بقيت في تركيا مدة عشرة أيام للمشاركة في عدة فعاليات (انظر في الأسفل)، ولكن الأهم من ذلك هو الحالة الفكرية والنفسية التي توصلت إليها، خلال هذه الأيام قبيل بدء "طوفان الأقصى"، بعد دراسة حال الأمة بين الأنظمة الحاكمة العربية الفاسدة والظالمة والفاشلة في تحقيق نهضة بلدانها والحركات الإسلامية "الوسطية"، باعتبارها التيار البديل الوحيد لهذه الأنظمة ولكنها في نفس الوقت عجزت عن تحقيق أي تغيير حقيقي لصالح النهضة المنشودة لأوطانها وللأمة وبقيت تراوح مكانها في مواجهة تلك الأنظمة، سواء الاستئصالية التي ترفض وجود الإسلاميين مطلقا أو ذات التوجه الإدماجي التي تريد إبقاءهم ضمن سقوف غير فاعلة أو ربما إفسادهم وانكشافاهم شعبيا لكي يخسروا انتخابيا، وينحصروا اجتماعيا.



توصلت إلى نتيجة عنوانها: "ما بقي شيء نخسره" ناقشتها مع عدد من قادة الحركة الإسلامية، كان آخرهم  "أبو العبد ...." . ومفاد هذه النتيجة أنه لو بقينا على ما نحن عليه سيستمر تخلفنا وسيزداد الأمر سوءا وربما ستغرق بلداننا كلها في الفوضى وتتعرض لمزيد من الانقسام والتبعية للاستعمار الحديث، وقد يدوم ذلك عقودا طويلة حتى تنقرض الأجيال الحالية ويستبدلها الله بجيل يكرمه بالاستقامة والفهم والقدرة على التضحية فيتحقق التغيير والنصر وتحرير فلسطين على أيديها.

ولكي تتجنب أجيالنا الاستبدال يجب أن تقع هبة عظيمة في الأمة تكون الحركات الإسلامية في قلبها، تتغير فيها الموازين والأوضاع وتمنح فرصا حقيقية للتغيير، وشرط ذلك بالنسبة للحركة الإسلامية أن ترفع سقف طموحاتها في الإصلاح والتغيير، وأن تتخلى عن الحرص عن المحافظة على مكتسبات سياسية واجتماعية (وربما حزبية وشخصية) لم تصبح مفيدة ولا مجدية بالنظر للرؤية والغايات النبيلة العظيمة التي تأسست من أجلها، وهي تطور الأوطان ونهضة الأمة العربية والإسلامية، وبالنظر كذلك لحالة فقدان الفاعلية التي صارت إليها. لا نقول بأن ما سبق كان كله خسارة، بل أغلبه خير وتوفيق، ولكن انتهى زمنه ولا بد من التجديد.

والانطلاق في مسار "لم يصبح ثمة شيء نخسره" هو الذي سيفتح لنا وللأمة كلها مسارا جديدا عنوانه: "كل شيء سنربحه"، ومما أكدت عليه وقلته لأبي العبد، بحضور السيد رئيس الحركة الأستاذ الأخ عبد العالي حساني شريف والسيد الأمين الوطني المكلف بالقضية الفلسطينية الأخ عبد الغني مصامدة، أن بداية مسار "ما بقي شيء نخسره"  يكون في فلسطين بتصعيد غير مسبوق للمقـ.اومة والدخول في مجالات جديدة مؤذية للمحتل وعملائه سيغير الموازين في كل العالم العربي والإسلامي.

لم يظهر أبو العبد التفاعل مع ما كنت أقوله له، ربما من باب المسؤولية، ولم أكن أعلم على الإطلاق بما حدث بعد يومين، ولا أعلم هل كان هو يعلم بما حدث أم لا. ولكن الذي علمته أن أي تفكير خالص لوجه الله ومتجرد للفكرة من أي مسلم عينُه على  الهدف الذي نعيش من أجله سيصل إلى نفس التحليل ونفس النتيجة. وقد فعلها أبطال المقاومة، وأثخنوا في العدو، وقلبوا المعادلة، وقد انتصروا مهما كانت نهاية المعركة. وأكدت لي الحدث العظيم الجاري أن ما فكرت فيه صحيحا وأننا دخلنا فعلنا مرحلة جديدة بحول الله.

