذي يبيع فيه الشاي والكعك والبسكويتات والصابون لأهالي مديرية دار سعد في محافظة عدن الذين لم يكن يتجاوز عددهم بعض المئات.
وعلى الرغم من التطور العمراني الذي شهدته المديرية وازدياد عد سكانها إلأ أن العم (علي) يرفض اجراء اي تغييرات في دكان، وحبا في الاحتفاظ بذكرياته ايام الصبا.
مضت السنون وتقادم به العُمر إلا أنه مازال يحتفظ بابتسامته المعهودة وكرمه عند تعامله مع زبائنه الذين صار بعضهم اليوم يشار إليهم بالبنان.
دون الحكاية / أديب الشاطري:
________________
بدأ العم علي مقبل مزاولة عمله في العام 1953م في دكانه على إحدى نواصي الشارع الرئيس بمديرية دار سعد محافظة عدن ، يبيع فيه الشاي الأحمر / الأسود والملبن (شاهي بالحليب) مع البسكويت والكعك ، _ وأضاف اليهم مؤخرا بعض الاحتياجات المنزلية _وكان عُمرهُ آنذاك لا يتجاوز الـ (18) عاما، وكان دخله اليومي لا يغطي مصاريفه الشخصية، لم يمنعه ذلك عن ترك مهنته التي احبها بل ظل يعمل فيها حتى بلغ من الكبر عتيا.
ومرت الأيام وافتتحت بجواره مدرسة 23 اكتوبر الابتدائية سابقا ، الشوكاني حاليا وبين زبون وأخر كانت شقاوة طلاب المدرسة تقتحم عليه دكانه وتحيل الهدوء الى صخب يخرج من بين اصواتهم المتعالية المتداخلة مع بعضها البعض.
* أحد المعالم
وفي أثناء ذلك الصخب يظل العم ( علي مقبل) أمامهم مبتسما مرحبا بهم يناولهم الكعك والشاي في (دكانه) الذي لا تتجاوز مساحته 4في 4 أمتار والذي شيده المرحوم ثابت عثمان _ كما يعترف العم علي في الأيام الأخيرة للاحتلا ل البريطاني لمدينة عدن وضواحيها_ ومنذُ ذلك الزمن لم تلمس يدُ التغيير جدران المكان اطلاقا .. حتى صار ( دكان علي مقبل) معلما من معالم مديرية دار سعد إلى جانب شرطة دار سعد القديمة، وثانوية / كلية عدن / البيومي/ عبود ( ثانوية عدن النموذجية) حاليا ودار بنو تميم (فوق حلويات المعلم) وغيرها من المعالم التي ظلت محتفظة بتصاميمها الأولى عند الانشاء ولم تتغير على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على انشاءها.
* الخوف من الله أمان
وبعد الاستقلال تم تأميم ( الدكان) .. ويا حسرتاه على المالك ( ثابت عثمان) الذي ابيضت عيناه من قرار التأميم الذي حرمه أكثر من "30" مسكنا في الشارع الرئيس بدار سعد ، ومن بينهم ( الدُكان) الذي بادر العم علي مقبل بعد اعادة المحلات التجارية لملاكها إلى الاعتراف بملكية ورثة المرحوم ثابت للدكان رافضا التحايل في تحويله إلى سكن لأولاده وأحفاده الذين اصبحوا يتكاثرون في منزله الضيق أو تَملُكهِ ، أو تأجيره من الباطن ،أو بيعه _ على الرغم من الإغراءات المالية التي قدمت له مقابل التنازل عنه قبل صدور قرار اعادة المحلات لأصحابها بأيام قلائل، لأنه خاف الله فأمِن ، فقام بتسليم مفتاح ا( الدكان) للورثة الذين بدورهم كانوا اكثر شهامة ووفاء للعلاقة الطيبة التي ربطت ابيهم بـ ( العم علي مقبل) فتركوه ( يطلب الله) في الدكان وبإيجار يرضي الطرفين ، مؤكدا لهم مرة أخرى أنه على استعداد تسليم مفتاح الدكان في الوقت الذي يشاؤون.
