قال الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، إمام وخطيب المسجد الحرام  : اتقوا الله عباد الله، فالعاقبة للتقوى، بها يبلغ المتقون أرفع المنازل، ويستجمعون الفضائل، ويستدفعون الغوائل.

أرفع المنازل

واستشهد " خياط" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، بما قال الله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا ، يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا)، منوهًا بأنه إذا كان الأدب: عبارة عن معرفة ما يُحترز به عن جميع أنواع الخطأ، وحيث أن الخطأ يعظم في حق كل عظيم من العظماء.

وتابع:  ولا ريب أن الله تعالى هو أعظم العظماء كافة، بل هو العظيم وحده على الحقيقة، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه واللفظ لهما، وابن ماجة في سننه بإسناد صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم– قال: "قال الله عز وجل: الكِبرياءُ رِدائي، والعَظَمةُ إزاري، مَن نازَعَني واحِدًا منهما، قذَفتُه في النَّار".

وأوضح أن الأدب معه -تعالى ذكره- متعين على كل الخلائق، وهو مقدم على كل أدب، فالأدَبُ مَعَ اللهِ حُسْنُ الصُّحْبَةِ مَعَهُ، وبِإيقاعِ الحَرَكاتِ الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ عَلى مُقْتَضى التَّعْظِيمِ والإجْلالِ والحَياءِ. وإنَّ أولى ما تجب العناية به، وتوجيه الأنظار إليه، معرفة السبل التي يصل بها سالكها إلى منزلة الأدب مع الله تعالى.

وأضاف: وإنها -يا عباد الله- لسبل شتى، ومسالك متعددة: فحين يقف العبد على أعظم منازل الأدب مع الله شأنًا، وأشرفها مقامًا، يجد أنه أداء حقِّه -سبحانه -، بتحقيق التوحيد الخالص، الذي هو أعظمُ أوامر الدين، وأساسُ الأعمال، وروحُ التعبُّد، وعِمادُ التقرُّب، وقاعدةُ الازدِلاف إليه - عز وجل -، والغايةُ من خلق الإنسِ والجنِّ، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون).

الأدب مع الله

واستطرد:  فيكون هذا أجل سبل الأدب مع الله تعالى؛ لأنه ليس من الأدب في شيء، الشرك بالله واتخاذ الأنداد له عز وجل، ولا يستقيم لأحد قطّ: الأدب معه سبحانه، إلاّ بتوحيده وإخلاص العبادة له وحده دون سواه، ومعرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه، وما يحبّ وما يكره.

ونبه إلى أنه حين ينظر المرء إلى منن الله العظمى عليه، ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، من لحظة بدء تخلقه في رحم أمه، إلى لحظة لقاء ربه، فإنه لا محالة واجد نفسه يلهج بالشكر للمنعم المتفضل بهذه العطايا، شكرًا باللسان: حمدًا وثناءً عليه بما هو أهله، وشكرًا بالقلب: محبةً وإنابةً وخضوعًا وإخباتًا.

وواصل:  وشكرًا بالجوارح: بصرف أعمالها كافةً إلى طاعته سبحانه، والسعي إلى مرضاته، فيكون هذا أحد سبل الأدب معه عز اسمه؛ لأنه ليس من الأدب معه في شيء، جحود النعم، وعدم الإقرار بالمنن، ورفض الاعتراف بالعطايا والمنح، كما حين يتفكر اللبيب الأريب في سعة علمه سبحانه، وإحاطته بكل شيء في الأرض وفي السماء، ومن ذلك إحاطته بكافة أمور الإنسان، واطلاعه على جميع حركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله.

وأشار إلى أن هذا التفكر يُحدِث له مهابة له سبحانه، يستشعرها في قلبه وقارًا وتعظيمًا، يورثه حياءً من التلوث بمعصيته، والجرأة على مخالفة أمره ونهيه، فيكون بهذا قد سلك سبيلًا آخر من سبل الأدب مع ربه تبارك وتعالى؛ لأنه ليس من الأدب في شيء، الإقدام على الذنوب والمعاصي، والتورط في المجاهرة بها، وبكل ما يقبح مقابلته سبحانه، وهو مستيقن أنه شاهد عليه، ناظر إليه.

جميل لطف الله

وأفاد بأنه حين يوقن السائر إلى ربه أن الله تعالى قادر عليه، محيط به وبعمله، فلا مهرب له منه، ولا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، ولا يجد سبيلًا أبدًا غير الفرار إليه، والعودة له، والاستعصام بحبله، والاستمساك بشرعه، كما قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)، فيكون بهذا قد نهج نهجًا يحقق به الأدب مع ربه؛ إذ لا يرتاب عاقل أنه ليس من الأدب في شيء، أن يفر المرء ممن لا مفرَّ منه، ولا عاصم من أمره، ولا راد ولا معقب لحكمه.

وبين أنه حين ينظر الإنسان إلى جميل لطف الله تعالى به في كل شؤونه، وحين يرى آثار رحمة ربه به وبكافة عباده، كما قال عز من قائل: (قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)، فإن هذا يحمله على طلب المزيد من عظيم رحمته، وجميل ألطافه، بالضراعة والتوسل إليه بالكلم الطيب والعمل الصالح، وبذا يكون أيضًا قد سلك سبيلًا آخر من السبل المحققة للأدب مع الله تعالى؛ لأن مما يستيقن أولو الألباب، أنه ليس من الأدب في شيء، أن يصاب المسلم باليأس من رحمة الله، فيركن إلى القنوط المحبط، الذي تُظلم به الدنيا، وتغشو به الأبصار، وتعمى به البصائر.

