يمانيون – متابعات
يواصلُ تحالُفُ العدوانِ الأمريكي السعوديّ الإماراتي ومرتزِقتُه، الالتفافَ على أُسُسِ ومتطلباتِ السلامِ العادلِ في اليمن، حَيثُ عادوا مرة أُخرى إلى الحديث عن ضرورة إجراء مفاوضات “يمنية يمنية” لتكريس كذبة الحرب الأهلية وتمكين دول العدوان من التنصل عن الالتزامات التي يحاولون تجاوزها من خلال الإعلان عن “خارطة طريق” لا تلبِّي مطالب الشعب اليمني.

وشهدت الأيّامُ القليلةُ الماضية تحَرُّكاتٍ سعوديّةً وأممية وأمريكية جديدة تحت عنوان “تجديد الهُدنة”، حَيثُ دفعت السعوديّة ومن خلال وزير دفاعها خالد بن سلمان بحُكومة المرتزِقة إلى الإعلان عن الموافقة على “خارطة طريق” للتوصل إلى حَـلٍّ “يمني يمني” بحسب زعمهم.

وقد ترافق ذلك مع لقاءات عقدها الممثل الأممي في اليمن، هانز غروندبرغ، مع مسؤولين سعوديّين ودوليين في السعوديّة، قال إنها تأتي بهَدفِ الدفع نحو “تجديد الهُدنة” وإجراء مفاوضات “بين اليمنيين”.

وكان غروندبرغ قد التقى قبل ذلك وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي زعم أنه “يجب التوصل إلى اتّفاق سلام يمني في أسرع وقت ممكن”.

التمسك بمسألة التفاوض بين الأطراف اليمنية يترجم إصرارًا واضحًا على تجنب طريق السلام الفعلي الذي يلزم دول العدوان، وعلى رأسها السعوديّة، بكافة متطلبات الحل المتمثلة بـ: إنهاء الحرب والحصار والاحتلال ودفع التعويضات، ويلزمها قبل ذلك بتنفيذ إجراءات بناء الثقة المتعلقة بالمِلف الإنساني والتي تشمل رفع الحصار عن الموانئ والمطارات ودفع مرتبات الموظفين من إيرادات النفط والغاز، ومعالجة ملف الأسرى، وهي إجراءات كان الرئيس المشاط قد أكّـد مؤخّراً أن دول العدوان تواصل المماطلة فيها، معتبرًا ذلك “تصعيدًا مستفزًّا يعطي الحق في الرد المماثل”.

ويعتبر الإصرار على الدفع بالمرتزِقة إلى الواجهة تحت عنوان “المفاوضات اليمنية اليمنية” مؤشرًا ثابتًا على انعدام جدية دول العدوان في التوجّـه نحو سلام حقيقي وعادل؛ لأَنَّ محاولة فرض المرتزِقة كطرف رئيسي في المفاوضات هي محاولة مكشوفة تماماً لتقديم السعوديّة كوسيط، وبالتالي السماح لها بالتنصل عن أية التزامات.

هذا أَيْـضاً ما تشير إليه بوضوح “خارطة الطريق” المزعومة التي أعلنت عنها صحيفة “الشرق الأوسط” التابعة للمخابرات السعوديّة، بالتزامن مع التحَرّكات الشكلية الجديدة تحت عنوان “تجديد الهدنة” فالخارطة لم تتضمن حتى إشارة لقضية المرتبات التي تمثل جزءًا محوريًّا وأَسَاسيًّا من إجراءات بناء الثقة ومتطلبات التقدم نحو أي حَـلٍّ ثابت.

ويؤكّـد هذا بوضوح أن دول العدوان ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تحاولُ جَرَّ صنعاء إلى مربع المساومة على الحقوق والمتطلبات الثابتة، وتسعى لتجزئة الحلول؛ مِن أجل استبدال السلام الفعلي بصفقات مؤقَّتة؛ مِن أجل كسب المزيد من الوقت على حساب استمرار معاناة الشعب اليمني.

وتترجمُ التحَرُّكاتُ والدعايات السعوديّة الجديدة إصرارًا مُستمرًّا على التقديرات الخاطئة التي حذرت القيادة الوطنية من عواقبها، حَيثُ كان قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قد حذر في خطابِ ذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام من أن استمرار العدوان والحصار والاحتلال وحرمان الشعب اليمن من ثرواته ستكون عواقبه وخيمة، كما حذر الرئيس المشاط قبل أَيَّـام من “رد مماثل” على استمرار الحصار الذي اعتبره “عملًا تصعيديًّا” وليس فقط مُجَـرّد مؤشر على غياب نوايا السلام.

