صحيفة الأيام البحرينية:
2025-05-15@09:32:23 GMT

عندما تصبح البيئة مدى فني لا حدود له

تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT

عندما تصبح البيئة مدى فني لا حدود له

في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرون، بدأ الفنانون في بريطانيا والولايات المتحدة في التحرك خارج صالات العرض، كرد فعل ضد الوضع السلعي للفن، وهم بذلك أرادوا توسيع حدود ما كان يُعد فنا، لإعادة العلاقة بين الإنسان والطبيعة، والتي يشار إليها بـ«فن الأرض» أو الفن الترابي أو الفن البيئي أو فن المستحيل.


وفي بداية ظهوره احتج فن الأرض على «التسويق التجاري القاسي» للفن في كثير من الدول، أهمها الولايات المتحدة خلال هذه الفترة، عندما رفض دعاة فن الأرض المتحف أو المعرض باعتبارهما مكانًا ضيقًا للنشاط الفني، وطوروا مشاريع المناظر الطبيعية الضخمة، التي كانت بعيدة تمامًا عن متناول المنحوتات التقليدية القابلة للنقل وسوق الفن التجاري.
وترجع بداية ذلك الفن لما قبل التاريخ، عندما ابتكر البشر الفن باستخدام المواد الطبيعية في البيئات الطبيعية منذ آلاف السنين، كرسومات الكهوف والمنحوتات الحجرية والنقوش واللوحات التي توجد حاليا خارج المتاحف، وفي الآونة الأخيرة اكتشفت العديد من الرسومات الضخمة التي أذهلت العالم، وتلك الاكتشافات يتركز معظمها بدولتي «بيرو والولايات المتحدة» وسميت بخطوط (النازكا) وهي عبارة عن مجموعة نقوش تقع جنوب بيرو.
وتميزت هذه الرسومات بالغموض الشديد، ويعتقد أنها تعود لحضارة نازكا فيما بين عامي (400-650م)، وحتى الآن لم يتوصل الخبراء إلى معرفة سببا محددا لتلك النقوش، ولا طريقة صنعها بهذه الدقة الكبيرة والممتدة على مساحات كبيرة من الأراضي، والأكثر إثارة في تلك النقوش أيضا، هو أن خطوط النازكا تعبر بطلاقة كبيرة عن دقتها الفلكية، حيث يشير بعضها لمواقع النجوم بأوقات معينة وبدقة شديدة جدًا.
ويعرِّف الفنان الأمريكي ديفيد آل شيري فن الأرض، بأنه أشياء ذات أبعاد ضخمة من المستحيل جمعها أو عرضها في داخل صالات العرض أو المتاحف، وهو فن في شكله النهائي يمكن إدراكه، إذ إن الأعمال التي تم تصنيفها مثل فن الأرض، هو عبارة عن أرض مليئة بالملح وقاعات مليئة بالمخلفات وحقل محصود، وصناديق مليئة بالأحجار وقطع الجليد، وفن الأرض عامة هو فن قائم على النحت أو التشكيل في الطبيعة ذاتها، يتخذ العديد من الأشكال والدوائر الكبيرة والجدران الطويلة أو الأشكال الحلزونية، التي صفت في حالات كثيرة من الحجارة الطبيعية بوسط بيئي طبيعي لتبقي على صلة مباشرة بمحيطها، ويعد فن الأرض امتدادا لاتجاه فن (المينيمال) بالنحت، لكن النحت في تلك الحالة أصبح مباشرة في الطبيعة نفسها، عبر ملاحظة مظاهرها المختلفة.
وفي بدايته اتخذ الفنانون كافة الموارد الطبيعية، كأساس لهم لبناء الأعمال الفنية، مثل الأحجار أو التراب أو الطين أو الأوراق أو الخشب، حيث اتخذت معظم الأعمال الفنية شكل منحوتات وتراكيب، تم إنشاؤها في بيئة طبيعية خارجية محددة، بجانب سعى الفنانون والنحاتون للتأكيد على علاقة البشر بالعالم الطبيعي، وتحويل الأشكال الفنية بعيدا عن المواد المصنعة والتركيبية إلى المواد الطبيعية، وفي أغلب الأحيان تكون مواقع تلك الأعمال الفنية بعيدة عن المراكز السكانية، كما يدخل فن الأرض ضمن نطاق الفن «المفاهيمي»، باعتباره نشاطا كان للتوثيق فيها أهم الأدوار، وذلك عندما سجل الفنانون نشاطهم في صور فوتوغرافية كظاهرة لما يسمي فن أو عمل، حيث يستخدم الفنانون كافة وسائل التوثيق لتحويل الشيء المجسد ماديا، وهو العمل الفني لوسيلة استعلام عينية، أو الاستمرار للاعتدالية عبر النحت في الطبيعة نفسها.
