إسلام عفيفي يكتب: اختبار غزة.. مشاهد سقوط عالم فقد عقله.. وإعلام غربي يشارك في الجريمة بالأكاذيب
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
أوضاع إنسانية قاسية تُدمي القلوب وتذهب بالعقول، أصبحنا نعيش فى عالم فَقَدَ صوابه، فالذين يصرخون من أجل حقوق الإنسان ويهاجمون حكومات ويُسخِّرون الإمكانيات لرصد التجاوزات، ويُنشئون من أجلها المنظمات والمؤسسات، إذا بهم يسقطون فى اختبار غزة، هذا الاختبار الذى فضح الشعارات وأسقط الأقنعة، صمت العالم الغربى (أغلبه) أمام المجازر التى ارتكبها الكيان الصهيونى، بل إنه لم يكتف بهذا الصمت كنوع من التواطؤ بل فضّل أن يكون فاعلًا أصيلًا وشريكًا حقيقيًا فى الجريمة وليس فقط شريكًا متضامنًا.
كانت الوفود الغربية تترى وراء بعضها البعض ليس لزيارة الضحايا أو المصابين فى المستشفيات المكتظة، ولكن للحج إلى مكتب نتنياهو لينالوا البركة من يدين ملطخة بدماء الأبرياء، مبكرًا جاء بايدن ليكون فى طليعة القادمين ليحتضن القاتل ويحضر اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر، ويعلن أمام العالم كله أن إسرائيل ليست وحدها، هذا التصريح الذى كان بمثابة ضوء أخضر لإعلان الحرب على غزة وحصارها وتجويعها والقتل البطيء لشعبها، ويرسل حاملة طائرات لدعم ومساندة إسرائيل فى مهمتها، ومطالبة الكونجرس بتخصيص مساعدات استثنائية لحكومة نتنياهو بلغت ١٤ مليار دولار كبداية، وهنا ووفقًا لهذا السياق لا نندهش على الإطلاق عندما يقول بايدن بعد مرور ساعات قليلة على قصف المستشفى الأهلى المعمداني ما نصه: يبدو -ولنركز جيدا فى كلمة يبدو أو أنه ليس متأكدا - أن الفريق الآخر هو الذى فعلها [وأظن أنه لا يدرك ولا يعرف من هو الفريق الآخر الذى يتحدث عنه، لتظهر إسرائيل فى الصورة وتتلقف الاتهام وتهندسه على مقاس الجهاد الإسلامي، ثم يسقط بايدن مجددا [بتصريح فضيحة] بإدانته لذبح حماس للأطفال، وتحدث رئيس أكبر دولة فى العالم كأنه مواطن ساذج دون أن يتحقق مما نشرته التايمز [حماس تذبح حناجر الرضع]، واضطر البيت الأبيض للتراجع بعدها عن التصريحات، وإذا عدنا إلى أصل هذا التصريح فسنكتشف أنها مجرد رواية كاذبة على لسان أحد زعماء ومشاهير الاستيطان فى الضفة الغربية (ديفيد بن صهيون) الذى تحدث عن المجازر المزعومة للتليفزيون الاسرائيلي ونقلتها عنه الصحف والقنوات الأمريكية، ولم يفكر أحد فى هذه المؤسسات الإعلامية العريقة من ضرورة التحقق أو البحث عن أدلة لدعم القصة بمصادر قريبة من الحدث، ولم يسأل منهم أحد نفسه كيف ينقلون عن مواطن يعيش فى الضفة الغربية بعيدا عن الأحداث ويعتمدون نشرها بهذا البساطة؟! وهنا نعزو الأمر لأسباب نفسية بحتة، فنحن نصدق أى أكاذيب تساق عن المقاومة المتوحشة، ألم يصفهم وزير الدفاع الاسرائيلي بأنهم حيوانات بشرية؟! فإذا كانوا كذلك فلا حاجة إذن للبحث والتحرى والتقصى، فهم مؤهلون لفعل كل ما هو قبيح وغير إنسانى وغير أخلاقى.
