أخبارنا:
2025-12-14@06:21:41 GMT

السيرة النبوية والوسطية والاعتدال

تاريخ النشر: 10th, October 2023 GMT

السيرة النبوية والوسطية والاعتدال

مِنْ خلال السيرة النبوية وما فيها مِنْ مواقف وأحداث، دَعانا نبينا مُحمد صلى الله عليه وسلم إلى التَّوسُّطِ والاعتدالِ في أمور الدِّين والدنيا، وأرشدنا إلى ما يَنفَعُنا مِنَ الأعمال والطاعات والعبادات، وعلَّمَنا كيْف نؤدِّي هذه الأعمال والعبادات دونَ إفراطٍ أو تَفريط، وحذَّرنا مِنَ التَّنطُّع وهو التكلف والغلو والتجاوز للحدود في الأقوال والأفعال.

. والمواقف والأحاديث النبوية الدالة على ذلك مِنَ السيرة النبوية كثيرة، ومِنْ ذلك:

1 ـ مَنْ رَغِب عن سنّتي فليس منّي:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخْبِروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن مِنَ النّبي صلى الله عليه وسلم، قد غُفِرَ له ما تقدّم مِنْ ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فإنّي أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفُطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رَغِبَ (أعرض) عَنْ سنّتي فليس منّي) رواه البخاري. قال ابن حجر في "فتح الباري": "المراد بالسُنَّة الطريقة لا التي تقابل الفرض، ومعنى الرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد مَنْ ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني.. وقوله: (فليس مِنِّي).. فمعنى ليس مني أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن المِلَّة (الدين)".

2 ـ والقَصْد القَصْد تبلغوا:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (.. سَدِّدُوا وقارِبُوا، واغْدُوا ورُوحُوا، وشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَة، والقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغوا) رواه البخاري. (سَدِّدُوا وقارِبوا) أي: اقْصِدوا الصَّواب، ولا تُفْرِطوا فتُجهِدوا أنفُسَكم في العبادة، لئلَّا يُفضي بكم ذلك إلى المَلَل فتَتْركوا العمل فتُفَرِّطُوا. ثمَّ قال: (واغْدُوا ورُوحُوا، وشَيءٌ مِن الدُّلْجة) يعني: أنَّ هذه الأوقاتَ الثَّلاثة أوقات العمل والسَّير إلى الله، فالغُدْوة: أوَّل النَّهار، والرَّوحة: آخِره، والدُّلْجَة: سَيْرُ آخِرِ اللَّيل، وسَيْر آخر اللَّيلِ مَحمودٌ في سَيْرِ الدُّنيا بالأبدان، وفي سَيرِ القُلوب إلى الله بالأعمال، وقال: (وشَيءٌ مِن الدُّلْجَة) ولم يقل: والدُّلَجْة، تَخفيفًا لمشقَّة عَمَل اللَّيل. ثم قال: (والقَصْدَ القَصْدَ) أي: اقْتَصِدوا في الأمور، والزَموا الطَّريق الوَسَطَ المعتَدِل، وتجنَّبوا طَرَفَيِ الإفراط والتَّفريط، فالقَصْد هنا هو التوسُّط، فإن التَّوسُّطَ في الأمور كلِّها يُبلِّغُكم غايتَكم وهَدفَكم الذي تَنشدونه. قال الشيخ ابن عثيمين: "فالرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا أن لا نجعل أوقاتنا كلها دأباً في العبادة، لأن ذلك يؤدي إلى الملل والاستحسار والتعب والترك في النهاية".

3 ـ إن اللَّه لَغنيّ عن تعذيب هذا نفسه:

عن عبد الله بن عباس رضي اللَّه عنه قال: (بينما النبي صلى اللَّه عليه وسلم يَخْطُب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس، ولا يستظلّ، ولا يتكلّم، ويصوم، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: مروه، فليجلس، وليستظلّ، وليتكلّم، وليُتمّ صومه) رواه البخاري. قال الخطابي: "قد تضمن نذره نوعين: الطاعة والمعصية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بما كان منها مِنْ طاعة وهو الصوم، وأن يترك ما ليس بطاعة مِنَ القيام في الشمس وترك الكلام وترك الاستظلال بالظل، وذلك أن هذه الأمور مشاق تتعب البدن وتؤذيه، وليس في شيء منها قُرْبَة إلى الله تعالى". وعن أنس رضي اللَّه عنه قال: (نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت اللَّه الحرام، فسئل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: إن اللَّه لغني عن مشيها، مروها فلتركب) رواه الترمذي.. ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يُهادَى بين اثنين، فسأل عنه؟ فقالوا: نذر أن يحجّ ماشياً، فقال: (إن اللَّه لغنيّ عن تعذيب هذا نفسه، مروه فليركب) رواه البخاري.

