شما بنت سلطان بن خليفة تؤكد أهمية المعرفة في استشراف مستقبلٍ أكثر استدامة
تاريخ النشر: 13th, October 2023 GMT
أبوظبي في 13 أكتوبر/ وام / شهدت الشيخة شما بنت سلطان بن خليفة آل نهيان، المؤسِسة والرئيسة التنفيذية لـمؤسسة تحالف من أجل الاستدامة العالمية، جانباً من فعاليات المعرض المصاحب لكونغرس المجلس الدولي للأرشيف أبوظبي 2023، الذي أقيم تحت الرعاية الكريمة لسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة.
وسلطت الشيخة شما بنت سلطان بن خليفة آل نهيان في كلمة لها في جلسة "المعرفة المستدامة والكوكب المستدام : الأرشيف والسجلات وتغيُّر المناخ".. الضوء على أهمية المعرفة المستدامة في جعل العالم أكثر استدامة، والتلازم بين الاستدامة والأرشيف والسجلات، والتحديات المستمرة التي تواجه العالم اليوم، لاسيما التغير المناخي.
وقالت الشيخة شما بنت سلطان بن خليفة آل نهيان " تشكل الاستدامة أولويةً في دولة الإمارات، ونهجاً متوارثاً عن الآباء والأجداد الذين استطاعوا التعايش مع الطبيعة القاسية للدولة من خلال فهمهم لأسرار هذه الأرض، فجسَّد وجودهم على هذه الأرض وازدهارهم فيها المعرفة المستدامة. ويعتبر الأرشيف أكثر من مجرد مخرن للمعلومات، فهو رابطٌ وثيق مع تاريخنا وجذورنا وذاكرة وطننا، وكنزٌ ينبغي اكتشافه باستمرار".
وأشارت إلى أن التغير المناخي يشكل تحدياً يهدد العالم أجمع، مؤكدةً أهمية البحث الدقيق في الأرشيف للمساعدة في مواجهة هذا التحدي وأن النظر في الفروق الدقيقة في الماضي يمكننا من إدارة الحاضر، مستشهدة بمقولة الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" : "من لا يعرف ماضيه لا يمكنه الاستفادة من حاضره ومستقبله، فمن الماضي نتعلم".
وخلال الجلسة، تطرقت الشيخة شما بنت سلطان بن خليفة آل نهيان إلى موضوع الزراعة المائية، وأهمية الأمن الغذائي والمائي للدولة، حيث أشارت إلى أن إنشاء أول مزرعة للزراعة المائية في دولة الإمارات يعود إلى العام 1969، برعاية ودعم من الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، “طيب الله ثراه” موضحة أن الدراسات الحديثة تؤكد الدور المحوري للزراعة المائية والأمن الغذائي، وتشير إلى انخفاض كبير في طبقات المياه الجوفية مقارنةٍ بمستوياتها قبل عقود من الزمن.
وأوضحت الشيخة شما بنت سلطان بن خليفة آل نهيان أن هذا الجيل يحمل على عاتقه مسؤولية دعم وتوسيع نطاق الرؤية المستدامة التي انتهجها الأسلاف عندما أعطوا الأولوية لاستدامة مصادر المياه والغذاء، وذلك من أجل ضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
وأكدت أن المعرفة المستدامة ليست مجرد مفهوم، وإنما دعوة جادة للعمل والالتزام بفهم الماضي واستخلاص العبر منه والبناء عليه من أجل إدارة الحاضر بشكل أفضل وتمهيد الطريق أمام غدٍ مستدام.
- خاتون النويس - هدى الكبيسي.