مشهد سقوط الإعلام الغربى كان مدويًا لا يضاهيه سوى سقوط بايدن نفسه، لقد وقع الاعلام الذى يدعى الموضوعية والمصداقية ويعتبر نفسه النموذج فى عرض الحقائق وتناول القضايا، وامتثل مستسلما لأنماط وصور ذهنية متجذرة فى العقل الغربى عن الشرق الذى لا يقدر ولا يكترث لحقوق الإنسان بشكل مطلق، فماذا إذا دخل هؤلاء فى صراع مسلح بل ماذا تفعل فصائل مقاومة، وليس مؤسسة عسكرية نظامية مع المدنيين، وفق هذه السردية سترتكب المجازر بلا وازع من ضمير، هذه فلسفة الإعلام الغربى فى تناولهم للاحداث فتم تنظيم حملة شرسة لشيطنة غزة وأهلها، وفلسطين وقضيتها، وبما أنهم ملائكة فواجبهم المقدس هو محاربة الشياطين إعلاميا ليطهروا الأرض من شرورهم على يد قيادات عسكرية عظيمة أمثال نتنياهو ورفاقه المتطرفين!.
هذه الحملة الإعلامية الغربية كانت كفيلة لقبول المجتمع الدولى كل الأفعال العنصرية التى تبنتها حكومة الفاسد نتنياهو والملاحق قضائيا، فلم يعبأ أحد بالقنابل الفسفورية التى سقطت على رؤوس الأبرياء فى غزة، ولم يهتم أحد بقطاع محاصر وتستصرخ نساؤه من أجل أطفال لا حول لهم ولا قوة فى محاولة لإبقائهم على قيد الحياة حتى لا يضافوا إلى قائمة الضحايا ( ١٥٠٠ طفلا ) وبينما شيوخه يتضورون جوعا، ومصابيه لا يجدون إسعافا فينتظرون فى صمت رحيلا مؤلما وموجعا، ومدن كاملة تعيش تحت القصف بلا ماء أو دواء أو غذاء.
حكومات كثيرة صمتت، وأخرى اكتفت بتصريح على لسان متحدثها ذرا للرماد فى العيون، ولا مانع لديهم أن يحضروا اجتماعا حتى لا تسقط ورقة التوت الأخيرة عنهم، ووسط كل هذا السقوط والتواطؤ برز الدور المصرى واصرار القيادة السياسية على إغاثة المنكوبين وفك الحصار، وجاءت الكلمات على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي مدوية لِتُسمع كل عواصم الدنيا فى قمة السلام بالقاهرة إن ما يحدث يختبر إنسانية هذا العالم والقيم الحضارية التى أسسها على مدى قرنين من الزمان، لتبدأ شاحنات المساعدات فى الدخول لإغاثة أهل غزة، ولكن على الجانب الآخر تتدفق الأسلحة وكل الأبواق والحكومات الغربية تواصل دعمها اللامحدود عسكريا وماديا ودبلوماسية للكيان وللكائنات نتنياهو ولكن هل نتنياهو قادر على أن يقود هذه الحرب المقدسة ليخلص العالم الأشرار ويهنأ كوكب الأرض بالسلام والاستقرار؟!.
يجيب الكاتب الأمريكى الأشهر توماس فريدمان على هذا التساؤل مخاطبا الرئيس الأمريكى قائلا:
يجب على بايدن أن يدرك أن بنيامين نتنياهو غير مؤهل لإدارة هذه الحرب كلاعب عقلاني. بعد هذه الهزيمة الهائلة، كان الشيء الأقوى والأكثر توحيدًا الذي كان يمكن لنتنياهو أن يفعله هو الدعوة إلى انتخابات إسرائيلية جديدة في غضون ستة أو تسعة أشهر - والإعلان عن أنه لن يترشح؛ فهو ينهي حياته المهنية في السياسة، وبالتالي يستطيع الإسرائيليون أن يثقوا في أن أي قرارات سيتخذها الآن بشأن غزة وحماس لن تضع في الاعتبار سوى المصلحة الوطنية الإسرائيلية؛ فهو لن يضع في اعتباره مصلحته الخاصة في البقاء خارج السجن بتهم الفساد، الأمر الذي يتطلب تمسكه بالمجانين اليمينيين في حكومته (الذين يتخيلون في الواقع أن إسرائيل سوف تعيد احتلال غزة وإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية هناك) من خلال مطاردة بعض الأشخاص. نصر عسكري كبير وقصير الأمد يمكن أن يحققه للناخبين الإسرائيليين كتعويض عن الكارثة التي حدثت للتو.