قال ابن تيمية: "مما ينبغي أن يُعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحَمْلِها على المشاق، حتى يكون العمل كل ما كان أشق كان أفضل.. قول بعض الناس: الثواب على قدر المشقة ليس بمستقيم على الإطلاق، كما يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات والعبادات المُبْتَدَعَة، التي لم يشرعها الله ورسوله، من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله مِنَ الطيبات، ومثل التعمق والتنطع الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (هلك المتنطعون).. مثل حديث: أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم .. فكثيراً ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل، ولكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب، هذا في شرعنا الذي رفعت عنا فيه الآصار والأغلال، ولم يجعل علينا فيه حرج، ولا أُرِيد بنا فيه العسر".

وقال الشاطبي: "إذا كان قصد المكَّلَف إيقاع المشقة فقد خالف قصد الشارع مِنْ حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل، فالقصد إلى المشقة باطل، فهو إذاً من قبيل ما يُنهَى عنه، وما ينهى عنه لا ثواب فيه، بل فيه الإثم إن ارتفع النهي إلى درجة التحريم، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة قصد مناقض".

4 ـ هلك المتنطعون:  

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هَلَكَ المُتَنَطِّعون. قالها ثَلاثًا) رواه مسلم. (هَلَك): خاب وخسر. (المتنطعون): المتعمقون المغالون في الشيء من كلامٍ وعبادةٍ وغير ذلك. (قالَها ثلاثا) أي: قال هذه الكلمة ثلاث مرات مبالغة في الإبلاغ والتعليم والتحذير. وللعلماء وشرَّاح الأحاديث النبوية في تفسير وشرح "المُتَنَطِّع" عبارات ومعان كثيرة مختلفة، تتوافق ولا تتعارَض، وكلها تجتمع في معنى واحد، يرجع إلى التكلف، والتشدد، والغلو، والتجاوز. قال ابن قُرْقُول في "مطالع الأنوار على صحاح الآثار": "(هَلَكَ المُتَنَطِّعُون) يعني: الغالين، وهم المتعمقون المبالغون في الأمور". وقال القاضي عِياض في "إِكمال المُعْلِم بفوائد مسلم": "(هلك المتنطعون): هم المتعمقون الغالون، ومعنى هلاكهم: يريد في الآخرة". وقال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير": "(هلك المتنطعون) المتعمقون الخائضون فيما لا يعنيهم، وقيل: المبالغون في عبادتهم بحيث يخرجون عن قوانين الشريعة أقوالًا وأفعالًا، أي هلكوا في الدين كما هلك الرهبانية ونحوهم". وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين": "التنطع: التعمق والغلو والتكلف لما لم يؤمر به". وقال النووي في "شرح صحيح مسلم: "أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم".. وقال الشيخ ابن عثيمين: "(المتنطعون): المتعمقون المتشددون في غير مواضع التشديد.. فكل مَنْ شدَّد على نفسه في أمرٍ قدْ وسَّع الله له فيه فإنه يدخل في هذا الحديث"..