هذا أَيْـضاً ما يؤكّـدُه استمرارُ الإصرار على تجميد مِلف الأسرى، بحسب ما أكّـد عضو اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى مؤخّراً، إلى جانب مواصلة استخدام الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء كورقة ابتزاز ومساومة، حَيثُ لا تزالُ دول العدوان ترفُضُ توسيعَ وجهات رحلات المطار ومضاعفة عدد الرحلات، بل إنها لجأت مؤخّراً إلى إيقاف الرحلات المحدودة إلى الأردن ثم إعادتها بعد تحذيرات الرئيس المشاط، في خطوة كشفت بوضوحٍ محاولةً لاستغلال هذا المِلف الإنساني كورقة للمساومة وكسب الوقت ومحاولة امتصاص السخط.

وكانت مؤشراتُ تصعيد عدواني جديد قد برزت مؤخّراً مع زيارة رئيس ما تسمى “هيئة الأركان” التابعة للخونة، المرتزِق صغير بن عزيز إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حَيثُ تلقى هناك تعليماتٍ بالتصعيد ضد القوات المسلحة في حال قرّرت صنعاءُ المشاركةَ في معركة “طوفان الأقصى” لإسناد المقاومة الفلسطينية، بحسب ما كشف عضو المكتب السياسي لأنصار الله، فضل أبو طالب، وهو ما مثّل دليلًا إضافيًّا على أن الولايات المتحدة لا زالت تصر على مواصلة الحرب وتحريك المرتزِقة عسكريًّا لمصلحتها، الأمر الذي يعني أن حديثَها عن السلام، وبالتالي حديث السعوديّة عن ذلك أَيْـضاً، لا يتجاوز محاولةَ كسب المزيد من الوقت لترتيب الأوراق.

المسيرة

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: دول العدوان السعودی ة

إقرأ أيضاً:

خامنئي يعترض التطبيع السعودي ـ الإسرائيلي على طريق الهند التجاري

ما كانت إيران على علم ب "طوفان الأقصى". لقد فوجئت بالعملية كما فوجئ العالم بأسره. لعل سريتها هي سبب نجاحها.

هذا موجز الكلام المتداول حول علاقة إيران وأطراف محور الممانعة بهذه العملية التي اشعلت نصف حرب عالمية في منطقتنا ولم تتم فصولا بعد.

أعيد التذكير بتصريح للسيد محمد جواد ظريف، نائب رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية(المستقيل) اذ يقول: ان العملية الفلسطينية أطاحت باجتماع إيراني ـ أمريكي للبحث في "الملف النووي" قبل يومين من موعده في 9 أكتوبر ـ تشرين الأول 2023. أضف إلى ذلك أن إيران وحلفاءها كانوا يسعون، قبل "الطوفان" لإشاعة أجواء من الاستقرار والمصالحة في المنطقة، خصوصا بعد توقيع الاتفاق الإيراني ـ السعودي (10 مارس ـ آذار 2023) في بكين وتخفيض التوتر في اليمن وتخطيط الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ونشر انباء شبه مؤكدة عن قرب تخطيط الحدود البرية، وبالتالي ما كان من مصلحتهم قلب الطاولة بضربة واحدة أو على الأقل لم يخططوا لذلك.

"لا فلسطين ولا لبنان"

في السياق عبّرَت جماعات إيرانية عن استياء متزايد من دعم طهران غير المحدود للقضية الفلسطينية، حين ردد متظاهرون في العامين (2022 ـ 2023) شعارات تعكس امتعاضهم من دعم بلادهم للقضية الفلسطينية والمقاومة اللبنانية "لا فلسطين ولا لبنان، نحن فداء لإيران". وذهب ظريف إلى أبعد من ذلك عندما صرح بأن حلفاء إيران في محور الممانعة، عملوا لمصالحهم الخاصة وأحيانا كثيرة على حساب مصالح إيران، وذلك في إشارة إلى تنفيذ عملية "طوفان الأقصى" من دون التشاور مع القيادة الإيرانية. وانتقد ظريف موقف بلاده التي "تريد أن تكون فلسطينية أكثر من الفلسطينيين أنفسهم". كأنه يضمر القول إن سياسة السلطة الفلسطينية هي السياسة الواجب تأييدها وليس سياسة حماس والجهاد الإسلامي والمنظمات المقاتلة الأخرى.