ستؤدي هذه المعركة بكثير من رواد الإصلاح والتغيير التقليديين لتجديد أفكارهم وتغيير أدائهم ومقارباتهم لتبني مقاربة "المقاومة السياسية والاجتماعية"، لصالح بلدانهم وشعوبهم ولجعل دولهم داعمة للمقاومة ومشاركة في تحرير فلسطين، وقد تبرز تيارات جديدة تعمل بأساليب عصرية متنوعة تؤدي إلى رفع مستوى الوعي  الشعبي وإشراكه في حمل أعباء التغيير وبروز نخب متجردة وذات رؤية، وفاعلة، وغير مكبّلة بالمكتسبات التنظيمية والحزبية، وتنتهج طرائق سياسية مرهقة للأنظمة الفاسدة والظالمة والفاشلة، لا هي عنفية يسهل استغلالها ولا هي اندماجية تفقد المصداقية، وتعتمد في الحسم على القوة والإرادة الشعبية وفق قوله تعالى: (( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين)) إلى أن تقبل الأنظمة في العالم العربي التغيير الحقيقي بالطرق الديمقراطية الرفيقة لمصلحة الجميع أو تزول بالثورات الشعبية السلمية الواعية وبالحراك الشعبي المبارك الذي لا يمكن التحايل عليه أو استغلاله للمحافظة على الأوضاع الحالية البائسة.

هكذا هو الشأن الفلسطيني، هم يضحون ويتألمون ويجوعون ويستشهدون ولكنهم في الأخير سينتصرون، فهم قد استجابوا لأمر ربهم حين أمرهم أن لا يهنوا في ابتغاء القوم، وهم يعلمون بأنهم سيتألمون، ولكن هم يدركون كذلك بأنهم يؤلمون العدو وأن الله معهم وهو يعلم بحالهم، وفي كل شيء له حكمة وأنه سبحانه حسيبهم، حتى وإن تخلى عنهم كل الناس.وعلى الحركات الإسلامية أن تدرك بأن التغيير الحقيقي هو الذي يكون على الأرض في بلدانها، مهما كانت التكاليف والتضحيات، وأن تركيا ستضيق بهم ذرعا حين يكونوا ضعفاء، فمشروعها مشروع علماني قومي مطبع مع إسرائيل، لم يستطع الحكام الأتراك الحاليون، بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن، الظهور بعكس ذلك من حيث المنهج، وبغض النظر عن المكسب المهم المتمثل في الحرية التي أعطاها للتدين، وقد كان موقفهم مؤسفا إلى حد الآن من الأحداث الجارية في فلسطين، كما أن الاعتماد على إيران وحدها ـ أقول وحدها ـ لدعم اlلمقاومة رسميا ليس نافعا للقضية ولا للأمة.

إن الذي يجعل التحالف مع هاتين الدولتين الكبيرتين مؤمّنا ونافعا على الدوام حين تصبح دولنا العربية قوية ممكنة، لا تخاف ولا تحتاج إلى الدعم الخارجي، ذات رؤية حضارية بعيدة عن الرؤى السلطوية النفعية المغرورة المتخلفة الفاقدة للسيادة. عندئذ سنقيم تحالفات مع هاتين الدولتين وغيرهما على أساس الندية وفي إطار رؤية حضارية مشتركة.

ولا شك أن انتصارنا في المعركة القائمة الآن في غزة وفلسطين ستضعنا على هذا النهج بحول الله، رغم كل التضحيات.

نعم، ها هي غزة كلها تتعرض لأبشع عدوان، قد جاءتها أمريكا وأوروبا تتحالف مع الكيان ضدها وكأننا في "غزوة الأحزاب".

ولكن ماذا تعني الخسائر التي تتكبدها الشعوب المحتلة في الأرواح وفي الأملاك أمام خيار تحرير بلدانها من الاحتلال؟ ماذا يعني الحصار والتجويع والحرمان من الغاز والكهرباء أمام شرف وأجر الكفاح في سبيل الله من أجل الأرض والمقدسات والحرية والعزة والسيادة؟ ألم نقدم في الجزائر أكثر من نصف تعداد سكاننا طيلة سنوات الاحتلال، آخرها مليون ونصف في الثورة التحريرية المباركة الأخيرة؟ ألم تُحـ.رق قرى بأكملها بالنابالم والقنابل المحـ.رمة دوليا، بسكانها وأشجارها وحقولها وحيوانتها، ماذا بقي في ذاكرة الناس؟

هل بقي شيء من الأسف والندم لدى الجزائريين جراء هذه التضحيات الجسيمة؟ لا أبدا! لم يبق عندهم، جيلا بعد جيل، إلا ذكريات الشرف والبطولة.

وهكذا هو الشأن الفلسطيني، هم يضحون ويتألمون ويجوعون ويستشهدون ولكنهم في الأخير سينتصرون، فهم قد استجابوا لأمر ربهم حين أمرهم أن لا يهنوا في ابتغاء القوم، وهم يعلمون بأنهم سيتألمون، ولكن هم يدركون كذلك بأنهم يؤلمون العدو وأن الله معهم وهو  يعلم بحالهم، وفي كل شيء له حكمة وأنه سبحانه حسيبهم، حتى وإن تخلى عنهم كل الناس.

((وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104))) النساء.