ورغم اختلاف وتعدد أساليب الفنانين بأعمال فن الأرض، لكن معظم أعمالهم قد استمدت تقنياتها واعتمدت على الأحجار والتراب وأغصان الأشجار والثلوج، وأية مواد خام أولية متوفرة لهم مها بدت بسيطة، وبذلك تخطت تلك الأعمال الفنية قاعة العرض، لتشمل العالم كله، وتم استبدال إطار اللوحة بإطار آخر غيره تمثل في الوجود كله، ما أتاح للفنان المشاركة في العمل عبر قيامه بتجربة حقيقية ومباشرة مع العالم، لقيامه بنقش عمله الفني على سطح الأرض، ولأن جزءًا كبيرًا من تلك الأعمال ليست قابلة للنقل أو الاستعارة، كونها أعمال بصرية وشكلية للبيئة، فقد تعمد فنان الأرض القيام بتوثيق أعماله، ونقلها على شكل خرائط وصور فوتوغرافية وأشرطة فيديو وكتيبات.
ولعل أشهر الفنانين الذين عملوا في هذا النوع من الفن، الفنان الأمريكي روبرت سميثسون (1938-1973م) الذي قدمت مقالته عام 1968م بعنوان (ترسبات العقل: مشاريع الأرض) إطارًا نقديًا لذلك الفن، كرد فعل على فك ارتباط الحداثة بالقضايا الاجتماعية، وكان سميثسون مفتونا لحد كبير باستكشاف المناطق الصناعية وبمشاهد الشاحنات القلابة، التي تلقي بأطنان من التراب والصخور حول ولاية نيوجرسي، ووصفها بمقالته بأنها تُعد مكافأة لآثار العصور القديمة، ومن خلالها جمع الصخور والتراب، وأنتج سلسلة أعمال فنية على شكل منحوتات، وكانت أعماله المتعددة يتم دمجها مع قطع الزجاج، لتصبح رؤيتها أقرب لما يشاهد من أعمال في المعارض.
وفي عام 1968م بدأ والتر دي ماريا (1935-2013م) وهو فنان ونحات وملحن أمريكي في إنتاج وتركيب فن الأرض، وكان ماريا جزءًا من الحركة الأولية لفناني الأرض، وقام بالعديد من الأعمال الفنية بصحاري جنوب غرب الولايات المتحدة، وشدد ماريا على أهمية قدرة فن الأرض على إشراك المشاهد في التفكير بالأرض والطبيعة، والمناظر الطبيعية وعلاقة الفن بالكون.
ويعتبر عمله المسمى بـ(حقل البرق) عام 1977م أشهر أعماله، وهو عمل غير معتاد على فن الأرض، لأن هيكله يتكون من (400) عمود من مادة غير طبيعية «الفولاذ المقاوم للصدأ» حيث وضع الأعمدة في شبكة بجزء بعيد من الصحراء غرب نيو مكسيكو، وحقل الأرض كشبكة فولاذ يغطي مساحة مربعة تبلغ (1) ميل، وتعمل كموصل للكهرباء أثناء ضربات الصواعق، بجانب تغيير مظهرها وفقا للتغيرات في الطقس والوقت من اليوم.
ولأن الفن عامة عابر للحدود، فقد انتقل فن الأرض من أمريكا وأوروبا ليصل إلى اليابان، حيث يقوم المزارعون كل عام في إحدى البلدات الريفية وهي بلدة تسمي «إناكادات» وتقع داخل نطاق ولاية «أموري» بزراعة حقول الأرز (محصول البلاد الرئيسي) بطريقة فنية تظهر على شكل لوحات رائعة الجمال، وذلك باستخدام تقنيات زراعية تحفظ تربة الحقول ولا تؤثر على المحصول.
ومن جانبه، تحدث الفنان الأمريكي آلان سونفيست، ليؤكد استخدامه نهجا بديلا للعمل مع الطبيعة والثقافة، بإعادة الطبيعة التاريخية والفن المستدام لمدينة نيويورك، وكانت أكثر أعماله سونفيست إلهاما هي «الوقت المناظر للطبيعة» وهي غابة أصلية أنشأها بنيويورك، كما أنشأ عدة مناظر أخرى حول العالم في فلورنسا بإيطاليا، لتوثيق الاستخدام التاريخي للأرض.
كما سعي الفنان الأمريكي كريستوفر جافي (1927-2013م) إلى القيام بتسجيل نشاطه في صورة فوتوغرافية يعبر بها عن التداخل مع الطبيعة، ويؤكد جافي انتقاله بحدود اللوحة وإظهارها للوجود الذي يقدم له مدى فني لا حدود له، وكذلك نقل أعمال الفنانين من داخل أروقة الفن الضيق، إلى أحضان الطبيعة الأكثر رحابة، كمحاولة منهم للعودة إلى الطبيعة واختبارها من جديد وفهمها وتأملها.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا الأعمال الفنیة

إقرأ أيضاً:

الفنانون السوريون يرحّبون برفع العقوبات.. يوم تاريخي يعيد الأمل لشعب عانى طويلاً

تفاعل الفنانون السوريون مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه رفع العقوبات عن سوريا، بفيض من المشاعر الوطنية ورسائل الشكر، معتبرين القرار استجابة تاريخية من الإدارة الأمريكية لجهود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومقدمة لاستعادة البلاد لعافيتها بعد سنوات من الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية.