ونوه بأنه كيف وقد نهى ربنا تعالى ذكره عن هذا اليأس بقوله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وقال عز اسمه على لسان يعقوب عليه السلام: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).

ولفت إلى أنه حين يمعن ابن آدم النظر فيما جاء عن الله تعالى من بيان واضح وافٍ لشدة بطشه، وأليم عقابه، وعظيم انتقامه، كما في قوله جل ثناؤه: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)، وكما في قوله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)، وفي كونه سبحانه أيضًا سريع الحساب.

هذا الإمعان

وأكد أن هذا الإمعان، يبعثه على اتقاء ربه، بالعمل بما يرضيه، والحذر مما يسخطه، فيكون بهذا قد سلك سبيلًا من سبل الأدب مع الله تعالى؛ لأنه ليس ثمة ريب لدى العقلاء، أنه ليس من الأدب في شيء، أن يبارز العبد العاجز الضعيف، ربه القوي القادر، المنتقم الجبار القاهر، بالعصيان لأمره، وعدم الاستجابة لزجره، وحين يحسن المسلم الظن بربه، فيعلم أنه مؤتيه سؤله، ومحقق أربه، ومفيض عليه نعمه، ومجزل له ثوابه، مادام له مطيعًا، إليه مخبتًا، عليه متوكلًا، له راجيًا، منه خائفًا.

وأبان بأنه بذا يكون المسلم قد سلك مسكًا من مسالك الأدب مع مولاه جلَّ في علاه؛ لأن أولي النهى مجمعون على أنه ليس من الأدب في شيء، إساءة العبد الظن بربه، بالوقوع في الحرام، وكسب الآثام، والتعرض لنقمته وعقوبته، ظانًا متوهمًا أنه غير مطلع عليه، وغير منزل بأسه وأليم عقابه به، فهذا هو الظن السيء الذي ذكره تبارك وتعالى في قوله: ( وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ).

وأوصى ، قائلا:  ولذلك اتقوا الله عباد الله، وأحسنوا الأدب مع الله، بتوحيده وطاعته، وشكره وحسن عبادته، والحذر من مخالفة أمره ومعصيته، تحظوا برضاه ونزول الجنة دار كرامته. واذكروا على الدوام، أنَّ الله تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال في أصدق الحديث وأحسن الكلام: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا). 
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من المسجد الحرام الأدب مع الله الأدب مع الله مع الله تعالى لأنه لیس ه سبحانه أنه حین عز وجل سبیل ا

إقرأ أيضاً:

وكالة الشؤون الدينية النسائية بالمسجد النبوي تُطلق مبادرة "المحجّة في مغانم ذي الحجة"

أطلقت وكالة الشؤون الدينية النسائية بالمسجد النبوي مبادرة "المحجّة في مغانم ذي الحجة"، وذلك ضمن برامجها الهادفة إلى إثراء تجربة الزائرات خلال موسم الحج لعام 1446هـ.

وتهدف المبادرة؛ إلى توعية الزائرات بأهمية اغتنام فضل أيام ذي الحجة، وتأكيد رسالة المسجد النبوي في الوسطية والاعتدال، وإيصالها إلى العالم أجمع، من خلال برامج علمية وتوعوية تُعنى بتعزيز مفاهيم الحج المبرور، والمداومة على العمل الصالح، والثبات على القيم الإسلامية.

وتتضمن المبادرة، لقاءات إرشادية، وبرامج تعليمية، تراعي تنوّع الجوانب الثقافية للزائرات، وتُسهم في ترسيخ السلوك القويم، وتفعيل دور المرأة في خدمة الرسالة الدينية بالحرمين الشريفين.

فعّلت وكالة الشؤون الدينية النسائية بالمسجد النبوي مبادرة (المحجّة في مغانم ذي الحجة)؛ لإثراء تجربة زائرات المسجد النبوي وفق الخطة التشغيلية للمرحلة الثانية لموسم الحج ١٤٤٦هـ، والتي اعتمدها معالي رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس.… pic.twitter.com/uJCizMnfD4

— رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي (@PRAGOVSA) June 17, 2025 المسجد النبويأخبار السعوديةأخر أخبار السعوديةالمحجّة في مغانم ذي الحجةوكالة الشؤون الدينية النسائيةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • السعودية تدعو قاصدي المسجد الحرام إلي ارتداء الكمامات
  • تأمين النفس من المصائب الفُجائية .. 17 كلمة نبوية يغفل عنها كثيرون
  • إسرائيل تأمل بانضمام الولايات المتحدة للحرب قريباً والقيام بهذا الأمر
  • هيئة العناية بالحرمين تدعو إلى الالتزام بالإرشادات لتجنب التدافع عند صحن المطاف
  • «شؤون بالحرمين» تدعو إلى تجنب التدافع عند صحن المطاف
  • خطيب الأقصى: الاحتلال يستغل الأوضاع الراهنة لإحكام سيطرته على المسجد
  • العناية بالحرمين تدعو إلى الالتزام بالإرشادات لتجنب التدافع عند صحن المطاف
  • الشيخ الشعراوي يوصي بسورة تمنع الفقر وتجلب الرزق.. اغتنمها كل يوم
  • وكالة الشؤون الدينية النسائية بالمسجد النبوي تُطلق مبادرة "المحجّة في مغانم ذي الحجة"
  • نصحه بهذا الأمر.. رسالة بوتين لمرشد إيران