د. إيمان موسى تكتب.. ماذا فعلت فينا حرب غزة؟
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
انتصرت الأدوات العسكرية البسيطة للمقاومة الفلسطينية على مؤسسات استخباراتية وعملياتية لجيش يصنَّف أنه من أفضل 18 جيشاً حول العالم. كان يوم 7 أكتوبر بمثابة موقف كاشف لمتغيرات كثيرة أصبحت موجودة من حولنا لا نلتفت إليها.
على المستوى المحلى، رسخ لدى يقين وضمير وعقول المصريين أن لهم درعاً وسيفاً مثلما قالها الرئيس الراحل محمد أنور السادات بصوت جهورى فى البرلمان المصرى بعد نصر أكتوبر العظيم، فقد لاقت «كلمة مصر»؛ أى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى حفل تخرج الكليات العسكرية، قبولاً وترحيباً وفرحة لدى المصريين.
وجاءت تصريحات سيادته بعد يوم 7 أكتوبر، فى ظل الإشارات المتتالية من جانب القوى المعادية بالتلويح بملف سيناء وتهجير الفلسطينيين إليها وتصفية القضية الفلسطينية، بمثابة طلقات نارية مرتفعة الصدى، للدرجة التى جعلت القنوات الفضائية المعادية التى ظلت لأكثر من 10 سنوات تعادى الرئاسة المصرية فى حلقاتها اليومية، تصطف إلى جانب المصريين فى تأييدها لقوة تصريحات رئيس الجمهورية، والتى هى تصريحات مصر فى ذات الوقت، وذلك بغضّ النظر عن النوايا الخفية وراء هذا الموقف.
تأكد المصريون، كذلك، أن مصر لن تستطيع أى قوة إقليمية تحاول سرقة دورها «كأكبر دولة عربية» ولقب «الشقيقة الكبرى» انتزاع هذه المكانة منها، فبمجرد اندلاع الأحداث صدرت تصريحات الخارجية المصرية، التى لحقتها وتماشت معها تصريحات الدول العربية التى عهدت أن تمشى فى ظل مصر فى مثل هذه الأحداث، فكلمتها كلمة مصر، وموقفها هو موقف مصر، وهذا ما نطقه لفظياً رئيس حركة حماس فى أحد تصريحاته.
رسخ فى أذهاننا داخلياً أننا كمصريين وحدنا فى مواجهة الجميع، فقد صرّح مجلس التعاون الخليجى بأن سلاح البترول لا يمكن استخدامه كوسيلة فى أى حروب، كما اتسمت تصريحات دول عربية أخرى بالحياد فى ظل إقبالها على توقيع معاهدات تطبيع مع إسرائيل.
قرّت أعيننا بأن المصريين معدنهم لا يتغير عبر الزمن، فالمصرى بالداخل هو المصرى بالخارج، فقد أثارت تصريحات المؤثرين والمشاهير من المصريين موجات من الدعم الغربى، وتغيراً فى انطباعات ومعلومات المواطنين فى الغرب عن القضية الفلسطينية، وكيف أن التحول الذى حدث مع هجرة العرب والمصريين أحدث تغييرات جوهرية فى الهيكل الاجتماعى بل والسياسى، فهناك نشاهد اعتصاماً لدعم غزة فى الكونجرس الأمريكى، ثم نقرأ فى الأخبار أن مجموعة من أعضاء البرلمان فى بريطانيا تدعو لوقفة احتجاجية للدفاع عن غزة وعدم معاداة المسلمين، وإن كانت هناك أهداف انتخابية أخرى بشأن هذه التحركات، فلا يمكن أن نغفل هذه النقاط المضيئة فى وسط عتمة الانطباع الغربى عن الإسلام والمسلمين.
ثم نصل إلى التلبية الفورية من جانب المصريين لدعوات التظاهر التى دعا إليها السيد الرئيس لرفض تهجير الفلسطينيين إلى غزة ورفض القضاء على القضية الفلسطينية، وامتلاء الميادين والجامعات بالشباب المتحمس للقضية والواعى لخطورة ما يحدث.