السيرة النبوية مليئة بالمواقف الدالة على مَنْع النبي صلى الله عليه وسلم المسلم مِنْ تَكَلُّف المشقة والتعب، ونهيه عن الغلو والتنطع في الدين، ومِن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (يا أيُّها الناس، خذوا مِن الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا) رواه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُون. قالها ثَلاثًا). قال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد على كتاب التوحيد": "والواجب أن يسير العبد إلى الله بين طرفي نقيض بالدين الوسط، فكما أن هذه الأمة هي الوسط ودينها هو الوسط، فينبغي أن يكون سيرها في دينها على الطريق الوسط".. والوسط في كل الأمور والمسائل والأحوال هو هَدْي وسُنّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. قال الشيخ ابن عثيمين في "الاعتدال في الدعوة": "يجب ألا نجعل المقياس في الشدة واللين هو ما تمليه علينا أهواؤنا وأذواقنا، بل يجب أن نجعل المقياس هَدْي النبي صلي الله عليه وسلم وهدي أصحابه، والنبي صلي الله عليه وسلم رسم لنا هذا بقوله وبفعله وبحاله صلي الله عليه وسلم، رسمه لنا رسمًا بيّنًا".. فالسنة النبوية هي سفينة النجاة وبر الأمان، مَنْ ركبها نجا، ومَنْ تخلف عنها غرق. قال الزهري ـ أحد الأئمة الثقات مِنَ التابعين، أخذ علمه عن خير قرون هذه الأمة، فعِلْمه عن صغار الصحابة وكبار التابعين، توفي 124هـ ـ: "كان مَنْ مضى مِنْ علمائنا يقول: الاعتصام بالسُنة نجاة"، وقال الإمام مالِك: "السُنَّة سفينة نوح مَنْ ركبها نجا، ومَنْ تخلف عنها غرق"..

مِنْ سعادة المسلم أن يرزقه الله طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع سنته، والاهتداء بهديه، قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}(النور:54). قال السعدي: "إلى الصراط المستقيم، قولا وعملا، فلا سبيل لكم إلى الهداية إلا بطاعته، وبدون ذلك، لا يمكن، بل هو مُحال". وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب:21). قال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله". وقال تعالى: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر:7). قال ابن كثير: "أي مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بخير وإنما ينهى عن شر".. 

عن اسلام.ويب

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم السیرة النبویة النبی صلى الل ه علیه وسلم إلى الله الم ت ن ط قال ابن رضی الل الق ص د فلیس م إن الل

إقرأ أيضاً:

هل حرم الإسلام التعصب بكل أشكاله وصوره

هل  حرم الإسلام التعصب بكل أشكاله وصوره سؤال يسأل فيه الكثير من الناس فأجاب الدكتور محمد القاسم وقال  إن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يترك بابا من الخير إلا ودل أمته عليه ورغبها فيه، ولم يترك بابا من الشر إلا نهى عنه ونفر أتباعه منه. ومما حذر الإسلام منه ونهى عنه، (التعصب المذموم)، بكل صوره وأشكاله.

فكم حجب التعصب أنوار الهداية عن افئدة كثير من الناس، وكم صرف أقواما عن الحق واستيقنته أنفسهم

كم أبيدت دول وازهقت أرواح ومزقت ابدان عصبية وبغيا، كم هدمت علاقات بين الأصدقاء والمعارف بالتعصب، وكم قوض التعصب بنيان أسر.

إن التعصب حوى كثيرا من الرذائل المقيتة ففيه كبر واستعلاء على الغير، وفيه تزكية للنفس، وإعجاب بالرأي، وفيه عناد وصلف، وفيه مناصرة للباطل ودحض للحق، وفيه عدم انصاف وبعد عن العدل وكل رذيلة من هذه مهلكة، فما بالك إذا اجتمعت!!!!!!!!!!!!!!

والعجيب أن كثيرا من البشر، أعلوا راية التعصب البغيضة، فتارة يكون تعصبهم لعرق ولون وأخرى يكون لرأي وفكر، وثالثة لفرقة وحزب، ترتب عليه تأجج نيران العداوات بين الناس، لأهون الأسباب.

لقد حرم الإسلام التعصب بكل أشكاله وصوره، لما له من أثر سيئ، على صاحبه قبل ان يصل اثره لغيره.

ما أصر أبو جهل على الكفر رغم يقينه بصدق محمد صلى الله عليه وسلم إلا بالتعصب، تروي كتب السيرة « أَنَّ أَبَا جَهْلٍ، وَأَبَا سُفْيَانَ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ، خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآلة وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ وَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا لِيَسْتَمِعَ فِيهِ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا أَصْبَحُوا وَطَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَعُودُوا فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا. ثُمَّ انْصَرَفُوا حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ فعلوا مثل ما فعلوا ليلتهم الماضية واتفقوا على نفس اتفاق الليلة الماضية ولكن ما استطاعوا فاجتمعوا الثالثة أيضا، وقالوا مثل ما قالوا في سابقتيها، ثُمَّ تَفَرَّقُوا فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ وأَتَى أَبَا جَهْلٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَكَمِ مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ من مُحَمَّدٍ فَقَالَ مَاذَا سَمِعْتَ؟ تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ، أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا حَتَّى إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ قالوا: منّا نبيّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ فَمَتَى نُدْرِكُ هَذِهِ، وَاللهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا وَلَا نُصَدِّقُهُ.