إسلام عفيفى: كاتب صحفى، ترأس تحرير أكثر من صحيفة مصرية، يكتب عن إزدواجية الغرب، وأكاذيبه التى أسقطت كل الأقنعة حول أحاديثهم الممجوجة عن حقوق الإنسان والقيم الإنسانية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: اسلام عفيفي اختبار غزة الإعلام الغربي توماس فريدمان الحرب غزة إسرائيل
إقرأ أيضاً:
فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. «9» الخلط بين «الإسلام والإرهاب»
في العاشر من يوليو 2014، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربًا ضد قطاع غزة استمرت نحو خمسين يومًا، ولم ينجح جيش الاحتلال في القضاء على حماس ولا في تدمير الأنفاق الهجومية ولا في صد محاولات التسلل من البحر والجو، وهو ما أكد عليه «يعقوب عميدرور» مستشار الأمن القومي لرئيس حكومة نتنياهو سابقًا.
وفي 11 أغسطس 2014، ألقى نتنياهو خطابًا أمام المؤتمر الدولي الرابع عشر لـ«معهد سياسة مكافحة الإرهاب» في هرتسليا قال فيه «إن الشرق الأوسط، يتمزق أشلاء، حيث تنهار بعض الدول فيه، وتصعد من فتحات الكثبان الرملية تيارات إسلامية متشددة بشتى أشكالها، حاملة معها عداواتها القديمة- الجديدة.
وقال: فى ضوء ذلك يواجه الشيعةُ السنةَ، وتتصارع التيارات السنية مع بعضها، فيما تجمع على مكافحة الغرب وإسرائيل، وتوظيف جميع هذه التيارات المتشددة الأسلوب ذاته «الإرهاب»، حيث يستهدف هذا الإرهاب أولًا أبناء شعوب هذه التيارات، ثم يستهدف إسرائيل.
وأضاف: غير أن الإرهاب الذى يستهدف إسرائيل يُمارس على نحو شديد الخصوصية، كونه لا يستهدف المدنيين الإسرائيليين فحسب بل أيضًا يجرى تطبيق بداية من خلال استخدام المدنيين لديهم (يقصد الفلسطينيين) دروعًا بشرية.
وقال نتنياهو: إننا بحاجة إلى الكثير من الموارد، وبالتالي تقضى الضرورة منا عند التعامل مع الواقع الجديد الذى بات العالم بأسره يعرفه- إحداث يغير في سلم أولوياتنا، وقال: لا يمكننا القول إننا سنخوض القتال وفق مفاهيم الحروب السابقة، بل يتعين علينا أن نتأهب لمواجهة الواقع.
(١) إن هذا الواقع الجديد الذى تنبأ به نتنياهو جعله كما يقول أمام خيار واحد ووحيد وهو تحقيق الأمن، وهذا لن يتأتى إلا من خلال زيادة ميزانية وزارة الدفاع عن أي وقت سابق وإعطاء هذه القضية الأولوية على القضايا الأخرى.
لقد أشار نتنياهو إلى خيارات إسرائيل بعد وصول الحل الدائم إلى طريق مسدود إلى قضية تحقيق الأمن، بما يسمح لإسرائيل أن تعبر بسلام- كما يقول- الاضطرابات التي عاشتها المنطقة في هذا الوقت أو بما أسماه «تسونامي الإسلام المتشدد».
(٢) وفى هذا الخطاب تناول نتنياهو رؤيته حيال انتشار الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط، وكان من رأيه أن الإسلام المتشدد سوف يهدد المنطقة وسكانها لأكثر من عقد من الزمن، وإنه سيهزم في نهاية الأمر، مثلما هُزم النازيون في نهاية الحرب العالمية الثانية كما يقول.
وفى خطابه بتاريخ 29/6/2014 تحدث نتنياهو عن أربعة تحديات أمنية تحدد استراتيجية (الدولة اليهودية) في مواجهة المخاطر التي تعترضها وهي:
الأول: تحصين الحدود والدفاع عنها عن طريق سياج أمنى في الشرق عند منطقة الحدود مع الأردن، إلى جانب السياج الموجود في هضبة الجولان، وذلك الموجود في سيناء (على طول منطقة الحدود مع مصر) يُضاف إلى ذلك وجود عسكري إسرائيلي على نهر الأردن والمحافظة على استقلالية إسرائيل العسكرية.
وقد أوضح نتنياهو في خطابه «أنه في ظل الشروط الحالية، لا يمكن الاعتماد على قوات عربية درّبها أجانب، وأعطى نماذج على فشل هذه النظرية بالإشارة إلى قوات أمريكية دربت الجيش العراقي، وبعد انسحابها انهار هذا الجيش.
