صورة غزَّة ستبقى شاهدة على انحدار العالم نحو الهاوية
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
أثير- الروائي الأردني جلال برجس
كشفت الحرب الأخيرة على قطاع غزة الفلسطيني، حيث يتعرض المدنيون العَّزل لأبشع مجزرة، ما تبقى من الوَهْم الذي يلف مفاهيم عالمية كثيرة لم تكن مؤكدة في السياق الإنساني بالشكل القاطع، إلا من جهة التنظير، أما من حيث الأخذ بها، وتفعيلها، فهي في عمقها معطلة فيما يخص العالم العربي؛ مفاهيم سياسية، وإنسانية، وثقافية، واجتماعية، ومناخية؛ تحديدًا ونحن ما نزال في بدايات الألفية الثالثة، التي كان من المفترض بناء على العديد من التنظيرات، والسياقات التاريخية التي شهدت تجارب كارثية ابتداء من الحربين الكونيتين، وما أدت إليه من هزة عالمية -قوضت المعمارين الداخلي والخارجي- أن تؤدي إلى توافقات نهائية على مفاهيم العيش والتعايش، والِّسلم العالمي، قبالة صراع الغرب مع الشرق، والشمال مع الجنوب، والأبيض مع الأسود، وصراع الأديان، والإمبراطوريات، ومرورًا بكثير من التجارب كالحقبة الكولينيالية التي لم تغادرها فلسطين للآن، واحتلال العراق، والاعتراف بخطأ الإقدام على تدميره بذلك الشكل مخفي المقاصد، الذي نشهد نتائجه، وآثاره المريرة الآن على صعيد عيش الإنسان العراقي بشكل خاص، والعربي بشكل عام.
بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، وظهور القطبية الواحدة، ومن ثم نشوء أقطاب جديدة، وما نشأ عن كل تلك التبدلات من مسارات طارئة، يبدو-بل من المؤكد-أن العالم قد عبر نحو مرحلة بات الإنسان فيها بكل قيمه، ومبادئه، وحقوقه، في ذيل القائمة إن لم يكن خارجها؛ مرحلة تسودها مفاهيم غير مألوفة، وانصياع تام نحو مركز غامض الملامح ثقافته تشييء الإنسان، والإعلاء من السطحي قبالة الجوهري، واختزال أي فعل إنساني حقيقي من السياقات اليومية للآدمي، الذي وبناء على رؤى ذلك المركز؛ سيصبح فائضًا عن الحاجة ذات يوم، مع توحش منطق السوق الاستهلاكي، وتصاعد حمّى الرقمنة، والذكاء الاصطناعي.
ومن أبرز تلك المفاهيم التي ظهرت ازدواجية التعامل معها في غزة هي الحرية بكل مستوياتها، وتجلياتها؛ فمع عبور العالم إلى مستوى وشكل جديدين من التعاطي مع المعلومة، من حيث إنتاجها، ومن حيث الحصول عليها سلكت وسائل الإعلام العالمية مسلكًا كان من شأنه أن يخفي نصف الصورة، ويستبدل به واحدًا آخر مزيفًا، الغرض منه تحقيق المصلحة الإسرائيلية في تنفيذ مخطط التهجير؛ فقد أبدت تلك الوسائل انحيازًا تامًا لطرف على حساب طرف، هذا الانحياز الذي لم يتخذ فقط في فلسطين، إنما في مناطق عالمية عديدة مثل الأزمة الروسية الأوكرانية.
ومن جانب آخر أسقطت وسائل التواصل الاجتماعي: (منصة X، فيس بوك، ويوتيوب) حق الإنسان العربي في التعبير بحرية عما يحدث من استهداف للمدنيين العزَّل، ولمنازلهم، ومستشفياتهم، ومساجدهم في غزة؛ إذ حذفت كثيرًا من الصور، والتسجيلات، والمنشورات، التي تتعلق بما يحدث في بلاد منكوبة؛ بل إن الأمر وصل إلى حجب كل أشكال الاتصالات بما فيها الإنترنت عن القطاع يوم الثامن والعشرين من هذا الشهر.