* شقاوة طلاب
تشرب أولاده الـ (7) الصنعة فأتقنوها ولكنهم تركوه ولم يبق معه الا أخر العنقود ( معاذ) يساعده بعد أن بلغ العُمر فيهِ مبلغه ، وفي رحلة السفر هذه في (دكانه) المتواضع مر (العم علي) على محطات كُثر منها ماهو محزن ومنها ماهو مضحك، وهناك من ترك بصمته على ذاكرته التي بدأت الشيخوخة هي الأخرى تترك أثارها عليه.
و مازال عالق في ذاكرته شقاوة طلاب ابتدائية 23 اكتوبر الذين كانوا يأخذون فناجين الشاي ولا يعيدونها أو يكسرونها أو يغالطونه في الحساب ويأتون بعد مدة فيعتذرون فيقول لهم : " الله يسامحكم ويحفظكم" .
ومن المواقف المبكية / المضحكة عندما كان ينسكب الشاي الساخن على أحد الطلاب فيخاف بينما زملاء الطالب ينفجرون ضحكا فيكون ( العم علي) في موقف لا يحسد عليه ، أو عندما تتجمع أكوام من الرمال أمام دكانه بل تدخل جزء منها بسبب شدة الرياح الكثيفة التي شكلت عامل ازعاج له مع قلة العمل آنذاك.
* شهاب أول مدير
ومر على ( دُكان) العم علي الكثير من الطلاب الذين أصبحوا اليوم من الأسماء المعروفة في دار سعد أمثال البرلماني د. عبد البادري دغيش وعضو النيابة وقائد أول منتخب للناشئين لكرة القدم في ( ج. ي. د. ش)الكابتن فضل حميد ، ومحمد عبد العزيز مدير تحرير أسبوعية 26 سبتمبر، وحامد الشاطري نائب مدير عام جمرك المنطقة الحرة بعدن وأخيه شهاب الشاطري وكيل دائرة المعلومات برئاسة الوزراء ، وياسين محمود الأمين العام السابق لدار سعد وعبد المنعم العبد الأمين العام الحالي للمديرية والمصور الصحافي محمد علي عوض والعميد جيلان سليمان قائد كتيبة دبابات والمهندس في قناة عدن الفضائية شرف زين والتربوي القدير محمد الصغير وأ. د . سابر عُباد المحاضر بجامعة عدن والمحرر الرياضي بصحيفة (استاد) القطرية ناصر الحربي ،والقائمة هنا لا تتسع لذكر خيرة أبناء دار سعد التي مازالت ذاكرة العم علي تحتفظ ببعض اسمائهم، ولم يسقط من الذاكرة اسم المربي القدير والفاضل المرحوم عبد الله شهاب الذي كان أول مدير لابتدائية 23 اكتوبر/ الشوكاني وهي أول ابتدائية في دار سعد التي بدأت ب(6) فصول دراسة ثم أُضيفت إليها صفين بجوار مسجد داود ، والتي كان الاحترام المتبادل عنوان العلاقة القائمة بين ادارة ومعلمي المدرسة و( العم علي ) الذي يزوره البعض منهم بين الحين والأخر.
* كبد في كبد
لم تمنعه شيخوخته أو غزو الشيب مفرقيه على القعود في منزله و الانتظار بما سيجود به عليه أبناءه بل بقي يعمل في دكانه لأنه أحب صنتعه التي قضى جل عُمره فيها فكتب قصة صبر ، وتحمل ، وشقا فأعانته على تربية (9) من الأبناء بينهم فتاتين، واحتضان أكثر من (30) حفيدا يرى فيهم ( زينة الحياة الدُنيا) ويطمع في أن يلقى ربه " كيوم ولدته أُمهُ"_ التي يدعو لها ولوالده دائما بالمغفرة والرحمة_ .
قصة العم (علي مقبل) و( دُكانه) قصة مواطن خلق في كبد ونمى في كبد ولم يطعم الراحة الا فيما ندر.
المصدر: عدن الغد
إقرأ أيضاً:
الثوب الفلسطيني النظيف واللسان القذر
الذي يقصف غزة بالصواريخ الأمريكية هو الاحتلال الإسرائيلي، والذي يجوّع أهل غزة، ويسد منافذ المساعدات بالدبابات هو العدو الإسرائيلي، وليس هناك أجلى وأوضح من هذا العدوان السافر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والذي اعترف به الإسرائيليين أنفسهم، وبكل أطيافهم السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية، وأقروا جهاراً بأنهم يتعمدون منع دخول المساعدات على أهل غزة للضغط على حركة حماس كي تليين مواقفها في المفاوضات التي تجري في الدوحة، ليتسنى لنتانياهو تحقيق النصر المطلق في المفاوضات بعد ان عجز عن تحقيقه في المواجهات.