بيد أن تصريحات ظريف كما هتافات المعارضين للحكومة الإيرانية، على أهميتها، لا تعبر عن حقيقة الموقف الرسمي في إيران تجاه القضية الفلسطينية، وهي بعيدة عن مراكز القرار الفعلية في الجمهورية الإسلامية ولا حظّ لها في تغيير سياسة إيران الفلسطينية اقله في المدى المنظور.

كان من الصعب على طهران أن ترى البساط ينسحب من تحت أقدام محور الممانعة باللعبة الإبراهيمية التي قد تغير وجه المنطقة وخريطة المصالح فيها، فكان "الطوفان" والراجح أنه تم بإشراف إيراني، لكن المفاجأة كانت في حجم العملية وآثارها التي تجاوزت كل الحدود المتوقعة. لعل طهران كانت تتوقع تصعيدا تحت السيطرة يشبه ما سبق، فإذا بها تفاجأ بـ "بيرل هاربر" فلسطيني غيّر كل قواعد الاشتباك. وكان عليها أن ترد على هذه المفاجأة وعلى هذا التغيير.يحتفظ ظريف بتأثير في أوساط النخبة والراي العام، لكن لا رجاحة لأقواله في مراكز صنع القرار وبخاصة في الحلقة الضيقة المحيطة بالمرشد الأعلى، وقيادة الحرس الثوري الإيراني، او فيلق القدس وتيار المحافظين.

معلوم أن ظريف ينتمي إلى فريق الرئيس السابق المعتدل حسن روحاني، وقد ارتبط اسمه بالاتفاق النووي الإيراني الذي الغاه دونالد ترامب (8مايو ـ أيار 2018)، وبالتالي يُذَكِّرُ الإيرانيين بالفشل الذي نجم عن سياسة المعتدلين في هذا المجال الحيوي. ولعل ذلك يفسر بطبيعة الحال، هزيمتهم وفوز المحافظين بالرئاسة عبر اختيار الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي. (آب ـ أغسطس 2021).

وعليه من الصعب أن تغير تصريحات ظريف أو الاحتجاجات المحدودة في الشارع، موقف إيران من فلسطين التي احتلت موقعا استراتيجيا في سياسة طهران الخارجية منذ انطلاقة الثورة الإسلامية في العام 1979، وما تزال فلسطين قضية إيران الأولى في الشرق الأوسط حتى اشعار آخر وهي تتيح للجمهورية الإسلامية دورا مركزيا يدعم موقعها الاقليمي ونفوذها الدولي وعلاقاتها المميزة مع روسيا والصين ودورها في التأثير على طرق التجارة العالمية التي تعبر الشرق الأوسط نحو اوروبا.

 شرعية الثورة الإيرانية

مقابل تصريحات ظريف النقدية أجمعت مراكز القرار على وجوب دعم القضية الفلسطينية وعلى التفاخر بـ "طوفان الأقصى" التي ربما ما كان يمكن أن تتم لولا الموافقة الإيرانية أو على الأقل التسامح مع قيامها. ومن الطبيعي ألا تتبنى إيران العملية رسميا فتضع نفسها في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

يمكن أن نذهب إلى أبعد من الترحيب في موقف إيران، إذا افترضنا أنها لا تخشى ردود الفعل الإسرائيلية، ما دامت هي ومحورها في موقع شديد الثقة بالاستعدادات والتدريبات والخبرة اللازمة لخوض حرب ناجحة ضد الدولة العبرية. لنتذكر معا فرضيات الحرب التي كان المحور يناقشها ومن بينها اجتياح الجليل الاعلى وصولا الى حيفا خلال أسبوع أو أسبوعين، فضلا عن الخطاب الإيراني القتالي الذي تتردد فيه جمل من نوع: جحيم الصواريخ الإيرانية يمكن أن يدمر إسرائيل ويحيلها إلى رماد.

أما الافتراض بأن عملية" طوفان الأقصى" قد تشعل حربا مفتوحة مع إسرائيل، وأن ذلك يتناقض مع التفاهم الإيراني السعودي أو تخطيط الحدود البحرية مع لبنان أو إشاعة أجواء الاستقرار، هذا الافتراض لم يكن مطروحا عشية العملية، وكان يمكن أن يطرح لو أن واشنطن تريد حلا مناسبا للملف النووي الإيراني ولو أن إسرائيل لا تعمل بطريقة حثيثة على إشعال حرب أمريكية غربية ضد الجمهورية الإسلامية.