لقد أظهرت الشركات العالمية التي تهيمن على الإعلام، وعلى المنصات الإلكترونية، وجميع المنابر التي تعنى بحرية التعبير، أن هناك أحادية مفرطة فيما يخص تعاملهم مع مفهوم الحرية الذي بدا الآن أنه مجرد أيقونة، ورأي خارج السياق الحضاري، يتوقف تنفيذه عند فئة بشرية معينة، وقد تجاوز هذه الأيام وصفه السابق بالازدواجية في المعايير؛ إذ بات في معيار واحد إقصائي، ينطلق من وعي صِدامي، لا يؤمن إلا بطرف واحد. من هنا فقد سقطت تلك المقولات التي يروج أصحابها لحق امتلاك المعلومة، ولحق الإنسان في المعرفة، ولحقه في التعبير بما أننا في الأوج العالمي لحقوق الإنسان، والحيوان، وحتى البيئة. أمام هذا التجاهل الرسمي العالمي لما يتعرض له المدنيون العزَّل في غزة من مجازر، بل الاصطفاف ضدهم، يماط اللثام عن وجه مختلف للغرب الذي يتنطع بتحضره، وبإيمانه بالقيم الإنسانية، وبالحرية، والعدالة، والكرامة. يماط هذا اللثام عن انحدار لمفاهيم كان يمكن رغم كل الصراعات أن تأخذ بيد الإنسان نحو مسافات مستقبلية، لكن أمام هذا الانحدار هناك صعود مريع للعنصرية، والتطرف، والكيل بمكاييل عديدة.
لقد حذفت الصورة من شاشات الإعلام العالمي، صورة تضم منازل هدمت، وأطفالًل، ونساءً، وشيوخًا، استشهدوا، وشعبًا أعزلَ يدفع للجوء من جديد، لكن شاشة الضمير الإنساني العالمي لم تحذف هذه الصورة، بل ستبقيها شاهدة على انحدار العالم نحو الهاوية.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
هاني شنودة يهنئ شعوب العالم بعيد الموسيقى العالمي
هنأ الموسيقار هاني شنودة، كل الشعوب والثقافات بمناسبة عيد الموسيقى العالمي، ونشر صورة له من المتحف المصري الكبير عبر حسابه الشخصي بموقع إنستجرام وعلق عليها قائلا: “قال بيتهوفن: ما لا موسيقي لديه لا قلب لديه، وانا اوافق تماما، كل سنة وجميع شعوب الارض بصحة وسلام”.
A post shared by Hany Shenouda (@hanyshenoudaofficial)
وستكون الاحتفالات في مصر هذا العام غنية ومتنوعة، حيث تجمع بين الموسيقى الكلاسيكية، الصديقة للبيئة، والمهرجانات الدولية المشتركة، كلها توفّر للجمهور تجارب مختلفة بين القاهرة والإسكندرية.
أبرز فعاليات عيد الموسيقى العالمي 2025 في مصر 1. حفل أوبرا الإسكندرية
• تقيم دار الأوبرا المصريّة، برئاسة د. علاء عبد السلام، حفلاً غداً السبت 21 يونيو على مسرح سيد درويش (الساعة 9 مساء) يقدم فيه “أوركسترا وتريات أوبرا الإسكندرية” بقيادة د. منير نصر الدين، ويشاركهم “سويت ساوند باند”
2. “عيد الموسيقى والبيئة” – الإسكندرية والقاهرة
• تقام في مركز بساريا للفنون بالإسكندرية إقامة موسيقية وفنية خلال الفترة 15–18 يونيو بمشاركة فنانين من مصر، فرنسا وألمانيا، بتركيز على الموسيقى والبيئة
•في حديقة أنطونيادس بالإسكندرية هناك يوم موسيقى بيئي 19 يونيو يحضره الجمهور للاستمتاع بالفن والموسيقى وسط الطبيعة.
3. حفلات “للافضة”
•الفنانة المصرية-الإيطالية للافضة (مروة نبيل) تقدم حفلتين ضمن فعاليات “عيد الموسيقى والبيئة”، تقدّم فيها مزيجاً من الغناء والعزف المباشر.
4. مهرجان رسمي مصري-فرنسي-ألماني
•الملتقى الموسيقي الفرنسي–الألماني–المصري يُقام في القاهرة والإسكندرية من 15 إلى 19 يونيو ويضم فرق مثل Too Fuse وStranded Horse وBoubacar Cissoko، وقيادة الفنان أحمد صالح.