حكم تناول اللحوم المعمليَّة والمصنعة
تاريخ النشر: 2nd, November 2023 GMT
حكم الشرع في تناول اللحوم المخبريَّة الحيوانيَّة التي تُعرف أيضًا باللحوم المعمليَّة، وباللحوم البديلة، أو النظيفة، أو المصنعة، أو المُستزرعة، أو المُستنبتة في المختبرات؟
قالت دار الإفتاء إن الشرع الشريف أباح أن يتناول كلِّ طيبٍ، وحرَّم تناول كلِّ مُسْتَقْذَرٍ تجد النفس ضررًا فيه؛ قال تعالى: ﴿يَسۡأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ﴾ [المائدة: 4]، وقال تعالى: ﴿قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمًا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٍ﴾ [الأنعام: 145].
ففي الآية إجمالٌ للمحرمات، وَرَدَ تفصيلها في قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَٰمِۚ ذَٰلِكُمۡ فِسۡقٌ﴾ [المائدة: 3].
ويلحق بهذه المحرمات العشرة سباعُ البهائمِ والطيرِ، وكذا البغال والحمر الأهليَّة، وما قُطِعَ من الحي.
وأضافت الدار : اللحم: يتناول كلَّ ما يطلق عليه اسم لحم، وإن كان من أجناس مختلفة. ينظر: "المحيط البرهاني" للعلَّامة ابن مازه (4/ 282، ط. دار الكتب العلميَّة).
الحيوان الذي يؤكل لحمه على ثلاثة أنواع: الأول: لحم ذوات الأربع من الأنعام؛ كالإبل، والبقر ومنه الجاموس، والغنم، ويشمل الضأن والمعز، ويلحق بها بقر الوحش وإبل الوحش والظباء؛ قال تعالى: ﴿أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ﴾ [المائدة: 1].
والثاني: لحم ذوات الريش من الطيور، قال تعالى: ﴿وَلَحۡمِ طَيۡرٍ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ﴾ [الواقعة: 21].
والنوع الثالث: هو لحم حيوان الماء من الأسماك وغيرها؛ قال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمًا طَرِيًّا﴾ [النحل: 14].
وأكدت أن الذكاة الشرعيَّة شرط لحِلِّ تناول النوع الأول والثاني، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ﴾ [المائدة: 3]. والذكاة تحصل للحيوان المقدور عليه بالذبح أو النحر، أمَّا غير المقدور عليه فتذكيته بعَقره عن طريق الجرح أو الصيد أو إغراء الحيوان أو الطير المُعَلَّمَين به.
بسؤال المتخصصين في متطلبات ومعايير سلامة وجودة الغذاء عن اللحم الحيواني المخبري أفادوا أنَّه نوع من أنواع الأغذيَة المعدلة وراثيًّا، يتم إنتاجه في المختبر بواسطة خليَّة حيَّة، تُؤخذ من حيوان حي، وتوضع في طبق معملي صغير، وتُغذَّى بمصل (Bovine Serum) يحتوي على بروتينات وجلوكوز وأحماض أمينية وفيتامينات ومعادن مُغَذِّيَة لهذه الخليَّة حتى تنمو وتزداد، وهذا المصل يُؤخذ من دمِ جنين البقر، ثمَّ يوضع ما في هذا الطبق من خلايا بعد نموها في مفاعل حيوي يحتوي على مصل (سيروم Serum) يتكون من دماء وبروتينات مغذيَّة إلى أن يتحول إلى خلايا عضليَّة ناضجة تصير فيما بعد لحمًا يشبه "لحم البرجر"، ومذاقه يشبه اللحوم العاديَّة، ويلاحظ -وفقًا للمعلومات المتداولة عن هذا النوع حتى الآن- أنَّ هذه الدماء والبروتينات مشتقة من أبقار لم تذبح ذبحًا شرعيًّا.