 أُخَمِّنُ أن حسابات إيران قبل الطوفان كانت تميل إلى لجم إسرائيل أو ردعها، كي ترسم مع حلفائها في المحور وأصدقائها الروس والصينين خريطة جيوسياسية في المنطقة حول طريق الحرير لا تكون فيها الدولة العبرية القوة المُعَطِّلة والاقوى في الشرق الأوسط. ولا تكون قطبا مقررا في التطورات القادمة على هذا الطريق، الذي تحتل فيه إيران دورا أساسيا في حين يستبعدها "طريق الهند" الذي يضم الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والسعودية وإسرائيل والأردن والذي يصل الهند بالشرق الأوسط وأوروبا.

ألفت الانتباه هنا إلى أن الإعلان عن "طريق الهند" التجاري تم في 10 أيلول ـ سبتمبر 2023 قبل أقل من شهر من عملية "طوفان الأقصى". هذا الطريق يتفرع إلى ممرين. الأول يربط الهند بميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة وممر آخر يربط الفجيرة بالسعودية والأردن عبر سككك حديدية تصل إلى ميناء حيفا في إسرائيل ومنها عبر المتوسط الى أوروبا والولايات المتحدة وهو يعزل إيران تماما في إقليم تعتبره اقليمها.

إن الصواريخ والمسيرات الحوثية الفعالة، التي ظهرت فيما بعد على طريقي الهند والصين التجاريين، تفصح عن تخطيط إيراني استراتيجي يتيح كلمة وازنة لمحور الممانعة، وذلك عبر بسط النفوذ على طريقين بحريين مركزيين في المنطقة، هما باب المندب ومضيق هرمز. هذا النفوذ بدا فعالا في حرب "الطوفان" عبر محاصرة إسرائيل في البحر الأحمر وكشف محدودية قدرتها الدفاعية كما تبين من بعد.

 استنادا إلى ما تقدم، يمكننا التوقف عند مؤشرات عديدة تفيد بان إيران كانت على علم بالعملية مبدئيا، ولربما بحجمها وتوقيتها وان صح ذلك فهذا يعني انها شاركت في التخطيط لها وعقدت رهانا عليها لإضعاف إسرائيل والدفاع عن المصالح الإيرانية الاستراتيجية في الإقليم.

 من بين المؤشرات التي تسير في هذا الاتجاه اتوقف عند تصريح السيد محمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى الإيراني إذ قال أن بلاده شاركت في التخطيط للعملية، لكنه تراجع عن تصريحه فيما بعد (تشرين الثاني ـ نوفمبر 2023). وقد حاول الناطق باسم الحرس الثوري العميد رمضان شريف أن يتبنى العملية (27 ديسمبر ـ كانون الأول 2023) بقوله انها انطلقت من اجل الثأر لقاسم سليماني بعد أن اعتبره إسماعيل هنية "شهيد القدس" في خطاب علني، لكن قيادة حماس في الدوحة، سرعان ما نفت ذلك بقولها ان العملية تمت بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ليعدل أبو عبيدة الناطق باسم "كتائب القسام" في غزة هذا النفي بقوله ان "طوفان الأقصى" يمكن ان تكون في أحد وجوهها انتقاما لكل الذين سقطوا على طريق القدس. ومن ثم انتهى هذا الاختلاف بتصريح لقائد الحرس الثوري حسين سلامي أكد فيه أن لا ترابط بين "طوفان الأقصى" واستشهاد قاسم سليماني، وأن العملية الفلسطينية تمت بقرار فلسطيني مستقل.

المشاركة في التخطيط

ما من شك في أن سعي الحرس الثوري لتصنيف "طوفان الأقصى" في خانة رمزه الأكبر قاسم سليماني، مؤشر افتراضي على مشاركة إيران في التخطيط لهذه العملية، فضلا عن مؤشرات أخرى من بينها زيارة إسماعيل هنية رئيس الحركة الراحل، طهران في سبتمبر ـ أيلول 2023 قبل أقل من شهر من تنفيذ العملية. ومن غير المستبعد بحسب المصادر الأمريكية أن تكون قيادات أخرى قد زارت العاصمة الإيرانية لهذا الغرض.