ما سبق من حقائق موضوعية بائنة وفاقعة اللون لا تخفي على عاقل أو مراقب أو متابع للشأن الفلسطيني؛ سواء كان قريباً أو بعيداً عن المواقف الفلسطينية الرافضة للعدوان، تلك الحقائق البائنة من تجويع وترويع وتهجير ونزوح يطمسها بعض الكتاب والمعلقين الفلسطينيين؛ الذين تستضيفهم بعض الفضائيات التي تمولها بسخاء دول عربية، فيخرج هؤلاء المعلقون عبر الشاشات لساعات كي يلوموا الضحية، ويبرئوا الجلاد، وقد تتعمد تلك الفضائيات أن تستضيف شخصيات وكتاب ومعلقين ومحللين سياسيين كانوا يسكنون في قطاع غزة قبل العدوان الإسرائيلي، ولكنهم اليوم يقيمون في مصر أو في رام الله أو في لندن وغيرها من العواصم الأوروبية، والهدف من استضافة أبناء غزة هو إعطاء مصداقية للفكرة السياسية التي تحاول الفضائيات ترويجها، والتي تقوم على تحميل مسؤولية القتل والذبح والتجويع في غزة لحركة حماس، دون إلقاء أي لوم أو اتهام على الجيش الإسرائيلي الذي يمارس المحرقة أمام العالم، وعلى مدار الساعة.
أولئك الكتاب والمعلقون والمحللون يعتمدون في تشويه الحقيقة على معطيات ميدانية صادقة وصادمة، وتتمثل في استشهاد أكثر من مئة شخص في غزة يومياً، وتتمثل في حالة التجويع التي روّعت الناس، ولجوئهم إلى التوسل والاستجداء للحصول على لقمة الخبز، وتتمثل في حالة نزوح الناس من مكان إلى مكان بعيداً عن القذائف الإسرائيلية، وبحثاً عن خيمة تلم شتاتهم، ليصل المحللون السياسيون إلى النتيجة المؤلمة بأن حركة حماس هي المسؤولة عن مواصلة حرب الإبادة الجماعية، وأن على حركة حماس الموافقة على ما يطرح عليها من شروط إسرائيلية لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، ليتسنى تحرير الناس من عبودية المذلة والقهر والعذاب.
أولئك المعلقون والكتاب يتجاهلون عمداً الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الكامنة وراء انتزاع اتفاق مع حركة حماس، يضمن بقاء السيطرة الإسرائيلية على أجزاء كبيرة من قطاع غزة، ويضمن استمرار سيطرة العدو على المعابر التجارية، والتحكم بالمساعدات، ويضمن للإسرائيليين التحكم بمعبر رفح، وآلية سفر الفلسطينيين ذهاباً وإياباً بحرية، ولا يلتفت أولئك المعلقون والكتاب إلى مصير الأسرى الفلسطينيين الذي أمضوا عشرات السنين في السجون الإسرائيلية، بعد أن خذلتهم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تحررهم المناشدات الإنسانية، ولا الاتفاقيات السلمية.
أن يتجاهل عمداً، وأن يتغافل بقصد الكثير من هؤلاء المعلقين والكتاب حقيقة الأطماع الإسرائيلية، وهم يتباكون على حياة الرغد التي سبقت السابع من أكتوبر في غزة، وأن يحجم هؤلاء الكتاب والمعلقين عن صب جام غضبهم وحقدهم على الاحتلال، ولا يحملونه مسؤولية المحرقة في غزة، فذلك يعني أننا أمام معلقين وكتاب حزبيين، أعمت المصالح عيون البعض منهم عن رؤية الحقيقة التي يمثلها العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الضفة الغربية أرضاً وشعباً، والتي لا تقل وحشية عن محرقة أهل غزة، وكل ذلك يشير إلى أن الهدف من هذه اللقاءات عبر بعض الفضائيات هو تشويه فعل المقاومة، والتنكر لأي منجز سياسي أو استراتيجي قد تحققه، وبالتالي تبرئته العدو الإسرائيلي المسالم الحنون من دم الضحايا، وفي ذلك دليل على أن لسان هؤلاء الكتاب قذرٌ، قد انبرى للباطل، وتم صقله بمسن الأكاذيب الإسرائيلية.