وبالنظر إلى طريقة صنع هذا النوع من اللحوم نجد أنَّ الحكم بمشروعيَّة تناولها مُقَيَّدٌ بعدة شروط وضوابط لا بد من توفرها ومراعاتها، وهي كما يلي:
أولًا: أن يكون الجزء المقطوع المستخدم في الاستنبات مأخوذًا من حيوان مأكول ذُبِح على الطريقة الشرعيَّة، وألَّا يُقتطَع جزء من الحيوان وهو حيٌّ؛ لأخذ الخليَّة التي تُستزرَع منه.
فمن المقرر شرعًا أن الجزء المقتطع من الحيوان وهو حيٌّ ميتة؛ لما رواه الإمام أحمد في "المسند"، والترمذي والدارقطني في "السنن" عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة والناس يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الإبل، ويقطعون أَلْيَاتِ الغنم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا قُطِعَ مِن الْبَهِيمَةِ وَهِي حَيَّة فَهُو مَيتَةٌ».
وكذا يحكم على الخليَّة التي أُخذت منه بأنَّها ميتةٌ؛ لأنَّ انفصالها عنه بمنزلة انفصالها بعد الموت، وكذا يحكم على ما يُستنبت منها؛ لأنَّها داخلة فيه.
ومن المقرر شرعًا تحريم أكل الميتة؛ لقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ﴾ [المائدة: 3].
وقد نصَّ فقهاء المذاهب على ذلك:
قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 207، ط. دار الفكر): [المنفصل من الحي -أي: مما تَحُلُّه الحياة- كالميتة] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد المالكي في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 85، ط. دار الحديث): [اتفقوا على أنَّ اللحم من أجزاء الميتة ميتة] اهـ.
وقال العلامة الخرشي في "شرحه مختصر خليل" (3/ 19، ط. دار الفكر): [القاعدة: أن المنفصل من الحي كميتته، ويؤكل ما عداه اتفاقًا] اهـ.
وقال الإمام الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (1/ 250، ط. دار الفكر): [الجزء المنفصل من الحي كمَيتته، فانفصاله مع الحياة بمنزلة انفصاله بعد الموت] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (9/ 402، ط. مكتبة القاهرة): [وإن قُطِعَ من الحيوان شيء، وفيه حياة مستقرة، فهو ميتة.. ولأن إباحته إنما تكون بالذبح، وليس هذا بذبح] اهـ.
ثانيًا: عدم استخدام المواد النجسة -كالدماء وغيرها- في عملية الاستنبات.
فقد اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس، لا يؤكل، ولا ينتفع به؛ قال تعالى: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ﴾ [المائدة: 3]، وقال تعالى: ﴿أَوۡ دَمًا مَّسۡفُوحًا﴾ [الأنعام: 145].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 221، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿وَٱلدَّمُ﴾ اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس، لا يؤكل، ولا ينتفع به] اهـ.
ممَّن نقل الإجماع على ذلك أيضًا: الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (22/ 230، ط. أوقاف المغرب)، والقاضي ابن العربي في "أحكام القرآن" (1/ 79، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام النووي في "المجموع" (2/ 557، ط. دار الفكر)، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 352، ط. دار المعرفة).
قال الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 83): [أما أنواع النجاسات، فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة: ميتة الحيوان ذي الدم الذي ليس بمائي، وعلى لحم الخنزير بأيِّ سببٍ اتفق أن تذهب حياته، وعلى الدم نفسه من الحيوان الذي ليس بمائي انفصل من الحي أو الميت إذا كان مسفوحًا أعني: كثيرًا] اهـ.
ثالثًا: ألَّا يؤدي استهلاك وتناول هذه المنتجات إلى ضرر يلحق بصحة الإنسان ونفسه عاجلًا ولَا آجِلًا؛ فمن المقرر شرعًا أنَّ "الضرر لا يزال بالضرر".