إن الصواريخ والمسيرات الحوثية الفعالة، التي ظهرت فيما بعد على طريقي الهند والصين التجاريين، تفصح عن تخطيط إيراني استراتيجي يتيح كلمة وازنة لمحور الممانعة، وذلك عبر بسط النفوذ على طريقين بحريين مركزيين في المنطقة، هما باب المندب ومضيق هرمز. هذا النفوذ بدا فعالا في حرب "الطوفان" عبر محاصرة إسرائيل في البحر الأحمر وكشف محدودية قدرتها الدفاعية كما تبين من بعد.وفي السياق تجدر الإشارة إلى تأكيد السيد حسن نصر الله أكثر من مرة، أن الحزب والمحور كان على علم بالتخطيط لعملية عسكرية كبيرة من طرف حماس من دون العلم بتفاصيلها وحجمها وتوقيتها. هذا العلم المسبق كان يجب أن يأخذ بعين الاعتبار رد الفعل الأمريكي والإسرائيلي الذي عرف الحزب بعضا منه جراء عملية "الوعد الصادق" 2006، وبالتالي كان ينبغي التوقع بأن يكون هذه المرة ـ مع حكومة الحرب الإسرائيلية ـ أكبر وأخطر بكثير من ذي قبل الامر الذي يضعف فرضية المفاجأة التي لمح اليها المحور مرارا.

كذلك يمكن افتراض الترابط بين عملية "طوفان الأقصى" والانتقادات الإيرانية للتطبيع المنتظر بين السعودية وإسرائيل إذ أكد الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي أن بلاده ترفض التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة (سبتمبر ـ أيلول 2023). وجاء تصريح رئيسي في سياق انتقادات إعلامية واسعة للتطبيع المفترض، لعل اكثرها وضوحا وحِدَّة ما ورد في خطاب للسيد حسن نصر الله في 2 أكتوبر ـ تشرين الأول 2023، أي قبل خمسة أيام من الطوفان، حين قال حرفيا "إن التطبيع هو طعن بالشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس". ومن غير المستبعد أن يكون الطوفان قد وقع استباقا لما ترفضه حماس وإيران ومحور الممانعة عموما.

كذلك كان رد الفعل الإيراني المباشر على عملية "الطوفان" مُرَحِّباً بطريقة توحي وكأنها كانت منتظرة. فقد صدر الترحيب الأول من المرشد الأعلى ومن قائد الحرس الثوري وشخصيات مؤثرة في الجمهورية الإسلامية من دون تبني العملية رسميا.

واستبعد النفي القاطع أن إيران فوجئت بعملية "طوفان الأقصى"، أو لم تكن تتوقعها لأنها مضرة بمصالح الجمهورية الإسلامية كما يوحي استنتاج محمد جواد ظريف. ومن المرجح أيضا ان يكون تخطيط حماس للعملية وتنفيذها قد تم بحجم وزخم مفيد للمقاومة في غزة، يتيح لها اختبار فعالية المحور ووحدة الساحات، وبالتالي اقفال كل الطرق التي قد تبعد بعض أطراف المحور ـ الذاهبة إلى تسويات محلية ـ عن الصراع مع الكيان الصهيوني.

 في المحصلة لا يمكن ان نهمل معرفة إيران المسبقة بعملية " طوفان الأقصى" واحتمال مشاركتها في التخطيط وذلك للأسباب التالية:

أولا ـ تدعم إيران وتمول وتنقل خبرتها الصاروخية وتدرب أطراف محورها وبالتالي لا يمكن أن تكون "خارج التغطية" عندما ينفذ أحد الأطراف عملية عسكرية بحجم هجوم السابع من أكتوبر. وإذا أردنا توسيع هذا الاحتمال يمكننا القول أن إيران كانت على علم بالتخطيط لعملية غير عادية وكانت قادرة على اختبار رد الفعل الإسرائيلي بالقياس الى حرب لبنان المشار اليها اعلاه. وهي ما كانت تحسب بطبيعة الحال أن يتخذ رد الفعل الإسرائيلي ـ الأمريكي على "الطوفان" هيئة حرب إبادة جماعية.

ثانيا ـ  يفصح رد الفعل الأمريكي والغربي المباشر على هذه العملية عن تقدير أو معرفة بأن "طوفان الأقصى" ليست عملية غزاوية كسائر عمليات المقاومة. إنها عمل مخطط يهدف إلى إضعاف إسرائيل وتهميشها في مشاريع الطرق التجارية الاستراتيجية في الشرق الأوسط وهي لا تتحمل هذا الاختبار ولا تستطيع التعايش معه.

ثالثا ـ تزامنت العملية مع تغيير متوقع في المنطقة يتعلق بمصير القضية الفلسطينية وذلك  عبر التطبيع السعودي ـ الإسرائيلي، الذي من شأنه لو تم أن يضع القضية في مسار جديد ويخرجها من العمل المسلح. وفي السياق يمكن للتطبيع أن يزيل عقبة هائلة امام "طريق الهند" التجاري مقابل "طريق الحرير" الصيني.