لم يقُم المصريون بحرق سفارات أو إحداث أعمال تخريبية، بل تظاهروا فى رقى وبحمية تدل على أن مصر تغيرت، وأن الثقافة المجتمعية تأتى نتيجة شفافية مؤسسة الرئاسة فى شرح كافة القضايا للمواطنين علانية وبكل تفاصيلها، لأن هذا حق المواطن، وهو ما يجعله يقف خلف قيادته السياسية فى المواقف المختلفة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطينية 7 أكتوبر الإسلام والمسلمين الدفاع عن غزة
إقرأ أيضاً:
اسماء عبدالعظيم تكتب: «حين سبقنا التطوير.. ونسينا الإنسان»
في السنوات الأخيرة تغيّر شكل التعليم عندنا، تبدّلت المناهج، وتقدّمت التكنولوجيا، وظهر ما يسمّى بالمنظومة الحديثة، لكن شيئًا واحدًا لم يتغير… الإنسان. فالطفل الذي لم يُهَيّأ، والمعلم الذي لم يُدرَّب، ووليّ الأمر الذي فوجئ بما لا يفهمه، جميعهم وجدوا أنفسهم داخل تجربة أكبر منهم، تجربة تبدو متطورة على الورق لكنها متعبة على الأرض.
أردنا أن ندخل التعليم عصر الحداثة قبل أن نُدخل الإنسان نفسه في التجربة. أردنا أن نلحق بالعالم بينما نسينا أن الخطوة الأولى تبدأ من الداخل، من النفس، من التربية، من الوعي الذي يسبق كل تطور. وهكذا أصبح المشهد مضطربًا، كمن يبني بيتًا بأدوات ذهبية على أرض غير ممهدة… فيبدو البيت جديدًا، لكنه لا يصمد.
لم تكن المشكلة في الكتب ولا في الامتحانات ولا في شكل الفصول. المشكلة كانت في الفلسفة. يوم قررنا أن نغيّر طريقة التعليم بينما تركنا التربية تتآكل بصمت. المعلم الذي كان قدوة أصبح منهكًا، يواجه نظامًا لا يعرف كيف يحتويه. والطالب الذي كان يدخل المدرسة ليبحث عن معنى أصبح يدخلها ليواجه قلقًا لا يعرف سببه. ووليّ الأمر الذي كان سندًا أصبح يسير في طريق لا يرى بدايته ولا نهايته.
سقطت التربية قبل أن يسقط الدرس، وتاه التعليم لأنه فقد بوصلته. فما قيمة العلم إذا غابت عنه الروح؟ وما فائدة التطوير إذا دخل الطفل المدرسة حاملًا خوفًا بدلًا من شغف؟ وما جدوى المنظومة الحديثة إذا كان الإنسان القديم لم يُعَدّ لها بعد؟
التعليم ليس سباقًا في تغيير المناهج، ولا استعراضًا للأجهزة، ولا ضوءًا يلمع فوق منصة. التعليم هو الإنسان، وهو القلب الذي يحتضن الفكرة قبل أن تصل إلى العقل، وهو السلوك الذي يتربى قبل أن تُفتح أول صفحة في الكتاب. التعليم رحلة أخلاقية قبل أن يكون رحلة معرفية، وهو بناء للضمير قبل بناء الدروس.
إن خسارتنا الكبرى اليوم ليست في مستوى التحصيل ولا شكل الامتحان، بل في أننا نُخرج جيلًا يعرف الكثير ولا يشعر بشيء. جيلًا يحفظ المعلومات لكنه لا يعرف كيف يضعها داخل ضمير حي، ولا كيف يرى الإنسان قبل المادة، ولا كيف يفهم أن العلم رسالة وليس عبئًا.
وبداية الإصلاح لن تأتي من تعديل المناهج، بل من إعادة الروح إلى الإنسان نفسه: معلم يشعر بقيمته قبل أن يُطلب منه العطاء، وطفل يجد من يفهمه قبل أن يحاسبه، ووليّ أمر يعرف الطريق بدلًا من أن يسير فيه معصوب العينين. نريد مدرسة تُعيد تشكيل النفس قبل شرح الدرس، وتزرع الأخلاق قبل أن تقدّم المعلومة، وتُعيد للتربية مكانتها التي كانت أصل كل شيء.
وعندها فقط… حين يعود الإنسان إلى قلب العملية التعليمية، سيصبح الطريق واضحًا، وسيعود التعليم كما يجب أن يكون: بناءً للعقل، وتزكيةً للروح، وتأهيلًا لجيل يعرف أين يقف… وإلى أين يسير.