إن المقاومة وأهل فلسطين يؤدون الذي عليهم وواجبنا أن نكون معهم بلا توان، ونسأل الله أن يوفقنا في الجزائر لنؤدي الذي علينا دون تقصير.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير فلسطين غزة فلسطين غزة مواقف رأي حرب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الأضحية عذاب للحيوان.. كيف رد الشرع على المشككين في السنة التي شرعها الله؟

أجاب الباحث خالد شلتوت، بوحدة اللغة الألمانية بمرصد الأزهر، عن سؤال: “لماذا نضحى؟ وما الحكمة من نحر الأضحية في عيد الأضحى المبارك كمظهر أساسي من مظاهره؟ والرد على من يزعمون أن نحر الأضاحي فيه قسوة على هذه الحيوانات”.

لماذا نضحي؟
وقال خالد شلتوت، في تصريح له، إن كل الأديان والثقافات عرفت مفهوم القربان والأضحية بشكل أو بآخر، والإسلام دين رحمة وشفقة، وأخبرنا رسول الله “أن امرأة دخلت النار في هرة” وفي حديث آخر “رجل دخل الجنة لأنه سقى كلبا”.

وأضاف أن الله تعالى بين لنا أن وظائف الأنعام كثيرة، منها أنها تدخل في طعام الإنسان، فيقول الله (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ).

كذلك أن أحد أسباب استمرار الحياة على وجه الأرض هو التنوع البيولوجي فنجد أن بعض الحيوانات تتغذى على بعضها كذلك هناك صناعات متعلقة بلحوم الحيوانات.

من المضطر الذي لا يرد الله دعاءه؟.. الشيخ الشعراوي يُجيبدعاء الامتحانات.. للتيسير والسرعة في التحصيل فقط ردده بيقين

كيف رد الشرع علي المشككين في السنة التي شرعها الله؟ 
وأكد أن طريقة نحر الأضاحي وفقا للشريعة الإسلامية ليس فيها أي عذاب للحيوانات، وأن طريقة النحر تضمن التخلص من الدماء والمخلفات التي من الممكن أن تحتوي على العديد من المخاطر والأمراض.

من جانبها، قالت أسماء مطر، الباحثة بوحدة اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر، إن تقديم الهدى والأضاحي هو نسك وشريعة مقدسة وسنة للنبي إبراهيم عليه السلام، وليس كما يزعم البعض أنها مجزرة جماعية للأنعام.

وأوضحت أن قصة فداء سيدنا إسماعيل بكبش عظيم، هي بمثابة التأكيد على قدسية النفس الإنسانية، وضرب الوالد والولد أروع المثل في الطاعة المطلقة والامتثال لأوامر الله عزوجل.

هل تشعر الأضحية بالألم؟
وذكرت أن النحر بالطريقة الإسلامية لا يشعر فيها الحيوان بأي عذاب أو ألم على الإطلاق، منوهة إلى أن من خلال هذه الطريقة بفصل فيها أربعة عروق وهي: الودجان، والمريء مجرى الطعام، والحلقوم مجرى النفس، والذي يجزئ قطع ثلاثة منها فقط، ولكن بهذه الطريقة لا يشعر الحيوان بأي ألم على الإطلاق لأنه يغيب عن الوعي في جزء من الثانية ويصفى دمه كاملا في دقائق معدودة.

وأشارت إلى أن الأبحاث العلمية تقول إن عدد البكتيريا في اللحم الذي تم على الطريقة الإسلامية يصل في الجرام الواحد إلى 7 آلاف، أما عدد البكتيريا في اللحم الذي تم عن طريق الصعق أو القتل يصل إلى 20 مليونا في الجرام الواحد.

طباعة شارك لماذا نضحي الأضحى عيد الأضحى هل تشعر الأضحية بالألم كيف رد الشرع علي المشككين في السنة التي شرعها الله

مقالات مشابهة

  • مسير وتطبيق لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في جبل الشرق بذمار
  • كيف لي أن أبدد مخاوفها وهي التي تظن أنني سأتركها بسبب مرضها؟
  • مسير لخريجي دورات طوفان الأقصى بمأرب إعلانا للجاهزية ونصرة لغزة
  • مسير لخريجي دورات طوفان الأقصى في حريب القراميش بمأرب إعلانا للجاهزية ونصرة لغزة
  • إمام وخطيب مسجد العلي العظيم يوضح الخطوات التي يحتاجها الإنسان للتحصين من الحسد
  • الأضحية عذاب للحيوان.. كيف رد الشرع على المشككين في السنة التي شرعها الله؟
  • من المضطر الذي لا يرد الله دعاءه؟.. الشيخ الشعراوي يُجيب
  • حكم تغيير وجهة التبرع دون إذن المتبرع.. المفتي يوضح
  • قبائل الحديدة تحتشد خلف طوفان الأقصى.. وقفة مسلّحة ومسيرات راجلة تجسّد الوفاء لفلسطين
  • الكوكب الذي غاب عن السماء.. زاهر البوسعيدي في ذمة الله