عبد الناصر منعم/ ريم الهاجري
المصدر: وكالة أنباء الإمارات
كلمات دلالية: المعرفة المستدامة
إقرأ أيضاً:
غرور الجاهل بين وهْم المعرفة وتواضع التعلم: قراءة في أثر دانينغ-كروجر (1-3)
هكذا قالت الحياةفي كل زمان ومكان، الجاهل أكثر جرأة من العارف، يقف الجاهل فوق قمة من الوهم يوزع اليقين بلا تردد ويتصدر ويتنمر ويتهم الآخرين بالجهل والتردد وأنه حامل الشعلة، بينما ينزوي العارف في ظلال الشك، حين يتكلم يتحفظ حتى إن تيقن فيظن الناس أنه ضعيف لا يثق بعلمه؛ لماذا يحدث هذا؟ وهل يتحول غرور الجاهل إلى تواضع حين يبدأ التعلم؟ هنا تلتقي حكمة الفلاسفة مع علم النفس الحديث فيما يعرف بـ"أثر دانينغ-كروجر، حيث يرسم المنحنى النفسي للثقة رحلة العقل الإنساني بين وهم المعرفة وحقيقة الإدراك.
دانينغ وكروجر
في عام 1999، قدم العالمان الأمريكيان ديفيد دانينغ وجاستن كروجر دراسة تصف مفارقة بشرية عميقة وما لاحظه الفلاسفة في عمق التاريخ: الجاهل لا يدرك جهله، بينما العارف يزداد وعيا بحدود علمه. هذه الظاهرة التي حملت اسميهما (تأثير دانينغ-كروجر) ترسم منحنى نفسيا تبدأ فيه الثقة بالنفس عند القاع ثم تصعد مع قلة الخبرة إلى ذروة وهمية، لتنهار لاحقا مع بداية الوعي، قبل أن تعود إلى الصعود بثبات مع التعلم الحقيقي: الجهل لا يولّد فقط ضعفا، بل قد يمنح صاحبه ثقة زائفة تتجاوز حدود الواقع. هذه الظاهرة، المعروفة اليوم بـ"تأثير دانينغ-كروجر"، تكشف أن الإنسان قليل الخبرة يميل إلى المبالغة في تقدير معرفته ومهاراته، بينما يصبح الشخص واسع الاطلاع أكثر وعيا بحدوده، وأقل اندفاعا للثقة المطلقة، رغم أنهما أغفلا حالة الإحباط والإحساس بالدونية التي تولدها البيئة والتربية السيئة.
إنها اللحظة التي يتلاشى فيها الغرور ليحل محله تواضع أصيل. التواضع هنا ليس ضعفا، بل وعيا ناضجا بأن الحقيقة أعقد مما ظن، وأن المعرفة رحلة لا تنتهي
بين الجهل والوهم
التأثير يبدأ "قمة الغباء الواثق"، حيث يظن الجاهل أنه يمتلك الإجابات لكل شيء. هذا ليس غرورا واعيا، بل نتيجة مباشرة لغياب الوعي الكافي للتقدير الدقيق لما لا يعرفه. المفارقة أن هذا الغرور الزائف قد يمنح صاحبه جاذبية اجتماعية مؤقتة؛ فالثقة، ولو كانت بلا أساس، تستهوي كثيرين. لكن حين يواجه الواقع -سواء بفشل عملي، أو نقاش جاد، أو بداية رحلة تعلم- ينكشف الوهم. خذ مثالا:
* موظف جديد يقرأ بضعة مقالات عن "الإدارة الحديثة" أو ينبهر بمعلومة يتصور أنه مالكها، في عمل يحتاج خبرة فيبدأ بانتقاد المخضرمين.
* أناس لا يطورون أنفسهم ويظنون أنهم ذوو رؤية رصينة فيطرحون رؤيتهم الخطأ بل يفرضونها على الآخرين.
* أو ناشط سياسي يتحدث بيقين عن "حلول نهائية" دون أن يبحر في الاقتصاد أو علم الاجتماع ليرى نفسه خبيرا.
هذا اليقين المزيّف ليس مجرد ثقة زائدة؛ إنه نتاج لغياب القدرة على تقييم الذات.
إحباط ما بعد الانكشاف
عند أولى خطوات الوعي، يدخل الإنسان فيما يمكن وصفه بـ"وادي الإحباط". تبدأ الثقة بالنفس في الانحدار الحاد:
* يسعى المرء لإدراك حجم ما يجهله.