وعبر فنانون بارزون عن تقديرهم للدور السعودي، مشيدين بما وصفوه بـ”النقطة المفصلية” في مسيرة الشعب السوري نحو التعافي.

وكتب الفنان جمال سليمان عبر صفحته في فيسبوك: “رفع العقوبات عن سوريا خبر عظيم سيساعد وطننا على النهوض من جديد وسيرفع الضيم عن المواطن السوري.. شكراً للمملكة العربية السعودية ولكل الجهود الدبلوماسية التي بذلت من أجل ذلك. يبقى أن نرتب بيتنا السوري”.

بدورها، عبّرت الفنانة سلاف فواخرجي عن فرحتها قائلة: “بعد معاناة إنسانية مريرة عشناها وعاشها شعبنا العظيم… كل الخير والازدهار لبلادي عزيزة موحدة آمنة حرة. شكراً للمملكة العربية السعودية وولي العهد محمد بن سلمان وكل الدول التي ساهمت في هذا المسعى الطيب”.

وقال الفنان باسم ياخور: “ألف مبروك رفع العقوبات عن الشعب السوري، وكل الشكر والمحبة للمملكة العربية السعودية ولكل الدول التي ساهمت في هذا الإجراء التاريخي”.

أما الفنان مصطفى الخاني فكتب: “مبروك لأمّنا سوريا رفع العقوبات القاسية عنها… اليوم زال عن أبنائها هذا العبء الثقيل. شكراً للمملكة العربية السعودية وللأمير محمد بن سلمان الذي وضع يديه على صدره شاكراً وفرحاً بزوال العقوبات. أملنا ودعاؤنا بإعادة الأمان لكامل أراضي بلدنا وبقائها واحدة موحدة وقوية”.

وفي تعليق لافت، وصف المخرج زهير قنوع القرار بأنه “الحدث الأهم منذ سقوط الأسد”، مشدداً على أن أي نقاش أو اختلاف في وجهات النظر لا يجب أن يقلل من أهمية هذا التحول. وأضاف: “شكراً من القلب لكل من ساهم بهذا القرار فرداً فرداً”.

كما قال الفنان علاء قاسم: “ألف مبروك لكل السوريين، ومبروك لمن خسروا أعمالهم بسبب العقوبات. الشعب السوري من قلبه يقول شكراً سمو الأمير محمد بن سلمان.. فرحك برفع العقوبات وصل إلى أرواحنا”.

وفي مشهد رمزي، شهدت شوارع دمشق وخاصة في ساحة الأمويين احتفالات شعبية، حيث رفع المواطنون الأعلام السورية والسعودية، مرددين هتافات التحية للسعودية، في تعبير عن الامتنان للدور الذي لعبته الرياض في الوصول إلى هذا القرار.

هذا التفاعل الفني والشعبي يعكس حجم الترقب الذي يحيط بمرحلة ما بعد العقوبات، وسط آمال واسعة بحدوث تحولات اقتصادية ومعيشية ملموسة في حياة السوريين خلال المرحلة المقبلة.

مقالات مشابهة

  • الرئيس أحمد الشرع: سوريا لكل السوريين بكل طوائفها وأعراقها ولكل من يعيش على هذه الأرض المباركة، التعايش هو إرثنا عبر التاريخ وإن الانقسامات التي مزقتنا كانت دائماً بفعل التدخلات الخارجية، واليوم نرفضها جميعاً.
  • الفنانون السوريون يرحّبون برفع العقوبات.. يوم تاريخي يعيد الأمل لشعب عانى طويلاً
  • بوراص: اوقفوا القتال.. لا يوجد منتصر عندما تكون الجثث على الأرض
  • « إبداع بلا حدود».. 60 مشروعًا ابتكاريًا لطلاب التربية الفنية بـ «نوعية طنطا»
  • عندما تصبح الحرب عادة بشرية يصعب الإقلاع عنها.. قراءة في كتاب
  • حاسوب عملاق يكشف الموعد الدقيق لنهاية العالم التي حذر منها ماسك
  • وزيرة البيئة تلتقي مجلس إدارة الجمعية المصرية لشباب الأعمال
  • ريكويم فوري.. عندما تصبح موسيقى الموت دعوة للسلام
  • دورا مدينة التلال الكنعانية التي لا تنحني.. حكاية الأرض والمقاومة والتجذر الفلسطيني
  • رئيس جمعية شباب الأعمال يشيد بدور وزارة البيئة في دعم الاستثمار الأخضر