الثاني: السيطرة الأمنية على المنطقة الواقعة بين الأردن والتجمعات السكنية الإسرائيلية، بمعنى أنه يجب ألا تكون هناك دولة فلسطينية منزوعة من السلاح الثقيل، وأيضًا فإن إسرائيل تريد أن تكون إسرائيل قادرة على القيام بعمليات إحباط وردع عسكرية داخل أراضيها، وبذلك تكون الدولة الفلسطينية ذات سيطرة سياسية واقتصادية فقط، ودحض نتنياهو القول: إن السيطرة الأمنية الإسرائيلية تشكل تعديًا على السيادة الفلسطينية وأعطى مثالًا اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية التي توجد فيها قوات عسكرية أمريكية للدفاع عن المصالح الأمنية للولايات المتحدة.
الثالث: التعاون الإقليمي المحدود بين إسرائيل ودول عربية معتدلة بهدف كبح الإسلاميين الجهاديين المتشددين، وقد كرر نتنياهو في خطابه رغبته بالتعاون مع دول الخليج، لكنه أمر علنًا بأن إسرائيل مستعدة لمساعدة الأردن عسكريًا، وأنها تؤيد تطلع كردستان نحو الاستقلال السياسي، كما يعتبر مصر شريكًا في هذا المعسكر.
الرابع: منع إيران من التحول إلى دولة نووية، وفى رأي نتنياهو أن من الأفضل لإسرائيل وللسلام في العالم عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران، وسبب ذلك في رأيه أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن العقوبات الاقتصادية على إيران ستستمر، وفى النهاية ستضطر إيران إلى الرضوخ لمطالب الغرب بدلًا من أن يخضع الغرب لمطالبها، ويطالب نتنياهو- وفق هذه الرؤية- بتجريد إيران من قدراتها على تخصيب اليورانيوم، مثلما جرى مع سوريا لدى تجريدها من القدرة على إنتاج سلاح كيميائي.
(٣) في هذا الوقت تحدث نتنياهو عما أسماه «أفق سياسي جديد»، وهو أفق كما أوضحت الحقائق ليس مرتبطًا بتسوية سياسية مع الفلسطينيين إلا إذا كانت تلبي رؤية إسرائيل الأمنية، بهدف فتح الطريق أمام تعاون إقليمي بين إسرائيل ودول عربية معتدلة لمكافحة ما يسميه بالإرهاب الإسلامي، وهو ما أوضحه في الخطابين اللذين ألقاهما أمام الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم 29/9/2014، وأيضًا أثناء افتتاح دورة شتاء 2014، للكنيست الإسرائيلي يوم 27/10/2014.
لقد أعلن نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة قائلًا إنه وبالرغم من التحديات الهائلة التي تواجه إسرائيل- فإنني أعتقد بوجود فرصة تاريخية أمامنا، إذا أصبحت بعض الدول القيادية في العالم العربي تُقر- بعد عقود من النظر إلى إسرائيل بصفة عدو- بحقيقة مواجهتنا المشتركة لنفس التهديدات المتمثلة تحديدًا بحصول إيران على القدرات النووية وبالحركات الإسلامية المتشددة التي تضرب جذورها في العالم لسنين.
وقال: إن التحدي الذى يواجهنا هو الاستفادة من هذه المصالح المشتركة لإقامة شراكة مثمرة لأجل بناء شرق أوسط أكثر استقرارًا وأمنًا وازدهارًا.
وقال: سنستطيع معًا العمل على تعزيز الأمن الإقليمي ودفع المشاريع المشتركة في مجالات المياه والزراعة والمواصلات والصحة والطاقة وغيرها من المجالات الكثيرة، وأضاف: كما أنني أعتقد بأن الشراكة بيننا قد تساهم في دفع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، مضيفًا: إن الكثيرين كانوا يرون من فترة طويلة أن السلام الإسرائيلي - الفلسطيني قد يساهم في دفع المصالحة الأوسع نطاقًا بين إسرائيل والعالم العربي، غير أنني أعتقد حاليًا بأن الأمر يسير في الاتجاه المعاكس، إذ إن المصالحة الأوسع نطاقًا بين إسرائيل والعالم العربي قد تساهم في دفع السلام الإسرائيلي الفلسطيني، ويقتضى تحقيق هذا السلام التطلع ليس إلى القدس ورام الله فحسب، بل أيضًا إلى القاهرة وعمان وأبوظبي والرياض وعواصم أخرى، وقال: أعتقد أنه يمكن تحقيق السلام من خلال اضطلاع الدول العربية بدور فعال، أو تلك منها المستعدة لتقديم المساهمات السياسية والمادية وغيرها من المساهمات الحيوية.