كم أضاءت أنوار الوحي دروب مكة وأغلق كفارها أعينهم عنها عصبية وكبرا، كم قرء القرآن غضا طريا من فم النبوة وصموا آذانهم عنه عصبية وكرها، إن القوم كانوا يعلمون صدق محمد صلى الله عليه وسلم وما منعهم إلا التعصب المقيت.

ادعى مسيلمة الكذاب النبوة، فقال أحد أتباع مسيلمة له: من يأتيك قال: رحمن، قال: أفي نور أو في ظلمة؟ فقال: في ظلمة، فقال: أشهد أنك كذاب وأن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر،". فتأمل كيف كان التعصب شؤما على صاحبه!!!

كفى بالتعصب ذما أنه شعار الجاهلية، فمن المواقف التي حدثت بين بعض الصحابة في إحدى الغزوات، ما رواه جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، قَالَ: فَسَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» ، فَقَالُوا: رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةٍ دَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ».

فما أقبح التمسك بشيء نتن إضافة إلى ذلك فيه لوثة الجاهلية، فما بال البعض يتمسك به وقد أكرمه الله بالإيمان،

لقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من يتعصب لغير الحق، قائلًا: “ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية”. ولقد سد النبي صلى الله عليه وسلم باب الذريعة للتعصب فنهى عن المفاضلة بين الأنبياء، فقال: (لا تُخَيِّروا بَينَ الأنبياءِ، حتى لا يتعصب أحد بجهل لنبي فيقدح في نبي آخر فيهلك.

لقد عرفت الدنيا أشكالا عديدة للتعصب، ومن صوره في عصرنا الحاضر، التعصب الرياضي، حيث تحولت المشاهدات للرياضة الى سلبيات كثيرة: من تعصب مذموم وعداء وحقد، وفحش في القول، وسب وشتم، وعنف لفظي وأحيانا جسدي، وتخريب للممتلكات، ووصلت لإزهاق الأنفس، ولقد تخطت اثاره احيانا حدود الدول فتخاصمت الدول الشقيقة بسببه.

ولكم سمعنا عن أناس أصيبوا بالضغط والسكتات القلبية وهم يشاهدون مباراة لفريقهم، ولكم سمعنا عن رجال تهدمت بيوتهم، ورجال طلَّقوا زوجاتهم لأجل مباراة. بل لكم سمعنا عن بيوت تهدمت حتى صار أهل البيت الواحد ينقسمون على أنفسهم، هذا يتبع فريقًا، وذاك يتبع آخرًا.

ولم يقف الأمر عند حد التشجيع والتعصب فقط، بل تعداه إلى سخرية أتباع كل فريق من الآخر.

قاتل الله التعصب حين يصل الأمر بالمسلم إلى البغضاء، فنبي الإسلام يقول: لاَ تقاطعوا ولاَ تدابروا ولاَ تباغضوا ولاَ تحاسدوا وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا.

مقالات مشابهة

  • الطريقة النبوية للحصول على نوم هادئ .. واظب عليها كل ليلة
  • حوار الوفد مع الدكتور مبروك عطية عن ما لايذكرمن السيرة المطهرة وسبب ذلك
  • الشيخ حسن عبد النبي لمتسابق: مفيش أي أخطاء عليه ولا ملاحظات
  • آيات كان يرددها النبي قبل النوم.. حصّن نفسك طوال الليل وداوم على قراءتها
  • هل حرم الإسلام التعصب بكل أشكاله وصوره
  • في ليلة الجمعة.. صيغ الصلاة على النبي ﷺ
  • حـفظ المـال
  • موعد شهر رجب 2026.. أهم السنن والعبادات عن النبي
  • خطأ شائع في الصلاة على النبي .. اكتبها صح: «اللهم صلِّ» وليس «صلي»
  • الرسول وحب من طرف واحد بين صحابي وصحابية!!