من يتابع وسائل الإعلام الأجنبية، وينتبه لتصريحات الكثير من المسؤولين الأجانب، وكيف تحولت مواقفهم الداعمة للعدوان إلى مواقف تتبرأ من العدوان، وتحمله المسؤولية، وتصطف إلى جانب حق أهل غزة في طلب الحرية، يدرك أن بعض الكتاب الفلسطينيين لم يرتقوا بمواقفهم السياسية إلى مستوى الجماهير في أوروبا، ولم يصلوا في النطق بالحق إلى مستوى عضو الكونجرس الأمريكي رشيدة طليب، التي لم تدّع يوماً أنها من مواليد غزة، رشيدة طليب تقاتل من أجل صدق الراوية الفلسطينية، وتتهم الاحتلال الإسرائيلي مباشرة بالمجازر، والمحرقة، وتحمله مسؤولية تجويع الناس، ولم تلق يوماً رشيدة طليب تهمة واحدة على حركة حماس التي تقود معركة التحرر ضد الاحتلال.
ومن يستمع إلى رئيس وزراء أستراليا، المؤيد والحليف لإسرائيل عبر الزمن، وهو يتهم إسرائيل بحرب إبادة ضد أهل غزة، ويطالب بوقف العدوان، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات فوراً، يدرك أن الحقائق لا يخفيها لسان متحزب يقيم في لندن أو القاهرة أو رام الله، ويدعي أنه فلسطيني، ومن سكان قطاع غزة، وأن قلبه على الناس الذين تعذبهم حركة حماس، لأنها لم تخضع ولم تخنع للشروط الإسرائيلية في مفاوضات الدوحة.
ومن يستمع إلى الرئيس الفرنسي ماكرون، ولوزير خارجية بريطانيا، وهم الحلفاء الأوثق للعدو الإسرائيلي، وكيف نجحت مظلومية غزة في تبديل مواقفهم من الدعم المطلق للاحتلال، إلى البدء في الضغط على الاحتلال لوقف المحرقة، ووقف العقاب الجماعي للمدنيين، وفتح المعابر، في رسالة إدراك واعٍ لحقيقة العدوان الإسرائيلي، هذه الحقيقة التي يتغافل عنها بعض المعلقين والكتاب المنتسبين لفلسطين، والمعادين لفكرة مقاومة الاحتلال.
فمتى يتوب هؤلاء الكتاب الفلسطينيين المنتين إلى غزة شكلاً، والمعادين لغزة وأهلها فعلاً؟ متى يصيروا مسيحيين في عقيدتهم مثل رئيس وزراء أستراليا وهولندا وإسبانيا وبلجيكا وفرنسا بريطانيا، ويصطفون مع 27 دولة تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي على أهل غزة؟
متى يكف هؤلاء المعلقون عن التحالف مع ستيف وتكوف، ويرددون من خلفه الأكاذيب عن رفض المفاوض الفلسطيني وقف إطلاق النار في غزة، ورفضه وقف المذبحة والمحرقة الإسرائيلية، وفضه كل ما قدم له من تنازلات إسرائيلية في مفاوضات الدوحة؟
متى يكف هؤلاء عن تحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية تساقط القذائف فوق رؤوس أطفاله، لأنه يرفض الاحتلال، ويطالب بالحرية، ويقف ضد العدوان؟
متى يكف هؤلاء الكتاب ومعهم الفضائيات عن رجم رجال المقاومة بالعجز والفشل وتخريب بيوت الناس؟
متى يتوب هؤلاء الكتاب والمعلقون عن تجاهل الحق الفلسطيني؟ ليدركوا أن الثوب الفلسطيني النظيف لن تلوثه ألسنتهم القذرة، التي تنتظر مكافأة الفضائيات المالية، ليواصلوا حرب التشهير والتشويه للمقاومة الفلسطينية.
كاتب فلسطيني