* يتساءل إن كان قادرا أصلا على الإحاطة بالمجال.
* قد يشعر بالخجل من غروره السابق.
هذه المرحلة قاسية نفسيا، لكنها ضرورية. إنها اللحظة التي يتلاشى فيها الغرور ليحل محله تواضع أصيل. التواضع هنا ليس ضعفا، بل وعيا ناضجا بأن الحقيقة أعقد مما ظن، وأن المعرفة رحلة لا تنتهي.
من الغرور إلى الحكمة
نجد عند استمرار التعلم، يتغير المنحنى تدريجيا. يبدأ الشخص باستعادة الثقة، لكن هذه المرة مدعومة بفهم حقيقي، وخبرة عملية، وإدراك لحدود المعرفة الإنسانية. هنا يولد ما يسميه بعض الفلاسفة "تواضع العارف"، ذلك التوازن بين الثقة بقدرات الذات والتواضع عن علم، مطيحا بأنماط التفكير السطحية. لكن هذا كما أراه تعميم قد لا يمثل الواقع وهو من ضمن ما نطوره في الجزء الثاني.
لماذا يهمنا هذا اليوم؟
اليوم مع انفجار المعلومات، أصبح الخبير الوهمي ظاهرة اجتماعية: الآلاف ينشرون مقاطع عن السياسة أو الطب أو الدين دون أي تأهيل. المؤثرون الجدد يملكون ثقة أعلى من العلماء في مؤتمراتهم، لا يفكرون بالكلام من العالم بل كيف يتداخلون معه أو يسفهونه
في زمن التواصل السريع والإعلام المفتوح، أصبح تأثير دانينغ-كروجر أكثر وضوحا:
* الآلاف يظنون أنفسهم خبراء بمجرد قراءة مقال أو معرفة لمحة عن أي موضوع.
* النقاشات العامة يمتلئ بها من يملكون ثقة لا تتناسب مع معرفتهم.
* الحقيقيون في الميدان غالبا ما يتحدثون بحذر، إدراكا للمسؤولية ولا يصغي الناس لهم ظنا منهم بالاكتفاء، وأنهم يطرحون أمورا معقدة وسفسطة لا واقع لها ولا طائل منها.
فإدراك هذا التأثير ضرورة أن يصل إلى أكبر عدد ممكن لأنه يساعدنا على أن نصبح أكثر نقدا لذواتنا، وأكثر صبرا مع الآخرين، وفوق كل شيء، أكثر إصرارا على التعلم المستمر.، ليس عيبا أن تجهل أمرا، بل العيب ألا تعلم أو تتكلم بلا علم فتلك ليست مروءة.
للفائدة: السياسي لا بد أن يكون معه مستشارون والمنظمات والإدارات الحكومية، خاصة، أو أحزاب لا بد لها من مراكز دراسية واستشارية، فالقائد والمدير لا يعرف كل شيء ولا ينبغي أن يعرف كل شيء أصلا، الفيلسوف الذي يكتب موسوعات عن المعرفة لكنه ينتهي إلى القول "لا أعلم هذا فدلوني".
اليوم مع انفجار المعلومات، أصبح الخبير الوهمي ظاهرة اجتماعية: الآلاف ينشرون مقاطع عن السياسة أو الطب أو الدين دون أي تأهيل. المؤثرون الجدد يملكون ثقة أعلى من العلماء في مؤتمراتهم، لا يفكرون بالكلام من العالم بل كيف يتداخلون معه أو يسفهونه، ولا نعمم في هذا.
الخاتمة: درس التواضع
درب العلم طويل والعمر قصير، فمن الغرور أن تظن أنك ملكت ناصيته، والله سيحاسبنا لأننا جوّعنا منظومة العقل بالجهل؛ فما بين قمة الغرور ووادي الإحباط تكمن حقيقة الإنسان الباحث عن المعرفة. نظرية دانينغ-كروجر لم تخلق هذه الرحلة النفسية وإنما وصفتها.