كان من المتوقع أن يقفل التطبيع السعودي مع إسرائيل أبواب الجامعة العربية امام أي خط آخر للتعاطي مع القضية الفلسطينية، غير الخط الذي تعتمده السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس، وذلك للمرة الأولى منذ نشوئها، ويضعف شرعية العمل لدعم هذه القضية خارج حدود الجامعة، فضلا عن فتح افق إسلامي امام هذا الخيار. لنتخيل اجتماع واتفاق تركيا وباكستان واندونيسيا والسعودية في الفضاء الاسلامي على "حل الدولتين" مع الاعتراف بالدولة العبرية. هذا الاعتراف يمكن ان يضعف ولربما يهمش موقع إيران في الإقليم وفي العالم الإسلامي.

ما كان يمكن لإيران أن تنصاع للتغيير القادم في مصير القضية الفلسطينية وفي مصير طرق التجارة، وبالتالي تهميشها، وهي التي ربطت شرعية ثورتها بفلسطين، واعتبرتها القضية المركزية للجمهورية الإسلامية.إن التغيير الاستراتيجي الذي كان يلوح في أفق المنطقة ما كان بوسع محور الممانعة اعتراضه من دون عملية كبيرة من وزن "طوفان الأقصى"، تشعل حربا تحت السيطرة وتغير قواعد الاشتباك وتعطل التطبيع القادم.

ولا أغالي كثيرا بالقول إن حزب الله كان قد جرب في تلك الفترة نفسها، استدراج إسرائيل إلى فخ، عندما نصب خيمتين على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. الأولى في نيسان ـ أبريل 2023 قرب موقع للأمم المتحدة في مزارع شبعا المتنازع عليها، والثانية في أيار ـ مايو 2023 على بعد خمسين مترا داخل ارض تعتبرها إسرائيل تابعة. لم ترد إسرائيل على هذا الاستفزاز الذي كان يهدد بانفجار على الحدود، يُرَجّحُ ان توقيته ما كان مناسبا للدولة العبرية.

رابعا ـ ما كان يمكن لإيران أن تنصاع للتغيير القادم في مصير القضية الفلسطينية وفي مصير طرق التجارة، وبالتالي تهميشها، وهي التي ربطت شرعية ثورتها بفلسطين، واعتبرتها القضية المركزية للجمهورية الإسلامية.

نعم كان من الصعب على طهران أن ترى البساط ينسحب من تحت أقدام محور الممانعة باللعبة الإبراهيمية التي قد تغير وجه المنطقة وخريطة المصالح فيها، فكان "الطوفان" والراجح أنه تم بإشراف إيراني، لكن المفاجأة كانت في حجم العملية وآثارها التي تجاوزت كل الحدود المتوقعة. لعل طهران كانت تتوقع تصعيدا تحت السيطرة يشبه ما سبق، فإذا بها تفاجأ بـ "بيرل هاربر" فلسطيني غيّر كل قواعد الاشتباك. وكان عليها أن ترد على هذه المفاجأة وعلى هذا التغيير.

مقالات مشابهة

  • تحقيق السلام العادل.. تعليق قوي من أحمد موسى على كلمة الرئيس السيسي
  • تعليق قوي من الرئيس السيسي على محاولات إسرائيل للتطبيع مع الدول العربية
  • الرئيس السيسي: السلام العادل لن يتحقق إلا بحل جذري يعيد الحقوق إلى أصحابها وينهي الاحتلال
  • خدمات متكاملة.. منفذ جديدة عرعر يواصل استقبال حجاج العراق
  • “فتح الانتفاضة”: محاولات “استعادة الردع الصهيوني” تحطمت أمام الصمود اليمني
  • طريق السلام للتجارة الدولية
  • خامنئي يعترض التطبيع السعودي ـ الإسرائيلي على طريق الهند التجاري
  • أهم حدث في الساحة حاليا هو العدوان الذي يتعرض له السودان من تحالف دولي يدمر في بنيته التحتية
  • السيد القائد: العدوان الهمجي الوحشي الإجرامي الذي يقوم به العدو الإسرائيلي على قطاع غزة يعتمد على الدعم الأمريكي والغربي (إنفوجرافيك)
  • غوتيريش: السلام العادل هو الحل الوحيد للحرب في أوكرانيا