(٤) وتحدث نتنياهو عن نفس المضمون في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي في 27/10/2014، قائلًا: أرجو أن تتحلوا بقليل من الصبر وكثير من المسئولية، إذ أن الأمل موجود على اعتبار أن هناك تغييرًا بطيئًا، لكنه تغيير واضح يجرى الآن في الدول المحورية للعالم العربي التي تتطابق نظرتها مع نظرة إسرائيل حيال الكثير من التحديات التي نواجهها.
وقال: إننا ندرك أن أكبر المخاطر لها- ولنا- تأتى من الإسلام المتشدد، وسوف نواصل مراجعتها لاستطلاع الفرص السانحة لدفع الحلول الإقليمية التي يمكنها المساهمة أيضًا في حل نزاعها مع الفلسطينيين، وقد قيل دائمًا إن التسوية مع الفلسطينيين ستؤهل الطريق لعلاقاتنا مع العالم العربي - وهناك بعض الحقيقة في الأمر- غير أن هناك حقيقة أخرى، وهى أن التسوية مع العالم العربي قد تساعد على تسوية علاقاتنا مع الفلسطينيين.
(٥) غير أن رؤية نتنياهو للسلام مع الفلسطينيين كانت ترتكز على ثوابت لا يمكن الحياد عنها وهى مرتبطة بأمن ومصالح واستراتيجية إسرائيل، وهو على سبيل المثال عبر عن ذلك في مقابلة أجرتها صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية في 24/9/2014، عندما قال: إنه ومن جراء هذا الواقع الجديد، فإن مبادرة السلام العربية من العام 2002، لم تعد صالحة لتحقيق تسوية كهذه- وهكذا كانت رؤية نتنياهو التي عبر عنها في خطاباته المختلفة في هذا الوقت إنه يجب توقيع اتفاقيات سلام مع الدول العربية التي ليس لدى إسرائيل أي مشاكل جغرافية معها وبحيث تبقى القصة الإسرائيلية- الفلسطينية عالقة في الهواء- كما يقول- إلا إنه كان دومًا يركز في خطاباته على ما يسميه بـ»الإسلام المتشدد» زاعمًا أنه العائق الأساسي أمام عملية السلام، الأمر الذى تكذبه تصريحاته في فترات مختلفة عن «الدولة اليهودية» التي يجب أن تقام على ما يسميه بكل أرض إسرائيل والتي لم تقف عند حدود بعينها.
لقد أراد نتنياهو بحديثه عن «الإسلام المتطرف» إيصال رسالة للعالم مفادها: أن التعصب الإسلامي يشكل تهديدًا للعالم أجمع ومن ضمنها إسرائيل.
إذ يقول: إن منفذي أعمال القتل «الإرهابيين» الذين ينفذون الإرهاب ويستوحون أعمالهم مباشرة من المتعصبين الإسلاميين. ويضيف: هؤلاء المتعصبون يريدون في المرحلة الأولى السيطرة على منطقتنا، ولكن في وقت لاحق على أجزاء أخرى من العالم حتى الدول المجاورة لسواحل البحر الأسود.
(٦) كان الهدف من وراء هذه الادعاءات التي ساقها ولايزال يسوقها «نتنياهو» هو تصوير الدين الإسلامي على أنه دين عنف وإرهاب يهدف إلى احتلال العالم، بالإضافة إلى تجنيد دول العالم لمحاربه الإسلام باعتباره تهديدا لهم جميعًا.
لقد كان من ضمن أهداف هذه الادعاءات والأكاذيب هو تبرير جرائم إسرائيل وحروب الإبادة التي تشنها ضد الشعب الفلسطيني وتصوير المقاومة الفلسطينية على أنها «إرهاب إسلامي» يتوجب وحدة العالم لمواجهته، وكأن الحق الفلسطيني لا يدافع عنه سوى من يتبنون «الأيديولوجية الإسلامية»، وحتى هؤلاء ليسوا سوى حركة تحرر وطني توافقت مع بقية الفصائل على مقاومة العدو الصهيوني والسعي إلى تحرير الأراضي الفلسطينية والمقدسات الإسلامية والمسيحية على السواء.
اقرأ أيضاً«مصطفى بكري»: كلمة الرئيس أمام القمة العربية رسالة قوية لمن يحاولون تغييب القضية الفلسطينية
مصطفى بكري يستقبل مستشار رئيس الجمهورية اليمنية لشئون التقاضي
مصطفى بكري يحذر: مخطط أمريكي لتهجير مليون فلسطيني من غزة إلى ليبيا