جاء في "الفصول في الأصول" للإمام الجصاص (2/ 368، ط. أوقاف الكويت): [متى قصدنا إلى استباحة شيء منها بعينه فإنما طريق استباحته الاجتهاد، وغلبة الظن في ألَّا يُلحقنا به ضررٌ أكثر مما نرجو به من نفعٍ، ألَا ترى أنَّ.. شرب الأدوية وأكل الأطعمة إنما يصح لنا منها استباحة ما لا يلحقنا به ضرر أكثر من النفع الذي نرجوه بها في غالب ظننا] اهـ.
وجاء في "الموافقات" للإمام الشاطبي (2/ 65، ط. دار ابن عفان): [المنافع والمضار عامتها أن تكون إضافية لا حقيقية، ومعنى كونها إضافية أنها منافع أو مضار في حالٍ دون حال، وبالنسبة إلى شخصٍ دون شخص، أو وقتٍ دون وقت، فالأكل والشرب مثلًا منفعة للإنسان ظاهرة، ولكن عند وجود داعية الأكل، وكون المتناول لذيذًا طيبًا، لا كريها ولا مُرًّا، وكونه لا يُولِّد ضررًا عاجلًا ولا آجلًا، وجهة اكتسابه لا يُلحقه به ضررٌ عاجل ولا آجل، ولا يلحق غيره بسببه أيضا ضررٌ عاجل ولا آجل] اهـ.
ويُراعى في ذلك كله استيفاء هذه الأطعمة لمتطلبات واشتراطات السلامة الغذائيَّة في ضوء المعايير والإجراءات التي تقررها الجهات المختصة في هذا الشأن.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الإمام ابن من الحیوان قال الإمام دار الفکر قال تعالى اهـ وقال من الحی
إقرأ أيضاً:
في يومه العالمي.. محمية الإمام تركي تدعم تربية النحل وإنتاج العسل
أكدت هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية استمرار جهودها في دعم قطاع تربية النحل وإنتاج العسل الطبيعي، عبر توفير بيئة مثالية تحتضن هذا النشاط الحيوي، وتسهم في تعزيز الأمن الغذائي والاستدامة البيئية.
وأوضحت -بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للنحل الذي يصادف 20 من مايو من كل عام- أن المحمية تشهد سنويًا 3 مواسم رئيسة لإنتاج العسل عالي الجودة، تشمل: موسم زهور الربيع، وموسم الطلح، وموسم السدر.
أخبار متعلقة سجن وغرامات وتشهير.. معاقبة 12 شخصا لنقلهم 35 مخالفا لنظام الحججازان.. ضبط مواطن لنقله 17 مخالفًا لنظام أمن الحدودوتشكل هذه الفترات ذروة النشاط للنحالين الذين يقصدون المحمية، نظرًا إلى تنوعها النباتي الفريد، وانخفاض معدلات التلوث والرطوبة فيها، ما ينعكس إيجابًا على صحة النحل وجودة العسل المنتج.
مواقع مخصصة وآمنة لخلايا النحلوتوفر الهيئة مواقع مخصصة وآمنة لخلايا النحل، بعيدًا عن مصادر التهديد البيئي، ضمن غطاء نباتي غني يضم أشجار الطلح والسدر والزهور البرية، وهو ما يمنح العسل خصائص غذائية فريدة وطعمًا مميزًا يعكس تنوع المراعي الطبيعية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; }
وفي إطار دعم المجتمعات المحلية، تعمل الهيئة على تمكين النحالين من خلال برامج تدريبية وورش عمل متخصصة، إضافة إلى تشجيع مشاركتهم في المواسم السياحية والفعاليات المحلية، بما يسهم في تعزيز فرصهم الاقتصادية وزيادة انتشار منتجاتهم على المستويين المحلي والوطني.
وتجسد هذه المبادرات التزام هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية بدعم الأنشطة البيئية المستدامة والحفاظ على التنوع الحيوي، في انسجام مع رؤية المملكة 2030 وجهودها نحو تنمية القطاعات المرتبطة بالبيئة والاقتصاد الأخضر.